ترجمة وتحرير نون بوست
يمثل مؤتمر الأمن بميونيخ فرصة كبيرة للقادة السامين لإلقاء الخطابات وعقد الاجتماعات. ففي بعض الأحيان، تكون هذه الاجتماعات شكلية في حين تتطرق في بعض الأحيان إلى مواضيع هامة ومصيرية.
في الواقع، انعقد اجتماع السنة خلال الأسبوع المنصرم، وحظي الوفد المبعوث من الولايات المتحدة الأمريكية بتركيز جميع المتطلعين على الاجتماع والمشاركين فيه. كما تولى نائب الرئيس الأمريكي، مايك بانس، بالمشاركة مع وزير الدفاع، جيمس ماتيس، رئاسة الوفد، الذي يتضمّن بعض المساعدين والشخصيات البارزة.
يمكننا القول أن تركيز الجميع على هذا الوفد أمر بديهي، لأن العالم اليوم يريد معرفة شكل السياسة الخارجية التي ستعتمدها الولايات المتحدة ومخططاتها المستقبلية.
من جهته، أكد الوفد برئاسة ماتيس وبانس، على مواصلة الولايات المتحدة اعتماد نفس السياسة الخارجية، ما من شأنه دائماً تهدئة الدبلوماسيين، لسبب أجهله حقيقة. ومهما كانت الوضعية غير متماسكة، فإن قطع الوعود باستمرارها على هذه الحالة، سيجعل من الدبلوماسي رجل دولة.
تشترك تركيا في بعض المصالح مع الولايات المتحدة، التي أثبتت قدرتها على الوفاء بوعودها بشكل كبير. أما في حال قررت الولايات المتحدة محاربة تنظيم الدولة، فستحتاج بالتأكيد إلى حلفاء لعل أبرزهم تركيا
في الواقع، نجح كل من بانس وماتيس في إتقان الدور بفاعلية كبيرة، وربح الوقت الذي تحدد فيه إدارة الرئيس، دونالد ترامب، السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
من أبرز التطورات التي يمكن استخلاصها من كل من الاجتماع والأحداث الأخرى التي جرت في الأيام القليلة القادمة، هو التحول الذي بدا على سياسة تركيا تجاه الولايات المتحدة. فقد التقى ماتيس بوزير الدفاع التركي، فكري إشيق، في 16 شباط/ فبراير الجاري خلال مؤتمر وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي وأكد له دعم الولايات المتحدة لتركيا كشريك إستراتيجي في الحملة القائمة ضد تنظيم الدولة في سوريا.
وفي 18 شباط/ فبراير، التقى بانس بكل من رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ورئيس منظمة المخابرات القومية، حقان فيدان. وصرح وزير الخارجية التركي، على إثر هذه الاجتماعات، في مونيخ أن تركيا تطلب تكثيف القوات الخاصة الأمريكية في سوريا، مضيفاً أن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، كان في أنقرة، خلال الأسبوع الماضي، وناقش بعض المسائل التقنية المتعلقة بانتشار القوات في سوريا.
من جانب آخر، تراجعت العلاقات كثيرا بين الولايات المتحدة وتركيا على إثر محاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا والتي اتهمت فيها الحكومة التركية فتح الله غولن. وبما أن غولن يعيش في الولايات المتحدة، وتحديداً في ولاية بنسلفانيا، فقد تمكن من تكوين علاقات هناك. لذلك، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتسليمه دون المرور بالإجراءات القانونية التي ينص عليها القانون الأمريكي، الأمر الذي جعلها في تحد مباشر مع تركيا، التي حملتها مسؤولية الانقلاب، مما أدى إلى تدهور العلاقات.
في الأثناء، تشارك تركيا في “لعبة اللاعبين الثلاثة” التي تهيمن على المنطقة إذ تشمل هذه اللعبة الولايات المتحدة، التي تعتبر حليفاً مهما لتركيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تحتفظ بقاعدة جوية كبيرة ومهمة في إنجرليك، من خلال حلف شمال الأطلسي. كما تحظى هذه القاعدة بأهمية كبيرة في الحفاظ على العمليات الجوية في العراق وسوريا وتعمل، بالإضافة إلى ذلك، في البحر الأسود والقوقاز بهدف التعامل مع العمليات الروسية.
في المقابل، تحتل روسيا في هذه اللعبة أيضاً، مكانة مهمة وتعتبر منافسة تاريخية لتركيا. فعلى مدى الحقبة السوفيتية وفي زمن القيصر، أولى الروس اهتماما خاصاً لتركيا، ولمضيق البوسفور. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المضيق يقع بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، حيث حاول الروس السيطرة عليه بهدف التمتع بعبور غير محدود للبحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر ذو ضرورة إستراتيجية بالنسبة لهم.
والجدير بالذكر أن منطق الوضع الذي ساد بين البلدين، دفع بتركيا للتحالف مع الولايات المتحدة ضد روسيا بهدف عرقلة طموحاتها منذ الحرب العالمية الثانية.
في الوقت الراهن، تجد روسيا نفسها عاجزة عن الاستيلاء على مضيق البوسفور، ولكنها تملك خيارات أخرى تمكنها من استفزاز تركيا وإثارة غضبها، على غرار الملف السوري. فقد ساعد قرار إرسال طائرات لحماية نظام الأسد في تحقيق مراد روسيا، خاصة وأن تركيا فضلت تنحيه عن الحكم بسبب الفظائع التي ارتكبها ضد الجالية التركية في سوريا.
