تعد مصر واحدة من أكثر بلدان العالم امتلاكًا للآثار، كونها موطنًا للعديد من الحضارات التي ترعرعت فوق ضفاف نهرها وعلى جنبات واديها وفي أعماق صحاريها، شرقًا وغربًا وجنوبًا، أبرزها: الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، وذلك على مدار أكثر من 5 آلاف عام، هي عمر الحضارة المصرية القديمة بحسب بعض الروايات، وفي أخرى أكثر من ذلك.
وقد أهل هذا الثراء الحضاري الذي قلما تتمتع به دول أخرى أن تكون مصر واحة لكنز تراثي هائل يجمع كل تلك الحضارات والتجارب الأممية العظيمة في بوتقة واحدة، لتصبح الدولة المصرية منارة ثقافية رائدة وقبلة للشغوفين بمعايشة حضارات العالم في مكان واحد.
وتتباين الآراء بشأن حجم ما تمتلكه مصر من معالم أثرية، فهناك رأي يذهب إلى أنها تمتلك ثلث آثار العالم، وهو الرأي الذي فنده آخرون استنادًا إلى قائمة التراث العالمي التي نشرتها منظمة اليونسكو وتضم 962 موقعًا في 157 دولة، فقد ذكرت أن مصر بها 6 مواقع تاريخية فقط وأن بلدان أخرى كالصين وإيطاليا وألمانيا والهند وفرنسا تمتلك أضعاف هذا الرقم، إلا أن قوة الآثار المصرية في قيمتها التاريخية وليس في عددها، كونها تغطي معظم حضارات العالم.
وعلى قدر قيمة الآثار المصرية كانت محاولات سرقتها منذ مئات السنين، فسقط معظمها في أيدي اللصوص والتجار، فيما خرج البعض بصور رسمية موثقة، والبعض الآخر بطرق غير شرعية، وخلال الفترة من 2011 وحتى 2016 سرق قرابة 30% من الآثار التي تملكها مصر حسبما أشار الأمين العام لجمعية الأثريين العرب الدكتور محمد الكحلاوي.
وقد ساعدت تلك الهزات والضربات التي تلقتها ثروة مصر الأثرية على مدار العقود الماضية في إنعاش سوق تجارة الآثار الذي تحول إلى أكبر الأسواق المصرية على الإطلاق بحجم يبلغ 20 مليار دولار سنويًا، أي أكثر من إجمالي عائدات قناة السويس والسياحة وكلاهما المصدر الرئيسي لإمداد الدولة المصرية بالعملة الصعبة.
نلقي في هذا التقرير من ملف “آثارنا المنهوبة” الضوء على ملامح الثروة الأثرية المصرية ومتى بدأت عمليات التهريب والسرقة، وأنواع النهب الذي تعرضت له آثار مصر، والأماكن الموجودة بها الآن، ثم نختم بجهود الدولة في استعادة تلك الآثار وما يمكن أن يعاد منها وكيف.
كنز أثري
مع كل حضارة نشأت فوق الأرض المصرية تركت خلفها إرثًا هائلًا من المعالم الأثرية الباقية حتى اليوم، والشاهدة بالصوت والصورة على عظمة هذا البلد وتاريخه الضارب في جذور الحضارة الممتدة لآلاف الأعوام، ولعل أبرزها الحضارة الفرعونية التي عرف بها المصريون، واستمرت لقرابة 3 آلاف عام، فترة الأُسر وما قبلها، وهي الفترة التي ازدهرت فيها الدولة المصرية وقدمت للعالم واحدة من أنضر التجارب الحضارية في التاريخ.
وقد تنوعت الآثار الفرعونية التي زخرت بها مصر، ولا تزال حاضرة حتى اليوم، ما بين أهرامات ومعابد ومدن ووديان، على رأسها أهرامات الجيزة، إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، وهرم سنفرو المائل والهرم الأحمر الذي سمي بذلك نظرًا للطبقة الحمراء التي تكسوه وظهرت بعد زوال طبقة الحجر الجيري الأبيض، ويعده المؤرخون أقدم الأهرامات الموجودة في العالم، هذا بجانب تمثال أبو الهول الشهير بالجيزة الذي بناه الفراعنة لحماية مقابرهم الهرمية الثلاثة.
