تعيش حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يترأسها الرئيس محمود عباس، حالة من الصدمة ممزوجة بغضب شديد بعد المفاجأة المدوية التي فجرتها اللجنة المركزية التابعة للحركة، في اجتماعها الأخير بتوزيع المهام على أعضائها وعدم تكليف الأسير في السجون الإسرائيلية والذي يتمتع بشعبية جارفة في الشارع الفلسطيني مروان البرغوثي بأي دور أو منصب في الحركة.
الأسير البرغوثي القابع في السجون الإسرائيلية منذ سنوات طويلة والذي حصل على أعلى الأصوات في انتخابات الحركة الداخلية بمؤتمرها “السابع”، كان الكثير يتوقع له نصيب الأسد في الحركة نظرًا لتاريخه النضالي العريق، والبعض رشحه بقوة لمنصب “نائب الرئيس”، لكن ما جرى شكل صدمة قد تُساهم في تفكك الحركة وتعمق شرخ خلافاتها الداخلية.
قبل أيام قليلة من اجتماع اللجنة المركزية “الحاسم”، بدأت تظهر على الساحة أسماء جديدة مرشحة لتولي المنصب الأعلى في المركزية أبرزها اللواء جبريل الرجوب ومحمود العالول، وبدأ بريق اسم البرغوثي يخفت شيئًا فشيئًا، حتى الساعات الأخيرة لم يذكر تمامًا، وكأن رائحة “مؤامرة” نضجت واستوت.
فور فتح بات الترشيح لاختيار النائب أيقن الجميع أن جميع الأصوات قد تذهب للأسير البرغوثي، لكن ما جرى كان مفاجأة حين تم اختيار العالول للمنصب المذكور، وعدم ترشيح البرغوثي لأي منصب قيادي في اللجنة المركزية للحركة
مؤامرة فتحاوية لإسقاط البرغوثي
تخوف فدوى البرغوثي (زوجة الأسير مروان البرغوثي) من اكتمال نسج خيوط المؤامرة الفتحاوية ضد زوجها، أجبرها على التحذير من أي محاولة من استثناء زوجها من قيادة الحركة، وأطلقت تحذيرًا على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” من عدم تنصيب زوجها لمنصب النائب.
وأعربت فدوى عن استغرابها من النقاشات بشأن منصب نائب رئيس حركة فتح، في حين أن المؤتمر اختار المناضل مروان البرغوثي وتم انتخابه بأعلى الأصوات، مما يعني في أعراف الحركة أنه نائب رئيس الحركة.
وقالت البرغوثي: “لا يمكن تجاهل أو تجاوز إرادة المؤتمر، ولا يمكن تجاهل أو تجاوز مروان البرغوثي، والذي يبرر هذا التجاهل والتجاوز بوجود مروان خلف القضبان يعطي حق النقض الفيتو لقوة الاحتلال على اختيار الحركة لقادتها، وينصاع لتهديدات نتنياهو”، مؤكدة أن وجود مروان في الأسر لا يعيبه بل يؤكد على دوره القيادي وقدرته على التضحية، وإن كان يحرمه من أي امتياز، لكنه لا ينتقص من حقه.
تحذيرات وتخوفات فدوى من إقفال الأبواب أمام زوجها الأسير كانت بمحلها، فتم عقد الاجتماع الفتحاوي وتوزيع المهام وأسقط أي دور لزوجها في “فتح”، فعارضت ذلك بشدة ووجهت اتهام مباشر للحركة بالخضوع لإملاءات إسرائيلية، وقالت: “تصر اللجنة المركزية وللأسف على أن مروان غائب ولم يقدروا أن هذا سيسجل عليهم من أبناء شعبنا بأنهم انصاعوا لتهديدات نتنياهو، مروان ليس غائبًا بل هو الأكثر حضورًا، يواجه الاحتلال كل يوم ويتقدم الصفوف وهو رجل الكلمة والفعل وعلى اللجنة المركزية أن تعمل على تكريس هذا الحضور والاستناد عليه لا العكس وذلك لتعزيز الحركة وبرنامجها النضالي ومكانتها وطنيًا ودوليًا ودفاعًا عن أسرى الحرية واحترامًا لهم ولتضحياتهم ولدورهم”.
ونال الأسير في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات الداخلية لحركة فتح لاختيار أعضاء اللجنة المركزية، والتي جرت في 3 من ديسمبر/ كانون الأول، بحصوله على 936 صوتًا، وهو ما يؤهله لمنصب نائب الرئيس، في حين حل جبريل الرجوب في المرتبة الثانية بـ838 صوتًا.
تعيش حركة فتح حالة من الصدمة ممزوجة بغضب شديد بعد عدم تكليف الأسير في السجون الإسرائيلية والذي يتمتع بشعبية جارفة في الشارع الفلسطيني مروان البرغوثي بأي دور أو منصب في الحركة
كشف تفاصيل المؤامرة
قيادي بارز في حركة “فتح” شارك في اجتماع اللجنة المركزية الأخير، كشف عن صدمة العديد من أعضاء اللجنة المركزية للحركة بعد انتخاب محمود العالول نائبًا لرئيس فتح، وعدم ترشيح القيادي الأسير مروان البرغوثي لذات المنصب.
