وقعت شركة النفط الروسية “روس نفط” اتفاقيتين مع ليبيا وإقليم كردستان العراق لشراء النفط الخام منهما بهدف معالجته في مصانعها لتكرير النفط وذلك على هامش مؤتمر أسبوع البترول الدولي في لندن، وعادة ما تقرأ تحركات الشركة بنوايا الحكومة الروسية في توسيع نفوذها في بلد ما أكثر من مجرد الاستثمار، حيث تمتلك الحكومة الروسية حصة 50% من الشركة وتعد من الشركات البترولية الكبرى حول العالم وتعمل في مجال البحث والتنقيب عن النفط والغاز وتمتلك نظامًا ضخمًا للتكرير في ألمانيا بأوروبا.
اتفاق شركة “روس نفط” مع إقليم كردستان العراق
وقعت روسيا مع إقليم كردستان العراق اتفاقًا للتعاون في مجال التنقيب واستخراج النفط واللوجستيك إلى جانب التجارة بموارد الطاقة، ويعد الاتفاق الأول من نوعه بين الطرفين ويسري إلى العام 2019، وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة روس نفط إيغور سيتشينن ستحصل الشركة على الخام من كردستان العراق لصالح نظام التكرير المتنامي بالشركة في أوروبا، وأضاف أنها تتطلع لتطوير أسواق جديدة، مشيرة إلى أنها ستحصل على الخام لصالح نظام التكرير في الشركة، والاتفاق يفتح الباب أمام احتمالات جديدة للتعاون بين شركة روس نفط الروسية والإقليم، بحسب ما صرح وزير الموارد الطبيعية في إقليم كردستان.
تحرك الشركة الروسية في الإقليم يمكن قراءته من جانب الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان، وهي المحرك الرئيسي لها في جذب روسيا إلى الإقليم وعقد صفقة مع شركة روس نفط، فرغم أن الإقليم ينتج نحو 600 ألف برميل يوميًا من النفط إلا أنه يواجه أوضاع اقتصادية صعبة، إذ تحتاج حكومة الإقليم لسيولة نقدية لسداد رواتب الموظفين والعسكريين لديها والتي تقدر رواتبهم الشهرية بنحو 740 مليون دولار.
وهذه المبالغ المستحقة من بيع النفط على الحكومة المركزية في بغداد تتأخر بدفعها للإقليم، حيث من المقرر أن تحصل حكومة الإقليم بحسب الدستور على 17% من ميزانية العراق، في الوقت الذي تذهب 70% من عائدات الإقليم على المرتبات وهي أزمة حقيقية يواجهها الإقليم.
تعبر تحركات شركة “روس نفط” عن نوايا الحكومة الروسية في توسيع نفوذها في بلد ما أكثر من مجرد الاستثمار
لذا بدأت كردستان العراق وبسبب هذه المشكلة في تصدير الخام بشكل مستقل عن الحكومة المركزية في بغداد في السنوات الثلاثة الماضية وذلك لأنها لا تحصل على حصتها من إيرادات ميزانية العراق حسب تصريحات متداولة لمسؤولين أكراد، وقد اضطر الإقليم لاقتراض ما يصل إلى 3 مليارات دولار من شركات ودول بعد هبوط أسعار النفط العالمية.
روسيا في ليبيا
وضعت روسيا أولى أساساتها في ليبيا بعدما وقعت شركة “روس نفط” مع المؤسسة الوطنية للنفط لشراء النفط الليبي واتفاق إطاري للتعاون ووقع الاتفاق من جانب “روس نفط” الرئيس التنفيذي للشركة إيغور سيتشين، ومن جانب المؤسسة الوطنية للنفط رئيسها مصطفى صنع الله، وينص الاتفاق على إنشاء لجنة عمل مشتركة بين الجانبين لتقييم الفرص المتاحة في مجموعة متنوعة من القطاعات بما في ذلك الاستكشاف والإنتاج.
