يقترب موعد حفل الأكاديمية التاسع والثمانين، وتواتر معه الشد والجذب عن نتائج الترشيحات والانتصارات المنتظرة والاستحقاقات المرجوة، ويتصدر فيلم لالالاند La La Land قائمة الترشيحات بـ14 ترشيحًا في سابقة فريدة للأفلام الغنائية، لكن الفيلم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ عرضه في أواخر الصيف الماضي، يواجه معارضة معتبرة من داخل الأكاديمية، فضلاً عن المنافسة الكبيرة التي تمثلها أعمال مختلفة ومتنوعة في مختلف المسابقات.
لا شك أن الأوسكار الأهم في الحفلة يتعلق باختيار أفضل فيلم للعام المنقضي، لذلك أقدم لكم في هذا المقال العناوين التسعة المرشحة مع تقديم موجز لترشيحات الجوائز الأربعة الرئيسية الأخرى.
1ـ لالالاند La La Land ـ داميان شازال Damien Chazelle
توجد مراجعة مفصلة للفيلم على هذا الرابط، لذلك سأكتفي بالتذكير بما يميز هذا الفيلم أو يعيبه.
تقدم هذه الغنائية مدينةََ لوس أنجلوس بين ما تعد به الحالمين وما تبتليهم به، ولقد عبر شازيل عن ذلك من خلال الإشارة للكلاسيكيات الغنائية الهوليودية في عصرها الذهبي (الخمسينيات) في إطارات غنائية حاولت أن تكون واقعية بقدر كبير، يشهد بذلك الحوار والسيناريو الذي خاطب نفسه في نهاية الفيلم معلنًا أنه يمثل نقيض الصورة الوهمية التي تخدعنا بها أفلام مثل “أمريكي في باريس” و”مطريات شغبوغ” و”الغناء تحت المطر”.
يبدو أن هذه الفكرة لم تبلغ بشكل كامل، ذلك أن كثيرين ركزوا على علاقة الحب نفسها بين ميا (إيما ستون Emma Stone) وسيبستيان (ريان غوسلنغ Ryan Gosling) على اعتبار أنها علاقة كلاسيكية مملة دون أن يفكروا فيما ترمز إليه، أو اعتبروا الفيلم مجرد تركيبة فنية لكليشيهات الحقبة الذهبية وهم في ذلك لا يختلفون عن أولئك الذين انتقدوا فيلم “Pulp Fiction” قبل أن يتحول إلى جزء من الثقافة الشعبية.
ما يعيب لالالاند بشكل جدي هو سذاجة الصورة التي قدمها عن موسيقى الجاز اليوم، والمبدعين الجدد
ربما ما يعيب لالالاند بشكل جدي هو سذاجة الصورة التي قدمها عن موسيقى الجاز اليوم، والمبدعين الجدد، رغم أن شازال اتخذ من الصورة مطية مجازية لطرح إشكالية التجديد بين هدم الموروث والبناء عليه، وهي فكرة جوهرية يقوم عليها الفيلم.
من المؤكد أن العناصر الرئيسية في الفيلم ليست استثنائية، أعني السيناريو والإخراج والتمثيل وحتى السينماتوغرافيا، ولكن كل عناصره بلا استثناء جيدة، وهذا سبب حضوره الطاغي في ترشيحات الأوسكار، لكن من المؤكد أنه لن يظفر بها جميعًا، كما تبدو الظروف السياسية غير مواتية كثيرًا للاحتفاء بفيلم يناقش مسائل عميقة متعلقة بالفن والإبداع والنجاح والحب والتجديد والمحافظة، وعلى أي حال، آمل أن يكون هو الفيلم المتوج لأنني أراه يستحق، وفي الانتظار، سأظل أستمع إلى موسيقى الفيلم التي لم تمحَ من الذهن بعد.
2ـ وصول Arrival ـ دنيس فيلنوف Denis Villeneuve
لسبب ما ترجم ويكيبيديا اسم الفيلم إلى “الوافد” مع أننا نتحدث عن أربعة وعشرين وافدًا، وأن الترجمة بذلك لا تستقيم فقط بل توحي بقصة لا علاقة لها بالفيلم، عموما، قدمت الفيلم بهذا الاسم بشكل مفصل على هذا الرابط، لذلك أكتفي هنا بتقديم عابر.
