رغم صعوبة البقاء على قيد الحياة في الصحراء الكبرى، اختار ملايين البشر العيش فيها وتنمية حضارات عريقة في تلك البيئة القاسية، ما ساعد في بروز مدن قوية وذات تأثيرات وتفاعلات بارزة.
تميل هذه المدن المنتشرة في الصحراء الكبرى إلى التشكُّل على طول الأنهار والواحات والبحيرات المتناثرة، على سبيل المثال شكّل قدماء المصريين ومملكة كوش حضارات عظيمة على طول نهر النيل، فيما شكّل الطوارق والتبو بعض المدن في قلب الصحراء قريبًا من الواحات، رغم أنهم يتنقّلون باستمرار للعثور على مناطق جديدة لرعي مواشيهم والبحث عن الطعام.
توجد أيضًا بعض القوميات العربية التي اختارت الساحل لتأسيس مدنها الصحراوية، على غرار عاصمة موريتانيا نواكشوط، التي تعدّ واحدة من أكبر المدن في الصحراء الكبرى، وأكثرها كثافة سكانية في الوقت الحالي.
مدن تحمل في طياتها تاريخًا كبيرًا، إذ تجمع بين ثناياها الآثار الشاهدة على حضارات عديدة تعاقبت على المنطقة واستقرت فيها، وهو ما دفعنا إلى تخصيص هذه المادة ضمن ملف “الصحراء الكبرى”.
تمبكتو: جوهرة الصحراء
تمبكتو، مدينة تاريخية في دولة مالي، تلقّب بـ”مدينة الأولياء” و”جوهرة الصحراء”، وكانت لعصور عديدة ملتقى طرق القوافل التجارية التي تجوب الصحراء، وتدير عمليات تبادل البضائع القادمة من شمال أفريقيا وشرقها بالسلع المتوفرة في جنوب الصحراء وغربها.
فضلًا عن ذلك، كانت المدينة منطلقًا لنشر الدين الإسلامي في غرب أفريقيا، إذ ينطلق منها العلماء ويأوي إليها طلاب العلم والثراء، وضمّت بين تشعّباتها مجموعة من المساجد، مثل مسجد جينكريبر الذي يقع في أقصى غربها، بناه سلطان مالي منسا موسى عند عودته من الحج، ومسجد سنكَري الذي كان من أبرز مؤسسات التعليم في المدينة، و مسجد سيدي يحيى الذي أسّسه عام 1400 الشيخ المختار حماه الله.
تقع أغاديس في صحراء النيجر، وتضم بين طياتها واحات ممتدة وجبال آير، تحدها من الشمال ولاية تمنراست في الجزائر.
جمعت تمبكتو بين مختلف القوميات التي تسكن الصحراء الكبرى، إذ يسكن في هذه المدينة التاريخية قوميات العرب والطوارق والسونغاي والفولان وبعض الأقليات الأخرى، رغم الانتهاكات الكثيرة التي تمارسها ضدّهم الحكومة المركزية وحليفتها فرنسا (قبل الانقلاب الأخير وطرد فرنسا من البلاد).
يعود تأسيس المدينة إلى مطلع القرن الحادي عشر ميلادي، إلا أن شهرتها بدأت في منتصف القرن الخامس عشر بوصفها حاضرة للثقافة الإسلامية في غرب أفريقيا، وخلال القرن السادس عشر، وتحديدًا في عهد السلطان الحاج محمد أسكيا (1493-1528)، شهدت تمبكتو عصرها الذهبي من الناحية السياسية والعلمية.
كانت تمبكتو مركزًا للممالك الكبرى في المنطقة على غرار مملكة السونغاي ومملكة مالي، وتحفظ مكتباتها العريقة إلى الآن نحو 300 ألف مخطوطة، وتختزن صفحات هذه المخطوطات واحدًا من أهم الكنوز الثقافية الإسلامية في أفريقيا.
