مع اقتراب وصول الوفود المشاركة في مؤتمر “جنيف 4” المقرر عقده في 23 من الشهر الحالي، خيمت أجواء من التشاؤم بشأن إمكانية أن يتمخض عن المؤتمر أي حلول تفضي إلى حلحلة لتشابكات الأزمة السورية، وسط عدم جدية روسيا في ضمان وقف إطلاق النار، وبالأخص بعد فشل محادثات أستانة في هذا الخصوص، واستمرار النظام السوري وإيران بارتكاب المجازر على الأرض، وتضارب المصالح الإيرانية الروسية، وعدم وضوح موقف واشنطن حتى اللحظة من الأزمة، وانشغال تركيا بدرع الفرات والسيطرة على مدينة الباب.
النظام يرتكب مجزرة في القابون
قبل ذهاب وفد النظام السوري إلى جنيف ارتكبت قوات النظام السوري مجزرة بحق المدنيين إثر استهداف جنازة في حي القابون شرق مدينة دمشق بصاروخ أرض أرض قتل على إثره 15 مدنيًا، علمًا أن الجنازة كانت لمدنيين سقطوا في قصف قوات النظام على الحي، ويعد الهجوم على الحي الأكبر منذ عامين، حيث تحاول قوات النظام إجباره على الرضوخ لمطالب مقدمة في الثاني من شهر شباط/ فبراير الحاليّ.
حيث ركزت البنود على خروج جبهة فتح الشام من القابون وتسليم السلاح الثقيل وخروج عدد من المقاتلين إلى الشمال السوري، إلا أن الثوار هناك رفضوا البنود فشن النظام حملة شرسة قوامها عودة حصار الحي والقصف الممنهج وقنص كل من يحاول الخروج من الحي لإجبارهم على الرضوخ له، ويندرج هذا ضمن استراتيجية النظام لتأمين محيط العاصمة دمشق وإنهاء وجود المعارضة في أطراف العاصمة ومحيطها، واتبع النظام سلسلة من التهجير والمصالحات لتطبيق استراتيجيته كما حصل في داريا ومعظمية الشام وخان الشيح ووادي بردى وقدسيا والهامة وغيرها.
خروقات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار تعطي للفصائل العسكرية حق الرد المفتوح على جميع الاعتداءات من النظام وحلفائه
كما استهدفت قوات النظام حي الجديدة في منطقة حرستا الغربية القريبة من دمشق الذي يعد من الأحياء الحاضنة للمدنيين النازحين من المناطق التي يحاصرها النظام في الغوطة الشرقية وحي جوبر ويقطن في الحي ما يقارب الألف عائلة.
وبعد فشل اجتماعات أستانة بإقرار بروتوكول لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، تعمدت كل من روسيا وقوات النظام السوري إطلاق حملة شرسة على مواقع المعارضة في محافظات إدلب وحماة وريف دمشق ودرعا على الرغم من التعهدات الروسية بوقف إطلاق النار، وذلك لفرض “تسويات” وإحراز تقدم عسكري ضد فصائل المعارضة وتنظيمات إسلامية في جنوب البلاد ووسطها واجتثاث المعارضة من أطراف العاصمة.
ويبدو أن جنيف 4 حُكم عليه الفشل قبل أن يبدأ وذلك بسبب توجهات روسيا والنظام ومن معها من المليشيات الإيرانية، حيث أعلن وفد الفصائل العسكرية إلى اجتماعات أستانة أمس الأحد، أن خروقات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار تعطي للفصائل العسكرية حق الرد المفتوح على جميع الاعتداءات من النظام وحلفائه، وبيّن الوفد في بيان له، أن الخروقات التي يقوم بها النظام وحلفاؤه في محافظات درعا وحمص وإدلب وريف دمشق تقوض مشروع وقف إطلاق النار وتجهز على فرص الحل السياسي وتعطي المعارضة الحق بالرد على مصادر النيران.
وقد أعلن المتحدث باسم فيلق الرحمن والمستشار الإعلامي بوفد المعارضة التفاوضي، وائل علوان، أن النظام يصعد من ضغطه العسكري عشية مؤتمر جنيف متجاوزًا جميع اتفاقيات وتعهدات وقف إطلاق النار، مما يجعل التعهدات الروسية الضامنة لقوات نظام الأسد وحلفائه في مهب الريح.
قدري جميل من منصة موسكو هدد بمقاطعة مفاوضات جنيف 4
من جهة أخرى لا يزال شكل الوفد المتوجه إلى جنيف 4 الذي من المفترض أن يضم جميع منصات المعارضة، يشوبه خلافات، ففي محاولة للتشويش على وفد المعارضة السورية هددت منصة موسكو بمقاطعة المفاوضات واتهم رئيس المنصة قدري جميل، المبعوث الدولي ديمستورا، بعدم الالتزام بقرار مجلس الأمن 2254 بشأن تشكيل وفد المعارضة من خلال الدعوات التي أرسلها للمشاركة في مؤتمر جنيف، وأشار إلى أن المنصة ستلجأ إلى الأمين العام للأمم المتحدة والرعاة الدوليين روسيا وأمريكا للتدخل لإصلاح هذا المسار.