أما المعابد فهناك معبد حتشبسوت الذي بني عام 1458 ق. م، ومعبد الأقصر المبني عام 1392 ق.م على الضفة الشرقية لنهر النيل، وقد خُصّص للآلهة موت وخونسو وآمون، كذلك معبد أبو سمبل المحفور في الصخر على الضفة الغربية من نهر النيل جنوب مدينة أسوان، الذي بني عام 1257 ق. م، في عهد الفرعون رمسيس الثاني، إضافة إلى معبد الكرنك الشهير.
بجانب كل هذا هناك مدينة أبيدوس الأثرية المقدسة في مدينة سوهاج (جنوب) وكانت عاصمة الإقليم الثامن من مصر العليا، ويوجد بها العديد من المعابد منها معبد سيتي الأول ومعبد رمسيس الثاني، وفي الأخير وادي الملوك الذي يقع على الضفة الغربية لنهر النيل في مواجهة طيبة (الأقصر حاليًّا) بقلب مدينة طيبة الجنائزية القديمة، وينقسم إلى الوادي الشرقي (حيث توجد أغلب المقابر الملكية) والوادي الغربي.
وبعد العهد الفرعوني دخلت مصر العهد البلطمي (البطالمة هم عائلة من أصل مقدوني نزحت إلى مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 323 ق.م، حيث تولى أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر وهو “بطليموس” حكم مصر)، وهو العهد الذي انتهى بمعركة أكتيوم البحرية عام 31 ق. م، وقد ترك العديد من المعالم الأثرية الباقية طيلة تلك السنوات الممتدة أهمها مدينة الإسكندرية، عروس البحر المتوسط، التي تضم العديد من المواقع الأثرية اليونانية والرومانية منها: معبد دندرة المركب ومعهد كلابشة الشهير ومعهد سرابيوم والمسرح الروماني وحصن نابليون وعمود السواري ومقابر كوم الشقافة ومقابر الشاطبي ومقابر الأنفوشي وجبل الموتى.
ثم دخلت مصر العصر القبطي من القرن الرابع إلى التاسع الميلادي، لتملأ الكنائس أرجاء البلاد بعدما أعلن الملك قسطنطين الديانة المسيحية ديانةً شرعيةً للبلاد في عام 313 ميلاديًا، حتى أصبحت ديانة غالبية السكان.
ومن أهم الكنائس الأثرية الشاهدة على زخم تلك الفترة، كنيسة السيدة العذراء التي تجمع بين الطرازين البازليكي والبيزنطي، التي بنيت في الموقع الذي مكثت فيه السيدة العذارء وابنها 17 يومًا، وكنيسة القديسة بارباره الواقعة داخل أسوار حصن نابليون، وكنيسة ماري جرجس وكنيسة أبي سرجة، فضلًا عن الكنيسة المعلقة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثامن الميلادي وتعد واحدة من أقدم الكنائس في مصر.
ومع الفتح الإسلامي لمصر عام 641 ميلاديًا تركت الدولة الإسلامية طيلة سنوات حكمها حتى عام 1878 ميلاديًا العديد من المعالم الأثرية الخالدة التي اتخذت صورًا وأشكالًا عدة ما بين قصور وقلاع وأسوار ومساجد وتكايا وسبل، أبرزها: جامع عمرو بن العاص المبني عام 641 ميلاديًا والجامع الأزهر الذي بناه الفاتح جوهر الصقلي عام 970 ميلاديًا، ثم جامع أحمد ابن طولون وجامع السلطان حسن، وبجوارهما قلعة صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم من المعالم التي تزين منطقة وسط القاهرة حتى هذا اليوم وظلت على مدار مئات السنين قبلة للزائرين والباحثين من بلدان العالم كافة.
