محاكمات سياسية، تعذيب واعتقالات غير قانونية، قيود على الحق في حرية التعبير والاجتماع، انتهاكات لحقوق اللاجئين، تمييز ضد المرأة، إفلات من العقاب، هذه بعض الاتهامات التي جاءت في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لسنة 2016/2017، تقرير اتهم دول ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا بارتكاب انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان.
ليبيا.. جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي
اتهمت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لليبيا لعام 2016/2017، القوات التابعة للحكومتين المتنافستين (حكومة الوفاق الوطني وحكومة الإنقاذ الوطني) وغيرها من الجماعات والمليشيات المسلحة (من بينها الجيش التابع للواء المتقاعد خليفة حفتر) بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي وانتهاكات لحقوق الإنسان بمنأى عن العقاب.
وقال التقرير إن الهجمات التي شنها كل أطراف النزاع على المدنيين، باستخدام أسلحة تفتقر إلى الدقة، مثل قذائف الهاون والمدفعية، أدت إلى قتل وجرح عشرات الأشخاص ودفعت بالآلاف إلى النزوح داخل البلاد وسببت أزمة إنسانية.
انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، شملت تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وغيرهم من النشطاء والصحفيين للمضايقة والاختطاف والتعذيب والقتل على أيدي الجماعات والمليشيات المسلحة
واستهدفت بعض الهجمات التي قامت بها جماعات ومليشيات مسلحة في بنغازي، المستشفيات وغيرها من المباني المدنية، وكان من بينها هجوم على مستشفى الجلاء، نُفِذَ في 24 من يونيو/ حزيران، باستخدام سيارة ملغومة، وقُتِلَ فيه 5 أشخاص وجُرِحَ 13، وكان أغلب القتلى والجرحى مدنيين، حسب تقرير المنظمة الذي أشار أيضًا إلى استمرار احتجاز آلاف الأشخاص دون محاكمة في غياب نظام قضائي فاعل، واستشراء التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
“وكان من بين من تعرضوا للاختطاف نشطاء في مجالات العمل السياسي وحقوق الإنسان وغيرها وصحفيون وقضاة ووكلاء نيابة، وغيرهم من الموظفين العموميين، واستُهدِفَ بعض الأجانب بسبب دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم، وأُطلِقَ سراح بعضهم بعد دفع فدى أو وساطة محلية”، حسب نص التقرير.
تشرد آلاف الليبيين نتيجة الحرب
وأشار تقرير المنظمة الدولية، إلى التزام المحكمة الجنائية الدولية، في نوفمبر الماضي، بمنح أولوية في تحقيقاتها لعام 2017 للجرائم التي تحدث في ليبيا، بما في ذلك الجرائم التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وغيرها من الجماعات المسلحة، وإصدار مذكرات قبض جديدة.
انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، حسب منظمة العفو الدولية، لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل شملت تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وغيرهم من النشطاء والصحفيين للمضايقة والاختطاف والتعذيب والقتل على أيدي الجماعات والمليشيات المسلحة، وتفشي التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على نطاق واسع مع تمتع مرتكبيه بالحصانة من العقاب، لا سيما عند القبض أو الاختطاف، وخلال الاحتجاز في السجون الرسمية وغير الرسمية، إضافة إلى تعرض اللاجئين والمهاجرين لانتهاكات جسيمة على أيدي الجماعات المسلحة والمهربين والمتاجرين بالبشر والحراس في مراكز الاحتجاز التي تديرها الحكومة، واستمر تعرض النساء للتمييز في القانون وفي الواقع العملي وللتهميش اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.
عودة لاستعمال الأساليب القمعية القديمة في تونس
وفي تونس واصلت السلطات الحاكمة – بحسب تقرير منظمة العفو – فرض القيود على الحق في حرية التعبير والاجتماع، واستخدمت صلاحيات الطوارئ المفروضة في عموم البلاد منذ نوفمبر 2015 وقوانين مكافحة الإرهاب لفرض قيود تعسفية على الحريات، وتنفيذ آلاف من حالات القبض وتفتيش المنازل، دون إذن قضائي في كثير من الأحيان.
كما فرضت السلطات على مئات الأشخاص أوامر إدارية بالإقامة الجبرية في المنزل أو بتحديد الإقامة في مناطق معينة أو بالمنع من السفر أو بقيود على التنقل، وهي إجراءات قيَدت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الأشخاص، بما في ذلك الحق في العمل، حسب التقرير.
وقال التقرير أيضًا إن السلطات استخدمت صلاحياتها بموجب حالة الطوارئ في حظر الإضرابات والمظاهرات، وتفريق التجمعات التي ترى أنها تهدد النظام العام بالقوة، والهيمنة على وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية وغيرها والرقابة عليها.
