لا تزال الحكومة الأردنية تضغط بشكل مضطرد على المواطن الأردني، حتى ضاق به الحال بعد حزمة كبيرة من قرارات فرض الضرائب ورفع الأسعار، في محاولة منها لتلبية شروط صندوق النقد الدولي، بعد أن وصل حجم المديونية لأكثر من 35 مليار دولار، متجاوزة بذلك إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٩٠٪، لأول مرة في تاريخ الأردن.
خضوع الأردن لشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح الاقتصادي لأكثر من عقدين، لم يوصل الأردنيين سوى لحال أسوأ، فالاقتصاد ما زال دون المستوى المطلوب، وهو يعاني أمراضًا مزمنة يبدو أنه لا شفاء منها بحسب خبراء اقتصاديين.
الحكومة الملقي فرضت حزمة قرارات في الأيام الأخيرة، طالت الأخضر واليابس من الفئات المجتمعية الأردنية
فالحكومة الأردنية التي لطالما اعتمدت على الاقتراض المحلي والخارجي، وعلى حزم المساعدات المالية، وفي المقام الأول من الولايات المتحدة ثم من دول الخليج والدول الأوروبية، باتت هذا العام دون أي داعم قريب أو بعيد، فالخليج أدار ظهره لها، والدعم الدولي لم يعد كالسابق، فأوروبا على وشك التفكك وهي مثقلة بأزمات اللاجئين، والولايات المتحدة دخلت في وضع اقتصادي جديد بسبب السياسات الجديدة للرئيس الجديد دونالد ترامب.
رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي
كل هذا، دعا الحكومة د.هاني الملقي لفرض حزمة قرارات في الأيام الأخيرة، طالت الأخضر واليابس من الفئات المجتمعية الأردنية، فالفئة الفقيرة سحقت، والفئة المتوسطة باتت على وشك الاندثار، وبقيت الطبقات الغنية على حالها دون ضرر أو حتى ضجر.
الضجر وحده سُمع دوي صوته من الجنوب المهمش، من الكرك هذه المرة، التي تعرضّت لهجمات واعتداءات من قبل عناصر جهادية تابعة لتنظيم الدولة في نهاية العام الماضي، والتي تعاني الفقر والبطالة وسوء التهميش، كغيرها من أقرانها من مدن ومحافظات الأطراف.
بالأمس، خرج مئات الأردنيين يجيبون شوارع الكرك، مطالبين بإسقاط ما أسموها “حكومة الجبابية”، التي ضاعفت الضرائب على الخبز والمحروقات والمواد الغذائية، والبطاقات الخلوية واشتراكات الانترنت، وحتى رسوم جوزات السفر، وغيرها الكثير.
يقول مراقبون إن حالة الغليان الشعبي باتت تزداد يومًا بعد يوم، فالحكومة مستمرة في قراراتها يومًا بعد يوم، الأردنيون باتوا يستفيقون بشكل شبه يومي، على قرار جديد، يزيد الخناق عليهم أكثر فأكثر، فالدخول الشهرية لا تغيير عليها، والأسعار في ارتفاع كبير ومضاعف، ومجلس النواب غير قادر على تغيير أي شيء في المعادلة، وكيف يكون ذلك وهو الذي أعطى للحكومة شرعيتها مؤخرًا، بأغلبية كبيرة؟
شرارة الغضب تنطلق من الكرك
شرارة الغضب انطلقت من الكرك يوم أمس السبت، وامتدت للطفيلة (جنوبًا)، والسلط (وسط). واليوم دعا ناشطون إلى الخروج في مدينة ذيبان ، بمحافظة مادبا (جنوبًا) احتجاجاً على سياسة “الجباية” الحكومية.
النائب عن مدينة الكرك صداح الحباشنة قال خلال مشاركته في احتجاجات أمس إن “إن إسقاط حكومة الملقي أصبح مطلبًا لكل الأردنيين، لأنها أضرت بمصالح الشعب وفرضت الضرائب على المواطنين الفقراء والمعدمين”.
ولفت النائب إلى أن الحكومة “قدمت بيانًا وزاريًا مخزيًا مثل بقية البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة والتي رحلّت مشاكلها والديون التي رتبتها على الشعب الاردني على حساب جيوب المواطنين”.
معقول لسه في ناس عندها ثقة انه هالحكومة رح يتغير الوضع
اذا فرض الضرائب ع الفقراء بغير وضع الاقتصاد كان اتغير ع ايام النسور#الاردن— ياسر السحيمات #الكرك (@Yassir_suhimat1) February 17, 2017
وأكد الحباشة الذي دعا إلى تكرار هذا النوع من الاحتجاجات، أن “مجلس النواب عجز عن منع الحكومة من إقرار موازنة فاشلة ورفع أسعار السلع وزيادة الضرائب”، مضيفًا أن المشاريع التي قدمتها الحكومة الحالية لمجلس النواب بدء من اتفاقية الغاز ورفع الاسعار والمناهج الدراسية كانت وبالًا على الوطن والمواطن”.
