ترجمة وتحرير نون بوست وقد تمت كتابة المقال الأصلي بواسطة كل من سوزانا جورج وبالينت سلانكو
قام الكولونيل في الجيش الأمريكي، جيمس براونينغ، بجملة من المكالمات الهاتفية بينما كان مستلقيا على أريكته المريحة في إحدى القرى الصغرى في جنوبي الموصل، بينما كان نظراؤه في الجيش العراقي في “الفرقة التاسعة مشاة الي” يتقدمون نحو غربي الموصل، على بعد أميال فقط من معاقل تنظيم الدولة التي تتعرض للقصف في الوقت الذي كانوا ينتقلون فيه نحو محطة توليد الكهرباء.
في المقابل، اتصل الجنرال في الجيش العراقي، وليد خليفة، بالكولونيل براونينغ عبر هاتف بسيط من نوع “نوكيا” ليمده بإحداثيات أقرب موقع تبادل لقذائف الهاون. وفي هذا الغرض، أجرى براونينغ في الإبان مجموعة من الاتصالات الأخرى.
وفي إحدى المكالمات الهاتفية التي أجراها مع زملائه في الائتلاف الواقع في قاعدة أمامية أخرى تشرف على العملية، قال الجنرال خليفة “هل بإمكانك إخبارهم بأن الفرقة “التاسعة مشاة الي” تتعرض لإطلاق نار؟” كما طلب منهم تحديد موقع الهجوم من خلال المراقبة الجوية بهدف إخراجهم من المكان.
إن القيادة العراقية والأمريكية تساورها العديد من الشكوك وتشعر بالقلق إزاء الوضع الإنساني في غرب الموصل الذي يمكن أن يتدهور بسرعة
قبل بضعة أشهر، كان من المستحيل أن يتمكن الكولونيل براونينغ من إجراء مثل هذا النوع من الاتصالات. وبدل طلب المساعدة مباشرة كانت مكالمته على الأرجح ستوجه إلى مركز قيادي مشترك بعيد كل البعد عن موقع المعركة.
أما في المعركة ضد تنظيم الدولة في الموصل، عدّلت الولايات المتحدة من قواعد الاشتباك الخاصة بقواتها لتغدو بذلك القوات الأمريكية وبقية قوات التحالف أقرب إلى خط المواجهة أكثر من أي وقت مضى.
في الواقع، تلقى المستشارون العسكريون الأمريكيون والأوروبيون خلال عملية الضغط للاستيلاء على مطار الموصل الدولي يوم الخميس، الدعم من قبل وحدات الرد السريع والقوات الخاصة الأمريكية.
وفي هذا السياق، أقر مسؤولون عسكريون في قوات التحالف بأن التحويرات التي طرأت على الاستراتيجية الأمريكية قد ساعدت في تسريع المكاسب العسكرية العراقية. في المقابل، أكدت هذه التحويرات على استمرار تدخل الولايات المتحدة في العراق الأمر الذي يعكس بدوره أوجه القصور التي يعاني منها جزء من قوات الجيش العراقي، ويشير إلى تزايد الضغط السياسي والعسكري المسلط عليها لإنهاء عملية الموصل بأقصى سرعة ممكنة.
وفي الوقت المستقطع بين الاتصال والآخر الذي كان يتلقاه براونينغ من الجنرال خليفة، أورد قائلا: “غالبا ما أقف إلى جانبه، فعندما يكون هناك تهديد في الأرجاء، نأخذ الأمور على محمل الجد كما لو كنا نحن تحت هذا التهديد”.
هذه العلاقة الوطيدة حديثة العهد
في الفترة التي سبقت عملية استرجاع الموصل، زادت القوات الأمريكية من تواجدها في العراق بنسق مطرد، لينجر عن ذلك مضاعفة لعدد قواتها في البلاد بغية دفع تنظيم الدولة إلى التحرك من بؤر التوتر نحو خطوط الجبهة الأمامية. وعلى على غرار عدد القوات الأمريكية الموجود بالقرب من خطوط الجبهة، ظل عدد الجنود، نسبيا، ضئيلا.
