في إطار السباق المحموم نحو قصر الإليزيه، تحل زعيمة اليمين المتطرف ماريان لوبان، ضيفة على لبنان، غدًا الأحد، ضمن الجولات المكوكية التي يقوم بها مرشحو الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها أوائل أبريل القادم، لبعض الدول ذات الصلة بسير العملية الانتخابية، سواء من حيث الكتل التصويتية لمواطنيها أو لارتباطها بملفات وقضايا ذات علاقة بالبرنامج الانتخابي المعلن من كل مرشح.
حالة من الجدل صاحبت زيارة لوبان ورفيقها الداعية الصهيوني المعروف جيلبير كولار، لبيروت غدًا، ما بين مؤيد ومعارض، خاصة في ظل ما تحمله اليمينية المتطرفة من توجهات عدائية حيال العرب والمسلمين بصورة عامة، فضلاً عما تتبناه من مواقف سلبية تجاه القضايا العربية الراهنة، فماذا تريد لوبان من لبنان؟
لوبان.. ومحاولات تجميل الصورة
ماريان لوبان هي ابنة زعيم اليمين المتطرف المعروف جان ماري لوبان، والذي عرف عنه توجهاته العنصرية المعادية للجاليات المهاجرة المقيمة في فرنسا، ومجاهرته بمعاداة السامية والكيان الصهيوني، مقللاً من آثار ووقع المحرقة النازية ضد اليهود، وهو ما تسبب في استنكار ورفض شعبي وعالمي في فترة من الفترات لتوجهات لوبان وحزبه “الجبهة الوطنية”.
لكن مع تقلد الابنة ماريان لرئاسة الحزب، باتت رياح التغيير تلوح في الأفق بصورة كبيرة، حيث سعت إلى التخلص مما أطلق عليه “شيطنة” الأب، ومحاولة إعادة النظر في توجهات الحزب حيال بعض القضايا والملفات التي تسببت في قطيعة بينه وبين الشعب، وهو ما كان بالفعل، حيث نجحت لوبان الابنة في النهوض بالحزب خلال الأربع سنوات الأولى من توليها رئاسته، فضلاً عن قيامها بطرد الأب من الحزب على خلفية تصريح استفزازي له بشأن اليهود والمحرقة النازية، لتكسب ثقة التيارات السياسية الأخرى، وتبدأ أولى خطوات الصهيونية العالمية.
ورغم محاولة لوبان تجميل صورة حزبها، إلا أن هناك بعض المبادئ التي لا يمكن أن تتخلى عنها والتي باتت ركائز أساسية في برنامجها الانتخابي منها منع الهجرة لبلادها والتحذير مما أسمته “خطر الإسلام”، حيث أشارت أنه يهدد الثقافة الفرنسية ولا بد من إعادة النظر في آليات التعامل معه، وقد ساعدها في ذلك العديد من الأسباب منها صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وما أعطاه فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية من ثقة في الانتصار والسير على نفس الدرب، كذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مما يعزز من خطابها الشعبوي المناهض لبقاء بلادها تحت مظلة الاتحاد، فضلاً عن نجاحها في العزف على وتر الفقراء، ودعوات انتشالهم من مستنقعات الفقر القابعين فيها، خاصة أن هناك ما يقرب من 8 ملايين فرنسي، وقد نجحت في اللعب بهذه الورقة جيدًا خلال السنوات الأخيرة.
رغم محاولة لوبان تجميل صورة حزبها، إلا أن هناك بعض المبادئ التي لا يمكن أن تتخلى عنها والتي باتت ركائز أساسية في برنامجها الانتخابي منها منع الهجرة لبلادها والتحذير مما أسمته “خطر الإسلام”
جان ماري لوبان، زعيم اليمين المتطرف في فرنسا
مغازلة الكيان الصهيوني
حرصت لوبان منذ توليها رئاسة “الجبهة الوطنية” على معالجة ما أفسده والدها، خاصة العلاقة مع الكيان الصهيوني، ومن ثم سعت لتحسين صورتها عالميًا من خلال بعض الخطوات التي هدفت من خلالها إلى مغازلة الصهيونية، في محاولة لكسب تأييدها ودعمها.