تهريب الآثار.. تاريخ وأنواع
تعرضت الآثار المصرية للسرقة منذ مئات السنين، وأول من بدأ سرقتها هم الرومان حسبما أشار الباحث التاريخي المصري حسين دقيل، الذي أوضح أنهم استولوا على كميات كبيرة من القطع الأثرية خلال فترة احتلالهم لمصر، منوهًا أن جرائم السرقة الأثرية بدأت تتضح بشكل ممنهج ومنظم بعد اكتشاف الهيروغليفية عام 1822، فحينها بدأ الأوروبيون في سرقة كل ما يستطيعون من الآثار المصرية.
ويذهب بعض المؤرخين إلى أن فترة الاحتلال الفرنسي (1 يوليو/تموز 1798 – 2 سبتمبر/أيلول 1801) والإنجليزي (1882 – 1922) لمصر هي أكثر الفترات التي شهدت حالات سرقة للقطع الأثرية المصرية وتهريبها للخارج، بل وصل الأمر إلى تهريب مسلات ذات أحجام كبيرة ومدن بأكملها وعرضها في شوارع ومتاحف باريس ولندن دون أحقية الدولة المصرية في استرجاعها مرة أخرى بسبب حزمة القوانين الظالمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت وكانت تسمح للمحتل بسرقة كنوز الدول المستعمَرة.
ويجمع خبراء الآثار على ثلاث طرق تم تهريب الآثار المصرية بها للخارج، الأولى: الآثار التي حصلت عليها البعثات الأجنبية التي كانت تنقب عن الاكتشافات الأثرية في مصر، إذ كان لها الحق في الحصول على نسبة من المستخرج ونقله للخارج، لكن الأمر تغير بعد صدور قانون 117 لحماية الآثار عام 1983 الذي منع حصول البعثات على أي قطع أثرية بعد الانتهاء من عمليات التنقيب، حيث كانت هناك نسبة تحصل عليها البعثة وتقدر بنحو 10% من قيمة القطع المكتشفة.
لكن المادة 35 من القانون الجديد نصت على أن “جميع الآثار المكتشفة التي تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية تكون ملكًا للدولة، ومع ذلك يجوز للهيئة أن تقرر مكافأة للبعثات المتميزة إذا أدت أعمالًا جليلةً في الحفائر والترميمات بأن تمنح بعضًا من الآثار المنقولة التي اكتشفتها البعثة”.
أما النوع الثاني فهي الآثار المستخرجة عن طريق تجار الآثار وعصاباتها، حيث تتكفل هي بالتنقيب والنقل والتهريب للخارج، ولها طرقها الخاصة في ذلك التي تتنوع عبر الجو والبحر والبر، وقد تفنن التجار في تهريبها وتورط في ذلك جنرالات ودبلوماسيون وساسة.
فيما يبقى النوع الثالث وهو سرقة الآثار المكتشفة بالفعل من أماكن عرضها أو تخزينها، كسرقة المتاحف والمخازن والمعارض، وقد انتشرت تلك الجرائم بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حين تعرض المتحف المصري بالتحرير إلى سرقة خزائنه بجانب بعض المتاحف الأخرى، وقد تم رصد حاويات بأكملها معبأة بقطع أثرية تم تهريبها خلال الأعوام القليلة الماضية.
كما أن جزءًا كبيرًا من الآثار المصرية تم نقله خارج البلاد في صورة هدايا مقدمة من الرؤساء والزعماء لدول وحكومات دول أخرى، وليس هناك أكثر فجاجة مما فعله الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أهدى عدد من الدول 5 معابد كاملة، كنوع من التقدير ورد الجميل على مساعدة القاهرة في بناء السد العالي.
أول تلك المعابد معبد دندور، المبني في القرن الأول قبل الميلاد، وقد أهداه ناصر للولايات المتحدة بقرار رئاسي في 28 أبريل/نيسان عام 1963، وسلم لمتحف المتروبوليتان بنيويورك عام 1967، ومن قبله معبد طافا بالنوبة، المبني في العصر الروماني، الذي أهداه إلى هولندا عام 1960 وتم إعادة تركيبه بمتحف الآثار بمدينة ليدن عام 1971.
