علّق الكثير من الجزائريين والتونسيين آمالًا كبيرة لعودة العلاقات بين بلدَيهما والمغرب إلى سابق عهدها، بعدما أعلنت السلطات في الدولتَين رغبتهما بتقديم مساعدات، تضامنًا مع ضحايا الزلزال المدمّر الذي ضرب إقليم الحوز في المغرب الجمعة الماضي، إلا أن هذه الآمال سرعان ما سقطت بعدما رفضت الرباط مساعدة الشقيق الذي كان أخًا حقيقيًّا وقت الضيق، في قرار يطرح أسئلة عن جديّة خطاب “اليد الممدودة” الذي يردده الملك محمد السادس في كل مناسبة.
وفي وقت تعجّ فيه مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات مأساوية لحال المتضررين من الزلزال تدمي قلب البعيد قبل القريب، يصرّ المخزن على رفض المساعدات الدولية من البلدان الشقيقة، وتلك التي كان يسمّيها صديقة، لينسف بذلك أي آمال تتعلق بتحسُّن العلاقات المغاربية في الوقت الراهن وتنشيط اتحاد المغرب العربي المجمّد.
رغم القطيعة
تصدّر موضوع زلزال المغرب منذ وقوع هذه الكارثة الطبيعية حديث مواقع التواصل الاجتماعي والإعلامي في الجزائر، ولا يزال حتى اليوم، فقد دعا الجزائريون الحكومة إلى تقديم مساعدات عاجلة للمتضررين في الجارة الغربية المقطوعة معها العلاقات منذ عامَين، ونادى البعض منهم بفتح الحدود المغلقة منذ عام 1994.
وقالت الخارجية الجزائرية عقب وقوع الزلزال المدمّر، إن “الجزائر تتابع ببالغ الأسى والحزن تداعيات الزلزال العنيف الذي أصاب عدة مناطق بالمملكة المغربية، وتتقدم بهذا المصاب الجلل بخالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا وللشعب المغربي الشقيق، مع خالص التمنيات بالشفاء العاجل للمصابين”.
وأعلنت الجزائر يوم الأحد الماضي أنها “عرضت مخطط مساعدات لوجستية ومادية طارئة على المملكة المغربية، في حال قبول الرباط بها”، مبينة أن المساعدات تتمثل في فريق تدخل للحماية المدنية مكون من 80 عونًا متخصصًا، يضمّ عناصر مدربة في عمليات البحث تحت الأنقاض، وأخرى للبحث والإغاثة وفريق طبي، إلى جانب مساعدات إنسانية للإسعافات الأولية وخيم وأفرشة.
وأوضح أن الخطوة تأتي “في إطار المساعدات اللوجستية والمادية الطارئة التي تستعد الجزائر لتقديمها للشعب المغربي الشقيق لمواجهة آثار الزلزال”.
ولا تعدّ هذه الخطوة الوحيدة التي قامت بها الحكومة الجزائرية، فقد أعلنت السبت الماضي فتح مجالها الجوي أمام طائرات نقل المساعدات والجرحى، وذلك لأول مرة منذ إغلاقه عام 2021، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين في أغسطس/ آب من السنة ذاتها.
ولقيت الخطوة الجزائرية ترحيبًا واسعًا من قبل الجزائر والمغربيين، كونها كانت ستفتح بصيص أمل لعودة العلاقات بين البلدَين التي تعيش أسوأ أيامها، منذ تطبيع الرباط العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو الترحيب الذي جاء أيضًا من قبل قوى دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي عبّرت عبر سفيرتها بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، لدى استقبالها من طرف الرئيس تبون، عن امتنان واشنطن للجهود التي تبذلها الجزائر للوقوف إلى جانب بلدان الجوار، خاصة ما تعلق بالكوارث التي خلفت آلاف الضحايا، في إشارة إلى ضحايا زلزال المغرب وفيضانات درنة بليبيا.
وبدوره، قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط: “أحيي الموقف العروبي الأصيل من الجزائر في الوقوف إلى جوار المغرب في كارثة الزلزال، بما في ذلك فتح المجال الجوي وإبداء الاستعداد للمساعدة. هكذا هي الروح التضامنية العربية والتي نسعد برؤيتها تسود بين الإخوة. لعل ذلك يُبنى عليه لاحقًا”.
