عن عمر يناهز الـ79، رحل الشيخ عمر عبد الرحمن، الأمير السابق لتنظيم الجماعة الإسلامية في مصر والأب الروحي لها، بعد معاناة دامت 24 عامًا داخل سجون ومعتقلات الولايات المتحدة الأمريكية، بتهم تتعلق بالتورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، فضلاً عن حزمة من الاتهامات الأخرى.
الشيخ الضرير الذي أقلق الأمريكان فأردوه في السجن مدى الحياة، ودع أنفاسه الأخيرة في تمام الساعة 5:40 بالتوقيت المحلي الأمريكي، صباح أمس السبت، حسبما أعلن غريغ نورتون المتحدث باسم المجمع الإصلاحي الفيدرالي في بوتنر بولاية نورث كارولينا الأمريكية، مضيفًا أن أسباب الوفاة طبيعية ومنها معاناته الصحية مع السكري والقلب.
محطات في حياته
ولد الشيخ عمر عبد الرحمن عام 1938 بمحافظة الدقهلية (شمال شرق مصر)، وبعد 10 أشهر فقط من ولادته فقد بصره، التحق بالتعليم الأزهري ليحصل على الثانوية عام 1960، ثم تخرج في كلية أصول الدين بالقاهرة بتقدير امتياز عام 1965، ليعمل بها معيدًا، فضلاً عن تعيينه إمام مسجد بوزارة الأوقاف بإحدى قرى محافظة الفيوم.
حصل على درجة الماجستير قبل أن يتم وقفه عن العمل في الكلية عام 1969 بسبب انتقاداته للمسؤولين والسياسيين وانضمامه للجماعة الإسلامية، ثم عاد للجامعة مرة أخرى لكن بعد أن تم نقله إلى وظيفة إدارية، حتى تم اعتقاله في 13 من أكتوبر 1970، وأفرج عنه عقب وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
نجح عبد الرحمن في الحصول على درجة الدكتوراة، ثم رسالة العالمية، إلا أن الجامعة رفضت تعيينه كعضو هيئة تدريس حتى 1973، حيث التحلق للعمل بكلية البنات وأصول الدين بأسيوط واستمر بها أربع سنوات، ثم بعدها أعير إلى كلية البنات بالسعودية حتى عام 1980، ليعود مصر بعدها ليبدأ رحلته مع الجماعة وهذه أبرز المحطات بها.
اتهامان و3 براءات
كانت أولى التهم التي وجهت للشيخ، الذي كان حينها مفتيًا للجماعة الإسلامية، التحريض على قتل الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني 1979، استنادًا إلى الفتوى الصادرة عنه بشأن جواز قتل الحاكم العامل بغير حكم الله، وبالرغم من كون الفتوى عامة، وأنها لم تخص السادات بالإسم، فضلا عن عدم معرفة الشيخ بمسألة اغتياله، إلا أن الاتهام وجه إليه في القضية العسكرية التي حملت رقم 7 لسنة 1981 ، وقد حصل خلالها على حكم بالبراءة.
ثم وجهت له تهمة زعامة تنظيم الجهاد المحظور، في القضية رقم 462 لسنة 1981 المعرفة إعلاميًا بقضية الجهاد الكبرى، كما وجهت له نفس الاتهامات في القضية الأولى، ليحصل في 30 من سبتمبر 1984على البراءة للمرة الثانية، وفي عام 1989 تم إلقاء القبض عليه في قضية أحداث شغب الفيوم، واتهامه بالتحريض على الشغب، لكنه حصل على البراءة للمرة الثالثة.
حصل الشيخ على البراءة في 3 تهم وجهت إليه، الأولى: التورط في مقتل السادات، الثانية: قضية الجهاد الكبرى، الثالثة: أحداث شغب الفيوم
سفره لأفغانستان
حين سُمح له بالسفر لأداء العمرة، فوجئ الجميع بسفره عقب أدائها إلى عدة دول منها باكستان وأفغانستان، والتقى بقادة الجهاديين في معسكرات العرب في بيشاور، حيث كانت معارك المقاتلين من الجماعات الإسلامية تشتعل ضد الاتحاد السوفييتي آنذاك.
وخلال مدة إقامته القصيرة في هذه البلدان، ألقى الشيخ عشرات الخطب والمحاضرات والندوات التي تحث المقاتلين على القتال والجهاد ضد الاتحاد السوفيتي والدول التي وصفها بالكافرة الملحدة، لكن سرعان ما عاد للقاهرة مرة أخرى، على غير عادة المقاتلين في هذه المناطق، وهو ما دفع السلطات المصرية لوضعه تحت الإقامة الجبرية عام 1988.
