انطلقت أخيرًا الجولة الرابعة لمفاوضات السلام السورية بعد شد وجذب بين أطراف المعارضة نفسها أظهرت مدى ركاكة وفد المعارضة السورية وتفككها، وأدت لتأجيل الجلسة الافتتاحية لوقت متأخر من مساء أمس الخميس، وإقرار المبعوث الأممي إلى سوريا ديمستورا بصعوبة المفاوضات وأنه “لا يتوقع حدوث معجرات”، ووصفه إياها بأنها “مهمة مضنية”، وقال إن الفشل في هذه الجولة سيعني المزيد من الموت والمعاناة واللاجئين والإرهاب للشعب السوري.
وفي نهاية المطاف اجتمع وفدا المعارضة والنظام وجهًا لوجه للمرة الأولى خلال 3 سنوات، وافتتح الجلسة ديمستورا بعد طول عناء، ذاكرًا أن الشعب السوري يريد طريقًا جديدًا للخروج من هذا الكابوس ومستقبلاً يحقق تطلعاته المشروعة.
أزمة في وفد المعارضة
بينما جاء وفد النظام السوري كله برئاسة بشار الجعفري، اشتعلت أزمة في تشكيلة وفد المعارضة السورية في جنيف كان سببها ديمستورا نفسه، حيث وصفه مراقبون بأنه يضرب بيد النظام وخصوصًا بعدما نقلت مصادر إعلامية تهديده للمعارضة بأنه إذا فشل جنيف 4 فإن الأسد سيفعل بإدلب ما فعله في حلب.
أصر ديمستورا على تقسيم المعارضة إلى 3 وفود هي وفد الهيئة العليا للتفاوض المؤلف من 21 عضوًا، ووفد منصتي القاهرة وموسكو، عضوان لكل منصة منهما على طاولة منفردة، في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات، مع العلم أن هذا الكلام يشير إلى ضرب شرعية الهيئة العليا للتفاوض من خلال تجزئة المعارضة ومساواة وفدها الشامل بمنصتي القاهرة وموسكو، علمًا أن الهيئة سبق موافقتها على ضمها للمنصتين إلى الوفد المفاوض بشرط موافقتها على بيان الرياض.
وبهذا يكون ديمستورا قد انقلب على تعهداته السابقة لناحية أن تكون جميع المنصات ممثلة في وفد المعارضة الذي ألفته الهيئة العليا للتفاوض صاحبة الحق في تسمية المفاوضين والاستشاريين، وحقق خرقًا في اليوم الأول من المفاوضات بجمع أطراف المعارضة في الجلسة الافتتاحية.
ديمستورا يهدد المعارضة بأنه إذا فشل جنيف 4 فإن الأسد سيفعل بإدلب ما فعله في حلب
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات رفضت إضافة أي منصة أخرى إلى صفوف المعارضة باعتبارها المسؤولة عن تشكيل الوفد المفاوض، وأعلنت ضم ممثلين عن جميع المنصات خلال تشكيل الوفد المفاوض الذي ترأسه نصر الحريري، إلا أن شرط دي ميستورا تمكن من خلط أوراق المعارضة من جديد وإرباكهم، لتنتقل المشكلة إلى داخل الوفد المعارض نفسه، الذي خاطب دي ميستورا برسالة مكتوبة اشترط فيها ضم الأعضاء الأربعة أو الستة (من وفدي موسكو والقاهرة) إلى وفد الهيئة العليا للتفاوض، تحت طائلة الانسحاب من الجلسة الافتتاحية ومن المؤتمر.
وبالنظر إلى ما حدث للمعارضة في جنيف فيظهر أن روسيا تمكنت إلى أبعد حد من تمييع المعارضة السورية من خلال خلق معارضات تابعة لها كمنصة موسكو ومنصة حميميم ومنصة أستانة والقاهرة بأفكار تختلف مع المعارضة الرئيسية في الرياض، بحيث تتبنى وجهات نظر أكثر ليونة اتجاه القضايا التي ترفضها المعارضة رفضًا قطعيًا، مع إبقائها تابعة للمعارضة بغرض تشتيتها.
فجمال سليمان من منصة القاهرة قال سابقًا: “المصلحة الوطنية قد تتطلب بقاء بشار الأسد في المرحلة الحالية” وهو ما يتعارض مع مخرجات مؤتمر الرياض ومع ما جاؤوا من أجله، وسارع رئيس وفد المعارضة نصر الحريري إلى التصريح أمام وسائل الإعلام قائلاً: “بقاء الأسد في الحكم هو مجرّد حلم لن يتحقّق”.
كما أن روسيا عملت على إفشال خط المفاوضات في جنيف من خلال الضغط العسكري على الأرض، فبينما يحاول ديمستورا التنسيق بين وفدي الأزمة السورية، كانت الطائرات الروسية وقوات النظام وحلفاؤها تدك درعا ومناطق أخرى، في انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار، وإجهاض الجهود الدولية في حل الأزمة السورية، فعلى مدار السنوات الماضية بدءًا من جنيف 1 بدد النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون جهود التوصل لتسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه من البلاد.
