تتجه تونس إلى إيقاف سجن مستهلكي “مادة القنّب الهندي” المعروفة باسم “الزطلة” وإلغاء القانون القديم المتعلق بمكافحة المخدرات وتعويضه بقانون جديد يتم مناقشته حاليًا في البرلمان، يقع بمقتضاه تخفيف العقوبات على المستهلكين وتشديدها على المروجين، في خطوة أثارت جدلاً كبيرًا في البلاد، خاصة مع ارتفاع معدل استهلاك هذه المادة.
إلغاء القانون القديم
بعد تعطل المصادقة على مشروع القانون الجديد، الموضوع على طاولة النقاش في البرلمان، وتعدّد الدعوات من هيئات المجتمع المدني إلى السلطات الحاكمة، لتعديل قانون المخدرات الذي يزج سنويًا بموجبه آلاف الشبان في السجن، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إنّه سيطلب من مجلس الأمن القومي تعليق العمل بالقانون 52 المتعلق بالمخدرات والذي ينص على عقوبة السجن بفترات مختلفة لمستهلك الزطلة.
وتعتبر “الزطلة” التي تعني اللذة والانتشاء باللهجة التونسية من المواد المخدرة الخفيفة التي يعاقب مستهلكها ومروجها بالسجن حسب القانون التونسي، وتباع في تونس بسعر يبدأ من 5 دنانير (2.70 دولار) ويرتفع حسب الكمية وكان بيعها يتم في السابق خلسة إلا أنه الآن أصبحت تباع أمام الجميع في المعاهد والكليات والشوارع.
قدّمت الحكومة التونسية في ديسمبر 2015، مشروع قانون جديد نشرته وزارة العدل، يلغي عقوبة السجن لمتعاطي “الزطلة”
من جانبه، دعا رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، خلال افتتاحه لأحد مراكز علاج المدمنين على المخدرات في محافظة “زغوان” (شمال)، إلى إلغاء سجن مستهلكي المخدرات في البلاد، وطالب بالتعجيل بتغيير القانون 52 المتعلق بمكافحة المخدرات وتعويضه بالقانون الجديد.
وكانت الحكومة التونسية قد قدمت في ديسمبر 2015، مشروع قانون جديد نشرته وزارة العدل، يلغي عقوبة السجن لمتعاطي “الزطلة”، ويهدف بالأساس إلى وقاية الشباب التونسي من آفة المخدرات وتوفير الآليات الكفيلة لعلاجهم من الإدمان، على اعتبار أن العقوبة السجنية لا تشكل الحل الأنسب للتصدي لظاهرة المخدرات، حسب وزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى.
وتعد مادة “الزطلة”، أكثر المواد المخدرة استهلاكًا في تونس بنسبة 92% تليها المواد المستنشقة 23.3%، يليها الكوكايين بنسبة 16.7%، والهروين بنسبة 16%، حسب تقارير غير رسمية.
قانون رقم 52
يفرض الفصل الرابع منالقانون رقم 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 من مايو 1992 المتعلق بالمخدرات، على كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك الشخصي نباتًا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونًا والمحاولة موجبة للعقاب، عقوبة تتراوح بين سنة و5 سنوات سجن، وغرامة تتراوح بين ألف و3 آلاف دينار (500 إلى 1500 دولار).
ولا يتمتع القضاة، حسب هذا القانون، بسلطة تقديرية تسمح لهم بتخفيف العقوبة على ضوء ظروف التخفيف، فحتى في القضايا المتعلقة بحيازة قطعة صغيرة واحدة، لا يستطيع القضاة فرض عقوبات بديلة، مثل الخدمات الاجتماعية وغيرها من العقوبات الإدارية.
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت في تونس، دعوات منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان لمراجعة القانون 52
وينص الفصل الخامس من القانون على “يعاقب بالسجن من ستة أعوام إلى عشرة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار كل من قام بأعمال الزراعة أو الحصاد أو الإنتاج أو المسك أو الحيازة أو الملكية أو العرض أو النقل أو التوسط أو الشراء أو الإحالة أو التسليم أو التوزيع أو الاستخراج أو التصنيع للمواد المخدرة بنية الإتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونًا”.
وخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت في تونس، دعوات منظمات المجتمع المدنيونشطاء حقوق الإنسان لمراجعة القانون 52، نظرًا لأحكام السجن المطولة القاسية وغير المتناسبة التي ينصّ عليها ولنتائجه العكسية على الأشخاص الذين يمسكون أو يستهلكون مادة مخدرة للاستهلاك الشخصي.
وكثيرًا ما يمنع الأشخاص المدانون باستهلاك أو حيازة المخدرات من الحصول على عمل بسبب سجلهم الجنائي.
القانون الجديد
في الـ30 من ديسمبر 2015، وضعت الحكومة التونسية، مشروع قانون جديد لمكافحة المخدرات يلغي القانون القديم، مشروع قانون أثار جدلاً كبيرًا في البلاد، حيث يلغي عقوبة السجن لمستهلكي هذه المادة المخدّرة ويعطيه حق التمتع بنظام علاجي ونفسي واجتماعي، قبل أي ملاحقة قضائية، وذلك عبر لجان طبية، تحدد ما إذا كان المستهلك في حاجة إلى نظام طبي معين أم لا.