يحدثنا الفيلم عن حلول اثنتي عشرة مركبة فضائية بمناطق شتى على الأرض، وتحمل كل مركبة فضائيين اثنين، وكان على مختلف الحكومات أن تسعى للتواصل مع هؤلاء بشكل سري وتفهم إن كانت الزيارة ودية أم عدائية، وكانت مهمة البطلة لويز Louise خبيرة اللسانيات، رفقة عالم الفيزياء أيان Ian أن تجد طريقة للتواصل مع كائنات عديمة الملامح.
لقد كان “وصول” رغم كل هذه الهنات على مستوى التصور الدرامي، متين الحبكة، مشوق القصة، مثيرًا في لحظات كثيرة، وكانت المادة العلمية فيه على قدر محترم من الدقة والعناية، والمحتوى على انسجام كبير مع المبنى، مما جعل المفارقة الزمنية التي سببتها معرفة لويز المسبقة بما سيحدث، مقبولةً ورومانسية أيضًا.
العائق الحقيقي الذي يمنع فيلم دنيس فيلنوف من التتويج هو التاريخ، فالأكاديمية كما تشهد سجلاتها لا تحب أفلام الخيال العلمي
ولكن العائق الحقيقي الذي يمنع فيلم دنيس فيلنوف من التتويج هو التاريخ، فالأكاديمية كما تشهد سجلاتها لا تحب أفلام الخيال العلمي، وإذا كانت أفلام من مستوى “2001، أوديسا الفضاء” (2001, A Space odyssey) و”فضائي” (Alien) والمصفوفة أو الماتركس The Matrix، وبليد رنر Blade Runner لم ترشح للأوسكار، فلا يمكن أن نتوقع حظوظًا حقيقية لوصول، إنها نقطة مظلمة للأكاديمية كان على النقاد والمبدعين الدفع في اتجاه تغييرها عوض فرض نضالات اجتماعية على عمل إبداعي.
وعلى كل حال، فالفيلم مرشح لثمانية جوائز وهو بذلك في المرتبة الثانية من حيث الترشيحات بعد لالالاند ومن الوارد أن يظفر بجائزة تقنية ما.
3ـ ضوء القمر Moonlight ـ باري جِنْكِنْز Barry Jenkins
قالت لي المرأة العجوز “راكضًا في المكان، قابضًا على حزم من الضوء، في ضوء القمر، الأولاد السود يبدون زرقًا، أنت أزرق! هذا ما سأناديك به، أزرق!”
قصة ضوء القمر، هي قصة ألوان تغزو مسام الصورة وتحيل مأساة البطل إلى ألوان مدينة ميامي الكابوسية الجميلة، لذلك فالصورة هي العنصر الأبرز في الفيلم بلا شك، ولقد استعان باري جنكنز بمبدعين حقيقيين للتعبير ببلاغة الضوء عن مشهد ميامي وهي تحت رحمة الشمس والبحر، زرقة مفعمة وألوان مشبعة وملامح غليظة.
قسم المخرج الفيلم إلى ثلاثة ألوان رئيسية، حاكى في كل منها علبة فيلمٍ مختلف يناسب مرحلة عمرية للبطل، ففي اللون الأول استخدم علبة فوجي فيلم، التي تتميز (والكلام لخبير التلوين Alex Bickel) بطابعها الدافئ وتجاهلها للكثير من تفاصيل النسيج المكون للبشرة، وبهذه النبرة عبر جنكنز عن طفولة “الصغير” Little القاسية في مجتمع السود بميامي الثمانينيات، وتلك المقابلة العنيفة بين هشاشته وعنف بيئته.
أما في اللون الثاني، وهو القسم الأهم، فقد حاكى فيه علب آغفا القديمة Agfa التي تتميز بصبغة زرقاء سماوية Cyan وهو ما أكسب هذا القسم طابعًا فيروزيًا بشر بالتغيير الحاصل في شخصية Little وتحوله إلى شايرون Chiron، أما اللون الأخير، فاستعملت فيه علب كوداك التي احتفت بفظاظة ببشرة البطل، الذي تحقق تحوله الأخير إلى “أسود” Black.