وفي هذا الصدد، برزت روسيا على أنها المنقذ للأسد. في المقابل، أقدمت تركيا على ضرب طائرة روسية على إثر دخولها في المجال الجوي التركي، مؤججة بذلك صراعها مع الكرملين لدرجة أنها أصبحت شبيهة بحالة حرب. أما محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا، فقد أدت إلى توتّر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وتحسنها فجأة مع روسيا.
أصبح دور تركيا ضمن التحالف يختلف عما كان عليه قبل 20 سنة، أو حتى 10 سنوات، إذ تتبع تركيا اليوم سياسة “الند بالند” مع روسيا. أما في تعاملها مع الولايات المتحدة، فتظهر تركيا على أنها أقوى منها وتسعى إلى جعلها معتمدة عليها
كما كان الأتراك يوقعون أنفسهم في موقف يحسدون عليه، خاصة وأنهم يوجهون عدائهم لكل من الولايات المتحدة وروسيا في آن واحد. ومع ذلك، ظلت تركيا قوة مهمة بالنسبة لكلا البلدين. في الحقيقة، تعتبر قاعدة إنجرليك ذات أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة نظرا لأنها بحاجة إليها وإلى المساعدة التركية فيما يتعلق بإدارة شؤون الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، تحتاج روسيا إلى مساعدة الأتراك لدعم هدفها المتمثل في زيادة نفوذها بهدف ثني طموحات الولايات المتحدة في أوكرانيا وفي باقي المناطق الأمر الذي من شأنه أن يكون بمثابة تحدّ للولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن تركيا حظيت بتودد دولتين، أقل ما يقال أنها تحتقرهما، الأمر الذي من شأنه أن يخدم طموحاتها في الحصول على تنازلات من كل من الولايات وروسيا مقابل بقائها منحازة لمعسكر واحد. كانت هذه اللعبة جذابة للغاية، حيث نجح من خلالها الرئيس أردوغان في تحقيق التوازن بين روسيا والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض، داحضاً بذلك ما تناولته وسائل الإعلام حوله وحول سياسته “اللامنطقية”.
في المقابل، أشارت بعض الدلائل إلى أن الأتراك كانوا منحازين للولايات المتحدة. كما تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تدرس، ليس فقط إمكانية إرسال قوات خاصة، ولكن أيضاً قوات عادية وبحرية للمشاركة في مهمة القضاء على تنظيم الدولة.
في الواقع، أعرب الأتراك عن أملهم في الإستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة، والتي ستمكنهم من تدمير تنظيم الدولة. خلافا لذلك، لم تتدخل تركيا في العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة في قاعدة إنجرليك، وطالبتها بوضع حد لدعمها الذي توفره للأكراد في سوريا. وفي هذا الصدد، لم تعلن تركيا بعد عما ستفعله، في حال واصلت الولايات المتحدة من إتباع نفس السياسة مع الأكراد.
يبدو أن النقاش حول سوريا قد وصل إلى مرحلة حرجة، نظرا لأن الأتراك حريصون على التدخل في سوريا. وبالتالي، سيعيد هذا الاتفاق، الذي يحتوي على العديد من التنازلات من قبل الولايات المتحدة، العلاقة بينها وبين تركيا إلى الوضعية التي وصلت إليها على إثر الانقلاب.
ومن بين الأسباب التي أدت إلى وصول النقاش الذي دار بين جميع الأطراف إلى طريق مسدود، هو إدراك تركيا لتراجع دور روسيا كحليف. وفي النهاية، تعتبر القدرة العسكرية الروسية محدودة، كما أنها تمر بأزمة اقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الجنوب التركي مهدداً، ولا تزال تركيا تشعر بالقلق إزاء السياسات التي تعتمدها إيران.
من أبرز التطورات التي يمكن استخلاصها من كل من الاجتماع والأحداث الأخرى التي جرت في الأيام القليلة القادمة، هو التحول الذي بدا على سياسة تركيا تجاه الولايات المتحدة
علاوة على ذلك، تشترك تركيا في بعض المصالح مع الولايات المتحدة، التي أثبتت قدرتها على الوفاء بوعودها بشكل كبير. أما في حال قررت الولايات المتحدة محاربة تنظيم الدولة، فستحتاج بالتأكيد إلى حلفاء لعل أبرزهم تركيا، وذلك لأنها تعتبر القوة الإقليمية الأكثر أهمية في المنطقة.
من جانب آخر، أصبح دور تركيا ضمن التحالف يختلف عما كان عليه قبل 20 سنة، أو حتى 10 سنوات، إذ تتبع تركيا اليوم سياسة “الند بالند” مع روسيا. أما في تعاملها مع الولايات المتحدة، فتظهر تركيا على أنها أقوى منها وتسعى إلى جعلها معتمدة عليها.
في الختام، بغض النظر عن المكانة الإقليمية التي بلغتها تركيا، فإن تحتاج إلى حليف تشير جميع المؤشرات إلى أنه سيتجسد في الولايات المتحدة.
المصدر: هافينغتون بوست