في مدارس ومنشآت حكومية فارغة وبعيدًا عن الدعم المحلي أو الخارجي، انطلق التعليم العالي بشكل خجول في شمال غربي سوريا عام 2015، للحاجة الملحّة إلى وجود كيانات تعليمية توزاي بشكل أو بآخر تلك التي تديرها حكومة النظام السوري باسم وزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى تلبية احتياجات الطلاب الراغبين بإكمال دراستهم بعد انقطاعهم عن جامعاتهم منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 من جهة، وانتهاء العديد من الطلاب في المناطق المحررة من المرحلة الثانوية، ورغبتهم في الحصول على شهادة جامعية تؤهّلهم لسوق العمل من جهة أخرى.
ومع ازدياد رغبة الطلبة في إكمال دراستهم ودخول الجامعات، أُنشئت جامعتان مطلع عام 2015 هما جامعة حلب الحرة وجامعة إدلب، وبدأ الإقبال يزداد عليهما عامًا بعد عام، ما شجّع العديد من الجامعات الخاصة لافتتاح أقسام لها في شمال غربي سوريا، من شأنها أن تنافس الجامعات العامة (حلب الحرة وإدلب).
ويشرف على جامعة إدلب مجلس التعليم العالي في حكومة الإنقاذ (الواجهة المدنية لهيئة تحرير الشام)، بينما تُشرف وزارة التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة على جامعة حلب الحرة، والذي يقع مقرها الأساسي في مدينة أعزاز شمالي حلب.
وتختلف طبيعة التعليم بين جامعة حلب الحرة وجامعة إدلب والجامعات الخاصة، ما جعل سلك التعليم العالي يعيش في تخبُّط أثّر بشكل سلبي على الطلبة، خاصة أن الطلاب لا يثقون بالوعود التي تطلق بشكل دوري بوجود اعتراف دولي لشهاداتهم الصادرة عن هذه الجامعات، إذ تنحصر ثقتهم بفكرة واحدة وهي الاعتراف المحلي، والتي من شأنها أن تمهّد الطريق أمامهم للدخول في سوق العمل وخوض غمار التجربة في المؤسسات أو المنظمات أو النقابات العاملة في المنطقة.
وعمليًّا، تأثر قطاع التعليم في سوريا كغيره من القطاعات الخدمية، نتيجة الواقع العسكري والسياسي الذي فرضته سنوات الحرب التي عصفت بالبلاد منذ انطلاقة الثورة السورية.
جامعات إدلب
بلغ اليوم عدد الجامعات في الشمال السوري 12 جامعة، توزعت 4 منها في منطقة إدلب وهي جامعة إدلب الحرة وجامعة الحياة للعلوم الطبية وجامعة الشمال وجامعة ماري، وتتبع الجامعات في منطقة إدلب لمجلس التعليم العالي، وجميعها لا تتلقى دعمًا من حكومة الإنقاذ السورية، وفقًا لما أكّده أمين مجلس التعليم العالي محمود العاصي.
يقول العاصي في حديث مع “نون بوست”، إن جامعة إدلب العامة تعد أكبر الجامعات في شمال غربي سوريا، إذ يبلغ عدد طلابها 21 ألفًا و717 طالبًا، أما أكبر الجامعات الخاصة بإدلب فهي جامعة الشمال وتضم 1422 طالبًا.
الامتيازات
بالنسبة إلى أهم الاعترافات والاعتمادات الدولية التي حققتها جامعة إدلب العامة بكافة فروعها على مدار السنوات الماضية، أوضح العاصي أن الجامعة خرّجت عددًا كبيرًا من طلابها من مختلف الاختصاصات العلمية والأدبية، كما كرّمت الطلاب الخريجين والمتفوقين في معظم الكليات، والتي ساهمت في حصولها على عدة شهادات وامتيازات دولية.
وعن هذه الامتيازات، يؤكد العاصي أن أهمها هو حصول جامعة إدلب على الرمز المعياري (ISSN)، كما أنها دخلت في عدة تصنيفات أشهرها Arcif، وهي “معامل التأثير العربي” وتعنى بترتيب الجامعة حسب درجة الاقتباس منها.
وبيّن أنه يتم العمل حاليًّا على تصنيف الجامعة في موقع دوج العالمي، كما يتم العمل على افتتاح برنامج الدراسات العليا في كلية الطب البشري للعام الحالي في معظم الاختصاصات الطبية، وقبول 70 طالبًا.