تمكنت روسيا إلى أبعد حد من تمييع المعارضة السورية من خلال خلق معارضات تابعة لها
ولشدة المعارك الدائرة في درعا، أعلنت السلطات الأردنية إقفال المدارس في مدينة الرمثا الواقعة قرب الحدود السورية، وقال المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية وليد الجلاد، إنه تم تعليق دوام جميع المدارس في لواء الرمثا كإجراء احتزازي، حيث تسمع أصوات الاشتباكات والقصف والانفجارات في درعا السورية داخل بعض المناطق الأردنية مثل الرمثا ومدينة إربد ولواء بني كنانة.
كما اختلفت المعارضة بخصوص تسمية الوفد في حال وافق ديمستورا على شرطهم بين من رأى تسمية الوفد “وفد قوى الثورة والمعارضة” ومن فضل الإبقاء على التسمية كما هي، على اعتبار أن التسمية الأولى تضرب مشروعية وحصرية الهيئة العليا في الحق بتمثيل قوى المعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية، ويذكر أن وفد الهيئة العليا للتفاوض تعرض لضغوط من قبل ممثلي أصدقاء الشعب السوري لحضور الجلسة الافتتاحية.
مصير المفاوضات
كان وفد الهيئة العليا طالب بأن يعقد ديمستورا جلسات مباشرة مع النظام، ووافقت روسيا على هذا الاقتراح وضغطت باتجاه عقد جلسة واحدة، على الأقل، تكون مباشرة بين أطراف الأزمة، واقترحت على الأمم المتحدة أن تكون هذه الجلسة هي الافتتاحية، فحسب تصريحات المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط الذي قال “نطالب بمفاوضات مباشرة، نحن هنا لنفاوض، لنبدأ بمفاوضات مباشرة تبدأ بمناقشة هيئة حكم انتقالي”، وأضاف “المعارضة تبحث عن شريك جاد في جنيف من أجل وضع حد للأزمة السورية”.
ويعد مطلب المعارضة في التفاوض بشكل مباشر مع النظام المرة الأولى، إذ جرت العادة أن ترفض المعارضة الجلوس على طاولة واحدة مع الطرف الآخر قبل تحقيقه شروط تتعلق بالإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن مناطق مختلفة تخضع لحصار قوات النظام وحلفائه.
لم يتم تحديد جدول عمل مفاوضات اليوم الثاني الجمعة حتى لحظة كتابة التقرير وهو ما يدل على حالة الضياع التي تغلف المشهد هناك وينبئ بأن مجريات الأحداث ليست مدروسة وأن النتيجة قد لا تكون مرضية، ومن المقرر أن يجتمع ديمستورا مع الأطراف السورية بشكل ثنائي لبحث جدول أعمال هذه الجولة، وسيتوجه وفد الهيئة العليا من فندقه إلى الأمم المتحدة لمقابلة دي ميستورا لبحث تطبيق آليات الانتقال السياسي الذي نصت عليه القرارات الدولية لا سيما بيان جنيف والقرار 2254.
ديمستورا يصر على تقسيم وفد المعارضة السورية إلى 3 وفود هي وفد الهيئة العليا للتفاوض ووفد منصتي القاهرة وموسكو
وكان نصر الحريري قد قال أمام الصحافيين، عقب انتهاء الجلسة الافتتاحية أمس الخميس “كل القرارات الأممية جوهرها الانتقال السياسي”، لافتًا إلى أن “الكرة اليوم في ملعب المبعوث الأممي إلى سورية، ديمستورا، والأمم المتحدة”، وأضاف الحريري “القرار 1254 ينص على أن السوريين هم من يحددون ممثليهم، وقدومهم إلى مفاوضات جنيف هو للتحدث باسم كل شـبر من سوريا ولمناقشة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تنص على الانتقال السياسي الذي يضمن للشعب السوري العيش في ظل دولة ديمقراطية تعددية”.
لم يتغير شيء على الأرض في سوريا، فالقصف ومحاولات التقدم للنظام وحلفائه، روسيا وإيران، لا تزال متواصلة، كما أن واشنطن لم يخرج منها أي تصريح إلى الآن عن الخلافات الجارية هناك وحول رؤيتها اتجاه الأزمة السورية عمومًا، وعادت الوفود إلى مقراتها خاسرة بينما ربح ديمستورا وحده كما يرى مراقبون بعدما نجح في جمع الوفدين في غرفة واحدة.
ولعل الجديد الذي حصل أن المعارضة اكتشفت عمليًا وبتمثيل من ديمستورا، إلى أي حد يتدخل المجتمع الدولي لإفشال الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة من خلال تشتيت المعارضة، وفي كل الأحوال فإن إطالة أمد الصراع هدف استراتيجي للنظام السوري للقضاء على الثورة والثوار وإعادة المناطق الخارجة عن سيطرته.