أراد جنكنز عبر هذه الأدوات البصرية المتميزة أن يلوذ بحكايته من إطارها الواقعي الأقرب للتوثيق، ولكن نجاحه في ذلك كان نسبيًا
لقد أراد جنكنز عبر هذه الأدوات البصرية المتميزة أن يلوذ بحكايته من إطارها الواقعي الأقرب للتوثيق، ولكن نجاحه في ذلك كان نسبيًا جدًا، فلا يمكن أن نتجاهل أن العمل تمحور حول التكدس الفئوي الذي يمثله شايرون Chiron، أن تكون أسود ومثليًا وفقيرًا وبلا سند في ميامي الثمانينيات، هو ضرورة حديث عن عشرات المسائل معًا.
ومن المؤكد أن العمل الفني لا يعاب لمجرد تكديس القضايا الاجتماعية مثلما لا يمدح لذلك، ومن المؤكد أيضًا أن التكديس لم يتسبب في أي تخمة درامية وهو أمرٌ يحسب له لا عليه، لكنه لم يعبر كثيرًا عن هذا الواقع، ولم يكن مقنعًا تمامًا.
لقد كان خوان عرابه (كما لمح لذلك مشهد تعليم السباحة العبقري) هناك دائمًا، وكان قويًا بما يكفي ليحميه، حتى وهو سجين كان بإمكانه أن يوصي به خيرًا، فأتباعه لا بد أن فيهم أوفياء له ولزوجته التي ظلت تعيش عيشة حسنة.
يبقى ضوء القمر أحد أهم التعبيرات السينمائية لهذا العام، وبعيدًا عن القضايا التي يبرزها، فنحن في النهاية أمام طرح وجودي مأساوي بدا فيه البطل خاضعًا لما تقرره عنه بيئته، ولكن شعوره بالحب بات سلاحه الوحيد للمقاومة
لكن يبقى ضوء القمر أحد أهم التعبيرات السينمائية لهذا العام، وبعيدًا عن القضايا التي يبرزها، فنحن في النهاية أمام طرح وجودي مأساوي بدا فيه البطل خاضعًا لما تقرره عنه بيئته، ولكن شعوره بالحب بات سلاحه الوحيد للمقاومة، وبثمانية ترشيحات يعد “ضوء القمر” ثاني أكثر الأفلام المرشحة مع “وصول”، ولكن عندما يتعلق الأمر بأوسكار أفضل فيلم، فالظاهر أنه المنافس الرئيسي لـLa La Land، بل وربما يحظى بتأييد أكبر في ظل ضغوط مستمرة منذ السنة الفارطة لدعم حضور السود في جوائز الأوسكار، ودعم حضور الأقليات في السينما.
4- مانشستر باي ذو سي Manchester by the Sea ـ كينيث لونرغان Kenneth Lonergan
يمكن لمشهد واحد في بعض الأحيان أن ينقل فيلمًا إلى مستوى آخر من الإبداع، وأعتقد أن فيلم مانشستر عند البحر سيظل وفيًا لأحد مشاهده الأخيرة والمحطمة للأعصاب، لكن الفيلم برمته لا يقل تميزًا، وهو كبقية الأفلام الدرامية الأخرى المرشحة يؤسس لمقاربة بين قصة البطل والمدينة، ورغم أنه خلافًا للالالاند وضوء القمر، كان واضحًا ومباشرًا في تركيزه على الإطار المكاني (العنوان)، فإه نسج العلاقة بشكل ضمني وحَيِي، لكن الصورة لا تستطيع أن تخفي ذلك، يمكننا أن نلحظ كيف تتحول مشاهد المدينة أمام ناظري “لي تشاندلر” Lee Chandler، من صور ضبابية بعيدة، إلى صور واضحة جامدة، ثم إلى صور قريبة حية.
كما لا يمكننا أن نغفل فعل الزمان في المدينة وفي القصة أيضًا، فقد رافق الشتاء إقامة البطل في المدينة، وبمغادرة الشتاء (أمكن له دفن أخيه) غادر معلنًا ربما ميلاده من جديد.