رفض بعد قبول
لقي العرض الجزائري في البداية قبولًا رسميًّا من قبل السلطات في الرباط، فقد قال وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، في تصريحات لوسائل إعلام مغربية وعربية، إن بلاده ترحّب بعرض الجزائر الخاص بتقديم مساعدات للتخفيف من آثار الزلزال الذي ضرب مناطق بالمملكة يوم الجمعة، وأسفر عن مقتل أكثر من 2400 شخص وإصابة آلاف آخرين بجروح، وقال وهبي: “نرحّب بالمساعدات الجزائرية لكن بالتنسيق مع وزارة الخارجية”.
وعلى هذا الترحيب المغربي، أعلنت الجزائر إرسالها 3 طائرات مساعدات إلى المغرب رفقة فريق تقني من الحماية المدنية متخصص في عمليات الإنقاذ في الزلازل، والذي له خبرة دولية معترف بها ظهرت بشكل جلي في زلزالَي سوريا وتركيا، حيث كان الفريق الجزائري ضمن الفرق الأكثر نجاعة في عمليات الإنقاذ حينها.
لكن السلطات المغربية سرعان ما غيرت قرارها، وخرج وزير العدل المغربي في تصريحات ينفي ما قاله سابقًا، بحجّة أن كلامه تم تحريفه من قبل الإعلام، وأفادت وسائل إعلام مغربية أن نفي وهبي جاء بعدما فتحت السلطات في المملكة تحقيقًا في تصريحات وزير العدل حول المساعدات الجزائرية لضحايا الزلزال.
وبعد هذا الرفض، قالت الخارجية الجزائرية في بيان: “على أساس تصريح وزير العدل المغربي، أبلغت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية نظيرتها المغربية، عن طريق القنصلية العامة للجزائر بالدار البيضاء والقنصلية العامة للمغرب بالجزائر، بالتدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتعبئة 3 طائرات ذات سعة كبيرة بغية نقل مساعدات إنسانية إلى المغرب تتماشى مع الاحتياجات الضرورية في حالات الكوارث الطبيعية. كما تواصل القنصل العام للجزائر بالدار البيضاء مع خلية الأزمة المنشأة على مستوى وزارة الشؤون الخارجية المغربية، بغية ترسيم عرض الجزائر تقديم مساعدات إنسانية”.
وجاء في بيان الخارجية الجزائرية أنه “في الوقت الذي اُستكملت فيه العملية وبعد إلحاح من السلطات الجزائرية المختصة طيلة ظهيرة وأمسية الثلاثاء، تواصلت وزارة الشؤون الخارجية المغربية مع القنصل العام للجزائر بالدار البيضاء قبيل منتصف ليلة أمس، حيث تم إبلاغه أن المملكة المغربية ليست بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المقترحة من قبل الجزائر، وتأخذ الحكومة الجزائرية علمًا بالردّ المغربي الرسمي الذي تستخلص منه العواقب البديهية”.
وبعد هذا البيان، لم تعلق السلطات الجزائرية مطلقًا على الرفض المغربي الصريح للمساعدات الجزائرية، رغم حاجة الرباط إليها.
وهدم الرفض المغربي أي بصيص أمل لعودة العلاقات بين البلدَين في الوقت الحالي، خاصة أن مصادر غير رسمية جزائرية تحدثت عن إمكانية وصول المساعدات الجزائرية إلى فتح الحدود المغلقة بين البلدَين منذ عام 1994، وذلك لتسهيل مرور المساعدات التضامنية، خاصة تلك التي كانت ستقدمها منظمات المجتمع المدني.
وصُنّف الرفض المغربي على أنه دليل جديد على التناقض الذي يحمله الخطاب الرسمي في الرباط، كون هذا القرار يتنافى مع الدعوات المتكررة التي تتردد في خطابات الملك محمد السادس كل مرة، التي تنادي بفتح الحدود بين البلدَين، وما يسمّيه “اليد الممدودة” لعودة العلاقات بين الجارَين، إلا أنه رفض المساعدة في أول امتحان مُدت به إليه يد العون من قبل الجزائريين، رغم حاجة شعبه الكبيرة إليها في هذه الظروف العصيبة.
ليست الوحيدة
لم تكن الجزائر البلد الوحيد الذي رفض المغرب عرضه بشأن مساعدة ضحايا الزلزال، فالمشهد في مطار بوفاريك الجزائر سبق وأن حدث في تونس التي رفضت الرباط أيضًا يد العون التي عرضتها عليها، حيث أشارت تقارير إعلامية أن المساعدات التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد لم تغادر البلاد بعد، لعدم حصولها على الموافقة من المغرب.