واعتبر أن محادثات جنيف لن تنجح بسبب تركيبة وفد المعارضة التي طرحها ديمستورا، يُذكر أن وزير الخارجية الروسية أشار سابقًا بضرورة أن يشمل وفد المعارضة منصات موسكو والقاهرة وأستانة ومعارضة الرياض وحميميم والأكراد.
تحذيرات من مجموعة أصدقاء سوريا قبل انعقاد جنيف بأن فشل المفاوضات سيكون مسؤولية روسية
إلى جانب ذلك اعتبرت مسؤولة منصة أستانة رندة قسيس أن الهيئة العليا للتفاوض لم تتمكن من تشكيل وفد موحد يضم منصتي القاهرة وموسكو، والمنصات الأخرى لا يمكنها القبول بأن تكون تحت رئاسة أحد ممثلي منصة الرياض.
وبغض النظر عن جملة الخلافات الموجودة في وفد المعارضة بخصوص تشكيل الوفد، فإنه سيتم تلافيها في النهاية بشكل أو بآخر وسيتوجه الوفد إلى جنيف، ولكن المسألة في النهاية لا تتعلق بالخلاف السوري السوري بقدر ما تتعلق بكسر الاحتكار الروسي والإيراني لملف الأزمة السورية وتحريكه لصالح خدمة نفوذيهما في سوريا من خلال استخدام النظام السوري كأداة واللذين يلعبان دورًا معطلًا لأي جهود سياسية في حل الأزمة بالشكل الذي يعارض أي من ثوابتها، بشار الأسد وأركان حكمه في السلطة، وفي هذا السياق جاءت تحذيرات من مجموعة أصدقاء سوريا قبل انعقاد جنيف بأن فشل المفاوضات سيكون مسؤولية روسية.
الأزمة السورية.. عقد شائكة
صار محسومًا في الملف السوري أن روسيا لها نفوذ عسكري وسياسي على سوريا، وهذا النفوذ مقبول من الولايات المتحدة وأوروبا بدرجة ما، جعلها تفرض رؤيتها للحل مع الأطراف المحاورة في الأزمة، وباتت القوى الإقليمية تفضل مفاوضة الطرف الروسي بدلاً من النظام السوري.
وكذلك إيران من الناحية العسكرية، فسطوة إيران العسكرية التي تفرضها في سوريا من خلال مليشياتها على الأرض الموالية لإيران، هي الأخرى صارت أمرًا محسومًا لدى الجميع، كما تتجه لتشكيل حرس ثوري سوري موالٍ لها عبر قطع عسكرية، تدافع عن النفوذ الإيراني في سوريا.
أما تركيا فتسعى من خلال صفقات جانبية مع الأطراف المتدخلة في سوريا إلى عدم حصول الأكراد على مناطق نفوذ لهم في الشمال السوري بشكل يهدد أمنها القومي، وبين كل هذه المؤشرات هناك موقف أمريكي تأمل المعارضة السورية في تبديل جوهري فيه من شأنه أن يكسر الاحتكار الروسي الإيراني في سوريا والذي صار أقرب إلى “الاحتلال العسكري المباشر”.
حيث هدد وزير الخارجية الأمريكي الجديد ريكس تيلرسون روسيا بأن بلاده لن تتعاون عسكريًا معها قبل أن تتوقف موسكو عن وصف معارضي النظام السوري بالإرهابيين وهو ما اعتبرته المعارضة السورية مؤشرًا إيجابيًا على تغير في السياسة الأمريكية لصالح الشعب السوري.
وحسب لقاءات جرت بين الائتلاف السوري ومساعد وزير الخارجية الأمريكية في واشنطن والمشرف على الملف السوري مايكل راتني، يوم الجمعة الماضي، أظهرت للمعارضة العديد من المؤشرات التي تؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة على وشك “نسف” استراتيجية المهادنة التي اتبعتها إدارة الرئيس باراك أوباما مع الروس والإيرانيين في سوريا على مدار السنوات الماضية والتي مكنتهم من السطو المسلح على سوريا، واكتفت إدارة أوباما بموقف المتفرج على ذلك السطو.
تفيد مؤشرات أن موقف إدارة ترامب من الملف السوري لا يزال قيد الدراسة حتى الآن، ولكن من المؤكد أن السياسة الجديدة لن تكون كالقديمة وخصوصًا فيما يتعلق بالموقف من إيران التي تسعى الإدارة لإخراجها من سوريا وتقييد نفوذها في المنطقة، وحتى تتوضح رؤية الحل للإدارة الأمريكية الجديدة سيبقى وفد المعارضة يذهب إلى جنيف ويعود بخفي حُنين على الأرجح.