واعتبر نائب آخر شارك في الفعالية، هيثم الزيادين، أن “قسم النائب بأن يخدم الوطن والمواطن بكل أمانة يعني أن لا يساوم على مصالح الأردنيين، وأن يقف في مواجهة الاجراءات الحكومية في رفعها للأسعار وزيادة الضرائب”.
الكركية الي حضروا اليوم اكثر من ١٠ الاف ، وحكوا باسم #الكرك وكل #الارن
وباسم كل اردني حر شريف#ارحل #ارحل_يا_ملقي#بيحلوها_الكركية #صداح pic.twitter.com/7RK4nETdLg— ياسر السحيمات #الكرك (@Yassir_suhimat1) February 18, 2017
وأشار الزيادين إلى أن “هناك بدائل على الحكومة أن تقوم بها في المجال الاقتصادي إذا أرادت إنهاء الأزمة الحالية التي وضعت البلد فيها، ومن بينها إجراء تصحيح اقتصادي شامل يطال كل رموز الفساد بالبلد”.
عرفتوا مين المؤثرين ! هدول العالم قدوتنا #الكرك
?? pic.twitter.com/3XtfgTt9Mo— ameeratelward (@ameeratelward7) February 18, 2017
نواب مشاركون في احتجاجات الكرك
هذه النداءات والخطابات من قبل أعضاء من مجلس النواب، لاقت استحسان من قبل المواطنين الغاضبين، والذين باتوا يشعرون أنهم تركوا وحدهم في مواجهة هذا التغول الحكومي غير المسبوق، وهو ما شجعهم على المضي قدمًا في هذه الاحتجاجات، حيث ما زال يدعوا ناشطون إلى تنظيم وقفات احتجاجية، ومقاطعة بعض المنتجات والمحروقات، رفضًا للقرارات الحكومية.
هل يعود الحراك من جديد؟
وكان الأردنيون قد شاركوا خلال الأيام الأخيرة في حملات مقاطعة شعبية كبيرة، للهاتف الخلوي، والمحروقات، والكهرباء، حيث لاقت حملة #سكر_خطك و#صف_سيارتك و#نزل_القاطع استحساناً وقبولًا كبيرًا بينهم، حيث يقدر ناشطون مشاركة الآلاف من المواطنين بهذه الحملة، بعد أن تم اطلاقها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقت تفاعل عشرات الآلاف.
إلى ذلك، يشيرون مراقبون أن عودة الحراك الشعبي الأردني باتت وشيكة، وهو الحراك الذي انطلق في عام 2011 للمطالبة بإصلاح النظام، من خلال تغيير جملة من التشريعات الناظمة للحياة السياسية، أبرزها قانون الانتخاب، ونهج تشكيل الحكومات، ورفع القبضة الأمنية، ومحاربة الفساد، وتقليص صلاحيات الملك.
هذا الحراك والذي كان من أوائل حركات الاحتجاج في العالم العربي، شهد الكثير من الأحداث في الساحة السياسية الأردنية، أبرزها إغلاق مقرات جماعة الإخوان المسلمين وعدم الاعتراف بشرعيتها، واعتقال عشرات الناشطين ومحاكمتهم محاكمات عسكرية، بتهم تتعلق “تقويض نظام الحكم”، و”الإساءة للعائلة الحاكمة”، و”إطالة اللسان” و”تعكير صفو العلاقات مع دول صديقة”، وتهم أخرى تتعلق حتى بـ”الإرهاب”.
وبرغم عمره القصير، والذي تم اقصاؤه بقوة من قبل الأجهزة الأمنية في الدولة الأردنية مع نهاية عام 2013، خلّف الحراك إنجازات جيدة بحسب ناشطين، كان أبرزها كسر حاجز الخوف الشعبي، وكبح “فرامل” رفع الأسعار لمدة عامين، ومحاكمة عدد من المتنفذين بقضايا فساد، وإقرار تعديلات دستورية – غير مرضي عنها- وتعديل تشريعات كقوانين الأحزاب والاجتماعات العامة، وقانون الانتخاب، مع الحفاظ على نظام الصوت الواحد سيء السمعة، كما استطاع المعلمون انتزاع نقابة لهم بعد اعتصام مفتوح نفذوه عام 2012.
الحراك…….إنعاش الشر وايقاضه من سباته
هو الحراك الاردني الآن— abd al halim (@HassanHalimo) January 29, 2017
فهل يعود الحراك الأردني من جديد، خصيصًا بوجود أجواء مشابهة لتلك التي انطلق فيها قبل نحو 6 أعوام أو يزيد. وهل ستكون ردة فعل الدولة التي أطلقت تحذيراتها أكثر من مرة، من احتمالية انفجار الأوضاع في البلد، بسبب ما وصل إليه الوضع الاقتصادي، الذي بات الأردنيون لا يحسدون عليه؟