شهد العالم، في الآونة الأخيرة، صعود قائد جديد في آسيا، ذي قبضة حديدية، وهو الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي أخذ يكتسب مزيدا من القوة والنفوذ منذ تسلمه دفة الحكم سنة 2012. وبعد مرور سنتين، تقلد ناريندرا مودي منصب رئاسة وزراء الهند، في حين فاز جوكو ويدودو برئاسة إندونيسيا.
في الواقع، تمكن هؤلاء القادة الآسيويون من الوصول إلى مناصب مرموقة في دولهم، من خلال أجندة سياسية تقوم أساسا على إرساء منظومة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ووفقا لما أعلن عنه هؤلاء القادة الثلاث، فإنهم سيسعون إلى إعادة إحياء أمجاد دولهم من خلال التركيز على الاقتصاد الواعد، والمتذبذب في الوقت ذاته.
في المقابل، وفي مطلع سنة 2017، يبدو أن الشعوب الآسيوية ما زالت تنتظر حلول اللحظة الموعودة. بالنسبة لإندونيسيا، لم يفلح البرنامج الإصلاحي الذي تقدم به الرئيس جوكو ويدودو في إنعاش اقتصاد البلاد، ولم يحقق سوى نمو اقتصادي ضعيف، لم يرق إلى سقف التوقعات الذي وضعه.
يعول العالم برمته على صعود هذه الأسواق الحيوية في آسيا، لدفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي
أما في الصين، فلم يترتب على وعود شي جين بينغ الواهية سوى إثقال كاهل الدولة بالمزيد من الديون. وبالنسبة للهند، التي يعتبر أداؤها أفضل حالا من نظيرتها، فإن ناريندرا مودي لا يزال مترددا بشأن المضي قدما في إرساء التغييرات اللازمة للدفع بعجلة الاقتصاد. وعلى ضوء هذه المعطيات، يبدو أن هؤلاء القادة الآسيويين الأقوياء ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية.
خلافا لذلك، يعول العالم برمته على صعود هذه الأسواق الحيوية في آسيا، لدفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي. ففي تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” البريطانية للأبحاث والدراسات الاقتصادية، تقريرا تحت عنوان مثير للتشاؤم، “نهاية العهد الذهبي”، تكهنت من خلاله أن “العالم سيصاب بخيبة أمل بسبب التوقعات الاقتصادية واسعة النطاق، التي خال العالم أنها تبشر بانتعاشة مستديمة في الأسواق الصاعدة، بعد فترة الركود التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة”.
وتبعا لما نشرته المؤسسة في تقريرها، فإن الناتج المحلي الخام للاقتصادات الصاعدة سيحقق نموا لن يزيد عن أربعة بالمائة، وهو ما يجعله معدلا أبطأ بنسبة ستة بالمائة من الركود الذي شهدته هذه الاقتصادات في سنة 2000.
وفقا لهذه المؤشرات، فإن الاقتصادات الكبرى، كتلك التي تتمتع بها كل من الهند والصين، والتي وصلت في فترة من الفترات إلى نسب نمو غير مسبوقة، من الصعب عليها أن تحقق قفزة نوعية في النمو الاقتصادي. وفي الأثناء، ما يجب أخذه بعين الاعتبار حيال هذه المسألة، هو أن هذه البلدان بالذات لا تفتقر إلى الإمكانيات وإنما إلى القيادة.
في الحقيقة، إذا تمت مقارنة السياسات الحالية التي يتّبعها القادة الآسيويون، والقرارات الجريئة التي شهدتها هذه الدول في السابق، فسيتضح الفرق الشاسع بينهما؛ ففي الهند في مطلع تسعينيات القرن الماضي، قام كل من رئيس الوزراء، ناريسما راو، ووزير المالية، مانموهان سينغ، بهدم مساحات واسعة من ممتلكات “راج” الهند التي كانت تعتبر مقدسة.
لماذا لا يستطيع القادة الآسيويون اتخاذ قرارات حاسمة؟
وفي أوائل الثمانينيات، خلق القائد الصيني دنغ شياوبينغ، بصحبة فريق من المفكرين نظرية اقتصادية جديدة، مفندا بذلك نظرية ماو تسي تونغ اللاعقلانية. وحتى في إندونيسيا، فإن سوهارتي بأخطائه التي لا تحصى ولا تعد، قد تمكن من إضفاء جملة من التغييرات الجذرية التي خفضت من مؤشر الفقر، في رابع أكبر دولة من حيث تعداد السكان.
في الوقت الراهن، لسائل أن يسأل، لماذا لا يستطيع القادة الآسيويون اتخاذ قرارات حاسمة؟ جزئيا إنها مشكلة نجاح. فعلى الرغم من الفقر المدقع الذي تعيش في ظله الملايين من الشعوب الآسيوية، إلا أنهم أفضل حالا، نسبيا، مما كانوا عليه سابقا، وهو ما يقف عقبة في وجه تحفيز التغييرات الملحة التي ربما قد لا تحظى بشعبية.
منذ سنة 1980، تضاعف نمو الناتج المحلي في إندونيسيا حوالي خمس مرات، بينما تضاعف في الهند قرابة ست مرات، في حين تضاعف معدل النمو في الصين أكثر من 26 مرة. وعلى الرغم من حقيقة أن العولمة كانت المحرك الرئيسي لهذه المكاسب، إلا أن هناك أصواتا قوية داخل الدولة لا تزال تعارض ذلك، إذ أنها ليست مقتنعة بضرورة الانفتاح على العالم، خاصة في ظل الاضطرابات التي شهدها الاقتصاد العالمي على مدى العقد الماضي.
في السابق، كانت عملية ربط الاقتصادات منخفضة التكلفة بالتجارة الدولية والخدمات ووسائل التوريد الدولية كافية لتحفيز الاقتصاد ودفع القدرة الإنتاجية.
أما في الوقت الحالي، فإن الاقتصادات، التي تقوم على نظم معقدة، تفرض العديد من التحديات وتطرح الكثير من الرهانات، من بينها السبل الكفيلة بتحفيز الابتكار، الذي أصبح أمرا صعب المنال.
وبالتالي، فإن احتمال فتح القطاعات المحمية، وتبديد اللوائح الجمركية، سيشكل تهديدا على مصالح هذه الاقتصادات التي استفادت في السابق من الازدهار. وعلى سبيل المثال، أثّرت خارطة طريق البرنامج الإصلاحي الذي وضعه، شي جين بينغ، على مختلف مؤسسات الدولة وبنوكها، ابتداء من الكوادر الشيوعية ووصولا إلى كبار رجال الأعمال.
في إندونيسيا، لا يزال جوكو يصارع ليصل إلى بر الأمان، وسط حقل الألغام السياسي، الذي يمتد إلى داخل حزبه
وفي السياق ذاته، لا يمكن اعتبار الديمقراطية بمثابة عقبة تقف في طريق نجاح هؤلاء القادة. ففي الصين، يبدو أن هناك علاقة عكسية بين مساعي شي التوسعية ووتيرة الإصلاحات الموجهة للسوق الحرة. أما في الهند، فإن رئيس الوزراء الذي انتخب في كنف الديمقراطية، قد تمكن نوعا ما من إدخال جملة من الإصلاحات على اقتصاد البلاد؛ كالتقليل من الحواجز الجمركية أمام المستثمرين الأجانب والإعلان عن إجراء جملة من الإصلاحات الضريبية التي طال انتظارها. وبالنسبة لإندونيسيا، وبغض النظر عن البداية البطيئة التي انطلقت إثرها الإصلاحات التي وعد بها جوكو، فإنها، على الأقل، قد سمحت لاقتصاد البلاد باستضافة شركات جديدة، وإفساح المجال أمام الاستثمار الأجنبي.
وتجدر الإشارة إلى أن دونالد ترامب، الذي نصب نفسه كأحد أقوى رجال الأعمال في العالم، قد منح الأمل لهؤلاء القادة في إثر تسلمه مسؤوليات الإدارة الأمريكية.
وتماما مثل شي، يعتقد كل من مودي وجوكو أن تسلم ترامب لدفة الحكم قد عزز آمال المستثمرين والمديرين التنفيذيين في التغييرات الجذرية التي ستطرأ على النظام الاقتصادي، والتي ستكون ملائمة للتجارة. في المقابل، من المحتمل أن تتحول هذه التوقعات الكبيرة إلى خيبة أمل، فقد تدفع المنزلقات السياسية بنظراء ترامب الآسيويين إلى الحياد عن المسار الإصلاحي الذي وعدوا باتباعه. فضلا عن أن ترامب، وفي ظل الاضطرابات التي تطغى على البيت الأبيض، قد يقترف الأخطاء نفسها.
في الواقع، ما لم يعد القادة الآسيويون إلى المسار الإصلاحي مجددا، فإن نمو اقتصاد بلدانهم سيظل على الوتيرة نفسها. ومن هذا المنطلق، يجب على مودي أن يستأنف حملة الاصلاح الزراعي لتسريع عملية تقويم الصناعة، وإطلاق عملية الخصخصة الموجهة للشركات التابعة للدولة.
وفي الأثناء، يحتاج جوكو إلى دفع نسق الإنتاج، والحرص على استكمال برنامج تهيئة البنية التحتية. أما بالنسبة لشي، فمن الضروري أن يوقف دعم المؤسسات ذات الطاقة الإنتاجية المنخفضة، وتحرير الأسواق ورؤوس الأموال. والجدير بالذكر أنه في حال تقاعست هذه البلدان عن اتخاذ الإجراءات الاقتصادية اللازمة، عندها سيكون “عهدها الذهبي” قد انتهى فعليا.
المصدر: بلومبورغ