تتأسس دراما الفيلم على المراوحة العابثة ـ بالمشاهِد ـ بين حاضر لي تشاندلر الذي يعود إلى مانشستر مدينته لدفن أخيه، ليفاجأ بأن عليه طبقًا لوصيته أن يعتني بابنه المراهق حتى يبلغ سن الرشد، وبين ماضيه المأساوي في المدينة الذي يمنعه من البقاء فيها ورغبته في الهروب، وواجبه تجاه الفتى الفاقد للتوازن.
سيناريو الفيلم بأسلوب عبقري جعلنا نتلقى ماضي البطل على جرعات متباعدة، لا خوفًا علينا ـ نحن المشاهدين ـ من الإفراط، وإنما على العكس من ذلك، حتى يأخذنا رويدًا رويدًا إلى عالم البطل ونشعر بآلامه بشكل كامل
كتب لونرغان سيناريو الفيلم بأسلوب عبقري جعلنا نتلقى ماضي البطل على جرعات متباعدة، لا خوفًا علينا ـ نحن المشاهدين ـ من الإفراط، وإنما على العكس من ذلك، حتى يأخذنا رويدًا رويدًا إلى عالم البطل ونشعر بآلامه بشكل كامل، كما كان تأثير الأسلوب الواقعي مضاعفًا على مأساوية المشهد، ولقد عبر عن ذلك في كل تفاصيل المشهد، من عناصر القصة، لملامح الشخصيات الثانوية، للغة الحوار، انتهاءً بأرجاء المدينة وأركانها.
وما كان هذا البناء الإبداعي لينجح لولا براعة لونرغان في اختيار فريق الممثلين، وعلى رأسهم كايسي آفلِكْ Casey Affleck الذي تقمص دور لي تشاندلر، إن الكآبة تبدو جزءًا طبيعيًا من ملامحه، ولكنه أضفى عليها الكثير من التظاهر باللامبالاة والمقاومة الداخلية الصامتة، مشاعر لا يمكن لممثل بسيط أن يعبر عنها.
رشح الفيلم لستة أوسكارات منها أفضل فيلم، ولئن كان خيارا لالالاند وضوء القمر أقرب منه للفوز، إلا أن فوزه ليس مستبعدًا، في المقابل، تلوح حظوظ كاسي أفلكْ في الفوز بأوسكار أفضل أداء لممثل في دور رئيسي هي الأكبر رغم المنافسة القوية لهذا العام، كما يمكن اعتباره المنافس الرئيسي للالالاند بخصوص أوسكار السيناريو الأصلي.
5- مرتفع المنشار Hacksaw Ridge
بعد عشر سنوات من رائعته أبوكاليبتو Apocalypto عاد ميل جيبسون من جديد إلى كرسي الإخراج، واختار في هذه المرة صنف السيرة Biography، ليحدثنا عن مغامرة أحد السبتيين Seventh-day adventist إبان الحرب العالمية الثانية.
يمكن تقسيم العمل إلى ثلاثة أقسام، يركز الأول على تكون شخصية دسمون دوس Desmond Dos المتدينة وأصول رفضه المبدئي للعنف، أما في القسم الثاني، فيصور معاناة ديسموند ونضاله من أجل الانضمام إلى الجيش الأمريكي كمسعف لا يحمل السلاح، وفي القسم الأخير، يخرج ميل جيبسون طربوشه السحري ليتحفنا بمشاهد الحرب المريعة، مركزًا على الإنجاز الفريد الذي قام به دسموند الذي أنقذ في ليلة واحدة أكثر من خمسة وسبعين جنديًا من قمة جرف مايدا Maeda المعروفة باسم مرتفع المنشار.
