صار الكلام عن الشركات الصغيرة والمتوسطة بأنها تشكل عصب الاقتصاد وتلعب دورًا هامًا في تنمية الاقتصاد كلامًا مكررًا، وغني عن التعريف الدور الذي تلعبه تلك الفئة من الشركات في محاربة مؤشري الفقر والبطالة كونها تعد المشغل الأكبر للأيدي العاملة وتسهم في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المنحققة من المنتجت التي تصنعها.
الشركات الصغيرة والمتوسطة تعزز طموحات الشباب وتمكنهم من مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في ظل عدم حاجتها لرأسمال كبير، الحاجة مساة لها خصوصًا في العالم العربي حيث معدلات البطالة الأكبر على مستوى العالم.
الخوض في الشركات الصغرى والمتوسطة ليس جائزًا في دولة لا تهتم بالتصنيع ولا تحسين قدراتها الإنتاجية في مجال الصناعة والزراعة بشكل خاص، فالأولى بهذه الدولة في البداية أن يكون لها جهود في هذا المجال بشكل أكبر من الاهتمام بالقطاعات الريعية كالإكتفاء باستخراج الموارد الطبيعية وبيعها في الأسواد كمواد خام فقط، أو بالسياحة والعقار وغيرها من القطاعات الريعية.
توظف الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو 42 مليونًا موظف أي 66% من عدد العاملين في اليابان
فما فائدة أن نعرف أن تلك الشركات تشكل عصب الاقتصاد بينما تسعى الحكومة بأشكال وأساليب مختلفة إلى عدم تشجيع قيام تلك الشركات أساسًا!! بل كيف تسعى دولة ما بتشجيع قيام تلك الشركات بينما لا تولي اهتمامًا بالصناعة والزراعة، وجل ما تتكل عليه هو إيرادات ريعية تأتيها من بيع النفط والغاز.. ولم تدرك أن تلك الثروات لا تقيم تنمية ولا تبني اقتصادًا.
تجربة اليابان مع الشركات الصغيرة والمتوسطة
عند الكلام عن اليابان فيجب أن نعرف أن مساحتها تشكل سدس مساحة السعودية وثلث مساحة مصر وتعاني غالبًا من الكوارث الطبيعية كالبراكين والزلازل، وتتكون من 3 آلاف جزيرة تفتقر لكثير من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن..إلخ. فهي تستورد المواد الخام وتعمل من خلال رأس مالها البشري، على تحويل تلك المواد إلى سلع ومنتجات مفيدة تباع محليًا ويتم تصديرها إلى جميع أنحاء العالم، فتمكنت خلال العقود الماضية من بناء صناعة متطورة بجودة عالية ليكون التصنيع إحدى أهم ركائز ودعائم القوة الاقتصادية اليابانية.
تكتسب الشركات الكبرى في اليابان أهمية كبيرة مثل سوني وتويوتا وهوندا وغيرها ولكن يقف وراء تلك الشركات جيش من الشركات الصغيرة والمتوسطة تفوق الشركات الكبرى قوة ولكن قلما يتم الإشارة إليها، تعتمد عليها الشركات الكبرى بمدها بالقطع الإلكترونية والصغيرة والتطوير الدائم لمنتجاتها.
فالظاهر للعيان أن الاقتصاد يعتمد على الشركات العملاقة إلا أن كثيرًا من منتجات تلك الشركات هي في الحقيقة تجميع للقطع التي تصنعها الشركات الصغيرة والمتوسطة، وجودة تلك المكونات ضمنت جودة المنتج النهائي، وبالتالي فإن سمعة الشركات الكبرى ترتبط بشكل عميق بالشركات الصغيرة والمتوسطة التي تلتزم بأعلى مستويات الجودة.
يبلغ عدد الشركات اليابانية 4.200 مليون تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة منها 99.7%
ويقصد بتلك الشركات التي يبلغ عدد موظفيها من 5 عمال إلى 300 عامل ورأسمال يتراوح بين 500 ألف دولار و 3 ملايين دولار، ويبلغ عدد الشركات اليابانية 4.200 مليون تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة منها 99.7% بينما لا تتجاوز نسبة الشركات الكبيرة نحو 3 أعشار بالمئة فقط أي ما يعادل 12 ألف شركة.
وتحظى تلك الشركات أهمية كبرى لدى الحكومة حيث تسعى دائمًا للنظر في مشاكلها وتأمين التسهيلات الضرورية الساعية إلى بقاءها وتطويرها، حيث بلغت القروض الحكومية لها نحو 220 مليار دولار لتمكينها من المنافسة في الأسواق الأجنبية بمنتجاتها الخاصة بها، بعدما واجهت الشركات الكبرى أزمات بسبب انخفاض الطلب الناجم عن الأزمات الاقتصادية العالمية واحتدام المنافسة مع الشركات الأجنبية الأخرى.
فنسبة 85% من الشركات الصغيرة والمتوسطة ستدخل الأسواق التصديرية وهي سياسة جريئة في عملية الإنتاج من قبل تلك الشركات، فبدل انتظار الطلبيات من الشركات الكبرى باتت تلك الشركات تستهدف الأسواق الأجنبية أيضًا وتبني لنفسها علامة تجارية بشكل منفصل عن الشركات الكبرى.
مصدر أهمية تلك الشركات قادم من حجم العمالة الكبير التي توظفها، حيث توظف نحو 42 مليون شخص أي 66% من عدد العاملين في اليابان بينما تمثل نسبة 32% نسبة العاملين في الشركات الكبرى. وتساهم بنسبة 50% في حجم القيمة المضافة للمنتجات والتي تبلغ 800 مليار دولار أي ما يعادل 400 مليار دولار وهو نفس الرقم الذي تضيفه الشركات الكبرى من قيمة مضافة على المنتجات.
وفي النهاية فإن الإشعاع الصادر للاقتصاد الياباني ليس صادرًا من مصانع الشركات الكبرى فحسب، بل من الورش الصغرى التي تمد الشركات الكبرى بالمكونات الضرورية اللازمة لإخراج المنتج النهائي. ولو أرادات دولة ما طموحة التعلم من التجربة اليابانية، فالواجب عليها قبل النظر إلى شركاتها الكبرى النظر إلى تلك الورش الصغيرة وكيف تعمل.