الأحزاب في الجزائر والعمل من داخل مؤسسات الدولة

df2ff519-8ba3-4c45-9f84-4206a64bc777

في كل دول العالم يوجد حزب للسلطة وحزب أو أحزاب للمعارضة، إلا في الجزائر يوجد حزبان للسلطة هماFLN  وRND تتداول بهما السلطة على الحكم، وأحزاب للموالاة.

ليس غريبًا أننا لم نسمها أحزابًا معارضة، فواقع أمرها أنها داخل مؤسسات الدولة، وفي البرلمان ومجلس الأمة ومجلس الوزراء لا توجد لها كلمة بالمطلق، ولم نسمع يومًا أن السلطة أرادت طرح مشروع أو قانون أو قرار أو اقتراح أو تعديل ورفضته – المعارضة – سواء كان اجتماعيًا يمس مصالح المجتمع أو حتى تنظيميًا يمس تكوين تلك الأحزاب نفسها ويؤثر في عملها الحزبي كقانون الانتخاب مثلاً.

ولذلك فهي أحزاب للموالاة ولدعم السلطة، بل إنه من المبالغ فيه تسميتها أحزاب، فهي لا تعدو أن تكون لجانًا مساندة لحزبي السلطة الحاكمين، يتجلى ذلك في كل الاستحقاقات الانتخابية، ويظهر بشكل صارخ ومفضوح في الانتخابات الرئاسية.

عجز ممثلو الأحزاب السياسية عن إيصال انشغالات قواعدهم الحزبية، وحماية مكتسبات المجتمع أو في التعبير عن رأي مجتمعهم في قضاياه الوطنية أو القومية، كما عجزوا عن جلب التنمية إلى مناطقهم التي يمثلونها

بدأت التعددية الحزبية في الجزائر مع بداية التسعينيات، وأقرها الدستور الجزائري، ولكن لم تقرها السلطة في الجزائر ولم تطبق منها شيئًا، ولذلك جعلت السلطة لنفسها حزبين تتداول بهما على الحكم وتسيير شؤون البلاد، فيما يوحي بأن ثمة ديمقراطية وتداول على السلطة، ويمكن القول إن في الجزائر توجد ديمقراطية دون تعددية، وهي حالة جزائرية استثنائية.

والحقيقة أن السلطة لا تعاب في ذلك، فكل الأحزاب التي هي خارج السلطة والتي كانت أحزابًا معارضة لفترة محدودة، لم تكن تملك برنامجًا بديلاً ولا رؤية مغايرة ولا قدرة على تسيير شؤون البلاد، بل كانت أحزابًا تسعى جاهدة إلى مناصب حزبية ومكاسب ذاتية ضيقة هي دون مستوى تطلعات قواعدها الشعبية بكثير فضلاً عن الطموحات المجتمعية.

ولذلك كثرت فيها الانشقاقات والاختلافات والصراعات على الكراسي والمناصب والمكاسب، مما سهل على السلطة اختراقها وإضعافها، والوصول بها إلى حالة التدجين والتقزيم التي هي عليها اليوم.

بل إنها اليوم أقرب إلى لجان المساندة – كما أسلفنا – منها إلى أحزاب سياسية، وتدهورت أمورها التنظيمية إلى الدرجة التي صارت تستجدي السلطة للتوسط في جمع شمل أجزائها المتناثرة والمنشقة عنها.

وفي الجزائر نقابات عمالية مستقلة ونقابة حكومية ما زالت تعيش على أحلام ماضيها التليد يوم كانت نقابة متفردة بتمثيل كل العمال الجزائريين، تلك النقابات المستقلة حققت للعمال في العشريتين الماضيتين ما لم تحققه الأحزاب السياسية للمجتمع منذ إقرار الدستور بوجودها مطلع التسعينيات.

تملك الأحزاب السياسية القوة القانونية في تمثيل الشعب بحكم دستورية وجودها في الساحة والحياة العامة وفي مختلف المؤسسات العمومية الممثلة للشعب، وتملك الأحزاب السياسية أيضًا القدرة على الحشد لكل الفئات والأعمار والثقافات والتيارات المختلفة والمكونة لأطياف المجتمع الجزائري.

ومع كل هذه الامتيازات فشلت الأحزاب الجزائرية جميعها دون استثناء في حماية المجتمع الجزائري من أي قرار تتخذه السلطة مهما كانت درجة الضرر الذي قد يلحقه بالمجتمع أو المؤسسات العامة، كما فشلت أيضًا في التعبير عن المجتمع وإيصال صوته ورأيه للسلطة في قضاياه المصيرية التي قد يختلف مع السلطة في وجهة النظر بشأنها.