وأوضح أن جامعة إدلب نجحت في تقدم تصنيف “ويبومتركس” للجامعات بحوالي 1500 نقطة و4 درجات على مستوى سوريا، ما جعلها مؤهّلة لقبول عدد جيد من طلابها في الدراسات العليا للمنحة التركية، ومتابعة دراستهم في جامعات ذات تصنيف عالمي، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة نوفال غلوبال الأسترالية، وانضمامها إلى مبادرة التعليم العالي المستدام التابعة لمكتب الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة.
وخلال السنوات الماضية، استطاعت جامعة إدلب إقامة الكثير من الندوات الثقافية والأدبية بحضور العديد من المفكرين والأدباء، وأهمها ملتقى دور الشباب في الأحداث الكبرى، بالإضافة إلى أنها استطاعت إقامة المؤتمرات العلمية السنوية (الطبية بكافة الفروع، الهندسية بكافة الفروع)، وفقًا للعاصي.
يروي العاصي أن مجلس التعليم أحدث في إدلب قسم الحقوق في كلية الشريعة والحقوق في جامعة إدلب، كما أحدث كلية العلوم السياسية، بالإضافة إلى أنه منح عددًا كبيرًا من رسائل الماجستير والدكتوراه، كما نشر العديد من الأبحاث المنشورة في مجلات محكمة وداخلية.
ما هو تصنيف “ويبومتركس”
يعرَف “ويبومتركس” بأنه نظام لتقييم الجامعات العالمية ويصدر في إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي، إذ يغطي أكثر من 22 ألف جامعة حول العالم، حيث يصدر تقييمًا للجامعات سنويًّا بين شهرَي يوليو/ تموز وأغسطس/ آب.
ويعتمد تصنيف “ويبومتركس” على قياس أداء الجامعات وفقًا لعدة معايير، وهي الحجم والإشارة إلى الأبحاث والأثر العام، فيما يهدف هذا التقييم إلى تحسين وجود مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على الإنترنت، وتشجيع نشر المقالات العلمية المحكمة بطريقة الوصول المفتوح.
الجامعات الخاصة واعترافاتها
أما الجامعات الخاصة في إدلب، فيشير العاصي إلى وجود 3 جامعات، وهي الحياة للعلوم الطبية والشمال وماري، والتي استطاعت افتتاح أفرع جديدة ومختلفة، كما استطاعت فعليًّا من تخريج عدد كبير من طلابها من مختلف الاختصاصات العلمية والأدبية.
وحصلت الجامعات الخاصة على عدة اعترافات بحسب العاصي، أبرزها توقيع بروتوكول شراكة وتعاون مع جامعة Loja de Particular Técnica Universidad ومقرها دولة البيرو في أمريكا اللاتينية، كما دخلت جامعة الشمال في تصنيف Ranking Education Higher HE وحصلت على تصنيف 130 على مستوى الجامعات المشاركة.
كما استطاعت جامعة ماري دخول تصنيف “ويبومتركس” وحصولها على عضوية Unipupil الخاصة بمؤسسات التعليم العالي والمراكز التعليمية، وأيضًا الانضمام إلى المنصة الدولية للعلوم والدراسات (Global World Communicator Education and Science Platform)، بالإضافة إلى دخولها بشكل رسمي إلى تصنيف UI Green Metric Ranking of World Universities بإصدار عام 2022، الذي صدر في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
كما أشار أمين مجلس التعليم العالي إلى أن الجامعات الخاصة في إدلب استطاعت تجهيز مباني جديدة للكليات ومدرجات جامعية جديدة، بالإضافة إلى تجهيز مخابر تحوي كافة الوسائل التعليمية والعلمية لإجراء الاختبارات العملية، كما أقامت المعارض العلمية والمؤتمرات العلمية المتخصصة خاصة في طب الأسنان.
جامعات حلب
تتوزع في شمال وشرقي حلب 8 جامعات، هي جامعة حلب الحرة وجامعة النهضة وجامعة شام وجامعة باشاك شهير وجامعة غازي عنتاب وجامعة المعالي وجامعة آرام وجامعة الزهراء، وجميعها لا يتلقى أي دعم حكومي، عدا جامعة حلب الحرة التي تحصل على دعم من الحكومة السورية المؤقتة، بحسب مسؤول في اتحاد طلبة سوريا.
يقول نائب مدير جامعة حلب الحرة أحمد القدور لـ”نون بوست”، إن أعداد طلاب جامعة حلب الحرة بلغ 12 ألفًا و545 طالبًا لعام 2023، فيما بلغ عدد طلاب جامعة شام الخاصة 1733، والنهضة الخاصة 1760، والزهراء الخاصة 735، والمعالي الخاصة 766، وباشاك شهير الخاصة 755، وآرام الخاصة 650، لافتًا أنه يتم العمل على إنشاء جامعة السورية شرقي حلب.