وفي حال تجاوبه مع العلاج تتوقف المحاكمة بحقه، أما في حال الانقطاع والعودة إلى الاستهلاك، فهو مهدد بدفع غرامة مالية بين ألف وألفي دينار (434 دولارًا و870 دولارًا) وفي حال العودة مرة ثانية، تتراوح الغرامة بين 2000 و5 آلاف دينار (870 دولارًا و2170 دولارًا).
أما في المرة الثالثة، فهو مهدد بالسجن من 6 أشهر إلى سنة، وغرامة تراوح بين 2000 إلى 5 آلاف دينار (870 دولارًا و2170 دولارًا)، كما يمنح مشروع القانون للقضاة سلطة تقديرية لفرض عقوبات بديلة، ويركز بشكل أكبر على خدمات العلاج.
وينص مشروع القانون الجديد في أحد فصوله على بعث لجنة وطنية للتعهد والإحاطة بمستهلكي المخدرات، في مقابل ذلك فإنه يشدد العقوبات على المروجين للمواد المخدرة.
أرقام مفزعة ومحاولات إنتاج للمادة في تونس
بموجب القانون 52 لسنة 1992، يزج سنويًا بالآلاف من الشباب التونسيين داخل السجون، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى توقيف أكثر من 7 آلاف شاب، خلال السنوات الخمسة الأخيرة، بقضايا ترتبط بالمخدرات أغلبها يتعلق بتعاطي “الزطلة”، فيما تبلغ نسبة المُدانين في قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكًا وترويجًا 28% من مجموع السجناء في تونس.
تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد المدمنين بلغ نحو 311 ألف شخص، أي نسبة 2.8% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 11 مليون نسمة
وكان وزير العدل التونسي غازي الجريبي، قد أكد أمام لجنة التشريع العام بالبرلمان، في الـ3 من يناير، أن ستة آلاف و700 سجين من مجموع 23 ألفًا و553، زُج بهم في السجون من أجل تعاطيهم المخدرات عام 2016.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد المدمنين بلغ نحو 311 ألف شخص، أي نسبة 2.8% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 11 مليون نسمة، 70% منهم دون الـ35 عامًا، وكانت إحصائيات رسمية لوزارة الصحة التونسية، قد أشارت في وقت سابق، إلى أن 13.7% من الشباب أقل من 17 سنة يستهلكون مادة الزطلة، فيما أثبتت دراسات وإحصائيات حديثة أن 50% من تلاميذ تونس استهلكوا مواد مخدرة، وتنقسم نسبة المتعاطين للمخدرات داخل المؤسسات التربوية إلى 60% من الذكور و40% من الإناث.
وبعد أن كانت تونس مجرّد أرض عبور للمخدرات، أصبحت اليوم أرض استهلاك يتنافس على سوقها منتجو هذه المخدرات بمختلف أنواعها، مع محاولات للإنتاج، حيث تمكنت قوات الأمن التونسية من حجز مئات النباتات (العنب القنبي) في ضيعات فلاحية مختلفة، وتحاول السلطات الأمنية التونسية تكثيف عملياتها على المتعاطين والتجار والمهربين من أجل الحد من هذه الظاهرة وقد نجحت في تفكيك شبكات مختصة بترويج المخدرات في عدد من المحافظات التونسية.
حملة انتخابية سابقة لأوانها
يتّهم مناهضو إلغاء عقوبة السجن في مشروع القانون الجديد، نداء تونس بالقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها من خلال تبنيه هذا المشروع، وسبق أن خصص له رئيس الجمهورية جزءًا مهمًا من حملته الانتخابية الرئاسية السنة الماضية، غير آبه بمشاكل التونسيين العديدة والمختلفة، ويشكّل الشباب عماد الناخبين التونسيين وتسعى عديد من الأحزاب لضمّ هذه الفئة إلى صفّها ونيل رضاها لكسب صوتها في الانتخابات.
تونس ليست الأولى
لن تكون تونس البلد العربي الأول الذي يلغي عقوبة السجن لمستهلكي مادة “الزطلة”، فقد سبقتها لذلك المغرب الذي تتصدّر قائمة الدول الأكثر إنتاجًا وتصديرًا لنبتة القنب الهندي أو الحشيش، حسب تقرير صادر عن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2014، وأفاد التقرير أن نحو 116 طنًا من القنب الهندي، أي ما يقارب 65% من الكمية الإجمالية للحشيش التي ضبطتها السلطات الجمركية العالمية، كان مصدرها المغرب.
نحو 90 ألف عائلة مغربية، أي ما يعادل 700 ألف مغربي، يعيشون من عائدات هذه النبتة
وكان البرلمان المغربي قد عقد جلسة دراسية نهاية 2013، بناء على طلب ائتلاف مدني مدعوم من إحدى مجموعات المعارضة السياسية، بشأن إمكانية تقنين استعمال “نبتة القنب الهندي” (الحشيش) طبيًا وصناعيًا، وحسب إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية المغربية فإن نحو 90 ألف عائلة مغربية، أي ما يعادل 700 ألف مغربي، يعيشون من عائدات هذه النبتة، خاصة في شمال المغرب.