غاو: أكبر الإمبراطوريات الإسلامية في أفريقيا
نبقى في الجزء الصحراوي التابع لدولة مالي غير بعيد عن تمبكتو، وتحديدًا في مدينة غاو أكبر المدن بشمال البلاد، والتي أعلنتها حركة تحرير أزواد عام 2012 عاصمة لأول دولة للطوارق المعلنة من جانب واحد، وذلك إثر انفصالها عن العاصمة باماكو.
تمتلك المدينة موقعًا استراتيجيًّا بجوار نهر النيجر وبين الصحراء ومنطقة السافانا غرب أفريقيا، ما جعلها مركزًا مهمًّا للتجارة في العصور الوسطى، ومنحها قوة أكبر مقارنة بالمدن الصحراوية العديدة المجاورة لها.
ذُكرت هذه المدينة في المراجع التاريخية، وكانت مقصدًا لعديد الرحّالة، أبرزهم الرحّالة الشهير ابن بطوطة الذي زارها عام 1353 قادمًا من تمبكتو، وأقام فيها شهرًا ثم غادرها برفقة قافلة باتجاه واحة توات في الصحراء.
كان للمدينة دور كبير في نشر الإسلام بأفريقيا، إذ ظهرت فيها مملكة سونغي التي امتدت لفترة طويلة على مساحة كبيرة من القارة السمراء، بلغت في أوجها 1.4 مليون كيلومتر مربع، لتكون أكبر الإمبراطوريات الإسلامية في أفريقيا.
ضمن الآثار التي بقيت صامدة في المدينة إلى الآن، نجد مسجدًا يحمل اسمها يعود بناؤه إلى القرن الـ 14 ميلادي، ومزارًا لأسكايا محمد بُني عام 1495، صنّفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” ضمن لائحتها للتراث العالمي.
أغاديس: دار العلم والثقافة
تقع مدينة أغاديس في صحراء النيجر، وتضم بين طياتها واحات ممتدة وجبال آير، تحدها من الشمال ولاية تمنراست في الجزائر، وتحدها من الشمال الشرقي الحدود الليبية، ومن الشرق تشاد، وتحدها من الغرب منطقة كيدال في مالي.
يعيش في المدينة الصحراوية قوميات الهاوسا والجرما والطوارق والتبو والفولان، وإن كان الطوارق هم الأكثر عددًا والأقوى تأثيرًا هناك، وقد قادوا عديد الثورات المسلحة ضد الحكومة المركزية للحصول على حقوقهم.
أُسّست مدينة أغاديس حوالي عام 1170مـ وفق بعض المصادر التاريخية، بينما تفيد أخرى أنها تأسست على يد 3 قبائل من الطوارق، هي ساندال وكل-أووي وكل-غرس، في حدود عام 1460مـ، وكلمة “أغاديس” في لغة الطوارق هي ترجمة لفعل “زار”.
يبرز في المدينة مسجد كبير يحمل اسمها، ويعتبر من أقدم مساجد المنطقة، إذ تأسّس عام 1515 ويبلغ طول منارته قرابة 27 مترًا، وحافظ المسجد على هيئته لعدة قرون رغم كونه بُني من الطين والقش والحصي، وهو مزيج يجفّ مع أشعة الشمس.
كانت أغاديس مركزًا تجاريًّا هامًّا وأيضًا مركزًا للتعليم، إذ أبدى سكانها بعد اعتناقهم للدين الإسلامي عناية عظيمة بالعلوم الشرعية واللغوية والأدبية، إلى جانب الاهتمام بفروع الثقافة الإسلامية المعروفة في زمنهم.
شنقيط: مدينة المكتبات
تقع مدينة شنقيط في أقصى الشمال الموريتاني، التي تحتضنها سلسلة جبال آدرار الشامخة بين جوانحها وكثبانها الرملية الممتدة مدّ البصر، والتي منحت اسمها موريتانيا عبر التاريخ.
يعود تأسيس شنقيط الحالية إلى نحو 8 قرون مضت، أي في حدود منتصف القرن الثالث عشر ميلادي، وشهدت المدينة فترات ازدهار منذ القرن الثالث عشر، لكن ازدهارها الأبرز كان ابتداءً من القرن الثامن عشر، وإلى الآن تحافظ المدينة على طابعها التقليدي والبدوي وبناءاتها المبنية بالحجارة والطين، ومسجدها الكبير أفضل شاهد على ذلك.