حين سُمح له بالسفر لأداء العمرة، فوجئ الجميع بسفره عقب أدائها إلى عدة دول منها باكستان وأفغانستان، والتقى بقادة الجهاديين في معسكرات العرب في بيشاور
خروجه من مصر
اتهم عبد الرحمن في قضية أحداث شغب الفيوم 1989، وحصل على البراءة، إلا أن السلطات المصرية أصرت على إعادة محاكمته مرة أخرى عام 1990، ليصدر ضده حكمًا غيابيًا بالسجن 7 سنوات، وهنا توسط بعض المقربين من الشيخ لإبعاده خارج مصر قبل أن يكون الحكم نهائيًا ويتم إلقاء القبض عليه.
وفي عام 1991، تقدم الشيخ بطلب للسفر لأداء العمرة بالسعودية إلا أنه وقبيل صعود الطائرة فوجئ بغلق المملكة لمجالها الجوي أمام القادمين لأداء العمرة خاصة أن موعد السفر كان يوم 29 من رمضان، وفي الوقت نفسه رفضت السلطات المصرية عودته من المطار، ولم يجد الرجل أمامه سوى السفر لأي دولة أخرى، ومن ثم كانت زيارته للسودان التي رحبت به آنذاك، وقبل أن ينتهي العام كان الشيخ في ولاية نيويورك الأمريكية حيث عمل فيها إمامًا لمسجد “الفاروق” في منطقة بروكلين.
اتهم عبدالرحمن في قضية أحداث شغب الفيوم 1989، وحصل على البراءة، إلا أن السلطات المصرية أصرت على إعادة محاكمته مرة أخرى عام 1990، ليصدر ضد حكما بالسجن 7 سنوات غيابيًا،
معاركه في أمريكا
شن الشيخ هجومًا حادًا على النظام المصري طيلة عاملين كاملين عبر خطبه في المسجد ومحاضراته وندواته التي باتت تحقق جماهيرية وشعبية هائلة، أقلقت السلطات الأمريكية هناك وتسببت في إحراجها أمام القاهرة، مما دفع الجهات الأمنية في نيويورك إلى منعه من الخطابة ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
اتهم الشيخ بالتورط في العديد من “الأحداث الإرهابية”، منها التحريض على قتل الحاخام المتشدد مائير كاهانا في نيويورك عام 1990، ومقتل الكاتب فرج فودة 1992، ومحاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك، وفي عام 1993 وجهت الإدارة الأمريكية تهم التورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص ونحو ألف جريح، ومن ثم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
أربعة وعشرون عامًا قضاها عمر عبد الرحمن داخل سجون أمريكا، ليصبح الشخصية الإسلامية الأبرز على موائد النقاش والحوار السياسي والأمني طيلة السنوات التي مكث فيها متنقلاً ما بين سجن وآخر، ورغم عشرات الطلبات التي تقدمت بها أسرته لمخاطبة السلطات الأمريكية لنقله من محبسه في أمريكا وقضاء ما تبقى من عقوبة داخل السجون المصرية ليتسنوا له رؤيته والاطمئنان عليه إلا أن جميعها باءت بالفشل.
تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك 1993
حياته داخل السجن
تعرض الشيخ خلال فترة سجنه إلى العديد من الهزات الصحية والجسدية التي أفقدته الكثير من قواه الجسدية، حيث أصيب بعدد من الأمراض من بينها سرطان البنكرياس والسكري والروماتيزم والصداع المزمن وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا على كرسي متحرك، فضلاً عن بقائه داخل حبس انفرادي مما أثر بصورة كبيرة على حالته، وهو ما دفع الكثيرين من الحقوقيين إلى التعاطف معه والمطالبة بالإفراج عنه، من بينهم المحامية الناشطة الحقوقية إلين ستيوارت التي تم سجنها بتهمة مساعدته وتوصيل رسائله إلى أسرته وتلاميذه.