كذلك معبد الليسيه الذي شيده الملك تحتمس الثالث بمنطقة أبريم بالنوبة، فقد أهداه الرئيس المصري إلى إيطاليا عام 1966، وهو الآن موجود بمتحف تورينو، وذلك قبل 6 سنوات من إهدائه معبد دابود بجنوب أسوان إلى إسبانيا، والواقع حاليًّا بحديقة “ديل أويستى” بالقرب من القصر الملكي بمدريد، وأخيرًا أهدى جزءًا من معبد كلابشة إلى ألمانيا، وهو الآن بجناح الآثار المصرية بمتحف برلين.
مليون قطعة مهربة
لا يوجد إحصاء موثق لعدد القطع الأثرية المصرية المهربة للخارج، غير أن هناك شبه اتفاق على أنها لا تقل عن مليون قطعة موجودة في أكثر من خمسين متحف حول العالم، تتصدرها متاحف بريطانيا التي تحتضن وحدها 275 ألف قطعة أثرية مصرية موجودة في 7 متاحف رئيسية (المتحف البريطاني وبه 100 ألف قطعة، متحف بتري وبه 80 ألف قطعة، المتحف الأشمولي بأكسفورد وبه 40 ألف قطعة، ومتحف فيتزوليم بكامبردج وبه 16 ألف قطعة، ومتحفا العالم بليفربول ومانشستر، وبهما 16 ألف قطعة لكل منهما).
أما المتاحف الأمريكية فبها نحو 220 ألف قطعة موزعة في 15 متحفًا (متحف الفنون الجميلة ببوسطن به 45 ألف قطعة، متحف كيسلي لعلم الآثار في مدينة آن أربر بولاية ميشيغان، وبه 45 ألف قطعة، متحف جامعة بنسلفانيا لعلم الآثار والأنثروبولوجيا، وبه 42 ألف قطعة، متحف المعهد الشرقي بمدينة شيكاغو، وبه 30 ألف قطعة، متحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك، وبه 26 ألف قطعة، متحف هيرست للأنثروبولوجيا بمدينة بيركلي في كاليفورنيا وبه 17 ألف قطعة، متحف بيبادي للتاريخ الطبيعي ويوجد في ولاية نيوهيفن وبه 5 آلاف قطعة، متحف روزيكروشيان المصري فيسان هوزيه بكاليفورنيا وبه 4 آلاف قطعة، المتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في شيكاغو وبه 3500 قطعة، متحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي في بيتسبرغ ببنسلفانيا وبه 2500 قطعة، المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بواشنطن العاصمة وبه 1900 قطعة، متحف مقاطعة لوس أنغلوس للفن في مدينة لوس أنغلوس بكاليفورنيا وبه 1600 قطعة، متحف الفن بجامعة ممفيس بمدينة تينيسي وبه 1400 قطعة، متحف كليفلاند للفن في كليفلاند وبه 1000 قطعة، المعرض الحر للفن في واشنطن وبه 1000 قطعة أيضًا).
وهناك المتاحف الألمانية التي بها 104 آلاف قطعة آثار مصرية متمركزة في 4 متاحف أساسية (المتحف المصري ببرلين وبه 80 ألف قطعة، متحف الدولة للفن المصري بمدينة ميونخ وبه 8 آلاف قطعة، متحف رومر وبيليزيوس في هيلدسهايم وبه 8 آلاف قطعة، والمتحف المصري بجامعة لايبتزغ بمدينة لايبتزغ في ساكسونيا وبه 8 آلاف قطعة).
وتأتي المتاحف الإيطالية في المرتبة الرابعة وبها أكثر من 60 ألف قطعة أثرية مصرية منتشرة في ثلاثة متاحف (المتحف المصري بتورينو وبه 32500 قطعة، الجناح المصري بالمتحف الأثري الوطني في فلورنسا وبه 14 ألف قطعة، المتحف المدني الأثري في بولونيا وبه 3500 قطعة)، بجانب قطع أخرى موجودة في المتحف الغريغوري المصري في الفاتيكان والمتحف المصري بميلانو ومتحف نابولي الوطني للآثار بنابولي.