يمازج سكّانها بين أنماط الاستقرار في المدينة والترحال حولها وفق ظروف الحياة البدوية، ما جعل عدد السكان المستقرين فيها يتراجع سنة بعد أخرى تأثرًا بالأوضاع الطبيعية الصعبة، ويبلغ عدد سكانها الآن قرابة 7 آلاف ساكن، ووصلت في بعض الأحيان إلى أقل من 400 ساكن.
تصنف اليونسكو شنقيط موقعًا للتراث العالمي، باعتبارها شاهدًا فريدًا على الثقافة البدوية والتجارة في بيئة صحراوية منذ العصور الوسطى، حيث كانت مركزًا مزدهرًا ذات حياة دينية وثقافية غنية، واستطاعت الحفاظ على نمطها المعماري الاستثنائي منذ عدة قرون.
يطلق على شنقيط “مدينة المكتبات”، إذ تضم عدة مكتبات ومخطوطات قديمة تجاوز عددها الآلاف قبل نصف قرن من الزمن، وتغطي المخطوطات التي كُتب قسم كبير منها على جلود الغزلان وأُحيطت بغلاف من جلد الماعز، فترة زمنية تمتد من القرن الثالث إلى القرن الرابع عشر هجري.
تتناول جميع العلوم والفنون بما في ذلك علوم القرآن والحديث، وعلم الفلك والرياضيات والهندسة، والنحو وعلوم اللغة والشعر والتاريخ والطب والجغرافيا وغيرها، ومن بينها أقدم نصوص قرآنية يعود تاريخها إلى القرن التاسع.
فضلًا عن ذلك، تعتبر المدينة ولّادة للعلماء، إذ أخذت بعض صيتها من علمائها الشناقطة الذين ملأ صيتهم العالم باستظهار وحفظ العلوم، وأبدعوا في ميادين العقيدة الإسلامية واللغة والفقه والرياضيات والمنطق، حتى أنها سُمّيت بـ”مكة موريتانيا”.
كانت مدينة شنقيط مقصد الحجاج الذي يتجمعون فيها، ثم ينطلقون في قافلة واحدة نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ويعمل الحجاج خلال هذه الرحلة التي قد تستغرق شهورًا على نشر العلوم الإسلامية في البلاد التي يمرون بها، كما يتنافسون في جلب نفائس الكتب إلى وطنهم الأصلي، كما كانت أيضًا إحدى المراكز التجارية المهمة على طرق القوافل، التي كانت تعبر الصحراء بين غرب وشمال أفريقيا.
وَادَان: أقدم جامعة في الصحراء
غير بعيد عن شنقيط، حيث نجد مدينة وَادَان الشامخة في الصحراء الكبرى، والمصنَّفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث العمارة الصحراوية والتنوع الثقافي والمكتبات التي تزخر بالمخطوطات الثمينة.
بُنيت وَادَان على يد الحجاج الأربعة من قبيلة إدو الحاج، وهم الحاج يعقوب والحاج عثمان والحاج علي والحاج عبد الرحمن الصائم، عام 536هـ، وتُحيط بها العديد من واحات النخيل، وهي مدينة تعكس جزءًا من حضارات وأمم مرّت بصحراء، وتروي لك أزقتها وممراتها الضيقة المتعرجة جهود سكانها الذين تحدّوا قساوة الطبيعة.
شُيّدت منازل المدينة العتيقة بالحجر الجيري ويغطي جدرانها الطين الأحمر، أما أبواب منازلها فمصنوعة من خشب السنط الأحمر الأصلي، وتؤطرها زخارف ورسوم وأقواس وأشكال هندسية مختلفة، وتحكي قلعة المدينة عظمة الفن المعماري الذي بلغته الحضارة في تلك المنطقة أثناء ازدهارها.
