جاءت الأطعمة الجاهزة والسريعة لتحدث طفرة في عالم صناعة الأطعمة، فخلقت مفهومًا جديدًا في المطاعم، وجبات كاملة تُستبدل بكميات قليلة من الطعام يتم إعدادها في زمن أقل كما أنها تؤكل أيضًا في زمن أقل، ولكن لم تكن تلك الطفرة الوحيدة، فجاء عصر التكنولوجيا ومعه السرعة لتهيمن ليس فقط على صناعة الأطعمة الجاهزة، بل وعلى كل شيء، لتظهر الهواتف الذكية.
الناس يحبون هواتفهم الذكية، تلك حقيقة يعلمها الجميع وحتى أصحاب المطاعم، ليجمع لنا “فيسبوك” في النهاية إحصائيات أخيرة عن ارتباط الهواتف الذكية بالطعام، فكانت النتيجة أن 53% من محبي تناول الطعام في المنزل، و41% من محبي تناول الطعام أحيانًا في الخارج يسألون هواتفهم أولًا عن أفضل الأماكن المرجحة لتناول وجبة الغداء فيها في مدينتهم.
التكنولوجيا ليست الوحيدة في مساعدتهم على ترجيح أماكن لتناول الطعام لهم فحسب، بل الناس أيضًا، حيث وجدت الإحصائيات السابقة أن ربع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يصورون وجبات طعامهم ويرفعونها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قبل أن يتناولوها، ليقوموا بعدها بتقييم المطعم على صفحته الرئيسية، وكذلك على “Google Map”.
الأمر عبارة عن سلسلة متتابعة من الأحداث التكنولوجية تنتهي بأنك تتناول مزيدًا من الطعام الجاهز، حيث يتابع “Google Rating” أو تقييمات جوجل أكثر المستخدمين الذين يصورون وجبات طعامهم ويقيمون تلك المطاعم من حيث الجودة والنظافة وجمال المطعم، ليمنح أكثر المستخدمين تقييمًا نجومًا تختلف ألوانها بحسب عدد التقييمات التي يكتبها الشخص، ومن ثم يجعله جوجل موثوقًا به في منح التقييمات للمطاعم فيستخدمه الناس مرجعًا أساسيًا لهم في الحكم على المطاعم قبل الذهاب إليها.
صورة توضح مدى اهتمام كل من محبي تناول الطعام في المنزل ومحبي تناوله في الخارج بإلقاء نظرة على تقييمات المطعم على الإنترنت قبل الذهاب إليه
لا شك أن صور الطعام مغرية، فما بالك حينما تتضور جوعًا وتجد أحد أصدقائك ينشر صورة لوجبته اللذيذة في المطعم الفلاني، ويكتب أن تناول الطعام في ذلك المطعم تجربة مثرية، ربما ستكون أول فكرة تخطر ببالك، هو أن وجبتك القادمة ستكون في ذلك المطعم بالتأكيد، وهذا هو السر الذي استغله المسوقون على موقع “إنستغرام”، بتخصيصهم حسابات خاصة على الموقع للمطاعم، ونشر صور الطعام المُزيّن في الأطباق وصور من حوله سعداءً بتناوله.
هنا يوضح “Facebook Insights” أن 66% من مستخدمي “إنستغرام” من محبي تناول الطعام في الخارج يجدون في صور الطعام على إنستغرام إلهامًا لهم في تجربة تناول الطعام الجاهز، كما كانت النسبة المتأثرة بالصور المنشورة للطعام على فيسبوك لهؤلاء الأشخاص تصل إلى 62% من المتأثرين بالصور والفيديوهات عن الطعام.
كما اتضح في الدراسة التحليلية من قِبل فيسبوك أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست منصة فقط لنشر الصور أو الفيديوهات أو التقييمات بالنسبة للطعام، بل منصات هدفها الأساسي التواصل، ولا عجب أن نجد 52% من الأشخاص السابقين (من ينشرون صور طعامهم وتقييماتهم على تلك المواقع) يتخذون من “فيسبوك ماسنجر” وسيلة للتحدث عن الطعام أيضًا وعن خبراتهم في المطاعم المختلفة كذلك.
