كيف كان اليوم الأول لمعركة استعادة جانب الموصل الأيمن؟

580

‎1000 يوم تقريبًا على حكم داعش للجانب الأيمن لمدينة الموصل بينما تم إكمال تحرير الجانب الأيسر للمدينة قبل نحو شهر لتتوقف العمليات العسكرية وتبدأ الاستعدادات للمرحلة الثالثة من معركة الموصل، فقد كانت المرحلة الأولى تحرير القرى والأقضية والنواحي التابعة لمحافظة نينوى (الأراضي حول مدينة الموصل) بينما شملت المرحلة الثانية تحرير الجانب الأيسر لمدينة الموصل وأطلق رئيس الوزراء العراقي من مدينة ميونخ الألمانية المرحلة الثالثة من عمليات تحرير نينوى فجر يوم 19 من فبراير 2017.

في الحقيقة كانت العمليات قد انطلقت فعليًّا قبل هذا التاريخ بـ48 ساعة حيث شن التحالف الدولي من الجو والمدفعية العراقية والأمريكية من الأرض سلسلة من القصف الصاروخي استهدفت أهدافًا منتخبة على طول مساحة الجانب الأيمن والتي تقدر بنحو 75 كيلومترًا مربعًا من مساحة مدينة الموصل الكلية والتي تقدر بنحو 180 كيلومترًا مربعًا، وتم التركيز على المناطق الساحلية لنهر دجلة خاصة حاوي الكنيسة وحاوي الجوسق وهي بساتين وأراضٍ زراعية مطلة على نهر دجلة، كما كثفت المدفعية قصفها على المحور الجنوبي واستهدفت مناطق معسكر الغزلاني والطيران والجوسق ومطار الموصل والغزلاني والتي تعتبر خط الصد الأول للمحور الجنوبي.

يشكل المدنيون الهاجس الأكبر في معركة استعادة الجانب الأيمن من مدينة الموصل فنحن نتحدث عن كثافة سكانية تشكل مركز ثقل العنصر البشري لمحافظة نينوى

مما أعطى إشارة واضحة أن المعركة لن يكون فيها جديد وأن عمليات التحرير ستبدأ من جنوب الموصل كما كان معد لها مسبقًا رغم توقعات البعض بأن تحرير الساحل الأيسر قد يعطي مساحة للقوات العراقية باختيار محور جديد وهو المحور الشرقي أو الشمالي، لكن ذلك لم يحدث إلى الآن، فقبل إعلان العبادي كان هناك تجمعًا لقوات الشرطة الاتحادية وقوات من الجيش العراقي شمال منطقة حمام العليل، كما أن القوات الأمريكية انتشرت في الصفوف الخلفية بغرض تقديم الدعم الاستشاري وأيضًا الدعم المدفعي.

منذ الساعات الأولى لإطلاق العبادي كلمته اندفعت قوات الشرطة الاتحادية لاقتحام عدد من القرى الجنوبية خاصة تلك المحاذية لنهر دجلة التي كان يستخدمها تنظيم داعش لتسلل مقاتليه إلى الجانب الأيسر، فحققت مكتسبات عسكرية سريعة تكمن بتحرير 17 قرية منها أربع قرى استراتيجية.

الاندفاع السريع للقوات العراقية والكثافة النارية الجوية والمدفعية دفعت التنظيم لفتح جبهة جديدة بعيدة عن الجانب الأيمن بالموصل بالتقنية التي يجيدها التنظيم “تقنية الذئاب المنفردة” حيث استهدف انتحاريو التنظيم عددًا من المناطق المدنية شرق الموصل كان أبرزها أفران لبيع الخبز في منطقة الزهور قرب دورة سيدة الجميلة، هذه المنطقة تعتبر قلب الساحل الأيسر، وقد حاول التنظيم استهدافها أكثر من مرة منذ أن استعادتها القوات العراقية، محاولاً منع عودة الحياة الطبيعية من خلال هذا الاستهداف.

ولعل أبرز ما تمناه تنظيم داعش من هذه العمليات هو لفت أنظار الجانب الإعلامي من معركة الأيمن ومحاولة رفع معنويات عناصره، إضافة لمحاولة عرقلة إرسال المزيد من القوات من الجانب الأيسر إلى الأيمن.

رغم قساوة معارك استعادة الموصل بشكل عام إلا أن معركة ما بعد التحرير هي الأصعب والأكثر شراسة

لكن النتائج كانت عكسية فقد وصلت مع مساء اليوم الأول قوات النخبة للجيش العراقي (جهاز مكافحة الإرهاب) لتباشر عملها في أحد محاور القاطع الجنوبي للمعركة، ولم تصل القوات العراقية حتى الآن إلى أول حي من أحياء الجانب الأيمن ويتوقع وصلوها إذا استمر التقدم بهذه الوتيرة خلال الـ48 ساعة القادمة.

يشكل المدنيون الهاجس الأكبر في معركة استعادة الجانب الأيمن من مدينة الموصل فنحن نتحدث عن كثافة سكانية تشكل مركز ثقل العنصر البشري لمحافظة نينوى، حيث يبلغ عدد السكان المحاصرين في الجانب الأيمن 750 ألف نسمة ويشكل الأطفال منهم 150ألف نسمة.

هذه الكثافة السكانية تعرضت لحصار أدى خلال الأيام القليلة الماضية إلى مقتل عدد من الأطفال نتيجة تعذر إيجاد مادة الحليب المفقودة من الأسواق، إضافة لحالة جوع عامة بين الأهالي، وهذا الأمر يحتم على الحكومة العراقية مهمة تأمين حياة هؤلاء السكان إضافة لإغاثتهم إغاثة عاجلة.

رغم الكلام الكثير والوعود المتعددة عن الاستعدادات لاستقبال النازحين وإغاثة أهالي الجانب الأيمن وإقامة مخيمات في جنوب الموصل تحديدًا في منطقة حمام العليل فإن ذلك لم يحدث إلى الآن في سيناريو مشابه لما حدث في شرق الموصل، حيث كانت الاستعدادات ضعيفة وعملية الإغاثة تعتمد بشكل كبير على الجهد التطوعي وحملات داخلية وخارجية لفرق شبابية ومنظمات وسط ضعف واضح للأداء الحكومي في هذا الجانب.

لعل أبرز ما تمناه تنظيم داعش من هذه العمليات هو لفت أنظار الجانب الإعلامي من معركة الأيمن ومحاولة رفع معنويات عناصره، إضافة لمحاولة عرقلة إرسال المزيد من القوات من الجانب الأيسر إلى الأيمن

ما زال الوقت مبكرًا للتنبؤ بخط سير المعركة وإمكانية حدوث انهيارات داخل صفوف داعش لكن مما لا شك فيه أن معنويات المقاتل العراقي وعقيدته القتالية اختلفت منذ آخر معركة له مع التنظيم في جانب الموصل الأيمن قبل نحو ثلاث سنوات، ولكن غلق الطريق على داعش ومنعها من الانسحاب قد يؤدي أيضًا للقتال إلى آخر رمق، الأمر الذي ينذر بالأرض المحروقة من مدينة الموصل القديمة، وهذا ما نتمنى عدم حدوثه.

رغم قساوة معارك استعادة الموصل بشكل عام إلا أن معركة ما بعد التحرير هي الأصعب والأكثر شراسة، معركة الفكر وإعادة الإعمار وفرض القانون وبسط الأمن، هذا ما ينتظره ويتمناه الموصليون لقاء تضحياتهم الكبيرة.