وفي رسالة للشيخ تم نشرها على الصفحة الرسمية الخاصة به على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” عام 2013، وأكد صحتها بعض المقربين منه، قال فيها: “إن الحكومة الأمريكية رأت فى سجنى ووجودى فى قبضتها الفرصة السانحة، فهى تغتنمها أشد الاغتنام، لتمريغ عزة المسلم فى التراب، والنيل من عزة المسلم وكرامته، فهم لذلك يحاصروننى، ليس الحصار المادى فحسب، بل حصارا معنويا أيضا، حيث يمنعون عنى المترجم والقارئ والمسجل والراديو، فلا أسمع أخبارا من الخارج أو الداخل”
أما عن صور التعذيب الممارس معه داخل السجن قال: “هم يحاصروننى فى السجن الانفرادى، فيمنع أحد يتكلم باللغة العربية أن يأتى إلى، فأظل طول اليوم والشهر والسنة لا أكلم أحدا ولا يكلمنى أحدا، ولولا قراءة القرآن لمسنى كثيرا من الأمراض النفسية والعقلية”، وتابع: “كذلك من أنواع الحصار تسليط الكاميرا على ليل نهار،لما فى ذلك من كشف العورة عند الغسل وعند قضاء الحاجة، ولا يكتفون بذلك بل يخصصون على مراقبة مستمرة من الضباط، ويستغلون فقد بصرى فى تحقيق مآربهم الخسيسة، فهم يفتشوننى تفتيشا ذاتيا فأخلع ملابسى، كما ولدتنى أمى، وينظرون فى عورتى من القبل والدبر، وعلى أى شىء يفتشون على المخدرات أو المتفجرات ونحو ذلك”.
وزاد تضييق الخناق ضد الشيخ الضرير منذ وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، حسبما جاء على لسان المستشار الإعلامي لحزب البناء والتنمية المصري خالد الشريف، والذي ندد بالإجراءات التي وصفها بالتعسفية التي اتخذتها السلطات الأمريكية – عقب تولي الرئيس الجديد – ضد الشيخ المسجون في أمريكا.
الشيخ عمر عبد الرحمن: يفتشوننى تفتيشا ذاتيا فأخلع ملابسى، كما ولدتنى أمى، وينظرون فى عورتى من القبل والدبر، وعلى أى شىء يفتشون على المخدرات أو المتفجرات ونحو ذلك
الشريف كان قد أوضح في بيان له أن السلطات في أمريكا صادرت الأدوية وجهاز الراديو الخاص بالشيخ، الأمر الذي اعتبره الشريف يعرض حياة الشيخ الضرير للخطر، وهو ما أكده خلال اتصال بأسرته منذ أسبوعين، بأنها ربما تكون آخر مكالمة له نتيجة لتدهور صحته، مهيبًا بمنظمات حقوق الإنسان وكبار السن والمكفوفين بالتحرك لإنقاذ حياة الشيخ الضرير الذي أكد أنه يتعرض لحملة انتقامية من إدارة ترامب التي تتخذ مواقف عدائية ضد المسلمين عامة.
وبالأمس فقط، كتب الشريف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي يقول “جهود مكثفة تبذل لنقل الشيخ عمر عبد الرحمن إلى قطر بعد تدهور صحته يارب كللها بالنجاح”.
التدخل للإفراج عنه
منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، نظمت أسرة عبد الرحمن مع كوادر وأعضاء الجماعات الإسلامية اعتصامًا مفتوحًا أمام مقر السفارة الأمريكية بحي جاردن سيتي وسط القاهرة للإفراج عنه، في إطار الحراك الميداني والرسمي الذي سلكه المقربون والداعمون للشيخ.
وفي 2012 طالب الرئيس الأسبق محمد مرسي بالإفراج عنه عندما اختتم خطابه الشهير بميدان التحرير بالتأكيد على ضرورة الإفراج عن المجاهد الضرير المحتجز في سجون أمريكا بتهم تتعلق بالإرهاب وتنفيذ مخططات ضد المدنيين في أمريكا، وفي حديث له في نفس العام لشبكة “CNN” أكد مرسي أنه سيزور واشنطن ويلتقي بالرئيس الأمريكي أوباما ويطلب منه إطلاق سراح عمر عبد الرحمن نظرًا لحالته الصحية المتدهورة، مع تأكيده على احترامه لأحكام القضاء الأمريكي.
وقفة للمطالبة بالإفراج عن الشيخ أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة 2011
لماذا أبقت عليه أمريكا؟
العديد من التساؤلات فرضت نفسها بشأن الإصرار الأمريكي على بقاء عمر عبد الرحمن داخل سجونها، وهل تخشى واشنطن من شيخ ضرير تجاوز السبعين؟ خاصة أن هيئة المحلفين قد برأته من قضية محاولة تفجير مركز التجارة العالمي ومن كل التهم المنسوبة إليه، إلا أن وفي محاكمة سرية وجهت له تهم التورط في محاولة اغتيال مبارك خلال زيارته للولايات المتحدة، فضلاً عن اتهامه بالتحريض على قتال الجيش الأمريكي.