قبل الخوض في كون الاتفاق نقطة جذابة لروسيا في منطقة حساسة كليبيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يعد الاتفاق خطوة إلى الأمام في خطط المؤسسة الوطنية للنفط لتشجيع الاستثمار من قبل شركات النفط الأجنبية لزيادة إنتاج النفط في ليبيا إلى مستويات 2.1 مليون برميل يوميًا بحلول العام 2022، وقد أكد هذا قول مصطفى صنع الله بعد توقيع الاتفاق “إننا بحاجة إلى المساعدة والاستثمار من كبريات شركات النفط العالمية لتحقيق مستهدفاتنا للإنتاج واستقرار اقتصادنا”.
علمًا أن إنتاج النفط في ليبيا حاليًا يبلغ نحو 715 ألف برميل يوميًا، وهو المستوى اليومي الأعلى منذ عام 2014، إلا أنه لا يزال دون سقف الإنتاج الذي كان سائدًا قبل ثورة 2011 حيث كانت البلاد تنتج أكثر من 1.6 مليون برميل يوميًا.
وتهدف المؤسسة الوطنية للنفط لزيادة الإنتاج إلى 900 ألف برميل يوميًا بحلول مارس/ آذار، ووجدت في شركة روس نفط، شركة قابلة للدخول في استثمار في ليبيا رغم كل الظروف الصعبة التي تتصف بها بيئة الاستثمار ومناخها السيء وغير المستقر في ليبيا، وفي هذا الشأن توصف روسيا بأنها تستثمر في ظروف لا تستثمر بها شركات أخرى.
روسيا تنوي توسيع نفوذها في البحر المتوسط لتهدد حلف شمال الأطلسي (الناتو)
وردًا على تدخل روسيا في ليبيا من بوابة الاستثمارات النفطية صرح وزير الدفاع البريطاني خلال مشاركته في مؤمر ميونيخ للأمن عبر فيه عن قلقه من الاتصالات الروسية الأخيرة مع ليبيا، معتبرًا أن موسكو تختبر متانة الصف الغربي، وقال فالون في أثناء مداخلته إنه لا نريد أن يغرس الدب مخالبه في ليبيا.
وجاء الرد الروسي على هذه التصريحات من قبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ساخرًا من تصريحات نظيره البريطاني فالون، ومحذرًا لندن من التحرش بالدب، ومن ثم تهكم على الشعار الرسمي البريطاني المرسوم على العلم “الأسد” واصفًا إياه بالقطة.
وتابع شويغو سخريته من بريطانيا في وقت لاحق بقوله، لدينا مثل قديم يقول “جميع الأسود قطط لكن ليست جميع القطط أسودًا”، وأضاف “لا نظن أن وحشًا نشأ في حديقة الحيوانات التابعة لهم – إشارة إلى بريطانيا – قادر على فرض إملاءاته على دب الغابة”.
على العموم فموسكو لم تكن راضية عن الوقوف موقف المتفرج على الوضع الليبي من البداية، وهي وإن دخلت من بوابة الاستثمارات النفطية إلى ليبيا فهي حاولت سابقًا تكوين تحالف دولي محدود للحرب على التنظيمات الإرهابية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالتحالف مع مصر، وعن إمكانية مشاركة روسيا في تحالف دولي ضد الإرهاب في ليبيا فقد جاء هذا على لسان تشوركين في إحدى تصريحاته، عندما قال إن روسيا شاركت في العمليات قبالة سواحل الصومال فلماذا لا يمكنها أن تشارك في البحر المتوسط؟
والواقع أن روسيا بعد استحواذها على أول ميناء في المياه الدافئة خارج حدوها في مدينة طرطوس في سوريا، فإنها تطمح للخوض أكثر في هذه المياه لتهدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال توسيع مناطق نفوذها على المتوسط، وردًا على تدخل حلف الناتو في ليبيا إبان اندلاع الثورة الليبية من جهة أخرى.