وسط غبار العملية العسكرية باليمن، أوقعت السعودية والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الإمارات في الفخ الجنوبي، ربما تكون هذه الكلمات هي ملخص كافٍ لما حدث بقصة مطار عدن بين الرئيس هادي وقائد حماية أمن مطار عدن الدولي المقدم صالح العميري، الذي رفض أوامر هادي بتسليم المهام الأمنية للمطار، بعد وعود إماراتية لدعمه، واندلعت اشتباكات بين قوات الحماية الرئاسية وعناصر موالية للعميري، والذي نقلته مروحية عسكرية إماراتية إلى معسكر تابع لها في خور مكسر، بل زاد من وطأة الأزمة إغلاق العميري مطار عدن في وجه طائرة هادي القادمة من الرياض ومنعها من الهبوط، الأمر الذي دفع قائدها للتوجه إلى مطار جزيرة سوقطرة، وسط المحيط الهادي.
خلافات مكتومة
تفاصيل الأزمة ليست وليدة معركة المطار، ولا تتعلق بالعميري وهادي، فهما فقط مجرد أداتين لكل من الإمارات والسعودية على التوالي، الأمر الذي أظهر للعلن الخلاف المعلوم منذ فترة طويلة بين الرياض وأبوظبي بخصوص إدارة الأزمة باليمن والمكاسب التي تبحث عنها كل من الدولتين في “عاصفة الحزم”.
تسريب ويكيليكس
في وثيقة مُسربة نشرها موقع ويكيليكس، يقول ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان: “بوضوح تام، السعوديون ليسوا الأصدقاء الأعزاء للإمارات”، موضحًا أن حاجة الإمارات للسعودية تنبع فقط من إمكانية التفاهم بينهما، أي بصيغة أخرى، ثمة مساحات للتفاوض بإمكانها أن تُقرّب المسافات بين البلدين ذوا العلاقات المتوترة منذ القدم.
تاريخ حافل بالصراعات
ربما تنطلق فرضية هذه الوثيقة من كون البلدان “السعودية والإمارات”، بينهما تاريخ حافل بالنزاع والصراع المتراوح بين الظاهر والخفي، تقريبًا منذ نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، وعبر العقود التالية، بل حتى الآن لا تبدو العلاقات بين البلدين على خير ما يرام.
فبين البلدين خلاف حدودي تاريخي لا يمكن إخفاؤه، وصل في 2010 إلى حد إطلاق حرس الحدود الإماراتي النيران على زورق تابع لحرس الحدود السعودي واحتجاز جنديين سعوديين، وقبلها في 2009 منعت السعودية دخول الإماراتيين إلى أراضيها بهوياتهم، كما جرت العادة وفقًا لقوانين مجلس التعاون الخليجي، واعتبر ذلك حصارًا بريًا فرضته المملكة على الإمارات التي تشارك السعودية أغلب حدودها البرية (457 كيلومترًا)، لأنه دون العبور عبر السعودية، لا يمكن للمواطن الإماراتي دخول أيّ من دول الخليج، ما عدا سلطنة عمان التي تمتلك حدودًا لها مع الإمارات!
الجنوب منطقة صراع جديدة بين الإمارات والسعودية باليمن
كعكة عدن
الصراع قديم إذًا، جددته المصالح الاستراتيجية باليمن، خصوصًا عدن العاصمة المؤقتة وعاصمة الجنوب سابقًا، فكلا الدولتين ترى أنه ليس من صالحها أن تنفرد الأخرى بالحل والعقد في اليمن، لأن سيطرة المملكة على الجنوب اليمني يعني كارثة بكل المقاييس بالنسبة للإمارات، لأنه سيحقق للسعودية امتيازات اقتصادية كبرى، وهو ما سيزيد من فرص هيمنة السعودية على مجلس التعاون، وإقصاء أكبر للدور الإماراتي، ناهيك عن جدلية زعامة العالم السني التي تتقاسمها السعودية مع تركيا.
تسعى الإمارات للعب هذا الدور في اليمن بدلاً من تركيا، الأمر الذي دفع أبو ظبي لدعم التيارات السلفية بالجنوب، مما أثار ريبة المملكة، خاصة أن الإمارات بدأت في التوغل في ملعب السعودية المتخصص بالجماعات السلفية
وتسعى الإمارات للعب هذا الدور فيها بدلاً من تركيا، الأمر الذي دفع أبو ظبي لدعم التيارات السلفية بالجنوب، مما أثار ريبة المملكة، خاصة أن الإمارات بدأت في التوغل في ملعب السعودية المتخصص بالجماعات السلفية، محاولة مناطحتها في فكرة قيادة العالم السني، ناهيك عن المخاوف الإماراتية من مشروع “مدينة النور”، الذي يتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وإفريقيا، مما يشكل ممرًا تجاريًا عالميًا هامًا، قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي.
وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات، ويفقدها أهم ركائزها الاقتصادية المعتمدة على ميناء دبي، إضافة إلى أهمية “حقل واعد” النفطي اليمني، الممتد من محافظة الجوف في اليمن وحتى صحراء الربع الخالي، الذي تسعى السعودية للسيطرة عليه بمفردها، لزيادة إنتاجها النفطي إضافة إلى تأمين تصدير نفطها عبر بحر العرب، بدلاً من مضيق هرمز على الخليج العربي.
اللعب بورقة القبلية
في المقابل، استطاعت الإمارات أن تحقق اختراقًا لجهة استمالة القبائل المدعومة من السعودية، بالإضافة لبعض الناشطين الفاعلين بالجنوب للترويج لفكرة الانفصال “فك الارتباط”، وهي الورقة التي لا تحبذها السلطات في السعودية، فاليمن دولة حدودية للسعودية، وأي دعوات انفصالية فيها قد تلقي بظلالها السيئة على المملكة واستقرارها.
الإمارات تجاهلت القيادات الشمالية في عملية الرمح الذهبي
عملية الرمح الذهبي
الآن خرجت المعارك الخفية بين السعودية والإمارات في اليمن إلى النور، وهي فرضية جسدتها عملية “الرُمح الذهبي”، التي أرادت أبو ظبي من خلالها إثبات قوتها على الأرض، وفاعليتها في تحريك حلفاء الداخل “الجنوبيين”، في مواجهة عدو محلي هذه المرة هو “حزب الإصلاح” الإخواني، وتقدمت على الساحلية الغربية، والتي تسيطر عليها مليشيا الحوثي منذ انقلابها منذ أكثر من عامين خاصة باب المندب وميناء المخا، وهي عملية أقصت فيها الإمارات “عمدًا” حلفاء الداخل من المقاومة الشمالية والتي تتركز في “تعز”.
ويشكل حزب الإصلاح قوامها الأكبر، على الرغم من أنها جاءت خارج حدود الخارطة الجنوبية، كما أن المناطق التي تسعى الإمارت للسيطرة عليها “بريًا”، تقع على تخوم صعدة، في الشريط الساحلي الغربي، وهي تعطي بذلك السطوة العسكرية للمقاومة الجنوبية، مما يعد ضربة للإصلاح، الرافض لفكرة انفصال الجنوب التي تروج لها أبو ظبي.
هل تحل تركيا بديلاً عن الإمارات بتحالف عاصفة الحزم؟
زيارة أردوغان للمملكة
رد السعودية جاء سريعًا على هذه العملية، بعدما استشعرت خطورة التحركات البرية الإماراتية في الجنوب والغرب، واستغلت بالتعاون مع الرئيس هادي واقعة مطار عدن التي قلنا إنها “فخ”، لتحجيم الدور الإماراتي بالجنوب، عبر الإيعاز لهادي بتسليم إدارة مطار عدن لفريق سعودي متخصص في حماية المنشآت الرسمية وأمن المطارات، وهو ما لم تعترض عليه الإمارات مجبرة، خوفا من تأزيم موقفها مع شعب الجنوب، وإظهارها في ثوب المثيرة للاضطرابات.
تزامن صول هادي إلى الرياض مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية، في جولة تشمل إلى جانب المملكة كل من البحرين وقطر، وتجاهلت الإمارات، مما يشير إلى أن هناك إمكانية لقيام تركيا بدور عسكري في اليمن
الصفعة السعودية للإمارات لم تتوقف عند هذه النقطة، حيث تزامن صول هادي إلى الرياض مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية، في جولة تشمل إلى جانب المملكة كل من البحرين وقطر، وتجاهلت الإمارات، مما يشير إلى أن هناك إمكانية لقيام تركيا بدور عسكري في اليمن خاصة المنطقة الجنوبية، وهو وجود سيشهد بالتأكيد دعمًا من حزب الإصلاح الإخواني، يضعها في مواجهة الإمارات والمقاومة الجنوبية، مما يعني إبقاء الحال بالجنوب عند هذا الحد، ووقف محاولات الهيمنة المستمرة للإمارات على المنطقة، وهو ما تريده المملكة على أقل تقدير خلال الفترة الحالية، لحين استطلاع موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب من حسم الصراع باليمن عسكريًا أو سياسيًا.