مثلها مثل شقيقتها شنقيط، تحتوي المدينة على عديد المكتبات وآلاف المخطوطات النادرة في شتى المصنّفات، من علوم نقلية وعقلية كالنحو والصرف والبلاغة والطب والفلك، وغيرها من العلوم التي أنتجتها الحضارة العربية والإسلامية في أوج ازدهارها خلال العصر الوسيط، كما يضمّ متحفها آلاف القطع الأثرية التي يعود بعضها إلى العصر الحجري الأول والثاني.
من أبرز معالم المدينة شارع الأربعين عالمًا، الذي تطل على فنائه منازل 40 عالمًا، ومن خلاله تتعرّف إلى الآباء المؤسسين للمدينة من أمثال أحمد طالب ولد أطوير الجنة صاحب الرحلة الشهيرة “رحلة المنى والمنة”، التي رسمت صورة عن مسار رحلة الحجيج الشناقطة، وعلاقاتهم مع الدول الواقعة على طول تلك الرحلة.
اهتم الآباء المؤسسون للمدينة بنشر الإسلام وعلوم اللغة العربية في تلك الربوع الصحراوية القاسية، لذلك كان أول بناء يشيَّد فيها هو المسجد العتيق ومنارته الأقدم في البلاد، وتوصف وَادَان بأنها أقدم جامعة في الصحراء اهتمت بنشر العلم والثقافة الإسلامية والعربية.
نواكشوط ورجال البحر
من أهم المدن الجديدة في الصحراء الكبرى، نجد نواكشوط عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأكبر وأهم مدنها على الإطلاق، تقع في أقصى الغرب على المحيط الأطلسي، ترتبط ببقية أرجاء البلاد بطرق برّية أهمها طريق الأمل الذي يصلها بمحافظات الوسط والشرق.
مقارنة بباقي مدن الصحراء، تأسّست هذه المدينة حديثًا، تحديدًا في أواخر خمسينيات القرن العشرين حين اختارها الآباء المؤسسون لموريتانيا الحديثة عاصمة للدولة الوليدة، ولم تكن قبل ذلك سوى قرية ريفية متواضعة تقطنها بعض القبائل التي استوطنت المنطقة من قديم الزمان.
تضم المدينة حاليًّا أهم المنشآت والمصالح والدواوين الحكومية، ومقار السفارات والمنظمات الأجنبية، وتوجد فيها الجامعة الوحيدة التي أنشئت عام 1981، والمطار الدولي شبه الوحيد في البلاد، وفيها مركز تجاري وميناء الصداقة الذي بنته الصين في ثمانينيات القرن العشرين.
زادت أهمية المدينة في السبعينيات والثمانينيات الماضية، إذ مثلت قبلة لعشرات الآلاف من الموريتانيين الهاربين من التصحُّر والجفاف الذي ضرب البلاد في تلك الفترة، وقد ساهم هذا الأمر في تسريع عملية تحضُّر مجموعات البدو.
قديمًا كان يعيش شعب الإيمراغن في هذه المنطقة، الشعب الذي لُقّب بـ”رجال البحر” -حيث عايشوا البحر منذ مئات السنين، واكتشفوا أسراره وكنوزه، واندمجوا في عالمه-، يمارسون الصيد بوسائل بدائية ويتمسكون بأسلوب حياتهم التقليدي، قبل أن ينعزلوا في جزيرة آرغين في جنوب منطقة الرأس الأبيض بأقصى شمال الساحل الأطلسي الموريتاني، قرب الحدود مع الصحراء الغربية.
للمفارقة، تواجه نواكشوط خطرَي الغرق والتصحُّر في الوقت نفسه، فأغلب أحيائها خاصة الغربية تقع تحت مستوى مياه المحيط الأطلسي، أما الأحياء الشرقية والشمالية الشرقية فتواجه خطر الرمال الزاحفة، التي لم تفلح محاولات الحكومة في وقفها.
غات: لوحة فنية في ليبيا
من المدن الليبية الصحراوية نجد غات، وتقع على مشارف الحدود الليبية الجزائرية، ويسكن هذه المدينة الطوارق ويتكلمون الأمازيغية نطقًا وكتابة بواسطة حروف التيفيناغ، أو الليبية القديمة، كما تسكنها بعض الأقليات العربية الذي يتكلمون بالعربية ومنهم من يتحدث بلغة الهوسا.