ثم تأتي المتاحف الفرنسية في المرتبة الخامسة وتضم 52 ألف قطعة آثار مصرية متمركزة في متحفين: اللوفر بباريس وبه 50 ألف قطعة ومتحف الفنون الجميلة في ليون وبه 1500 قطعة، فيما تتوزع القطع الباقية على المتاحف الأخرى في الجنوب وفي العاصمة باريس.
وهناك متاحف أخرى تحتضن بعض الآثار المصرية كمتحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو الذي يحتوي على 8 آلاف قطعة أثرية مصرية، ومتحف الإرميتاج في سان بطرسبرغ وبه 5500 قطعة، ومتحف أونتاريو الملكي في تورنتو بكندا وبه 25 ألف قطعة، ومتحف تاريخ الفن في فيينا بالنمسا وبه 12 ألف قطعة، إضافة إلى المتحف الأثري الوطني بأثينا في اليونان، وبه أكثر من 8 آلاف قطعة، والمتحف الوطني للآثار بليدن في هولندا وبه أكثر من 5 آلاف قطعة.
الأمر لم يقتصر على تهريب قطع أثرية كبيرة أو متوسطة أو صغيرة الحجم، بل تجاوز ذلك إلى تهريب مسلات بأكملها ذات أحجام هائلة ولا يمكن نقلها إلا بمعرفة الجمارك أو عن طريق تدخل سلطات رسمية تسمح بنقلها بهذا الحجم الكبير الذي لا يمكن إخفاءه، فهناك 13 مسلة مصرية تزين ميادين العالم، أشهرها: مسلة تحتمس الثالث التي تقع بساحة سان جيوفاني قرب قصر لاتيرانو بروما، ومسلة إبسماتيك الأول الموجودة بساحة مونتيتشيتوريو، وهناك ثلاث مسلات أخرى لرمسيس الثاني في روما، بجانب مسلة كليوباترا بباريس ومسلة كليوباترا بلندن ومسلة كليوباترا بنيويورك ومسلة تحتمس الثالث بإسطنبول.
وتجني تلك المتاحف مئات الملايين من الدولارات كأرباح سنوية للدول المعروضة بها جراء عرض تلك القطع الأثرية المصرية التي تحظى بإقبال كبير، بل إن بعض المتاحف تعتمد في الأساس على عوائد الأجنحة المصرية وتخصص لها مساحات كبيرة كما هو الحال في متحف اللوفر بباريس أو المتحف البريطاني في لندن، هذا في الوقت الذي تعاني فيه المتاحف المصرية من قلة الزوار، إما لسوء التسويق وإما لفشل الإدارة وإما لأسباب أخرى غير مباشرة.
حزمة تشريعية غير كافية
هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تقنن عملية تهريب وسرقة القطع الأثرية وتجرم المتعاملون بالتجارة غير الشرعية للآثار، كونها أحد الروافد الثقافية المملوكة للدول التي لا يمكن لأي دولة أخرى الجور عليها بأي وسيلة كانت، كون ذلك أحد الأسباب الرئيسية لإفقار التراث الثقافي في المواطن الأصلية لتلك الممتلكات.
ومن أبرز تلك الاتفاقيات “اتفاقية اليونسكو” الصادرة عام 1970 التي وضعت تدابير مشددة لحظر ومنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية، حيث استهلت الاتفاقية ديباجتها بالتأكيد على ضرورة بذل الدول قصارى جهدها لحماية ممتلكاتها وتراثها داخل أراضيها من السرقة وأعمال الحفر السرية، وفي مادتها الثانية أكدت اعتراف جميع الدول الموقعة على تلك الوثيقة بأن نقل الآثار بالطرق غير الشرعية جريمة إفقار ثقافي تستوجب التعاون الدولي لحمايتها ومواجهة الدول والكيانات التي تعرضها للخطر.
هناك أيضًا “اتفاقية حماية التراث العالمي” الصادرة عن منظمة اليونسكو عام 1972، التي نصت على تعهد الدول الأعضاء بها البالغ عددهم 190 دولة، بالعمل على مناهضة أي محاولات لنقل أو تهريب الآثار بالطرق غير المشروعة، ومكافحتها بشتى الوسائل، معتبرة أن ذلك “عملًا غير مشروع”.
