تُعاني السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس من أزمات سياسية واقتصادية ودبلوماسية متفاقمة زادت حدتها خلال الشهور الأخيرة، قد تتسبب في تحريكها نحو الهاوية وتعجيل إعلان انهيارها بشكل رسمي وتسليم المفاتيح للجانب الإسرائيلي.
كابوس “انهيار السلطة” المزعج بات يلاحق الرئيس عباس في حلمه ويقظته معًا، فهو يسعى جاهدًا لمنع تحقق هذا الكابوس على الأرض خاصة في المناطق التي يسيطر عليها بالضفة الغربية المحتلة، لما فيه من مخاطر كبيرة تهدد ما بناه خلال سنوات حكمه الطويلة.
الكثير من المراقبين توقعوا انهيار “كبير ومؤلم” للسلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، مؤكدين أن أيامها باتت معدودة خاصة في ظلال السعي الإسرائيلي الحثيث منذ سنوات لإبقائها قرب “حافة الموت” والاستعداد لمرحلة ما بعد رحيل الرئيس عباس وانهيار السلطة.
سحب الصلاحيات من السلطة
ولعل أولى الخطوات التي باتت تعجل بانهيار السلطة الفلسطينية، إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلية تأسيس موقع إلكتروني للتعامل المباشر مع الجمهور الفلسطيني، الأمر الذي اعتبره مراقبون استعدادًا لسيناريوهات عديدة محتملة، من بينها غياب السلطة الفلسطينية عن المشهد في ضوء التطورات السياسية الأخيرة.
ويتضمن الموقع تعليمات لسبل تقديم الفلسطينيين طلبات مباشرة للإدارة المدنية الإسرائيلية للاستيراد والتصدير أو الحصول على تصاريح دخول إلى إسرائيل لأغراض التجارة أو العمل أو العلاج وغيرها، كما يتضمن الشروط التفصيلية لدخول التجار أسواق معينة أو إدخال سلع معينة إلى قطاع غزة مثل محركات السيارات والأدوية وغيرها، وتعليمات لسكان قطاع غزة المقيمين في الضفة أو الخارج في شأن سبل تقديم طلبات للحصول على تصريح وغيرها، إضافة إلى تعليمات للجمهور في شأن سبل الاتصال بالجانب الإسرائيلي من خلال الموقع الإلكتروني للدخول إلى الأراضي الزراعية الواقعة خلف الجدار.
الكثير من المراقبين توقعوا انهيار كبير ومؤلم للسلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، مؤكدين أن أيامها باتت معدودة
وينشط كذلك يوئاف مردخاي منسّق شؤون الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بالتواصل المباشر مع الفلسطينيين والرد على أسئلتهم واستفساراتهم، عبر صفحة خاصة به على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
كما افتتح مردخاي مؤخرًا موقعًا إلكترونيًا خاصًا على شبكة الإنترنت، يحمل اسم “المنسق”، ويحتوي الموقع على قسم يحمل اسم “خدمة الجمهور”، ويستقبل شكاوى وطلبات الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مراقبون فلسطينيون أعربوا عن اعتقادهم بأن إسرائيل تسعى من خلال توسيع مجال عمل مكاتب الإدارة المدنية في الأراضي الفلسطينية، إلى سحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية وتعبئة أي فراغ قد يحدث في حال “حلّها”، أو سقوطها.
ورأوا أن التطورات الأخيرة وضعت السلطة الفلسطينية أمام خيارين: إما قبول الأمر الواقع والبقاء سلطة حكم ذاتي للتجمعات السكانية القائمة في نحو 40% من مساحة الضفة، أو اتباع سياسة مواجهة ربما تؤدي إلى انهيار السلطة، وتاليًا حلول الإدارة المدنية الإسرائيلية مكانها.
وفي السابق، صرح وزير استيعاب المهاجرين وشؤون القدس في حكومة الاحتلال زئيف إلكين، بأن “انهيار السلطة الفلسطينية أصبح مسألة وقت فقط”، وأضاف إلكين الذي يوصف بأنه مقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “السؤال ليس عما إذا كانت السلطة ستنهار أم لا، وإنما متى”، وأكد “لا يمكن منع انهيار السلطة الفلسطينية، فقد يحدث ذلك بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، انهيار السلطة الفلسطينية يعني انتهاء اتفاق أوسلو“.
وكشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، شرح خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر، أن على إسرائيل الاستعداد لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية، قائلًا: “يجب منع حدوث ذلك قدر الإمكان والاستعداد في المقابل، ولكن توجد إمكانية لحدوث ذلك“.
عباس سيجني ما زرعه
من جانبه، توقع النائب في المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس بالضفة الغربية فتحي القرعاوي، أن يشهد عام 2017 انهيار معظم مؤسسات السلطة الفلسطينية بسبب الأزمات السياسية والمالية الطاحنة التي تعانيها منذ سنوات.