لا يكون الناس هنا العامل الفعال في المعادلة السابقة فحسب، حيث أدرك أصحاب المطاعم أهمية الهواتف الذكية في حياة الناس، وأهميتها كذلك في اهتمامهم بالطعام أو خوض تجارب جديدة في مطاعم مختلفة، لذا فبدلًا من أن يأتوا بأنفسهم للتجربة، يجلب المطعم التجربة نفسها إلى باب بيتهم، وذلك عن طريق مواقع وتطبيقات توصيل الطعام الجاهز من مختلف المطاعم إلى باب منزلك.
كان توصيل الطعام يقتصر من قبل على الوجبات السريعة مثل البيتزا والهامبرجر، إلا أن الآن، ومع تطور أساليب حفظ ونقل الطعام، وانتشار سلاسل المطاعم تقريبًا في كل مكان، نجد أن بإمكانك تصفح أغلب المطاعم الموجودة بالقرب منك، وتبحث عما يحلو لك من وجبات تود تجربتها، ورؤية تقييم من سبقك لتناول تلك الوجبة لها، وتقييم المستخدمين للمطعم نفسه وجودة الطعام وسرعة توصيله، ليسهل بذلك طلبك وأنت شبه متأكد أن الطعام القادم إليك سيكون مُرضيًا.
لن تحتاج إلى أن تدفع لمن سيوصل إليك الطعام، فقد سهلت تلك المواقع على الإنترنت أو التطبيقات على الهواتف الذكية الدفع فورًا ببطاقتك الائتمانية أو ببطاقتك البنكية، لتصبح عملية طلبك للطعام سهلة للغاية، كل ما عليك أن تفتح الباب، تتناول الحقيبة مبتسمًا، ومن ثم تتناول طعامك في سعادة، لتستغرق العملية كلها منذ الطلب وحتى إنهاء تناولك لوجبتك دقائق فحسب.
استطاع بذلك طلب الطعام عن طريق الهواتف الذكية الوصول إلى مرتبة صناعة الـ38 مليار دولار بحسب تقرير “بيزنس إنسايدر“، لتتفوق في ذلك على صناعة الأطعمة الجاهزة نفسها، فعلى الرغم من كون صناعة طلب الطعام بالهواتف الذكية صناعة حديثة وجديدة على عالم المطاعم، فإن الاستثمار فيها لا يبدو مربكًا للقائمين على تلك الصناعة إطلاقًا، فهم مستعدون للمراهنة والمخاطرة، وذلك بعد اكتشاف أن نصف طلبات بعض المطاعم، تأتي فقط من تطبيقات الهواتف الذكية، مثل “دومينوز بيتزا” أو “بابا جونز” بيتزا.
لم تكن مطاعم البيتزا وحدها رائدة في مجال التطبيقات، فكان أولها “ستاربكس” الذي خصص في عام 2010 تطبيقًا للدفع عن طريق الهاتف الذكي، لا سيما تخصيصه تطبيقًا خاصًا بالجوائز المهداة للزبائن المخلصين لستاربكس كذلك، أكسب سلسلة صانع القهوة “ستاربكس” مزيدًا من ولاء الزبائن له، ليشترك في التطبيق ما يقرب من 12 مليون زبون.
كان لتركيا تجربة فريدة في ذلك أيضًا، وذلك عن طريق “سلة الطعام” وهو الموقع الأكثر شهرة واستخدامًا في تركيا لطلب الطعام عن طريق الموقع أو التطبيق، يستخدمه نحو 5 مليون مستخدم، بعدد 150 ألف طلب يوميًا، ليمتد الموقع خارج تركيا ويصل إلى كثير من بلدان الشرق الأوسط مثل لبنان والإمارات والأردن وقطر، كما امتد لأوروبا الشرقية في عام 2016، ليبدأ استخدامه في كل من رومانيا وبلغاريا.
يتغير سلوك الزبائن بشكل دائم وغير محدود، لذا بدأت المطاعم المختلفة ومعها سلاسل الوجبات الجاهزة العالمية في المنافسة على تطوير مواقعهم وتطبيقاتهم الخاصة بالهواتف الذكية لتسهيل وتغزيز خدمة الطلب عن بعد والدفع أيضًا عن بعد، فما الذي تخبأه لنا التكنولوجيا بخصوص عاداتنا اليومية بعد سيطرتها على تناول الطعام أيضًا؟