“بحلول القرن الواحد والعشرين سيتمكن أي مدير وأي موظف، أن يعيش في أي مكان على وجه الأرض، ولا يزال يقوم بوظيفته على أكمل وجه دون الحاجة لكي يوجد جسديًا في مكان عمله أو مكتبه”، كانت تلك إحدى نبوءات كاتب الخيال العلمي آرثر كليرك عام 1974 في إحدى مقابلاته مع قناة آي بي سي نيوز، ربما لأن الكاتب في الأصل كان كاتبًا للخيال العلمي، فكانت نبوءته هي الأخرى كخيال علمي لمتابعي هذا اللقاء في ذلك الحين، إلا أنها لم تظل نبوءة للأبد، وتحققت بالفعل منذ بداية الألفينات.
هل لو عمل الناس في المنزل وهم يرتدون ملابس نومهم سيحسن ذلك من الأداء الوظيفي بشكل عام؟ ربما يعترض الكثير على هذا، وربما لا يستطيع البعض أصلاً العمل من منزله نظرًا لتشجيع الجو المنزلي على الراحة والاسترخاء، إلا أن الدراسة التالية من الممكن أن تغيّر رأيك تمامًا.
قام مؤسسا موقع “Ctrip” للرحلات والسياحة بتجربة العمل من المنزل على فريق العمل القائم على العمل في الموقع وتطبيق الهاتف وذلك في قسم خدمة العملاء، فأعلنا إمكانية قبول التطوع لتسعة من الموظفين في ذلك القسم للعمل من المنزل دون الحاجة للقدوم إلى مكتب العمل وذلك لمدة تسعة شهور كاملة، بينما بقي من في القسم يعمل بشكل طبيعي من المكتب، لتفسر النتيجة في النهاية ما حدث من تباين بين موظفي المكتب ومن عملوا من منازلهم.
لم يكن من عمل في المنزل أكثر راحة وسعادة فحسب بين أفراد القسم، بل كانوا أكثر إنتاجية أيضًا
وذلك بحسب نتيجة الدراسة السابقة، حيث استطاع رئيس الموقع الحصول على مكالمات إضافية من كل موظف عمل في منزله بنسبة 13.5%، فيما منحه يومًا إضافيًا للعمل، إذا حسبنا كامل عدد المكالمات من العاملين من منزلهم كلهم، وبالمقارنة بحالة الرضى العام لدى الموظفين، تمسك العاملين من المنزل بالوظيفة أكثر من زملائهم في المكتب، وشهد موظفو المكتب معدل أعلى في ترك الوظيفة.
كان “العمل عن بعد” هو أسلوب البيئة العملية الجديد في العقد الأخير، وتباينت الآراء حوله، فكان هناك من رفض الفكرة تمامًا لا سيما من كان لديه أطفال في المنزل، فتكون بيئة العمل المنزلية بالنسبة إليه غير هادئة، وهناك من رفضها لأن العمل المنزلي يشعره بالخمول لا سيما أنه لا يقابل فريق العمل ولا يقابل وجوهًا جديدة يوميًا، ومن الممل أن يظل المرء يعمل أمام شاشة الكمبيوتر فحسب، ولكن كان للبعض الرأي المعاكس كليًا.
تكون المكاتب وبخاصة المزدحمة والمشتركة منها بيئة شديدة الإزعاج لبعض الأشخاص، وذلك بسبب الضوضاء المستمرة سواء بسبب الحديث مع الزملاء أو بسبب قيام كل من في المكتب بنفس الوظيفة تقريبًا، مثل الرد على اتصالات الزبائن في مراكز خدمة العملاء، مما يؤثر بشكل سلبي على إنتاجية هؤلاء الأشخاص في أثناء وجودهم في أماكن العمل، ويدفعهم إلى مدّ فترات راحتهم خارج المكتب، واستغلال مزيد من أيام العطلات المسموح بها خارج نهاية الأسبوع، فينعكس بمزيد من الإجازات العرضية مثل الإجازات المرضية.