وبخصوص الاعترافات الدولية، أكّد القدور الشهادة الجامعية الصادرة عن الجامعات في شمال حلب معترف بها محليًّا فقط، مؤكدًا على عدم وجود أي اعتراف دولي لها.
رسوم التسجيل في الجامعات العامة
في جامعة حلب الحرة، أوضح القدور أن رسم التسجيل السنوي لكليات الهندسات المعلوماتية والمدنية والميكاترونيك بلغ 250 دولارًا أمريكيًّا، وكلية الهندسة الزراعية 175 دولارًا، وكلية الإعلام والاتصال 250 دولارًا، والحقوق والاقتصاد 200 دولار، والإرشاد النفسي 200 دولار، والتربية 175 دولارًا، وأقسام الآداب والعلوم الإنسانية 150 دولارًا، وأقسام كلية العلوم والشريعة والعلوم السياسية 175 دولارًا، والمعهد التقاني الطبي 200 دولار، وباقي المعاهد من 125 حتى 150 دولارًا.
وبالنسبة إلى رسوم الطلاب في جامعات إدلب، فإن رسوم التعليم العام تتراوح بين 150 حتى 250 دولارًا أمريكيًّا سنويًّا بحسب الكليات والمعاهد، ويضاعَف الرسم في حال التسجيل وفق نظام التعليم الموازي، وفقًا للقدور.
ولفت أثناء حديثه لـ”نون بوست” إلى وجود تعليم مجاني في جامعة إدلب العامة بعدد مقاعد جيد، مشيرًا إلى أن جميع الرسوم المدفوعة كافية لحدّ كبير لتغطية نفقات تشغيل الجامعات بشكل عام، نافيًا أي دعم مقدم لها من قبل حكومة الإنقاذ السورية.
رسوم التسجيل في الجامعات الخاصة
جامعة الزهراء
تقع جامعة الزهراء في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وتضم كليات الشريعة والدراسات الإسلامية والتربية وهندسة الحاسوب والاقتصاد والعلوم الإدراية والقرآن وعلومه، ويبلغ رسم التسجيل في كل فصل دراسي لجميع هذه الكليات 80 دولارًا أمريكيًّا، عدا كلية الهندسة البالغة 130 دولارًا، فيما يبلغ رسم الدراسة في مرحلة الماجستير 225 دولارًا في كل فصل دراسي.
جامعة شام
تقع جامعة شام في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي وتضم 21 كلية، وتتلقى دعمها من هيئة الإغاثة الإنسانية التركية والتي تعرَف بـ İHH، ويتراوح الرسم السنوي من 100 حتى 200 دولار أمريكي.
جامعة النهضة
تقع في مدينة أعزاز أيضًا، وتضم 10 كليات من الهندسات والعلوم الصحية والتربية والآداب والعلوم الإنسانية والشريعة، كما تضم 13 معهدًا وتبلغ رسوم التسجيل في الكليات من 100 دولار إلى 300 دولار أمريكي، عدا كلية طب الأسنان 950 دولارًا وكلية الصيدلة 800 دولار.
جامعة آرام
تقع الجامعة في مدينة جرابلس شرقي حلب، وتضم 3 كليات فقط هي الشريعة وكلية الأدب العربي وكلية الإدارة والاقتصاد، ويبلغ رسم التسجيل السنوي للطالب 250 دولارًا لكل قسم.
جامعة المعالي
يقع مركزها في مدينة الباب شرقي حلب، وتضم كليات التربية واللغة العربية وأصول الدين، ويبلغ رسمها السنوي 135 دولارًا أمريكيًّا، كما تضم معهد التقني الهندسي للحاسوب البالغ رسمه السنوي 250 دولارًا.
جامعة غازي عنتاب
تتوزع كليات الجامعة في ريف حلب الشمالي والشرقي، وتقع كلية التربية التابعة للجامعة في عفرين، وكلية العلوم الإسلامية في مدينة أعزاز، وكلية العلوم الإدارية والاقتصادية في مدينة الباب، إضافة إلى عدة معاهد هي الإسعافات الأولية والطوارئ، والأمن والحماية، والقبالة، والإلهيات، واللغة التركية، وبرمجة الحواسيب، والمعالجة الفيزيائية.
جامعة العلوم الصحية
يقع مركزها الرئيسي في مدينة الراعي شرقي حلب، وتضم كلية الطب والمعهد الصحي العام، وتتميز هذه الجامعة بأنها تدرِّس مناهجها باللغة التركية.