كشف التقرير “قيام أفراد الأمن بمضايقة وترهيب عشرات من السجناء السابقين الذين صدرت ضدهم أحكام بموجب قوانين قمعية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي
وكشف التقرير عن عمليات تعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة تعرض لها معتقلون، بالإضافة إلى عمليات القبض والاحتجاز بصورة تعسفية، وفرضت على مئات الأشخاص أوامر إدارية بالإقامة الجبرية في المنزل أو بتحديد الإقامة في مناطق معينة، أو بالمنع من السفر، أو بقيود على التنقل، فيما يُعرف بالإجراءات الحدودية “أوامر إس 17“.
وكشف التقرير كذلك قيام أفراد الأمن بمضايقة وترهيب عشرات من السجناء السابقين الذين صدرت ضدهم أحكام بموجب قوانين قمعية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأشخاص آخرين بسبب مظهرهم، ومن بينهم رجال ملتحون ورجال ونساء يرتدون ملابس تُعتبر في نظر مسؤولي الأمن ذات طابع ديني، بالإضافة إلى مضايقة وترهيب كثير من أهالي الأشخاص المشتبه في انتمائهم أو تأييدهم لجماعات مسلحة.
استغلال قانون الطوارئ في تونس لتبرير القمع يثير مخاوف عديد من التونسيين
ورغم تطور التشريعات الخاصة بالمرأة، فقد ظلت المرأة في تونس تعاني من التمييز في القانون والواقع الفعلي وتفتقر إلى الحماية الكافية من العنف بسبب النوع، حسب تقرير المنظمة، وفي تعليق على التقرير، قال مهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان لـ”رويترز”، إن هذه الانتهاكات الواردة في تقرير منظمة العفو غير مقبولة، وهي انتهاكات فردية ولا يمكنها أن تكون سياسة الدولة.
وحسب أحدث تصنيف للديمقراطية في العالم، فقد تصدرت تونس الدول العربية في مؤشر الديمقراطية، وجاءت تونس في المرتبة 66 دوليًا والأولى عربيًا، كما سجلت أعلى نسبة تطور إيجابي على الصعيد الدولي في مؤشر التطور الديمقراطي بعد تقدمها بـ 36 درجة بحسب أحدث تصنيف صادر عن “منظمة مؤشر الديمقراطية النرويجية.
الجزائر.. جرائم ضد الإنسانية
القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع والعقيدة، ما زالت متواصلة في الجزائر، حسب منظمة العفو الدولية، التي انتقدت عدم رد السلطات على طلبات التسجيل المقدمة من طرف المنظمات الحقوقية، مما قد يعرض أعضاء هذه المنظمات للحبس لمدة أقصاها ستة أشهر فضلاً عن الغرامة.
وقالت المنظمة، في تقريرها السنوي بشأن الجزائر، إن السلطات حاكمت بعض المنتقدين السلميين، وبينهم مدافعون عن حقوق الإنسان في محاكمات جائرة، وفرضت قيودًا مشددة على الحق في حرية التجمع، وواصلت حظر جميع المظاهرات في العاصمة، بموجب مرسوم صدر عام 2001، كما قبضت على عدد من المتظاهرين السلميين وأحالتهم للمحاكمة، وأجبرت بعض وسائل الإعلام على الإغلاق.
السلطات الجزائرية لم تحقق في الانتهاكات التي وقعت في الماضي ولم تحاسب المسؤولين عنها
وعرض تقرير المنظمة حالات لمدافعين عن حقوق الإنسان تعرضوا للمضايقة على أيدي السلطات وقُدموا للمحاكمة، مثلما حصل مع المحاميين صالح دبوز ونور الدين آحمين، وسجن عدد من النشطاء الحقوقيين في أكثر من منطقة، كما تحدث التقرير عن “قانون الأسرة” الذي ما زال ينطوي، حسب المنظمة، على التمييز ضد المرأة في المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والوصاية عليهم والميراث.
وأشارت منظمة العفو إلى تقاعست السلطات عن إجراء تحقيق وافٍ عن وفاة الصحفي الجزائري محمد تامالت في السجن بعد اضراب عن الطعام نفّذه منذ بعد إدانته بتهمة “الإساءة” لرئيس الجمهورية وإهانة هيئات نظامية، في تعليقات نشرها على موقع “فيسبوك” وعلى مدونته حول الفساد ومحاباة الأقارب بين كبار المسؤولين، وعن معاملته في السجن.
وقبل ذلك قال أحمد أويحيى مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ يومين، أنه لم يتم توقيف “محمد تامالت ” بصفته صحافيًا، معتبرًا أن اللجوء إلى الإضراب عن الطعام يمثل وسيلة للضغط على القضاء، موضحًا في الوقت نفسه أنه من حق عائلته ودفاعه رفع شكاوى والمطالبة بفتح تحقيق.
كما عاد التقرير إلى ملفات عقد تسعينيات القرن الماضي واستمرار شيوع الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة، حيث قال إن السلطات لم تحقق في الانتهاكات التي وقعت في الماضي ولم تحاسب المسؤولين عنها.
منع التظاهر في العاصمة الجزائرية
وبحسب منظمة العفو، فإن عمليات القتل غير المشروع وحوادث الاختفاء القسري والاغتصاب وغيره من صنوف التعذيب التي ارتكبتها قوات الأمن، وكذلك بعض الانتهاكات التي ارتكبتها جماعات مسلحة “بمثابة جرائم ضد الإنسانية”.