فشلت الأحزاب الجزائرية جميعها دون استثناء في حماية المجتمع الجزائري من أي قرار تتخذه السلطة مهما كانت درجة الضرر الذي قد يلحقه بالمجتمع أو المؤسسات العامة

في حين أن النقابات العمالية ذات التمثيل الفئوي المحدود والتي لا يمكنها الحشد إلا في حدود ضيقة هي المؤسسات وفئة العمال التي تمثلها، كانت أكثر فاعلية منها، واستطاعت أن ترفع مستوى الدخل للفرد الجزائري إلى عشرات الأضعاف في مدة وجيزة من وجودها على الساحة مقارنة بوجود الأحزاب، بل واستطاعت تلك النقابات أن تبث الوعي والثقافة العملية، كما استطاعت حماية ممثليها من التعسف الإداري، وأشاعت روح التضامن والتنظيم والعمل في إطار القانون، مما خلق جوًا من حرية التعبير كان متنفسًا لفئات وشرائح كبيرة من المجتمع الجزائري، وجنب البلاد الكثير من المنزلقات والمآزق التي شكلت اختبارًا حقيقيًا لثقافة السلم والوئام والتوافق المجتمعي.

وما تزال تلك النقابات تلامس حاجيات الفئات العمالية التي تمثلها وتقترب أكثر فأكثر من مختلف الانشغالات التي تؤرقها، في حين لا يزال ظهور ممثلي الأحزاب السياسية مقتصرًا على المناسبات الانتخابية كل أربع سنوات، ليعودوا إلى سراديبهم مرة أخرى بمجرد انقضاء “كرنفال” الانتخابات.

نعم عجز ممثلو الأحزاب السياسية عن إيصال انشغالات قواعدهم الحزبية، وحماية مكتسبات المجتمع أو في التعبير عن رأي مجتمعهم في قضاياه الوطنية أو القومية، كما عجزوا عن جلب التنمية إلى مناطقهم التي يمثلونها.

وفي مجمل القول فهم يعانون شللاً في كل المستويات، وفشلاً تامًا مع مرتبة الشرف، ولم تستطع لجان المساندة تلك – أو الأحزاب مجازًا – أن تكون بديلاً مختلفًا أو على الأقل متميزًا عن السلطة، ولذلك فالشعب في عمومه لا يرى فارقًا في استبدال ممثلي السلطة بممثلي الأحزاب الأخرى.

وهذا الانطباع ليس مرده مساعي السلطة في ذلك، بل نتاج تخاذل هذه الأحزاب واستماتتها في المحافظة على مكاسبها من فتات السلطة، بدلاً من سعيها إلى المحافظة على قواعدها وحسن تأطيرها وكسب المزيد من المؤيدين لها بالالتزام بالوعود الانتخابية وتجسيدها على أرض الواقع أو بالتميز في الأداء في المواقع التي يديرونها عن ممثلي السلطة، وإظهار بعض من المصداقية والعمل الجاد الذي قد يرجح كفة الثقة لصالح هذه الأحزاب يومًا ما، لتنتقل من أحزاب موالاة إلى أحزاب معارضة، ولتصبح الديمقراطية الجزائرية تعددية بحق وخارج الاستثناء كما كل الديمقراطيات في العالم.

ليس غريبًا أننا لم نسمها أحزابًا معارضة، فواقع أمرها أنها داخل مؤسسات الدولة، وفي البرلمان ومجلس الأمة ومجلس الوزراء لا توجد لها كلمة بالمطلق

وفي عموم المشهد الانتخابي الذي نحن مقبلون عليه في الشهور القليلة القادمة، فإنه حينما يكون على الساحة السياسية في الجزائر ما يفوق العشرين حزبًا، دأب السواد الأعظم منها على مساندة مرشح السلطة والسعي إلى إظهار الولاء له، في حين يعجز هذا السواد عن التوافق بشأن تقديم مرشح مشترك فضلاً عن تقديم مرشح خاص بكل منها يكون ندًا لمرشح السلطة وتتميز به المعارضة عن السلطة، فإن الرائحة العفنة لهذا العبث الديمقراطي تزكم الأنوف وتبعث على الغثيان، ويكون الانكفاء والمقاطعة ليس ممارسة لحق دستوري فحسب، بل حفاظًا على بقايا حق آدمي في احترام الذات والنأي بها عن الاستغباء والاستدراج إلى مستنقع الانتخابات الذي تستبدل فيه منظومة الفساد واجهتها القديمة بواجهة جديدة، ليس فيها من المتغيرات إلا التمديد في مدة الصلاحية.