في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت مصادر عديدة أن وزارة الدفاع الأمريكية قدمت جملة من الخيارات للرئيس بهدف دحر تنظيم الدولة من خلال إرسال قوات قتالية تقليدية إلى سوريا. لكن وفقا للظروف الأمنية التي تشهدها بؤر التوتر، يجدر على الرئيس الأمريكي أن يرفض مثل هذه المشورة لأن إدخال القوات الأمريكية ضمن ساحة الصراع السوري من شأنه أن يشكل خطرا استراتيجيا على مصالح الولايات المتحدة ويقلب مجريات العملية رأسا على عقب.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مجهولة من البنتاغون لقناة “سي آن آن” يوم الأربعاء الفارط، عن أنه “من الممكن أن تتواجد القوات الأمريكية في سوريا لفترة من الوقت”. ولعل هذا ما أكده المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جيف ديفيس، الذي اعترف بأن البنتاغون “يدرس في الوقت الراهن عددا من الإجراءات من أجل تسريع هذه الحملة العسكرية التي تعد جزءا من هذا الاستعراض. في المقابل، لم يتم اتخاذ قرار حاسم حول هذه المسألة”.
في الأثناء، يأمل المتابعون لهذا الشأن في أن لا يعمل أحد في البيت الأبيض بهذه النصيحة، نظرا لأنه من الجلي أن تكون لهذه العملية عدة عواقب، وتهدد بشكل أو بآخر الأمن القومي الأمريكي.
تحمس النظام السوري بشأن تواجد قوات أمريكية على الأرض لا يبشر بخير. فوفقا للتصريحات التي أدلى بها بشار الأسد حيال هذا الأمر، فإنه “موافق على اعتبار ذلك من ضمن أولوياته” وعلى إرسال القوات الأمريكية لسوريا لمحاربة الإرهاب
أما بالنسبة لدمشق، فإن تحمس النظام السوري بشأن هذا الخبر لا يبشر بخير. فوفقا للتصريحات التي أدلى بها بشار الأسد حيال هذا الأمر، فإنه “موافق على اعتبار ذلك من ضمن أولوياته” وعلى إرسال القوات الأمريكية لسوريا لمحاربة الإرهاب.
كما أضاف الأسد قائلا: “هذا موقفنا في سوريا، أولوياتنا تتمثل في محاربة الإرهاب ومثل هذه الخطوة يجب أن تنطلق من خلال الحكومة السورية”. ولم يكتف بشار الأسد فقط بالإعراب عن تأييده للقرار، وإنما عرض أيضا على الجيش الأمريكي المساعدة لينجح في هذه المهمة إذ قال: “نحن نملك هذا البلد كبقية السوريين ولن يستطيع أحد أن يفهم سوريا مثلنا”.
وعلى ضوء هذه التصريحات، يبدو أن فكرة محاربة القوات الأمريكية في سوريا والتضحية بأرواحهم في سبيل هذه المهمة لن يستفيد منها، في نهاية المطاف، سوى النظام السوري وهو ما يؤكد على ضرورة توخي البيت الأبيض لهذه السياسة.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مناقشة هذا النوع من المخططات الأمنية في البنتاغون أمرا شائعا. وبالتالي، يفضي اقتراح هذه العملية العسكرية على الإدارة الأمريكية إلى أن وزارة الدفاع لا تولي أي اعتبار للرهانات التي يطرحها تنفيذ مثل هذه العملية والتي كان من المفترض مناقشتها مسبقا.
ووفقا لمقومات هذه الحملة العسكرية والأهداف المنتظرة منها،فإن الجيش الأمريكي سيحدث الفرق في الحرب ضد الإرهاب وسيحرر الرقة من سيطرة تنظيم الدولة، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ من الواضح أن الولايات المتحدة لن تمسك بزمام الأمور بعد تحرير المدينة، إذن لمن ستسلم واشنطن مفاتيح إدارة المدينة؟ وما الذي سيتحتم على الولايات المتحدة فعله إذا ما هاجمت سوريا وروسيا وإيران المدينة وحاولت الاستيلاء عليها؟ وفي هذه الحالة ألن يؤدي رد الولايات المتحدة على أي من المعتدين سواء إيران أو روسيا أو الجيش السوري إلى دخول الرقة مرة أخرى في حرب؟
وفي هذا الصدد، قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إنه لن يكون هناك أي تعاون عسكري بين واشنطن وموسكو في سوريا. وبالتالي، هل ستخاطر الولايات المتحدة بالدخول في اشتباكات مع القوات الروسية؟
كيف ستتمكن واشنطن من تقديم الدعم الكافي للقوات الأمريكية المحاصرة في الأراضي السورية؟ خاصة وأن إجراء مثل هذه العملية يتطلب إنشاء بنية تحتية لوجستية وإرساء قواعد عسكرية في المنطقة وتوفير الإمدادات اللازمة جوا وهو ما يعد في حد ذاته مهمة مكلفة ومحفوفة بالمخاطر.
ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا تم إسقاط الطائرات الأمريكية من قبل تنظيم الدولة أو من قبل المنظمات الإرهابية الأخرى؟ في تلك اللحظة ستكون روسيا المتهمة الأولى بمد المعارضة بأسلحة مضادة للطائرات، معيدين بذلك سيناريو حرب أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي.