ليس غريبًا على ميل جيبسون أن يبدع في تصوير مشاهد العنف، فهذه ميزته الأولى، وإني لا أزال أذكر صوت الرصاص المدوي في قاعة السينما كما لو أنه مرق بجانبي
ليس غريبًا على ميل جيبسون أن يبدع في تصوير مشاهد العنف، فهذه ميزته الأولى، وإني لا أزال أذكر صوت الرصاص المدوي في قاعة السينما كما لو أنه مرق بجانبي، لقد كان القسم الثالث متميزًا فعلاً، على عكس القسمين الأولين اللذين لم يجن منهما الفيلم لا عمقًا ولا دراما، وجعلا منه فيلمًا تمجيديًا لأحد أبطال الولايات المتحدة ليس إلا، ورغم براعة أداء أندرو غارفيلد Andrew Garfield إلا أنني لم أكن مقتنعًا بهذه الشخصية الممعنة في المثالية والطهر، الخالية من الأخطاء، ولو تلك العيوب البسيطة التي تجعل منه إنسانًا حقيقيًا، كما أن المعاناة في الجيش الأمريكي تيمةٌ متواترة في هوليود اكتفى جيبسون بتكرار تفاصيلها (زملاؤه يضربونه وهو نائم، مضايقات في التدريب، إلخ).
لا أتوقع للفيلم أن يفوز بإحدى الجوائز الفنية لكن من الممكن أن يفوز بإحدى الجائزتين التقنيتين اللتين ترشح لهما وكلاهما يتعلقان بالصوت.
6- أسد Lion ـ غارث دايفس Garth Davis
يعود الممثل الهندي ديف باتل Dev Patel إلى حفل الأوسكار بعدما ساهم سنة 2008 في الفوز الكبير الذي حققه فيلم مليونير متشرد Slumdog Millionnaire (بثمانية أوسكارات)، وفي هذه المرة يرشح أداؤه كممثل في دور مساعد للأوسكار ضمن ستة ترشيحات.
ويحدثنا فيلم Lion عن الطفل سَرو Saroo الذي ينقله قطار عن طريق الخطأ آلاف الكيلومترات بعيدًا عن أمه وأخيه ومنطقته الغارقة في الفقر المدقع، وكان عليه أن يواجه كالكوتا المزدحمة والمخيفة في كل حالاتها.
القسم الأول من الفيلم مثيرًا ويحبس الأنفاس، كان القسم الثاني بطيئًا حاول خلاله المخرج جاهدًا أن ينسج بعض الدراما في حياة سرو الشاب في أستراليا، ليدفعه للسفر إلى الهند من جديد والبحث عن عائلته وموطنه الذي لا يعرف اسمه
وبقدر ما كان القسم الأول من الفيلم مثيرًا ويحبس الأنفاس، كان القسم الثاني بطيئًا حاول خلاله المخرج جاهدًا أن ينسج بعض الدراما في حياة سرو الشاب في أستراليا، ليدفعه للسفر إلى الهند من جديد والبحث عن عائلته وموطنه الذي لا يعرف اسمه ولا أي إشارة مفيدة عنه.
ويعود هذا الضعف إلى التزام الفيلم بقصة سَرو الحقيقية التي نشرها بالفعل، أو لنقل إن كتابة السيناريو فشلت إلى حد ما في تجاوز الجانب الممل من القصة بمراوغة سردية مناسبة، وسواء فاز الفيلم بشيء ما أو لم يفز، فهو عمل يموج بالعاطفة ويستحق أن يشاهَد على الأقل حتى يفهم سر تسمية الفيلم “أسد”.
7- مهما كلف الأمر Hell or High Water ـ دايفد ماكنزي David Mackenzie
رشح فيلم ماكنزي لأربع جوائز منها أفضل فيلم ويعتقد أن الفيلم أثار إعجاب الأكاديمية بشكل رهيب، ولو حدثت مفاجأة خلال هذا العام فتقترن حتمًا به فلا أحد يتوقع له الكثير ربما باستثناء جف بريدجز Jeff Bridges كأفضل أداء لممثل في دور مساعد، لقد أدى بطل الفيلم الشهير The big lebowski بشكل رائع شخصية المفتش ماركوس هاملتون المشرف على التقاعد كأحد حراس تكساس Texas Rangers، والعدو الرئيسي لبطلي الفيلم توبي Toby وتانر Tanner.
هذه تكساس، بقبعاتها، وربطات عنقها الفريدة وبلداتها الصغيرة وأناسها الذين يملكون فكرة مختلفة عن اللطف والود، لا أحد يمزح مع المال في تكساس، حيث تبدو ثقافة الرأسمالية محافظة على طبيعتها البدائية ولم تغلفها العولمة بعد، وبذات الأسلوب البدائي توالت عمليات الأخوين توبي وتانر لنهب فروع بنك تكساس ميدلاند، وكان ماركس وزميله ألبرتو باركر (ذي الأصول الهندية) في أثرهما لإيقافهما.
