ترجمة حفصة جودة
كانت التقارير التي تفيد بأن جمال الحارث – المولود باسم رونالد فيدلر – الذي نفذ هجومًا بسيارة ملغومة على القوات العرافية بالموصل، صادمة لكنها لم تكن مفاجئة، فقد انضم إلى داعش حيث القتال حتى الموت.
كان جمال قد أُطلق سراحه من معتقل غوانتنامو عام 2004 – قبل عام من إطلاق سراحي – وكنت بالطبع قد سمعت الكثير عن المساجين البريطانيين حتى لو لم ألتق بهم، فقد كنت أقضي معظم الوقت في عزلة.
لم أعرفه بشكل جيد لأستطيع تكوين فكرة كاملة عنه، لكن في عدة مناسبات سمعته يتحدث، كان جمال القادم من مانشستر يتحدث بلكنة مانشسترية مميزة وكان حديثه متواضعًا ومتحفظًا، آخر مرة رأيت فيها جمال كان في عام 2010 عندما التقى العديد من سجناء غوانتنامو البريطانيين السابقين مع كبار الوزراء في الحزب المحافظ لمناقشة قضيتنا ضد الحكومة.
كان السجناء السابقين قد بدأوا باتخاذ إجراءات مشتركة ضد الحكومة لتواطؤها في سجننا وتعذيبنا، وبعد إجراءات قضائية طويلة عندما طعن محاميو الحكومة في أدلتنا، تم الكشف عن الوثائق التي تثبت بأن الحكومة كانت على علم ومشاركة في الإساءة التي حدثت لنا.
عند هذه النقطة حاولت الحكومة التفاوض معنا لتسوية الأمر خارج المحكمة، وتضمنت المناقشات عودة الأسير البريطاني شاكر عامر وتقديم اعتذار، وأكد الوزير أن الحكومة ستضع هذه الاعتبارات في حسبانها وسيتم فتح تحقيق كامل في قضية التواطؤ في التعذيب، وقيل لنا إن حكومة المحافظين الجديدة ترغب في فتح صفحة جديدة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي تمت في الماضي.
لم تحقق تحقيقات جيبسون التي تلت ذلك إلا القليل، وبعد فترة وجيزة أصبحت تحقيقات جيبسون على الرف وتم تسليم أعماله للجنة الأمن والاستخبارات، ولم يكن هناك أي اعتذار أبدًا، في ذلك الوقت قالت الحكومة إن التسوية كانت ضرورية لصالح الأمن القومي بسبب تصاعد التكاليف القانونية، لكن هذا لم يكن تعويضًا، كانت وجهة نظرنا أن الحكومة استسلمت أمام أدلتنا الدامغة حول التعذيب، بعبارة أخرى لقد كانت على وشك الخسارة في المحكمة.
أثبتت حالات المواطنين الكنديين ماهر عرار وعبدالله المالكي وأحمد المعاطي ومؤيد نورالدين، أن بريطانيا لم تكن الدولة الوحيدة المتواطئة في تعذيب مواطنيها، وكان التعويض والاعتذار الأمر المنتظر في تلك الحالات، هذا ما يفترض أن يحدث عندما يتعرض المواطنون لجرائم حرب، في الواقع ما يحدث سببه أن الجناة هربوا من الإجراءات الجنائية في كل مكان، حتى إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيّد التعذيب علنًا.
المعتقلون في سجن غوانتنامو الأمريكي في كوبا
وصف جمال الحارث بالتفصيل كيف قاموا بتغطية رأسه وصفعه ولكمه وركله، وكيف قيدوه في أوضاع مؤلمة، وحرموه من الماء والطعام والنوم، هذه أساليب التعذيب التي تعرضنا لها جميعًا (بعضها تم الاعتراف به في تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي عن التعذيب)، قال الحارث إنه تخلى عن المطالبة بحقوق الإنسان في غوانتنامو وطالب بدلاً من ذلك بحقوق الحيوان.
قصة جمال فريدة من نوعها، فقد انتقل من قبضة طالبان إلى قبضة السجن العسكري الأمريكي مباشرة، كان الحارث قد ذهب إلى أفغانستان دون أي اتصالات مع القاعدة أو طالبان، ثم قامت طالبان باحتجازه للاشتباه بأنه جاسوس بريطاني.
بعدها، قرر الجيش الأمريكي إرساله إلى غوانتنامو تحسبًا لمعرفته أي معلومات، كان جمال يعتقد بسذاجة أن الجيش الأمريكي قد جاء لإنقاذه، يبدو أن طريقة التفكير تلك هي سبب انضمامه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
كان هناك الكثير من الحديث عن فشل الحكومة وأنها السبب في انضمام الحارث لداعش وربطوا الأمر باعتقاله في غوانتنامو، على كلٍ فقد أُطلق سراح الحارث بعد 13 عامًا من الاعتقال، وذلك بعد تبرئته وفحصه بواسطة أكبر وأقوى وكالات الاستخبارات في العالم.
من المقزز أن نشير إلى أن مراقبة جمال لبقية حياته كانت خيارًا متاحًا، لمجرد أنه كان سجينًا في غوانتنامو، فالحقيقة هي أن جمال خرج من غوانتنامو رجلاً بريئًا، وما اختار أن يفعله في حياته بعد 10 سنوات من هذا الأمر – حتى لو كان أمرًا بغيضًا – ليس مبررًا للقيام بذلك.
بعد انضمام الحارث لداعش، فمن الأسلم أن نفترض أن معرفة الحارث بالإسلام قد ازدادت بالإضافة إلى الجغرافيا السياسية، في الحقيقة فإن غالبية السجناء السابقين في غوانتنامو ممن التقيت بهم في جميع أنحاء العالم قد سارعوا بالتنصل من داعش، لكن يبدو أن الحارث لم يكن مدركًا لتلك الحقيقة.
تقول وثائق داعش بأن الحارث لم يكن يعلم الكثير عن الإسلام – وهذا هو القاسم المشترك بين مجندي داعش – لكنه ذهب إلى سوريا للمساعدة، لم يخبرنا جمال بنواياه أبدًا ولو كنت أعلم ذلك أنا وزملائي لكنا اقنعناه بالعدول عن ذلك نظرًا لمعرفتي بما يدور في سوريا في الميدان ووفقًا لفهمي للإسلام، مثلما فعلنا مع الآخرين، بالإضافة إلى ذلك فقد حاولت زوجته وأولاده إقناعه بالعودة دون جدوى.
لقد قضينا – 16 مواطنًا بريطانيًا – أكثر من 71 عامًا في غوانتنامو دون توجيه اتهامات أو محاكمة، ورغم وصمة العار الأبدية والتمييز الذي نواجهه كمسلمين ووصفنا بأننا “أسوأ السيئين” في عالم ما بعد ترامب، فقد استقبلنا خاطفينا في ديارنا.
لقد حصلنا حتى على ثناء غير مرغوب فيه من حكوماتهم، وتحاورنا وتناقشنا مع منتقدينا وشجعنا على العدالة والقبول في مجتمع تزداد فيه الكراهية والتعصب، وأيًا كانت الأسباب وراء اختيارات جمال الحارث، فإن معظمنا لم يسلك هذا الطريق.
المصدر: ميدل إيست آي