ماذا لو كشفت التحقيقات عن صحة فرضية دعم روسيا للمعارضة؟ ومع ذلك، يجب طرح السؤال الأصعب، هل ستكون الولايات المتحدة على استعداد للمجازفة بخوض حرب مع قوة عالمية مثل روسيا على خلفية إسقاط بعض طائرات النقل في سبيل تقديم الدعم لمدينة لن تصبح ضمن منطقة نفوذها؟
تبعا لهذه التساؤلات، من المهم أن نفهم أنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من تجاوز الخطر الذي يحدق بالقوات في سوريا ونجحت في القضاء على تنظيم الدولة في الرقة، فإنها لن تستطيع دحر الإرهاب تماما. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تتصاعد وتيرة الإرهاب إذا قررت الجماعات الإرهابية تغيير محور اهتمامها من السيطرة على مناطق معينة إلى توجيه تركيزها وجهودها ومواردها نحو استهداف مصالح الولايات المتحدة وإن لزم الأمر، مهاجمتها في عقر دارها.
والجدير بالذكر أن أي عملية عسكرية وطنية سيأمر البيت الأبيض بتنفيذها، يجب أن تبرهن عن وجود فرصة معقولة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الموكولة إليه. وقد تكون وزارة الدفاع الأمريكية قادرة على تحقيق هدفها التكتيكي، المتمثل في تحرير الرقة، ولكن إذا كانت المخاطر التي تفرضها هذه العملية على الأمة أكثر من الفوائد التي ستعود بها عليها، فعندها سيتوجب على البنتاغون إلغاء المهمة. وبالتالي، فإن التهديدات التي ستشكلها هذه المهمة على الأمن القومي ستفضي حتما إلى نتائج أقل ما يقال عنها “كارثية”.
وما لا يقل أهمية عما ذكر آنفا، هو عدم وجود أي تفويض قانوني لمثل هذه الحملة العسكرية على أراضي دولة ذات سيادة على غرار سوريا. فعلى سبيل المثال، وظفت إدارة أوباما الإذن، المصادق عليه من قبل الكونغرس في أعقاب أحداث 11 من أيلول/سبتمبر، لاستدعاء واستخدام الجيش الأمريكي تقريبا عند كل عملية عسكرية تريد تنفيذها حتى لو لم تتوافق هذه الإجراءات مع أحكام القانون.
وبطريقة مباشرة أدى الإذن باستخدام القوة العسكرية الصادر في سنة 2001 إلى الحد من قدرة الرئيس على “استخدام كل القوة اللازمة والمناسبة ضد تلك الدول أو المنظمات أو الأشخاص المتورطين في التخطيط أو المساعدة في تنفيذ أو ارتكاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2001”.
في المقابل، لم يكن لتنظيم الدولة أي وجود في تلك الفترة التي وقعت فيها الهجمة الإرهابية. وبالتالي فإنه من غير المشروع، وفقا لهذا القانون، أن تشن الإدارة أي هجوم ضد التنظيم بموجب هذا الإذن. كما ينبغي على الرئيس رفض اقتراحات وزارة الدفاع الأمريكية المتمثلة في إرسال قوات إلى سوريا بناء على احتمال فشل المهمة.
من جهة أخرى، ينبغي على الكونغرس أن يطالب بوضع أي حملة عسكرية ضد التنظيم تحت المجهر خاصة في سوريا، وأن يناقشها علنا، وإذا ارتأى أن تلك العملية ستحقق الأهداف المرجوة فعندها يتوجب عليه تمرير إذن جديد خاص بتلك المهمة.
أن التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ليس ضروريا لأن تنظيم الدولة في سوريا قد بدأ يخسر مناطق نفوذه وبدأت تخور قواه. أما في الموصل، فإن القوات العراقية المسلحة والميليشيات التابعة لها تعمل على تطهير المدينة شيئا فشيئا من الإرهابيين، وعلى الرغم من أن هذه العملية تستغرق وقتا أكثر من المتوقع فإن الائتلاف سينتصر في نهاية المطاف
في الختام، يجب الإشارة إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ليس ضروريا لأن تنظيم الدولة في سوريا قد بدأ يخسر مناطق نفوذه وبدأت تخور قواه. أما في الموصل، فإن القوات العراقية المسلحة والميليشيات التابعة لها تعمل على تطهير المدينة شيئا فشيئا من الإرهابيين، وعلى الرغم من أن هذه العملية تستغرق وقتا أكثر من المتوقع فإن الائتلاف سينتصر في نهاية المطاف. وحتى قبل الإعلان عن إتمام المهمة ودحر الإرهاب في الموصل، عاد ما لا يقل عن 70 ألف مدني إلى الأقسام المحررة في المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية تدريجيا في تضييق الخناق على مقاتلي تنظيم الدولة في الرقة واستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرته فضلا عن قتل عدد كبير من مقاتليه. وإذا منحت هذه القوات الوقت الكافي، فستتمكن من دحر الإرهاب.
وبحسب المعطيات التي ذكرت سابقا، ينبغي أن تركز الإدارة الأمريكية على الهدف النهائي من هزيمة تنظيم الدولة، وتعترف بمجهودات القوات المحلية في القضاء على الإرهابيين وقدرتها على الصمود وسط دوامة من العنف والموت وإظهار الصبر الاستراتيجي. وإذا منحت الفرصة، فستتمكن هذه القوات من القيام بعملها على أكمل وجه وستطرد التنظيم من الرقة والموصل، وتدفعه نحو التخلي عن بقية معاقله في المنطقة. وخلاصة القول تتمثل في أنه يجب على الرئيس أن يتجنب بأي ثمن المجازفة بالدخول في حرب كبرى مع أعداء الولايات المتحدة التقليديين في سبيل هدف لن يعود على الأمة بأية فائدة.
المصدر: ناشونال إنترست