ومع توالي العمليات واقتراب لحظة المواجهة، نكتشف أننا ربما اخترنا منذ البداية الفريق الخطأ، وأن الحقيقة حمالة أوجه في تكساس.
8ـ أسوار Fences ـ دِنْزِل واشنطن Denzel Washington
لا يعرف الكثيرون دنزل واشنطن المخرج، والحقيقة أن تجربته وراء الكاميرا ليست كبيرة ولكنها ليست محبطة أيضًا، فمن الغريب أنه انتظر لتسع سنوات قبل أن ينجز عملاً مواليًا لـ”المناظرون العظماء” The great debaters، لكن من الواضح أنه انتظر فعلاً اللحظة الجيدة، فعمله الجديد “أسوار” يتنزل في سياق تشهد فيه الولايات المتحدة حشدًا ملحوظًا لدعم الأقليات في مواجهة النظام اليميني الجديد المنتخب.
ومن بين الأفلام الثمانية المرشحة لجائزة أفضل فيلم، فهذا أحد ثلاثة أفلام تركز على وضعية السود في المجتمع الأمريكي ونضالاتهم من أجل الحرية (دون احتساب بقية الأفلام المرشحة للجوائز الأخرى).
في هذه المرة يتحول دنزل واشنطن إلى تروي ماكسن Troy Maxson رب عائلة من العمال السود في أمريكا الخمسينيات، ويحاول أن يصور لنا تضحيات تروي والطبقة التي يمثلها في سبيل توفير حياة كريمة.
ولئن لم أشاهد الفيلم بعد، فأغلب ردود الفعل العامة تتعلق أساسًا بأداء دنزل واشنطن الذي يبدو منافسًا بارزا لكايسي أفلك، أما فيولا دايفس Viola Davis التي أدت دور زوجته، فحظوظها قائمة للظفر بأوسكار أفضل أداء لممثلة عن دور مساعد، وأعتقد أنها الفئة الأكثر غموضًا فيما يخص الترجيحات.
9ـ وجوه خفية Hidden figures ـ ثيودور ملفي Theodore Melfi
وجوه خفية ليس فقط ثالث الأفلام المتعلقة بالسود في قائمة ترشيحات أفضل فيلم، بل أيضًا ثالث الأفلام ذات الخلفية الواقعية، وبعد سيرة دسموند دوس في مرتفع المنشار Hacksaw Ridge وقصة سَرو في فيلم أسد، يحدثنا ثيودور ملفي عن مساهمة ثلاث عالمات أمريكيات سوداوات في برنامج ناسا المعروف بمشروع ميركري Project Mercury، وما لقينه من عنصرية رغم قيمتهن العلمية.
تبدو فكرة الفيلم جيدة من حيث إنها تهدم تلك الصورة النمطية للأمريكيين السود الذين لم تفد بلادهم سوى من عضلاتهم وقدراتهم الجسدية سواء في الجيش أو في الرياضة أو حتى في فنون الرقص والعزف والغناء
طبعًا تبدو فكرة الفيلم جيدة من حيث إنها تهدم تلك الصورة النمطية للأمريكيين السود الذين لم تفد بلادهم سوى من عضلاتهم وقدراتهم الجسدية سواء في الجيش أو في الرياضة أو حتى في فنون الرقص والعزف والغناء، وتبني في المقابل علاقة بينهم وبين الرياضيات والفيزياء وعلوم الكمبيوتر وأرفع كيان علمي في العالم.
بقي أن نعرف ما الذي يجعله يستحق أن يكون مرشحًا لجائزة أفضل فيلم، لم أشاهد الفيلم بعد ولكنني أرجو أن يستحق لأسباب لا تتعلق بالكفاح ضد العنصرية.
10ـ بقية الجوائز الخمسة الكبرى
الجوائز الخمسة الكبرى هي أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل سيناريو (مقتبس أو أصلي)، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، ولقد فاز بها جميعًا ثلاثة أفلام فقط في تاريخ المسابقة، وهي “حدث في ليلة ما” It happened One night، وأحدهم طار فوق عش الوقواق One flew over the cuckoo’s nest، وأخيرًا سنة 1991 فيلم صمت الحملان Silence of the lambs، وهو ما يعني ندرة هذا الإنجاز.