كانت الخطوة الأولى نحو هذه المغازلة، سبتمبر 2011، حين التقت ولأول مرة السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، وهو اللقاء الذي حاولت لوبان، من خلاله، الإعداد للقيام بزيارة رسمية لدولة الاحتلال، لكن الفكرة لم تلق ترحيبًا في تل أبيب.
وعلى الفور وقبل أن ينتهي 2011، عاودت اليمنية المتطرفة مساعيها للتقرب من الكيان الصهيوني، حيث أرسلت زوجها لوي أليو، لزيارة القدس المحتلة، وفي نفس التوقيت الذي يزور فيه زوجها القدس، كانت تصريحات لوبان على صدر صحيفة “هارتس” الإسرائيلية حديث الجميع، حيث أكدت فيها على أن الجبهة الوطنية التي ترأسها تناصر الصهيونية بشكل كامل.
وفي يناير الماضي أرسلت لوبان الرجل الثالث في حزبها نيكولا باي، في زيارة خاطفة إلى القدس المحتلة، حيث التقى حينها بعض المسؤولين عن حزب الليكود الإسرائيلي، تباحث معهم عن الصورة الجديدة للحزب وموقفه من الكيان الصهيوني وتخليه تمامًا عن الشعارات والمعتقدات القديمة التي كان يتبناها الزعيم المتطرف جان لوبان.
حرصت لوبان منذ توليها رئاسة “الجبهة الوطنية” في 2011 على معالجة ما أفسده والدها، خاصة العلاقة مع الكيان الصهيوني، ومن ثم سعت لتحسين صورتها عالميًا من خلال بعض الخطوات التي هدفت من خلالها إلى مغازلة الصهيوني
لماذا بيروت؟
بحسب مصدر حكومي لبناني، فإن زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي، المرشحة للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان، ستلتقي الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، خلال زيارتها لبيروت غدًا، والتي تستغرق يومين.
المصدر الذي رفض ذكر اسمه لـ”فرانس برس” كشف أن لوبان من خلال هذه الزيارة، تسعى إلى توجيه رسالة دعم إلى مسيحيي الشرق، ومحاولة تقريب وجهات النظر حيال عدد من القضايا التي تهم جميع المسيحيين في العالم، أبرزها محاربة الأصوليين الإسلاميين، وهو ما كشفت عنه أكثر من مرة في تصريحاتها.
اختيار بيروت كمحطة أولى وربما تكون الوحيدة للدول العربية، لم يأت من فراغ، خاصة أن لوبان تعلم جيدًا أن لبنان معقل المسيحيين الشرقيين من جانب، إضافة إلى تناغم توجهات قيادتها الحاكمة مع مواقفها السياسة في الملف الأكثر خطورة وحساسية في المنطقة، وهو الملف السوري، حيث إن لوبان كانت من القلائل الذين طالبوا بفتح حوار مع بشار الأسد، على عكس توجهات أولاند وإدارته، وهو نفس الموقف الذي يتبناه الرئيس عون وحزب الله.
كما أن أمن الكيان الصهيوني ومحاولة التوصل مع لبنان إلى ضمانات تحفظ عدم تعرض دولة الاحتلال إلى أي هجمات أو اعتداءات من ناحية الجنوب، على رأس أولويات لوبان خلال زيارتها لبيروت، وهو ما تجسد في اختيارها لجيلبير كولار الداعية الصهيوني الشهير، لمرافقتها في هذه الجولة، مما يعزز مكانتها لدى تل أبيب بعد فترة الجفاء الطويلة التي استمرت لعقود متواصلة بسبب مواقف لوبان الأب العدائية ضد السامية والصهيونية العالمية.
اختيار بيروت كمحطة أولى وربما تكون الوحيدة للدول العربية، لم يأت من فراغ، خاصة أن لوبان تعلم جيدًا أن لبنان معقل المسيحيين الشرقيين من جانب، إضافة إلى تطابق وجهات النظر حيال الملف السوري من جانب آخر
تنديد بالزيارة
إرث لوبان العنصري وتوجهاتها المعادية للعرب والمسلمين على حد سواء ومناهضتها للهجرة ودعمها للكيان الصهيوني، دفع البعض إلى استنكار زيارتها للبنان، بل وصل الأمر إلى حد المطالبة بطردها ونائبها المرافق لها ومنعها من دخول البلاد، فالسماح لها بالدخول يعد نكسة وطنية كما جاء على لسان البعض.
