دخلت أحزاب اليمين المتطرف خلال الآونة الأخيرة إلى المعترك السياسي في أوروبا بقوة، مستغلّة العديد من المتغيرات المجتمعية والسياسية والثقافية التي طرأت على المشهد الأوروبي، أهمها بروز أزمة المهاجرين وزيادة تدفق اللاجئين وصعود الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وجد اليمين السياسي المتطرف في أوروبا في فوز ترامب داعمًا قويًا في مساعيه للوصول إلى السلطة، في المقابل وقفت الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية كالمتفرج بعد أن عجزت عن إيجاد حلول للبطالة نظرًا لتقاضي المهاجرين أجور أقل من العمالة الأوروبية، وكذلك ما يكلفه اللاجئ للدولة التي يذهب إليها من مصاريف يومية وتعليم وصحة وغيرها، الأمر الذي تسبب في ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت لـ11% في الاتحاد الأوروبي.
وتشهد أوروبا مؤخرًا موجة عنصرية لكل ما هو إسلامي أو ما يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، إذ باتت الأحزاب المتطرفة اليمينية ترسم لشعوبها المسلمين كأنهم “سرطان خبيث” يهدد ليس أوروبا فقط بل العالم بأسره، ولا نشك أبدًا أن من أعطى الضوء الأخضر للقادة الأوربيين الرئيس الحالي للولايات المتحدة عندما منع مواطني 7 دول مسلمة من دخول الأراضي الأمريكية كخطوة أولى نحو المزيد من “الممنوعات”، لكن لحسن الحظ القضاء الأمريكي أنصف بعض الشيء المسلمين.
الصعود الدراماتيكي للأحزاب اليمينية المتطرفة، خلط جميع أوراق القادة العرب في كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد، كما بات يسبب تهديدًا صارخًا بكل المعايير القانونية الدولية للمهاجرين المسلمين في القارة العجوز
المهم أن مخاوف المسلمين تعززت بالصعود الغريب للأحزاب المتطرفة، والذي من شأنه أن يزعزع الأسس والمبادئ التي كان يتغنى بها الغرب المتقدم، كما أنه سيساهم بشكل كبير في إحداث شرخ للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات الأوروبية أكثر مما هو عليه الآن.
الصعود الدراماتيكي للأحزاب اليمينية المتطرفة، خلط جميع أوراق القادة العرب في كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد، كما بات يسبب تهديدًا صارخًا بكل المعايير القانونية الدولية للمهاجرين المسلمين في القارة العجوز.
فإذا كان ترامب قد أظهر عداءه لكل شخص ليس من أصل أمريكي بغض النظر عن هويته أو انتمائه، فإن أوروبا تشهد حاليًا موجات تصعيدية عدائية وعنصرية ضد المسلمين، فمن الحزب الفرنسي اليميني المتطرف “الجبهة الوطنية الفرنسية”، إلى حزب الاستقلال بالمملكة المتحدة، ومن حزب جوبيك بالمجر إلى حزب الحرية النمساوية، وغير بعيد عنها الحزب الوطني الديمقراطي الألماني، فحزب الفنلنديين الأصليين، وأخيرًا وليس آخرًا حزب الحرية في هولندا الذي تعهد مؤخرًا على لسان زعيمه خيرت فيلدرز في مستهل حملته الانتخابية البرلمانية المقررة في شهر مارس القادم بحظر هجرة المسلمين وإغلاق المساجد في هولندا، مؤكدًا عزمه إنهاء “أسلمة هولندا”.
في النمسا، أظهرت نتائج أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “ريسرش أفيرز” استمرار تقدم حزب “الحرية” المعارض، الذي يمثل أقصى تيار اليمين، على جميع الأحزاب البرلمانية المنافسة، وحصوله مجددًا على المركز الأول برصيد 34% من إجمالي أصوات عينة البحث، متقدمًا بنحو 6% على الحزب الاشتراكي الحاكم، الذي جاء في المركز الثاني بنسبة 28%، قبل شريكه الائتلافي، حزب الشعب المحافظ، الذي حل في المركز الثالث بنسبة 19%.
وأظهرت النتائج التي نشرت بالأمس عدم حدوث تغير ملحوظ على خريطة شعبية الأحزاب النمساوية، حيث يتمتع اليمين المتشدد بشعبية كبيرة تفوق شعبية الحزبين التقليديين الاشتراكي والمحافظ بسبب تداعيات أزمة تدفق اللاجئين إلى النمسا والتهديدات الإرهابية ذات الصلة.
وجد اليمين السياسي المتطرف في أوروبا في فوز ترامب داعمًا قويًا في مساعيه للوصول إلى السلطة
ولعل فرنسا تعد دليلاً آخر على تنامي الفكر المتطرف الأوروبي بحكم العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، فصعود ماري لوبان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا في حالة فوزها في الانتخابات، سيؤجج الوضع المتأزم الذي تعيشه أوروبا، خاصة أننا نعلم أن حملتها الانتخابية ترتكز أساسًا على عدائها للمهاجرين، وإغلاق حدود أوروبا في وجه اللاجئين، واحتمالات تنظيم استفتاء شعبي لانسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي، على غرار ما حصل في بريطانيا.
وبات الحديث الآن ليس عن “الإسلاموفوبيا”، بل عن “الأوروفوبيا”، بمعنى أصح الإرهاب الأوربي للإسلام، إن لم نقل صراع الديانات، والمتهم فيه الإسلام والضحية أيضًا الإسلام، وشهود الضد بعض القادة العرب، وبطبيعة الحال القاضي والمحامي الغرب، هي معادلة رياضية صعبة، والأصعب فيها هو إيجاد الحل.