بعض الرؤى ذهبت إلى أن خروج عمر عبد الرحمن من محبسه يمثل انتصارًا رمزيًا لمقاومة الرجل لكل ما تعرض له من صور التنكيل والتعذيب داخل السجن، وربما يمثل خطرًا خاصة في ظل ما يتمتع به من شعبية جارفة، إضافة إلى أن المستجدات الإقليمية والدولية وزيادة وتيرة العنف والعمليات المسلحة في مختلف الدول، أقلقت واشنطن من خروج الرجل، ومن ثم رفضت كل المحاولات والوساطات الخاصة بالإفراج عنه أو نقله لمصر لقضاء بقية عقوبته.
البعض ذهبت إلى أن خروج عمر عبد الرحمن من محبسه الأمريكي يمثل انتصارًا رمزيًا لمقاومة الرجل لكل ما تعرض له من صور التنكيل والتعذيب داخل السجن، لذا أبقت السلطات الأمريكية عليه داخل السجن
المكالمة الأخيرة
في تصريح له، قال محمد نجل الشيخ عمر عبد الرحمن إن والده تواصل هاتفيًا مع والدته منذ أسبوعين لمدة 15 دقيقة، واشتكى لها من تردي حالته الصحية، وأبلغها نصيًا بأنه لا يعلم إذا كان سيعاود التحدث معها مرة أخرى من عدمه، وكأنه كان يشعر بقرب رحيله.
محمد أضاف أن والده اشتكى خلال حديثه من سوء المعاملة في السجون الأمريكية مما دعا أفراد أسرته للتحدث عبر محاميهم للمسؤولين هناك لتحسين معاملته، وبالفعل أكد أن بعض الجهود الحثيثة بذلت لمحاولة نقل الشيخ من السجون الأمريكية إلى دولة أخرى لإكمال علاجه، ووضعه تحت الرعاية الصحية، خاصة أن الرجل كان قد قارب الثمانين من عمره، ولم تكن هناك خطورة من خروجه من السجن، إلا أن المنية وافته.
#عمر_عبدالرحمن يتصدر تويتر
عقب الإعلان عن وفاة الشيخ، تم تدشين هاشتاج تحت عنوان #عمر_عبدالرحمن، ليتصدر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حيث تباينت مواقف المغردين، ما بين النعي والتشفي.
الكاتب والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين بدر محمد بدر كتب على صفحته على “تويتر” ناعيًا الشيخ: رحم الله الشيخ #عمر_عبدالرحمن الذي توفي في سجون#أمريكا
رحم الله الشيخ #عمر_عبدالرحمن الذي توفي في سجون #أمريكا كنت أجريت معه أول حوارصحفي عقب براءته في قضية الجهاد 1984 ب #الفيوم ونشرته #المجتمع pic.twitter.com/vhqo79AWie
— بدر محمد بدر (@badr58) February 18, 2017
بينما كتب آخر منددًا بما أسماه “جيل من القتلة”
2-
فتوي اباحه الدماء قتل بها الشيخ الضرير #عمر_عبدالرحمن و الجماعه الاسلاميه الدكتور فرج فوده
جيل من القتله باسم الدين خرج تحت الفتوي:( pic.twitter.com/qnUYkiT2JO
— احمد صالحAhmd Saleh (@iAHMEDsalih) February 18, 2017
أما عن دلالات وفاته داخل السجون الأمريكية، جاءت تغريدة تقول : وفاته خلف القضبان في أمريكا إنما يكشف عن الوجه الحقيقي للديموقراطيه الأمريكيه المزعومه
#ايه_اللي_جابنا_ورا
وفاة الشيخ#عمر_عبدالرحمن
خلف القضبان في أمريكا
إنما يكشف عن الوجه الحقيقي للديموقراطيه الأمريكيه المزعومه
لاتعولواعليها
— الـثـائـر الـمجـهـول (@medoo_1984) February 18, 2017
بينما كتب الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة على صفحته على “تويتر” يقول: رحم الله الشيخ عمر عبد الرحمن. مات أسيرا في سجون قتلة استدرجوه، ولم يرحموا عمره ولا حاله كضرير ولا أمراضه. سلام عليه والعار لأدعياء الحرية.
رحم الله الشيخ عمر عبد الرحمن. مات أسيرا في سجون قتلة استدرجوه، ولم يرحموا عمره ولا حاله كضرير ولا أمراضه. سلام عليه والعار لأدعياء الحرية.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) February 18, 2017