وأكد القرعاوي أن وضع السلطة وبقاءها خلال العام الحالي بات في محل شك لجميع الفلسطينيين وحتى الدول العربية والأجنبية، لكون السياسة “الفاشلة” التي تتبعها السلطة في التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية كانت سببًا في إضعافها والتسريع بانهيارها.
أفرغت إسرائيل السلطة من مسؤوليتها، وأعادت الإدارة المدنية من جديد، لممارسة مزيد من الابتزاز للسلطة والفلسطينيين، وجعلت المواطن لا يثق بخدمات مؤسسات بلده، وبات يلجأ فعليًا للإدارة المدنية
وذكر أن التمسك “المميت” لرئيس السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع إسرائيل سيكون كذلك سببًا في انهيار سلطته، لكون طوق النجاة الوحيد لعباس وسلطته بات لا يعجب الإسرائيليين كثيرًا، ويطالبون بقطعه وإغراق مركب السلطة بأكمله.
وأضاف القرعاوي: “الرئيس عباس في عام 2017 سيجني كل ما زرعه خلال فترة رئاسته السابقة، والتي كانت مليئة بالخلافات السياسية الداخلية والأزمات المعيشية والاقتصادية، وسيكون هذا العام هو عام الأزمات الكبيرة التي ستقرب من انهيار السلطة”.
بدوره قال أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح ماجد الفتياني: “إسرائيل تعمل على تدمير السلطة، وتضيق من إجراءاتها بحق المواطنين الفلسطينيين، وتركت نافذة المنسق العام مفتوحة، والمتعجلون يطرقون نافذته، لكن جل السكان يتوجهون لدوائر الدولة الفلسطينية لقضاء احتياجاتهم.
وأضاف الفتياني الذي يشغل منصب محافظ “محافظة أريحا” : “ما يسمى المنسق العام (يوآف مردخاي) يحاول أن يظهر كأنه الحاكم العام للمناطق المحتلة”، مضيفًا: “هذه دعاية صفراء موجهة لقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني لفك ارتباطهم بمؤسسات الدولة الفلسطينية التي استطعنا أن نبنيها رغم الإجراءات الاحتلالية”.
وتسعى إسرائيل أيضًا بحسب الفتياني لزعزعة ثقة المجتمع الدولي بما أنجزه الشعب الفلسطيني من مؤسسات، من خلال أعمال المنسق العام الإسرائيلي، مدعين التنمية الاقتصادية والحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى إن إسرائيل عمليًا تحللت من كل الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأحيت وفتحت مكاتب الإدارة المدنية التي يرأسها المنسق العام، وقال: “لا أحد يفكر بحل مؤسسات دولة فلسطين، نحن الآن دولة تحت الاحتلال، وحل المؤسسات سيحدث ضررًا على مصالح شعبنا الفلسطيني، وربما هذا ما يتمناه الكثيرون لتعود الفوضى ويعود الاحتلال يمارس جرائمه بشكل ممنهج وبأدوات محلية”.
وفي ذات السياق قال عثمان عثمان أستاذ العلوم السياسية بالضفة الغربية: “إسرائيل أفرغت السلطة من مسؤوليتها، وأعادت الإدارة المدنية من جديد، لممارسة مزيد من الابتزاز للسلطة والفلسطينيين، وجعلت المواطن لا يثق بخدمات مؤسسات بلده، وبات يلجأ فعليًا للإدارة المدنية”.
وأردف بقوله: “إسرائيل تلوح بالإدارة المدنية كعصى تهدد بها السلطة الفلسطينية”.
في حين يرى محمد أبو علان المختص بالشأن الإسرائيلي، في صفحة المنسق العام للضفة الغربية، محاولة لتجميل صورة إسرائيل لدى العرب وجيل الشباب الفلسطيني.
وقال: “المنسق العام يتواصل مع الفلسطينيين ويحاول تحسين صورة إسرائيل ويحرض على المقاومة ويوجّه السكان للإصدار تصاريح أو معاملات في حال تعثر ذلك عبر الجهات الفلسطينية ويسوق نفسه وإدارته ربما لمرحلة قادمة”.
تسعى إسرائيل من خلال توسيع مجال عمل مكاتب الإدارة المدنية في الأراضي الفلسطينية، إلى سحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية وتعبئة أي فراغ قد يحدث في حال “حلّها”، أو سقوطها
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد أعلن تمسكه ببقاء السلطة الفلسطينية واعتبرها إنجازًا وطنيًا، مؤكدًا عدم سقوطها، وقال مسؤولون فلسطينيون إن إسرائيل تدفع باتجاه انهيار السلطة.
يذكر أن اتفاقية أو معاهدة أوسلو، المعروفة رسميًا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، هي اتفاقية سلام وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في 13أيلول/ سبتمبر1993، بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، واتخذت الاتفاقية اسمها من مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية خلال عام 1991، وأفرزت هذا الاتفاق فيما عرف بمؤتمر مدريد.