في هذه السنة لا يترشح للجوائز الخمسة معًا سوى لا لا لاند، ويمكن إضافة Moonlight إذا ما اعتبرنا الدور المساعد عوض الدور الرئيسي، ولكن لا أعتقد أن أي منهما قادر على الاستئثار بالجوائز الخمسة.
وينطلق كلا الفيلمين بحظوظ وافرة للفوز بأفضل فيلم، ورغم العلاقة المتينة التي تجمع الفيلم بإخراجه، فإنها في هوليود ملتبسة، ومن جملة 88 فيلمًا متوجًا، فاز 64 من مخرجيهم بجائزة الإخراج، بينما تزامن اقتسام جائزة الإخراج والصورة عادة بوجود فيلمين على قدر من الجودة (أو وجود عضو عنيد في لجنة التحكيم يريد إثارة مفاجأة).
ولعل أشهر حوادث الاقتسام صارت في 1972 بين العراب (أفضل فيلم) وكاباريه (أفضل إخراج) وكذلك سنة 1998 بين شكسبير عاشقًا (أفضل فيلم) وإنقاذ الجندي ريان (أفضل إخراج)، وحتى السنة الفارطة كان جليًا أن دائرة الضوء Spotlight لن يزاحم العائد The revenant في جائزة الإخراج، الأقرب للمنطق إذًا، أن يتوج لا لا لاند بالجائزة الكبرى على أن يفوز جنكنز بجائزة الإخراج عن Moonlight.
أما في التمثيل، فكايسي أفلك Casey Affleck ومايكل شانون Michael Shannon هما الأقرب للجائزتين في فئة الرجال، وإن كان فيهما قول، فكايسي أفلك يجر خلفه قضية تتعلق بالتحرش الجنسي، وهي في مجتمع هوليود الأخلاقي ذات تأثير كبير، وهو ما يمنح ريان غوسلنغ أملاً كبيرًا خصوصًا بعد كل ما سمعناه عن المجهود الذي بذله (مثلما حدث مع دي كابريو السنة الماضية).
أما شانون، فرغم دوره الاستثنائي، سيتوجب عليه أن يواجه الماكينة التي ستحاول منح Moonlight الفتاتَ الذي سيتركه لالالاند، لا أفهم ما الشيء الاستثنائي الذي فعله مارشالا علي ولكن قد نسمع خطابه في الحفل.
أما بالنسبة للنساء فتبدو الأمور أكثر تعقيدًا وتنافسًا ولو أن الأصابع تشير في الغالب إلى إيما ستون Emma Stone عن لالالاند، والفرنسية إيزابيل هوباغ Isabelle Huppert عن فيلم “هي” Elle، فازت كلتاهما بالغولدن غلوب وسيحسم الأوسكار بينهما، هوباغ قدمت شخصية مربكة فعلا، ولكنها لا تضاهي مطلقا شخصية عازفة البيانو التي أدتها في التسعينيات وتشبهها كثيرًا، بدا لي الدور تنويعًا مملاً ليس إلا.
أما ستون وإن لم أكن من المعجبين بها، فأعترف لها بالعمل الكبير في لالالاند، أما خياري الشخصي، فقد كنت منبهرًا ـ للمرة الألف ـ بأداء العظيمة ميرل ستريب Meryl Streep في فيلم Florence Foster Jenkins ولكن فوزها للمرة الرابعة مستبعد هذه المرة.
وبالنسبة للسيناريو، فأعتقد أنني لا أستطيع الحكم على فئة السيناريو المقتبس دون قراءة العمل الأصلي، وإن كان فيلم “وصول” Arrival برأيي هو الأقرب بحكم اقتباسه من قصة قصيرة ما يعطي فكرة عن العمل الكبير المنجَز، أما السيناريو الأصلي فمانشستر باي ذو سي يبدو الأقرب.
