منذ أن أعلن الاحتلال دولته على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية معه تحالفًا استراتيجيًا، وساهمت في تأمين وحماية إسرائيل وضمان وجودها، وقد نجحت الولايات المتحدة في تكريسها كواقع على الأرض وتثبيت شرعيتها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، بغض النظر عن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ومع تراجع منظمة التحرير الفلسطينية بدورها الميداني وتدني سقفها السياسي بعد خسارتها قواعدها في لبنان وترحيل قياداتها إلى تونس، واصلت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجياتها تجاه المنظمة حتى رضخت وقبلت شروط الولايات المتحدة لفتح حوار معها.
ففي 14/12/1988 اعترفت منظمة التحرير بقرار 242 و338، وبحق إسرائيل في الوجود والعيش بسلام وأمان، وأعلنت التزامها بنبذ العنف والإرهاب، مسقطة الثوابت الفلسطينية ومتجاهلة لاءات السودان الثلاثة: لا سلام ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل، والاستعداد لبدء حوار سرعان ما انطلق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتوجه العالم نحو أحادية القطب.
لن يختلف موقف ترامب عن سابقه في الإدارة الأمريكية في تعزيز مبدأ المفاوضات الثنائية
انطلقت الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية، ومع تزايد الاشتعال ودفع الاحتلال ثمن احتلاله، سارعت المنظمة لقطف الثمار التي لم تنضج بعد واستجابت لنداء السلام، الذي هدفت منه الولايات المتحدة تحسين صورة إسرائيل وإنقاذ سمعتها الدولية، بالإضافة إلى وقف نزيف الخسائر اليومية للاحتلال.
انطلق قطار السلام بقيادة الإدارة الأمريكية دون مشاركة من أحد وقد استبعدت أي دور للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، لم يكن هناك أسس تنطلق منها المفاوضات في مراحلها كافة، وأبقت دائمًا على العامل الأمني حاضرًا في كل الحوارات واللقاءات والاتفاقات، وكانت النتيجة تضاعف الاستيطان بنسبة 600% منذ توقيع أوسلو.
الانحياز الأمريكي لإسرائيل استمر بعد فشل كامب ديفيد وانطلاق انتفاضة الأقصى، فواصلت الإدارة الأمريكية العمل على إلزام السلطة الفلسطينية بتقديم المزيد من التنازلات من أجل وقف انتفاضة الأقصى، وفي ذات الوقت أعطت إسرائيل الفرصة الكافية لإخماد الانتفاضة، تماشيًا مع ما تعتبره حربها على الإرهاب.
زيارة نتنياهو ربما حملت معها طلبه العمل على إيقاع مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم مزيدٍ من التنازلات فيما يخص الاعتراف بيهودية الدولة
انحياز أمريكا لإسرائيل مقابل بعض الأموال التي تدفع للسلطة، جلها مقابل نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد المقاومة الفلسطينية، حيث بلغت 4.9 مليار دولار منذ 1994، وعلى الرغم من ذلك تقلصت في السنوات الأخيرة من 500 مليون سنويًا إلى 35 ثم 15.5 مليون دولار في العامين الأخيرين.
ترامب في سدة الحكم
لن يختلف موقف ترامب عن سابقه في الإدارة الأمريكية في تعزيز مبدأ المفاوضات الثنائية، بعيدًا عن تدخل المنظمات الدولية، ومع زيارة رئيس وزراء الاحتلال بدّد ترامب أوهام السلطة الفلسطينية في حل الدولتين، معتمدًا على توافق الطرفين في مفاوضات ثنائية سواء دولة أو دولتين.
إعادة الفعل المقاوم على الأرض وإشعال جذوة مقارعة الاحتلال، مطلب من ساحات العمل الفلسطينية كافة، فلا يمكن الاعتماد على ساحة الضفة الغربية وتركها وحيدة تصارع في ظل ضياع المشروع
ومع تشكيكه في النوايا الفلسطينية تجاه عملية السلام، ووصفه دور الأمم المتحدة بالضعف وعدم الكفاءة، مما يعزز الانحياز للجانب الإسرائيلي ويفضي إلى تقليص دور أمريكا في الإشراف على اتفاق التسوية بما يخدم المصلحة الإسرائيلية في الانفراد بالمفاوض الفلسطيني وفرض الشروط عليه.
زيارة نتنياهو ربما حملت معها طلبه العمل على إيقاع مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم مزيدٍ من التنازلات فيما يخص الاعتراف بيهودية الدولة، وإسكات صوتها إزاء التحركات الإسرائيلية لابتلاع أراضي الضفة الغربية وتهويد القدس ومواصلة التنسيق الأمني.
الانحياز الأمريكي لإسرائيل استمر بعد فشل كامب ديفيد وانطلاق انتفاضة الأقصى، فواصلت الإدارة الأمريكية العمل على إلزام السلطة الفلسطينية بتقديم المزيد من التنازلات من أجل وقف انتفاضة الأقصى
السلطة الفلسطينية لا تمتلك المقومات التي تؤهلها لخوض المواجهة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولم تفلح في استثمار جميع الأحداث السابقة لصالحها، بل مع كل خطوة ينحسر دورها في ظل تزايد الاستيطان، وتنتقل من سلطة حقيقية إلى ذراع أمني يساهم في فرض الهدوء في الضفة الغربية.
لنخرج من الوهم
الحالة الفلسطينية تحتاج إلى إعادة ترميم وربما بناء بطريقة مختلفة تمامًا، فبعض الفصائل الفلسطينية قد اندثرت عن الفعل الجاد في الساحة، والبعض ما زال يعتقد بأن الزمن توقف عند الأطروحات الماضية والمؤسسات المترهلة القائمة، أما حركات المقاومة فقد أصاب بعض قياداتها داء الفصائل المندثرة معتقدًا بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ممكن أن يشكل يومًا حالة مقاومة حقيقة للاحتلال.
انطلق قطار السلام بقيادة الإدارة الأمريكية دون مشاركة من أحد وقد استبعدت أي دور للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي
إعادة الفعل المقاوم على الأرض وإشعال جذوة مقارعة الاحتلال، مطلب من ساحات العمل الفلسطينية كافة، فلا يمكن الاعتماد على ساحة الضفة الغربية وتركها وحيدة تصارع في ظل ضياع المشروع، الحراك يجب أن يمتد إلى قطاع غزة، واستنهاض الحالة الشعبية لتقديم خطوات فاعلة في تغيير الواقع الميداني، أما الساحات الخارجية فربما هي الأهم في المرحلة القادمة ، فإن أبرز معالم إخفاق الفصائل الفلسطينية عدم القدرة على استثمار مكامن القوة البشرية للاجئين الفلسطينيين في دول الطوق، وجعلهم طليعة مشروع تحرير فلسطين، ومساندة قوة الفعل المقاوم بداخل الأراضي المحتلة.
ربما نستحضر هنا الشهيد عز الدين القسام الذي مثل حالة ثورية ناضجة من بين ركام عجز الزعامات الفلسطينية المترفة، واستسلام المحيط العربي لإرادة الاستعمار، وأعتقد بأن الواقع اليوم يحتاج لقيادة ثورية تفكر بالتحرير ولا غير التحرير، وتتجنب حسابات العواصم، لترفع شعار القسام بأنه جهاد نصر أو استشهاد.