كان تأثير أصحاب الرأي المعاكس كبيرًا على بعض الشركات، فكانت سياسة الكثير منها أن تطبق العمل المنزلي، ليس فقط على بضعة من الموظفين، بل ليعمل الفريق بأكمله من المنزل، مثل شركة “ghSMART” للاستشارات الإدارية، فمنذ تأسيسها عام 1995، تعمل الشركة بفريق كل عضو فيه في مدينة ما، حيث كانت موضوعًا للدراسة في إحدى دراستين في كلية “هارفرد” للإدارة والأعمال عن كيفية نجاح مبدأ الإدارة عن بُعد.
كانت سياسة الكثير من الشركات أن تطبق العمل المنزلي، ليس فقط على بضعة من الموظفين، بل ليعمل الفريق بأكمله من المنزل
كيف نجحت شركة “ghSMART” في الإدارة عن بُعد لمدة 20 عامًا؟
حققت الشركة نجاحًا في تحقيق رغبات العملاء وإرضائهم بنسبة 97%، كما حققت نسبة من الربح أو النمو السنوي وصلت إلى 20%، فما سر نجاح الشركة على الرغم من أن 80% من الفريق يعملون من منازلهم؟
من المعروف أن العمل خارج مكاتب العمل يعتبر نوعًا من أنواع التحدي، بل ويزيد عليه أنه يعتبر نوعًا من أنواع المخاطرة بالنسبة لرئيس العمل، فما الذي استطاعت فعله شركة “ghSMART” وغيرها من الشركات التي تتبع نفس المبدأ في العمل عن بعد؟
مسؤولية العمل بشكل مستقل
على كل من يقرر أن يعمل أو يوظف شخصًا عن بعد أن يكون شبه متأكد من أنه قادر على تحمل مسؤولية العمل بشكل مستقل، فلا يعني العمل من المنزل أن يقوم الموظف بما يحلو له في أثناء ساعات العمل من منزله، فهذا أولًا يجعله غير أهل لتحمل مسؤولية العمل عن بعد، ثانيًا، لا يجعله يفصل بين مكان العمل والمنزل بالفعل، حيث يخصص خبراء العمل من المنزل مكانًا معينًا في المنزل ليكون مقر عمله خلال ساعات العمل، ويتجاهل فيه كل ما يمكن أن يتجاهله إن كان بالفعل في المكتب، هذا يساعدهم على التركيز بشكل أكبر خلال ساعات العمل، ويساعدهم على الخروج من بيئة العمل بمجرد أن يخرجوا من ذلك المكان ليعيشوا حياتهم في منزلهم بشكل طبيعي.
التركيز على النتائج
ينصح فريق شركة “ghSMART” كل من يبدأ بالعمل مع فريق من المنزل بأن يركز على النتائج، حيث يشرح الرئيس ما يتوقع أن يجده من الموظف في نهاية المدة الزمنية المحددة التي يوكله فيها بمهمة ما، وعلى أساسها يكافئه إن أدى المهمة بشكل يفوق التوقعات المطلوبة منه، وبهذا يضمن الفريق تصور مبدأي لطريقة العمل، واستمرارية رفع سقف التوقعات بعد تحفيز الموظف بالمكافآت.
دع فريق العمل يختار واحترم اختياراته ما دامت في الصالح العام
عندما يتم العمل مع فريق عن بعد، يجب على مدير العمل الاستثمار في الأفكار، فكانت شركة “ghSMART” تعلن عن ميزانية تحت اسم “ميزانية الإبداع”، ومنها يدعو المسؤول الموظفين لعرض أفكارهم الجديدة والمختلفة، من هنا وجدت الشركة أن الموظفين يشعرون بأنهم شديدو الارتباط بأفكارها، ومخلصون في العمل عليها لأنها وليدة أفكارهم، ولأن الشركة منحتهم الدعم في سبيل الإبداع.
العمل المنظم، والتركيز على تحقيق توقعات الوظيفة والتحفيز المعنوي والمادي من أجل الاستثمار في الأفكار بدلًا من كل ما هو مادي كان وصفة النجاح للمحافظة على العمل وعلى روح الفريق متماسكًا ومخلصًا للعمل، حتى ولو كان عن بُعد.