إضافة إلى ذلك قال التقرير إن السلطات الجزائرية رحلت عددًا من اللاجئين والمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بصورة تعسفية، مثلما حصل في ديسمبر/ كانون الأول 2016، كما أشارت إلى تقاعس الحكومة مجددًا عن إصدار قانون يحمي الحق في طلب اللجوء، ولم تصدر السلطات الجزائرية أي تعليق حتى الآن بخصوص اتهامات منظمة العفو الدولية.
المغرب.. قيود على الحق في حرية التعبير والتجمع
اتهمت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي، السلطات المغربية بفرض قيود على الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وملاحقة الصحفيين ومنتقدي الحكومة لممارستهم حقهم في حرية التعبير السلمي قضائيًا، وذكرت المنظمة الصحفي علي أنوزلا، الذي اتُهم في يناير بالدعوة للإرهاب ودعمه والتحريض عليه، وذلك في مقال نُشر في موقع “لكم” الإلكتروني في عام 2013، ومن الممكن أن يُحكم عليه بالسجن مدة أقصاها 20 سنة إذا أُدين.
واصل المغرب طرد الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان الأجانب من الصحراء الغربية أو منعهم من دخولها
إلى ذلك، استمرت السلطات المغربية، حسب التقرير، في عرقلة التسجيل القانوني لعدة منظمات لحقوق الإنسان، من بينها فروع “للجمعية المغربية لحقوق الإنسان” وجمعية “الحرية الآن” و”التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان”، واستمرت كذلك في تقييد الحق في حرية التجمع السلمي.
وأشار التقرير كذلك إلى استمرار السلطات في قمع المعارضة السلمية في الصحراء الغربية، وقال إن السلطات فضَت مظاهرات سلمية، وأخضعت النشطاء الصحراويين الذين نادوا بحق تقرير المصير أو أبلغوا عن انتهاكات حقوق الإنسان، للملاحقة القضائية وضيَقت عليهم، وواصلت طرد الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان الأجانب من الصحراء الغربية أو منعهم من دخولها.
معاملة سيئة يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في الحدود المغربية الإسبانية
وفي خصوص اللاجئين، قال التقرير إن السلطات تواصل منع الأشخاص القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من الدخول بطريقة غير شرعية إلى ثغري سبتة ومليلية في شمال المغرب، بالإضافة إلى قيامها بشكل متكرر بتدمير مخيمات مؤقتة حول مدينة الناظور الواقعة في شمال شرق البلاد، ونقل عشرات الأشخاص إلى مدن في الجنوب، ولم تصدر المملكة المغربية إلى الآن أي تعليق على تقرير المنظمة الحقوقية الدولية.
محاكمات ذات دوافع سياسية في موريتانيا
رغم ما يدعيه النظام الحاكم في موريتانيامن احترام حقوق الإنسان، فقد أشار تقرير العفو الدولية، إلى تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان ومعارضي الحكومة إلى محاكمات ذات دوافع سياسية، فقد استُخدمت بعض القوانين، بما في ذلك تلك التي تغطي مسائل الإخلال بالنظام العام، ومقاومة القبض، والانتماء إلى منظمة غير مصرح بها، في محاكمات ذات دوافع سياسية للمدافعين عن حقوق الإنسان ومعارضي الحكومة، لا سيما نشطاء مناهضة العبودية، حسب المنظمة التي عرضت عديد من الحالات لهذه الانتهاكات المسجلة.
في موريتانيا.. حرمت السلطات عدد من المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان من التسجيل الرسمي
إلى جانب ذلك، سجل الحيز المتاح لممارسة الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، تقلصًا، حيث تعرض عدد من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة للقبض والمحاكمة أمام قضاء مسيَس، وفقًا للتقرير.
وواصلت السلطات حرمان عدد من المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان من التسجيل الرسمي، فعلى سبيل المثال، ما زالت جمعية “أرامل وأيتام العسكريين الموريتانيين” وهي منظمة تطالب بإظهار الحقيقة بشأن عمليات الإعدام دون محاكمة وحوادث الاختفاء التي وقعت خلال تسعينيات القرن العشرين، في انتظار الاعتراف القانوني بها منذ عام 1993، وقد جددت الجمعية طلبها للتسجيل عام 2010.
احتجاجات ضد الاعتقالات التعسفية في موريتانيا
وتعليقًا على هذا التقرير، قال وزير الثقافة والصناعة التقليدية، الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ: “موريتانيا لا يوجد فيها سجين سياسي ولا سجين من أجل التعبير عن رأيه أو من أجل التظاهر”.
وبالرجوع إلى تقرير المنظمة الحقوقية الدولية نلاحظ الصورة القاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في هذه الدول الخمسة المشكلة للمغرب العربي، رغم تأكيدات سلطات هذه البلدان .سعيها نحو الارتقاء بواقع حقوق الإنسان فيها