من الشائع في الصين صرف مئة دولار أمريكي على دروس اللغة الإنجليزية أكثر من صرفها على مشاريع الاستثمار، وذلك لأنها الطريقة الأسرع لنسخ المنتجات الأجنبية وبالتالي جلب الأموال.
“صنع في الصين” هذه العبارة من أكثر الجمل المألوفة في معظم أسواق العالم، وذلك لضخامة الإنتاج الصيني، فمنذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949، بدأت الإصلاحات الجذرية في مجال الاقتصاد من خلال تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الرأسمالية عام 1978، والقيام بتحديثات على الصناعة والسماح بجلب التكنولوجيا الغربية إلى البلاد.
وخلال ما يقارب 60 عامًا استطاعت الصين أن تتحول من دولة زراعية تعاني من الفقر، إلى دولة رائدة في مجال الصناعة، فقد حققت نموًا اقتصاديًا كبيرًا لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة لتكسر تمركزها المحلي وتنفتح على التجارة الدولية بشكل أوسع.
ماذا تقلد الصين؟
“كل شيء” الإجابة المختصرة لكل ما تقلده الصين أو تُعيد تصنيعه مع تغييرات بسيطة في اللون ربما أو الحجم، قد يعتقد البعض أن الصين تقلد منتجات استهلاكية أو إلكترونية فقط، في الحقيقة الصين تقلد تصاميم لمدن ومبانٍ عمرانية عالمية وآثار تاريخية أيضًا مثل برج إيفيل في باريس أو الكرملين في روسيا، ومن أشهر المدن المقلدة والتي أثارت غضبًا ودهشة لسكانها الأصليين مدينة “هالستات” النمساوية.
الخيال الصيني المقلد لا يقتصر على ذلك فقط، فقد قلدوا شركات عالمية بشكل كامل مثل شركة أيكيا السويدية وشركة آبل، فحجم الشبه الكبير بين الشركتين الأصلية والمزيفة خدع بعض الموظفين العاملين بمتاجرها في الصين ليظنوا أنهم يعملوا لشركة آبل الأصلية.
في الثقافة الغربية يعتبر التقليد “سرقة وتزييف”، بينما في الثقافة الصينية يعتبر “موهبة”
لماذا تقلد الصين؟
الخلفية الثقافية للمجتمع الصيني تختلف عن المجتمع الغربي، ففي الثقافة الغربية يعتبر التقليد “سرقة وتزييف”، بينما في الثقافة الصينية يعتبر “موهبة”، ومن خلال التعرف على الثقافة الصينية يمكن فهم لماذا يقلد الصينيون ولماذا لا يرون جرمًا أو إحراجًا في ذلك؟
إن دولة الصين التي شهدت انتعاشًا اقتصاديًا ناميًا بصورة سريعة هي دولة شيوعية بنظام تجاري رأسمالي، يحكمها “الأخ الأكبر” حيث إن التفكير خارج الصندوق فعل غير مرغوب فيه ولا يشجع عليه والإقدام على الخوض في أحاديث المال مخاطرة لا يحبذها المخترع أو المبتكر الصيني.
الصينيون تقوم ثقافتهم على وراثة العلم والاتباع، بعيدًا عن التفكيرأوالاكتشاف، فالمهارات الفكرية ليست مهمة، وإنما المهارات التقنية في صنع منتج ما تعتبر حدود السماء لديهم، حيث إنها طريقة للتعبير عن احترامهم لمخترع هذا المنتج فهم ينظرون له كمثال أعلى.
كيف حققت الصين هذا النجاح؟
استطاعت الصين جذب أكبر عدد من المستهلكين لمنتجاتها عبر اتباعها عدة سياسات لإبقاء هذا المستهلك في حاجة إلى منتجاتها، أولاً معرفة ما يريده المستهلك والسعرالملائم للسوق المحلي والتنوع الضخم في المنتجات، فاستهدفت المستهلك الذي لا يملك ثقافة “الماركات” أو “العلامات التجارية” والذي يهتم بالشكل الخارجي والسعر فقط. علاوة على ذلك، بدأت الصين مرحلة الإبداع والدخول في سوق المنافسة، حيث قامت شركة الهواتف الذكية هواوي بإطلاق هاتفها عام 2011 بمواصفات متواضعة، حتى بدأت تتلقى نجاحًا لا بأس به في الأسواق العالمية.
استهدفت الصين المستهلك الذي لا يملك ثقافة “الماركات” أو “العلامات التجارية”
ماذا تريد الصين؟
يُروج البعض لنظرية تقول إن الصين لا تريد أن تصير دولة عظمى ولا تعمل لذلك، لكنها تريد أن تخلق مواطنًا عظيمًا لتكمل مسيرة النمو الاقتصادي الذي بدأته ودفع المواطن على النهوض باقتصاد البلاد، واتضح ذلك من خلال خطاب لرئيس الجمهورية الصينية السابق جين تاو، حيث قال إن الهدف الرئيسي للصين في العام 2020 أن تنجح في مضاعفة معدل دخل الفرد السنوي، أربع مرات عنه في العام 2000، والذي كان قد بلغ 7078 يوانًا صينيًا.
وكان الرئيس الصيني السابق يقدم في المؤتمر تقريرًا مفصلاً عن أحوال الدولة، وهكذا تقول هذه الرواية، إن القيادة الصينية ليست مشغولة في المقام الأول بنمو اقتصاد الدولة، بل بإيصال ثمار هذا النمو لمواطنيها، وتحسين ظروفهم المعيشية.
رغم الازدهار الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين فإن أجور العاملين لم ترتفع إلا قليلاً
بعيدًا عن مثالية هذا الخطاب، فالواقع عكس ذلك تمامًا، إن الصين تسعى بأن يكون تأثيرها الاقتصادي على العالم أكبر من غيرها، فتجد منتجاتها التنافسية تغزو رفوف الأسواق العالمية بأسعار زهيدة جدًا رغم رادءة جودتها وقصر عمرها الافتراضي.
يرى الخبراء بأن العامل الأكبر في نجاح الصناعة الصينية هو وفرة اليد العاملة الرخيصة، فأغلبية هؤلاء العاملين من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة ولم يتزوجن ولم ينجبن، لكن رغم الازدهار الاقتصادي الكبير الذي تحقق فإن أجور العاملين لم ترتفع إلا قليلاً، مثلا شهدت منطقة “غوانغ دونغ” انتعاشًا اقتصاديًا محليًا بمعدل 20% سنويًا لكن أجور العاملين بقت على حالها منخفضة جدًا.