وإن كان الرفض المغربي للمساعدة الجزائرية يمكن إرجاعه إلى الخلافات السياسية العميقة بين الطرفَين، إلا أن رفض المساعدة التونسية يبدو وكأنه مبالَغة غير مبررة، لأن الخلاف بين البلدَين حتى وإن وصل إلى سحب السفيرَين، إلا أنه كان يمكن تجاوزه في حالات كهذه تتعلق بجانب إنساني وبمشاعر حقيقية بين الشعبَين، وهي المشاعر ذاتها التي عبّر عنها الجزائريون.
وحسب ما نقلت وسائل الإعلام الدولية، فإن المغرب لم يستقبل فرق الإغاثة والمساعدة سوى من 4 دول، هي قطر والإمارات وبريطانيا وإسبانيا.
وتساءل المتابعون عن عدم قبول المغرب المساعدات الخارجية من دول وفرق لها خبرة في مواجهة الزلازل، مثل تركيا وإندونيسا وإيطاليا والجزائر، أو من تصنّفها الرباط دولًا صديقة كالسعودية والصين والولايات المتحدة وروسيا، وحتى فرنسا التي أثار الرفض المغربي لمساعداتها جدلًا واسعًا في البلاد، وبالخصوص من قبل الجالية المغربية المقيمة هناك التي لم تجد أسبابًا مقنعة لرفض المخزن للمساعدات الدولية وعلى رأسها الفرنسية، خصوصًا أن الملك محمد السادس بحدّ ذاته دائم الإقامة بباريس على طول العام، وكان هناك وقت حدوث زلزال الحوز، وفق تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا.
وفي غياب تصريح علني صريح حول أسباب هذا الرفض، نقلت صحيفة “هسبرس” عن مصدر مسؤول قوله إن “المغرب انتهج مقاربة انتقائية إيجابية في قبول المساعدات الدولية، لأن المملكة لا تعاني من أي خصاصة على مستوى إمدادات المواد الغذائية للمناطق المتضررة”.
لكن هذا المصدر المسؤول لم يفصّل في المعايير الانتقائية التي اعتمدها المخزن لقبول المساعدات، بالنظر إلى أن التقارير التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة أشارت إلى بطء في عمليات الإنقاذ وإزالة الردوم وانتشال الجثث، حتى أنه نادرًا ما يتم الحديث عن استخراج أحياء من تحت الأنقاض، على عكس ما كان يحدث مثلًا في زلزال تركيا الذي اُستخرج فيه أحياء حتى بعد 10 أيام من حدوث الزلزال، وذلك بسب أن الأجهزة المستعملة في المغرب تظل تقليدية ولا تعتمد على تقنيات حرارية حديثة، إضافة إلى أن عدة مناطق في البلاد عبّر المتضررون فيها عن معاناتهم من نقص الغذاء وعدم وصول المساعدات إليهم.
وحسب قناة “الحرة” الأمريكية، فإن مشاهد الدمار الكبير الذي أحدثه الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز وسط المغرب، قد سلطت الضوء على المشاكل التنموية والاجتماعية المتعددة الأبعاد التي تقاسيها قرى وبلدات جبال الأطلس الكبير، التي فقدت ما يزيد عن 1643 من أبنائها.
وقال الأستاذ في جامعة القاضي عياض في مراكش، عبد الرحيم العلام، إن الزلزال الذي قضت فيه تجمعات سكنية بكاملها تحت الأنقاض، يعرّي حالة “الفقر والحاجة” التي يعانيها سكان الإقليم و”ضعف البنيات التحتية والخدماتية”، بالنظر إلى أن إقليم الحوز يعاني من “تخلف تنموي كبير”، حيث يضم أفقر المناطق على مستوى المغرب.
وأكد الأستاذ الجامعي أن قرى في المنطقة ما زالت “شبه معزولة” عن العالم الخارجي، في ظل غياب طرق معبّدة نحوها، وضعف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المقدمة لها.
من المؤكد أن صدمة الزلزال التي ضربت المغرب كبيرة، ولا يمكن لأي حكومة لوحدها مواجهتها، وهو شيء طبيعي، وبالخصوص حين يتعلق الأمر بمملكة وصلت ديونها الخارجية إلى أكثر من 100 مليار دولار، إلا أن المكابرة في عدم قبول المساعدة هو ما لا يمكن تبريره وقبوله، خاصة لمّا يتعلق الأمر بمئات السكان المحتاجين إلى الإيواء والغذاء السريع، ونحن على أبواب طقس بارد وتقلُّب تعرفهما منطقة الحوز في قادم الأيام.