آراء الطلاب
خلال إنجاز هذا التقرير استطلعنا آراء العديد من الطلاب الجامعيين في جامعتَي حلب وإدلب بمختلف الاختصاصات، للوقوف على أبرز المشكلات والتحديات التي تواجههم في دراستهم الجامعية في إدلب، بالإضافة إلى مدى تقبّلهم ونسبة رضاهم عن تعليمهم ومصير شهادتهم مستقبلًا.
فمن وجهة نظر طالب كلية الحقوق سنة ثالثة عبد الرزاق سليم، فإن الجامعات في إدلب أُسّست بشكل صحيح وسليم، كما تمّت هيكلتها على مبدأ مؤسساتي بحت، واصفًا الوضع التعليمي في المنطقة بالممتاز، خاصة أن جميع الأطباء في الجامعات حاصلون على شهادات عليا كالدكتوراه والماجستير في اختصاصاتهم، ما يمنحهم كفاءة عالية في الإعطاء وإيصال المعلومة للطالب بشكل جيد وسلس.
ولا يختلف الأمر كثيرًا عند الطالبة ميس سعيد سنة ثانية إرشاد نفسي، والتي أبدت رضاها الكامل عن العملية التدريسية في الجامعات أثناء حديثها لـ”نون بوست”.
وأشارت سعيد التي تدرس في جامعة حلب الحرة، إلى أن السلك التعليمي في المنطقة يشهد منذ سنوات قليلة تطورًا ملحوظًا بات ينعكس على الطلاب ويزيدهم رغبة في إكمال دراستهم الجامعية، واصفة مستوى الأطباء والمعاملة الإدارية في الجامعة بالمقبول.
لكن طالب الرياضيات سنة ثانية عبد السميع كنو، أبدى عدم رضاه الكامل عن الجامعات في إدلب وحلب، بسبب غياب الاعتراف الدولي الرسمي بشهاداتها، قائلًا: “من غير المنطقي أن يتعب الطالب 4 سنوات متواصلة على أقل تقدير، وبالنهاية يحصل على شهادة غير معترف بها دوليًّا، هذا محبط”.
وأيّد كلام الطالب كنو الطالب في كلية الحقوق عصام شحادة، الذي شدّد على ضرورة وجود اعتراف دولي في الشهادات الصادرة عن الجامعات في إدلب، قائلًا: “نحن معرضون للهجرة خارج البلاد في أي لحظة، فمن غير المعقول أن ترمي شهادتك داخل سور بلادك قبل أن تهاجر إلى بلد أوروبي بعد جهد دام لسنوات في الدراسة”.
حقيقة الاعتراف بالشهادات
وصف نائب رئيس مجلس الإدارة في هيئة طلاب سوريا سابقًا، محمد أحمد الهترية، لـ”نون بوست” أن الاعتراف بالشهادات الجامعية الصادرة في شمال سوريا ما هو إلا عبارة عن مبادرات خجولة جدًّا، كـ”توقيع” بعض الجامعات مذكرة تفاهم مع جامعة تركية مثل جامعة ماردين آرتوكلو، أو أن تصنّف بعض الجامعات على بعض القوائم في بعض المواقع العالمية المتخصصة بتصنيف الجامعات مثل تصنيف QS، أو أن يكمل بعض الطلاب المتفوقين دراسة الماجستير في تركيا عبر بعض المنح التركية.
وبحسب الهترية، فإنه لو نظرنا إلى أرض الواقع فليس هناك أي مؤشر واقعي على الاعتراف بالشهادات الصادرة عن جامعات المناطق المحررة، بل إن الحقيقة المُرّة هي أن المشكلة داخلية، فجامعة حلب لا تعترف بطلاب جامعة إدلب والعكس صحيح.
وأكمل قائلًا: “إلى اليوم تنكر جامعة حلب وجود بعض الجامعات المرخصة لدى مجلس التعليم العالي في حكومة الإنقاذ، مثل جامعة الحياة”، وهو ما صرّح به رئيس جامعة حلب مسبقًا بأنه لا يوجد جامعة بالأصل اسمها جامعة الحياة، مرجّحًا أن هذه الخلافات هي السبب الرئيسي لعدم اعتراف الدول المجاورة بجامعاتنا، متسائلًا: “كيف يعترفون بنا ونحن لا نعترف ببعضنا؟”.
واختتم مداخلته بأن هذه الجامعات رفعت السوية العلمية في الشمال السوري المحرر خلال السنوات الماضية، وزودته بالكوادر الطبية والهندسية والتعليمية، ما غطى النقص الشديد بالكوادر نتيجة ظروف الحرب.