11- الجوائز التقنية
هناك خمس جوائز تقنية يمكن أن يظفر بها لالالاند أبرزها السينماتوغرافيا والتركيب وطبعًا الموسيقى التي تعد أهم نقاط قوته حتى إنه رشح مرتين لجائزة أفضل أغنية، ولا أراه يجد منافسة تذكر إلا في مسابقتي الصوت (تركيب الصوت ومزجه) حيث أجد “مرتفع المنشار” منافسًا جديًا فيهما.
المفاجأة الحقيقية في كل هذا هي ترشيح فيلم كوبو Kubo عن جائزة المؤثرات البصرية، فلو فاز بالجائزة سيكون أول فيلم صور متحركة يفوز بالمؤثرات الخاصة
كما تظهر في هذه الجوائز تلك الأعمال ذوات الميزانيات الضخمة والإبداع المحدود، إضافة إلى أفلام الخيال العلمي التي لا تؤخذ بشكل جدي كما ذكرنا، لذلك فمن المحتمل أن يفوز فيلم فاشل مثل الفرقة الانتحارية بجائزة أوسكار عن الماكياج (بينما يغادر فيلم حيوانات ليلية خالي الوفاض).
المفاجأة الحقيقية في كل هذا هي ترشيح فيلم كوبو Kubo عن جائزة المؤثرات البصرية، فلو فاز بالجائزة سيكون أول فيلم صور متحركة يفوز بالمؤثرات الخاصة، الفكرة نفسها مثيرة للعجب!
12ـ مسابقات الأفلام الأخرى
ما يجعل الأوسكارات أقل قيمة برأيي من جوائز المهرجانات الأوروبية، أنها تختص أساسًا بالأفلام الناطقة بالإنجليزية، وتخص منتجات هوليود برعاية خاصة، ولو أن أفلامًا مثل لالالاند وضوء القمر ووصول رائعة، فهي حتمًا ليست أهم الأعمال السينمائية على الإطلاق في 2016، لقد أتحفتنا السينما العالمية بأشياء جميلة جدًا، تختزلها الأوسكارات في مسابقة الأفلام الناطقة باللغة الأجنبية، ولئن كان الفيلم الألماني طوني إيغدمان Toni Erdmann مرشحًا فوق العادة للظفر بالجائزة، فإن صاحب السعفة الذهبية I, Daniel Blake غير موجود في قائمة المرشحين.
وتحضر الدول الإسكندنافية بعملين من السويد (عن رجل اسمه أوف En man som heter Ove) ومن الدنمارك (أرضٌ لي Under sandet)، ويمكن للفيلم الإيراني “البائع” فروشنده أن يكون مفاجأة المسابقة خصوصًا مع ما أثير من مشاكل بخصوص منع الإيرانيين من الدخول إلى الولايات المتحدة ورفض الممثلة “ترانه علیدوستی” الحصول على تصريح خاص لحضور الحفلة، وعمومًا فجميع ترشيحات هذه الفئة هي أعمال متميزة وتستحق المشاهدة، بما فيها الفيلم الجميل الرائع القادم من جزر فانواتو Vanuatu بإسم Tanna.
مسابقة الأفلام الوثائقية فلم يسعفني الوقت لمشاهدة أي من الترشيحات لكن يبدو أن الفيلم الإيطالي “نار على الماء” Fuccoammare الفائز بأسد برلين الذهبي هو المرشح الأبرز
أما مسابقة الأفلام الوثائقية فلم يسعفني الوقت لمشاهدة أي من الترشيحات لكن يبدو أن الفيلم الإيطالي “نار على الماء” Fuccoammare الفائز بأسد برلين الذهبي هو المرشح الأبرز.
وفي مسابقة الصور المتحركة أيضًا لم أشاهد إلا السلحفاة الحمراء La tortue rouge وهو فعلاً أحد أجمل التعبيرات السينمائية للعام المنقضي، ويختلف حتمًا عن إنتاجات ديزني الممثلة بعنوانين.
هذا هو تقريبًا الدليل الكامل لسهرة الأوسكار التي تقام هذا الأحد على الساعة الخامسة والنصف مساءً بتوقيت لوس أنجلوس مما يعني الإثنين الساعة الواحدة والنصف صباحًا بتوقيت غرينتش، سهرة رائقة!