ومن الاتفاقيات الدولية المبرمة حديثًا لوقف هذا النزيف التراثي، “اتفاقية يونيدروا” الصادرة عام 1995 عن المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (يونيدروا) بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدّرة بطرق غير مشروعة، التي تشدد على ضرورة إعادة الممتلكات الثقافية المسروقة لبلدانها الأصلية، حيث وضحت من خلال 21 مادة تفصيلية كيفية استعادة تلك الممتلكات والمرجعية القانونية لذلك.
وهناك نوع آخر من الاتفاقيات الثنائية بين الدول، فقد تبرم دولتان اتفاقية خاصة بينهما لحماية التراث الثقافي في إطار منع التجارة غير المشروعة للقطع الأثرية، كما حدث بين مصر وسويسرا حين وقعتا اتفاقية دخلت حيز التنفيذ عام 2011 وتنص على إعادة القطع المسروقة هنا وهناك وبذل الجهود لحماية الموروث الأثري للدولتين.
المعضلة في الحالة المصرية أن كل الآثار التي تم تهريبها لا يمكن التفاوض عليها لإعادتها، فالآثار التي حصلت عليها بعثات التنقيب الأجنبية قبل قانون 1983 لا يمكن التفاوض عليها لأنها منحت لهم بشكل رسمي، كذلك المعابد التي أهداها عبد الناصر لبلدان العالم، والهدايا الممنوحة لزعماء وقادة الدول، هذا بخلاف القطع المهربة التي تم التنقيب عنها عبر عصابات التهريب وتجار الآثار، فهي ليست مدرجة في قائمة وزارة الآثار وليس لها رقم رسمي، وعليه فإن ما يمكن المطالبة بإعادته هي تلك القطع التي تم سرقتها من المتاحف والمخازن، والمرقمة بأرقام رسمية ومسجلة في دواوين الحكومة.
كيف يمكن استردادها؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال حصر الآثار المهربة للخارج، لكن كل ما يمكن أن تفعله السلطات المصرية هو مراقبة كل المزادات العالمية والمعارض الإلكترونية والبحث عن القطع المصرية المعروضة بها، وحينها يكون التحرك الرسمي لمحاولة استردادها، هذا ما أشار إليه مدير إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار المصرية، شعبان عبد الجواد.
وأوضح عبد الجواد في تصريحات صحفية له أن وزارة الآثار المصرية بعد التأكد من وجود قطع أثرية في مزاد ما تتواصل مع الجهة المنظمة لهذا المزاد أو المعرض، وتطالبها بتقديم شهادة ملكية لتلك القطع، أو على الأقل شهادة تصديرها وخروجها من مصر إن كانت قد خرجت بشكل رسمي عبر طريق الهدايا مثلًا، وإن لم يتم تقديم تلك الشهادة فإن الوزارة تعتبر حينها أن تلك القطع مسروقة أو مهرب، ومن ثم تبدأ في اتخاذ الإجراءات الرسمية لاستعاداتها.
تتمحور تلك الإجراءات في إخطار يوجه من وزارة الآثار إلى وزارة العدل باسم القطعة الأثرية المسروقة أو المهربة، مع تقديم البيانات والأدلة التي تثبت مصريتها، وعلى الفور تحول العدل الطلب إلى وزارة الخارجية التي تقوم بدورها بالتواصل بالدولة التي يتم عرض القطع بها، وإن لم يكن هناك استجابة يتم إخطار الإنتربول الدولي، بحسب مدير إدارة الآثار المستوردة.
وتعد مصر ملفًا كاملًا للقطع الأثرية المهربة، مدعومًا بالوثائق والأدلة على ملكية مصر لها، من أجل التحرك لاستعادة الممتلكات المسروقة والمعروضة في الخارج، وقد نجحت بالفعل في استعادة بعض تلك القطع من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والقدس المحتلة وبلجيكا وما زالت الجهود مستمرة لاستعادة أكبر قدر ممكن من تلك الدرر الأثرية، التي كان يمكن أن تكون مصدر دخل ثري للدولة المصرية إذا توافرت الإرادة والإدارة معًا.