تأسّست المدينة في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، على يد 5 قبائل تعهّدت بحماية القوافل التجارية من خطر القبائل التي تقطن الواحات الصحراوية، وذلك قبل قدوم الطوارق إليها وسيطرتهم عليها، وحمايتها مقابل جزية معلومة تؤديها المدينة.
تقع غات الليبية على طريق القوافل بين طرابلس الغرب وبلاد السودان، ومن أهم البضائع المتاجر بها في غات الذهب والحبوب والجلود وريش النعام وعاج الفيل وتجارة الرقيق، وهو ما أكسب المدينة أهمية كبرى في الصحراء.
تضمّ غات بين طياتها عديد المعالم الأثرية العريقة، أبرزها القلعة التي شُيّدت خلال فترة الحكم العثماني في القرن السابع عشر، ومن ثم دمّرها الإيطاليون وأعادوا بناءها عام 1930، وفي غات سلسلة جبال آكاكوس الصخرية، وتعتبر من أبرز معالم ليبيا المهملة، والتي تشتهر بآلاف اللوحات والمنحوتات التي تعود إلى ما قبل 14 ألف عام.
حاسي مسعود
تقع مدينة حاسي مسعود في الصحراء الجزائرية، وهي من أبرز مدن البلاد في الحاضر وفي الماضي أيضًا، فقد كان لها دور كبير في إعمار الصحراء الكبرى وتنظيم طرق التجارة في تلك المناطق الوعرة غير الآهلة بالسكان.
ترجع تسمية المدينة نسبة إلى رجل بدوي هو مسعود روابح، أحد العرب الرحّل من قبيلة الشعانبة، وتقول بعض الروايات إنه حفر بها بئر ماء أو “حاس” في بدايات القرن العشرين (حوالي عام 1917)، وكانت بطون بني هلال القادمة من شبه الجزيرة العربية تقيم فيها، وكان فيها تجمع بدوي تحوّل بعد اكتشاف النفط عام 1956 إلى قطب صناعي.
تحتضن المدينة الصحراوية عدة مواقع تاريخية، أهمها الحصن الفرنسي المسمى “فور لالمان”، وكذلك البئر التاريخي الذي سُمّيت المدينة باسمه، وتدلّ الأدوات الحجرية المكتشفة في وادي المجيرة وحاسي الدبب وغيرها من المواقع المحيطة بالمنطقة على تاريخها.
غرداية ومنازلها المضاءة بالشمس
يسكن في هذه المدينة غرداية الشعانبة (عرب) والمذابيح (عرب) ويتبعون المذهب المالكي، إلى جانب الميزابيون (أمازيغ) الذي يتبعون المذهب الإباضي.
تضمّ المدينة عددًا من القصور التاريخية، منها قصر غرداية وبنورة وبني يزقن والقرارة وبريان وتاجنينت (العطف حاليًّا) ومليكة، وصنّفت اليونسكو قصور سهل وادي ميزاب الخمسة فقط ضمن التراث العالمي، وهي غرداية وبنورة والعطف ومليكة وبني يزقن، التي تعود إلى القرن الحادي عشر، نظرًا إلى محافظتها على طابعها العمراني طيلة هذه القرون وعلى نظامها الاجتماعي.
بُنيت هذه القصور بشكل هندسي مميز، بطريقة تسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل، والسماء من أجل الضوء والتهوية وفيها بضعة فضاءات، منها الفضاء المخصص للنساء ما يسمّى بـ”التيزفري”، وهو ضروري لكل بيوت بني مزاب.
تشكّل هذه المدن المتناثرة هنا وهناك جزءًا من تاريخ الصحراء الكبرى الممتدّ عبر عصور مضت، وهي إلى الآن شاهدة على الحضارات التي تعاقبت على المنطقة وسكنتها، متحدية المناخ القاسي والطبيعة الصعبة.