“أما مارين لوبان، فوجودها عار على لبنان، واستقبالها من قبل شخصيّات وزعامات لبنانية، أو حتى مجرد مصافحتها، خطأ سياسي وأخلاقي يصعب قبوله أو التسامح بشأنه” بهذه الكلمات علق الكاتب اللبناني بيار أبي صعب، في مقاله المنشور بجريدة “الأخبار” اللبنانية تحت عنوان “مارين لوبان.. لا أهلاً ولا سهلاً في بيروت”.
أبي صعب حذر في مقاله من خطورة السماح لمرشحة اليمين المتطرف الفرنسية، ورفيقها الصهيوني جيلبير كولار الذي سيكون بصحبتها إلى بيروت، وهو صديق لإسرائيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ وقف في مجلس النواب الفرنسي عام 2014 معارضًا اقتراح القرار الداعي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وصرخ حينها: “إن بقاء إسرائيل هو أحد أساسات الدفاع عن قيمنا وحضارتنا الغربية”، منوهًا أن أبسط الأمور أن يمنع كولار من دخول لبنان، “فوجوده نكسة كبيرة وإساءة مباشرة إلى كرامتنا الوطنية، وإشارة مقلقة على تحولنا إلى بلد سائب، مشرع لسفراء إسرائيل” على حد قوله.
مرشح الوسط الفرنسي ماكرون ولقاؤه بالرئيس عون خلال زيارته لبيروت يناير الماضي
ليست الأولى
العديد من الزيارات المكوكية قام بها بعض مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية في محاولة لكسب الدعم والتأييد نحو الوصول إلى قصر الإليزيه، ولم تكن زيارة لوبان غدًا هي الأولى للمرشحين الفرنسيين إلى لبنان، فقد سبقتها زيارة مرشح الوسط إيمانويل ماكرون، في الرابع والعشرين من يناير الماضي، والتقى كلاً من عون والحريري، حيث دعا من هناك إلى تبني “سياسة متوازنة” حيال النظام والفصائل المعارضة في سوريا، في محاولة لكسب ود القيادة اللبنانية الداعمة لنظام الأسد.
ماكرون أيضًا توجه في الثالث عشر من يناير الماضي إلى الجزائر، في زيارة استغرقت يومين، حيث التقى في اليوم الأول، وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، ثم وزير الخارجية رمطان لعمامرة، مختتمًا بلقاء ممثل عن رئيس الوزراء عبد المالك سلال بقصر الحكومة، أما اليوم الثاني فقد التقى وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، ووزيرة التعليم نورية بن غبريط، إلى جانب علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، وهو أكبر تنظيم لرجال الأعمال في الجزائر موالٍ للنظام الحاكم بالبلاد.
لم تكن زيارة لوبان غدًا هي الأولى للمرشحين الفرنسيين إلى لبنان، فقد سبقتها زيارة مرشح الوسط إيمانويل ماكرون، في الرابع والعشرين من يناير الماضي، والتقى كلاً من عون والحريري
زيارة ماكرون للجزائر بجانب الأهداف الظاهرية التي تم إعلانها من خلال التصريحات الرسمية، إلا أن عين الرجل تنظر أيضًا للكتلة التصويتية للجزائريين في فرنسا، فوفقًا للتقرير الصادر عن المعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية “إ. نسي” في 2015، فإن عدد المهاجرين الجزائريين المقيمين في فرنسا بلغ 5.5 مليون شخص، منهم ما يقرب من مليون جزائري يحملون الجنسية الفرنسية ولهم حق التصويت في الانتخابات القادمة.
أما مرشح اليمين فرانسوا فيون، فكان مقررًا له – وبحسب برنامجه الانتخابي – زيارة إلى لبنان والعراق في الرابع والخامس من فبراير الحالي، إلا أن تورطه فيما نسب إليه من تسهيله لوظائف لأفراد من أسرته، في مقدمتهم زوجته واثنين من أولاده، وخضوعه للتحقيق في تلك الاتهامات دفعته إلى إلغاء تلك الزيارة.