وأكد القيادي أن هناك بعض المشاورات الداخلية التي جرت بين أعضاء اللجنة المركزية بضرورة إنصاف الأسير داخل السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، وترشيحه بكل قوة لمنصب نائب رئيس الحركة، مضيفًا: “فور فتح بات الترشيح لاختيار النائب أيقن الجميع أن جميع الأصوات قد تذهب للأسير البرغوثي، لكن ما جرى كان مفاجأة حين تم اختيار العالول للمنصب المذكور، وعدم ترشيح البرغوثي لأي منصب قيادي في اللجنة المركزية للحركة”.
وذكر القيادي الفتحاوي أن اختيار العالول لمنصب النائب لم يكن بتوافق الجميع، وهناك قيادات في الحركة تدعم وبكل قوة اختيار البرغوثي للمنصب المذكور.
من جهته أوضح النائب في المجلس التشريعي يحيى شامية أن الجميع كان يتوقع أن يكون الأسير البرغوثي هو المرشح الأقوى لمنصب نائب الرئيس، كونه يحظى باحترام كوادر والأجيال المختلفة لحركة فتح، مؤكدًا أن حصول البرغوثي على أعلى الأصوات في مؤتمر فتح يعطي انطباعًا بأنه يحظى بشعبية كبيرة، الأمر الذي كان يجب أن يدفع الحركة باتجاه أن يكون هو نائب الرئيس، لا سيما أنه يقبع داخل المعتقل.
اعتقل البرغوثي من قبل الجيش الإسرائيلي في 15 من أبريل/ نيسان 2002، من أحد المنازل بمدينة رام الله، وحكم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات و40 عامًا
وأوضح أن البرغوثي تعرض لعملية إقصاء متعمدة، وفرضت ضغوط خارجية على الحركة بمنع تقلده لأي مهام في حركة فتح، مرجعًا الهدف من عدم تقلد البرغوثي لأي منصب داخل حركة فتح هو إنهاء كل ما يتعلق بموضوع المقاومة التي كان يمثلها، والذي يعد أحد العناوين البارزة داخل حركة فتح.
وأضاف: “جرت منذ فترة عملية إقصاء ممنهجة لجيل بأكمله وبالتحديد الجيل الذي يمثل الانتفاضة الأولى والذي لعب دورًا محوريًا في فعاليات الانتفاضة وكان يقود العمل المقاوم المميز”، لافتًا إلى أن عملية الإقصاء ستتواصل وأن ما حدث مع مروان البرغوثي هو أحد جوانبها.
بدوره رأى الكاتب والناشط السياسي محمد أبو مهادي أن استثناء البرغوثي من منصب نائب الرئيس جاء بفعل الموقف “الإسرائيلي” الذي كان حاضرًا بقوة في تحضيرات جمهرة المقاطعة، وليس بسبب خشية الرئيس عباس من أي شخصية قيادية قد تنافسه.
ورأي مهادي في مقال له أن عدم إسناد منصب نائب الرئيس للبرغوثي لم يكن بفعل موازين انتخابية، فالرجل كان حلًّا توافقيًا دون منافس لو أراد المغتنمون الركون إليه، ويمكنه فعل الكثير باعتباره قائدًا شعبيًا وفتحاويًا.
وأوضح أن عباس تعامل مع البرغوثي بحنكة ضللته وضللت زوجته المكلومة على غيابه، وقبل كل ذلك ضلل أبناء حركة فتح بمشاركة مروان البرغوثي في جمهرة المقاطعة وحفّزهم على المشاركة والتنظير لها والمغامرة بمستقبل الحركة.
وأشار إلى أن السيدة فدوى البرغوثي تصرفت عاطفيًا في قضية مروان البرغوثي، رغم تحذيرات كثيرة لها عن مخادعة عباس وفريقه، وأنها وقعت فريسة المؤامرة التي كانت تحاك من قبل فريق المقاطعة، مضيفًا لزوجه البرغوثي: “ما ينفع الآن هو وقف الرهان على عصابة متواطئة مع الاحتلال في استمرار أسر مروان، ومتواطئة على حرية آلاف المعتقلين الآخرين”.
تجدر الإشارة إلى أن البرغوثي اعتقل من قبل الجيش الإسرائيلي في 15 من أبريل/ نيسان 2002، من أحد المنازل بمدينة رام الله، وحكم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات و40 عامًا، بعد أن اتهمته إسرائيل بقيادة تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية، والمسؤولية عن عمليات مسلحة نفذها الجناح العسكري لحركة فتح (كتائب شهداء الأقصى)، وأدت إلى مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين.