ترجمة حفصة جودة
في الأسبوع الماضي، وبعد 3 أيام فقط من التفجير الانتحاري خارج لاهور، قام مؤيدو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بضرب مجموعة من الراقصين الصوفيين في مزار باكستان الكبير بمدينة سيهون شريف، هذا الهجوم – الذي قتل أكثر من 90 شخصًا – أظهر قدرة المتشددين على إسكات الأصوات المتسامحة والمعتدلة في العالم الإسلامي.
أظهر هذا الهجوم أيضًا الانتشار المرعب الذي استطاعت داعش تحقيقه، حيث تستطيع الآن أن تضرب الداخل الباكستاني، فيبدو أن داعش الآن تتساوى مع طالبان كونها تشكل تهديدًا خطيرًا لدولة مسلحة نوويًا.
يعتبر تفجير ضريح سيهون تطورًا عالميًا خطيرًا في منطقة بحاجة ماسة للاستقرار، فهذا الضريح الإسلامي يرحب بالغرباء والأقليات الدينية وحتى النساء، والآن بعد 60 عامًا من التقسيم وطرد الهندوس من باكستان إلى الهند (والعكس كذلك مع مسلمي الهند حيث تم طردهم إلى باكستان)، فأحد حراس المعبد ما زال هندوسيًا كما أنه الشخص الذي يقوم بالطقوس الافتتاحية في المهرجان السنوي، ويزور رجال الدين الهندوس والحجاج والمسؤولون الضريح حتى الآن.
لكن الاحتفالات المبتهجة التي تستمر طول الليل في البرية احتفالاً بذكرى القديس الصوفي، تشكل خلاصة لمعظم ما يرفضه المتشددون الإسلاميون، الموسيقى الصوفية العالية وقصائد الحب التي تُغنى في الساحات ورقص الرجال مع النساء وتدخين الحشيش، كما أن الهندوس والمسيحيين مدعوون للمشاركة في الاحتفالات.
انتشرت الحركات المتطرفة المناهضة للصوفية في أنحاء العالم الإسلامي، وحتى القرن الـ20 كان المتشددين يتم النظر إليهم باعتبارهم مهرطقين، لكن في السبعينيات تم استخدام الثروة النفطية في السعودية لنشر المعتقدات غير المتسامحة في جميع أنحاء العالم، ونتيجة لذلك، تعلم الكثير من المسلمين المعاصرين التراث الديني الإسلامي الذي يقوم باستبعاد الصوفية.
ما حدث في ضريح سيهون شريف، هو إشارة لأي الطريقين سيذهب الإسلام العالمي، هل يستمر في طريق الإسلام المتسامح الذي يقبل بالتعددية، أم أنه – تحت ضغط التمويل السعودي – سيختار الطريق الأكثر تشددًا للوهابيين والسلفيين، مع عدائهم العلني للهندوس والمسيحيين واليهود.
لقد تغير الإسلام في جنوب آسيا، مثل أوروبا في القرن الـ16 في عصر الإصلاح، فقد ارتفعت أصوات المتشددين والرافضين للموسيقى والصور والاحتفالات والخرافات عن أضرحة القديسين، في أوروبا المسيحية، بحثوا في النص وحده للحصول على السلطة، وجندوا معظم مؤيديهم من الطبقة المتعلمة المتوسطة والتي تعتبر ما يحدث خرافات فاسدة من الفلاحين الأميين.
انتشرت الوهابية المتشددة والسلفية الأصولية في باكستان بسرعة كبيرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تمويل السعودية بناء الكثير من المدارس الإسلامية لتملأ الفراغ الذي خلفه انهيار التعليم الحكومي.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
تمول السعودية بناء العديد من المدارس لتملأ الفراغ الذي خلفه انهيار التعليم الحكومي
في زيارتي الأخيرة لمدينة سيهون قبل بضعة سنوات، كانت أكبر المدارس الإسلامية تقع في منطقة ليست بعيدة عن ضريح لآل شهباز قلندر، يدير هذه المدرسة سليم الله وهو شاب متعلم لكنه لا يخفي وجهات نظره المتشددة، فبالنسبة للخلاف اللاهوتي بين الصوفية والمتشددين، كان رده بسيطًا: “نحن لا نحب عبادة القبور، القرآن كان واضحًا تمامًا بهذا الشأن، نحن لا ندعو أمام الموتى ولا نطلب منهم شيئًا حتى لو كانوا من الأولياء”.
يرى سليم أن دوره هو إبعاد الناس عن عبادة الأوثان والقبور وهدايتهم من الكفر إلى طريق الشريعة، وقال سليم: “تذكروا كلماتي تلك، فطالبان الأكثر تطرفًا تقترب من باكستان”، يدّعي سليم الله أن معظم الناس يرغبون في عودة الخلافة، وقال إن وكالة الاستخبارات الباكستانية تقف في صفه، وأضاف: “عندما تعود الخلافة، سوف أؤدي واجبي في هدم هذه المزارات والأضرحة وسأبدأ بضريح سيهون”.
تدير مؤسسة سليم الله وحدها أكثر من 5 آلاف مدرسة، كما قامت بافتتاح أكثر من 1500 في السند، ووفقًا لدراسة حديثة، فقد ازداد عدد المدارس في باكستان 27 مرة عما كان عليه عام 1947، بمجموع 8 آلاف مدرسة.
أصبح المسار الديني أكثر تطرفًا، فقد تعرض الكثير من الأشخاص والأمكان الصوفية للهجوم، من ضمن ذلك ضريح داتا دربار في لاهور والذي تعرض لهجوم عام 2010، وحادثة اغتيال المنشد الصوفي أمجد صبري في الصيف الماضي.
ومع جذورها العميقة الضاربة في جنوب آسيا ورسالتها اللطيفة التي تقدمها مع الموسيقى، أصبحت الصوفية هي الترياق للتطرف الداعشي وجميع أنواع الأصولية، يقول أحد الدراويش – قابلته عند ضريح سيهون – عن الوهابيين: “إنهم يشوهون المعنى الحقيقي لتعاليم النبي”.
كان من المفترض أن تهتم الحكومة الباكستانية بتمويل المدارس التي تدرس احترام التقاليد والأصول الدينية في البلاد، بدلاً من شراء الأساطيل الأمريكية ومقاتلات “إف-16” وترك التعليم بأيدي السعوديين، بدلاً من ذلك، تتجه باكستان بشكل متزايد لتشبه النسخة المأساوية من طالبان الأفغانية قبل أحداث 11 سبتمبر، لتصبح المكان الذي يرحب بالعنف والتطرف، وتستطيع جماعات مثل داعش الانتشار فيها بسهولة وحينها يصبح الإسلاميون المعتدلون والأقليات الدينية عرضة للقتل والاضطهاد.
المصدر: الغارديان