يبدو من الجلي أن القوات العراقية وقوات التحالف تتعرض إلى مزيد من الضغط السياسي والعسكري لإنهاء المعركة من أجل تحرير الموصل ودحر التنظيم بسرعة
عموما، بعد مرور شهرين على حملة استرداد الموصل من تحت سيطرة تنظيم الدولة، بدأ أداء القوات العراقية بالتعثر بعد مرور أسابيع على المعارك الحضرية التي استنزفت طاقتهم. وعلى خلفية الإرهاق الذي لحق بالجيش العراقي، ظلت بعض خطوط الجبهة الأمامية تعاني من حالة ركود طيلة أسابيع، في حين كانت القوات العراقية تعاني من معدلات إصابة مرتفعة نتيجة للهجمات المرتدة التي كان تنظيم الدولة يشنها.
في 26 كانون الأول/ديسمبر، أصدر الجنرال في الجيش الأمريكي، ستيفن تاونسند، توجيهات تكتيكية تقضي بإرسال المزيد من قوات التحالف بعيدا عن مراكزهم المسالمة والتوجه نحو الموصل والاقتراب من الخطوط الأمامية للعمل جنبا إلى جنب مع نظرائهم العراقيين. وفي كانون الثاني/ يناير، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية ولأول مرة، أن القوات الأمريكية كانت في بعض الأحيان تنفذ عمليات عسكرية داخل مدينة الموصل.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات العراقية الخاصة ووحدات الاستجابة السريعة قد تمكنت من اقتحام مطار الموصل واختراق قاعدة الغزلاني العسكرية مترامية الأطراف، الواقعة في الجزء الجنوبي من غرب المدينة. ووفقا لضابطين في الجيش العراقي، والذين كانا يشرفان على هذه العملية، كان هذا التدخل في إطار تقديم التعزيزات لقوات التحالف والوحدات الأمامية، فضلا عن تقديم المشورة لهم بشأن خططهم الهجومية. كما تحدث المسؤولان مقابل عدم الكشف عن هويتهما نظرا لأنهما غير مخولين للتحدث إلى الصحفيين.
داخل الجزء الشرقي من مدينة الموصل، وفي الأسابيع التي سبقت الإعلان عن “تحرير المدينة بالكامل”، أصبحت قوات التحالف تجوب شوارع المدينة جنبا إلى جنب مع وحدات الفرقة التاسعة من مشاة النخبة.
منذ التوجيه الذي صدر في أواخر كانون الأول/ ديسمبر من الجنرال تاونسند، تمكنت القوات العراقية من تأمين انتصارات إقليمية بوتيرة أسرع من المعتاد في مكافحة تنظيم الدولة
وأضاف براونينغ بعد قضاء مزيد من الوقت مع نظرائه العراقيين في الجبهة أن “أبعاد العلاقة التي تجمع بينهما قد تغيرت، فهي تعطيه فهما أوضح وأفضل لكيفية القدرة على الاستفادة قدر المستطاع من الموارد المحدودة.”
خلال مقابلة له يوم الخميس، تحدث براونينغ عن قاعدة عسكرية متواضعة في العراق في قرية صغيرة تقع جنوب الموصل، حيث تم تحويل غرفة معيشة في أحد المنازل المهجور إلى غرفة للعمليات.
وتحت التوجيه الصادر في كانون الأول/ ديسمبر وتوجيه إضافي صدر قبل بضعة أسابيع، أفاد براونينغ أن المستشارين العسكريين، أصبحوا الآن قادرين على تقديم الدعم المباشر بما في ذلك الغارات الجوية والقصف المدفعي لتغطية الوحدات التي تعمل بالشراكة معهم. وأضاف براونينغ “لقد كان هذا النوع من العمليات العسكرية في السابق يمر عبر منظومة البيروقراطية وعبر بغداد”.
في هذا الصدد، أكد المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، العقيد في سلاح الجو جون دوريان، لوكالة أسوشيتد برس أن قواعد الاشتباك في المعركة ضد تنظيم الدولة في العراق قد وقع تعديلها من قبل التوجيه الصادر في كانون الأول/ ديسمبر، موضحا أن بعض قوات التحالف قد مُنحت “القدرة على استدعاء ضربات جوية دون المرور عبر خلية القصف الجوي”.
وفي هذا السياق، أردف دوريان قائلا، خلال مؤتمر صحفي عقد في وزارة الدفاع يوم الأربعاء الماضي، أن “قوات التحالف قد تلقت مزيدا من الصلاحيات لتمكينها من إطلاق ضربات جوية خلال عملية الموصل”. وأضاف دوريان أن “ذلك من شأنه أن يحافظ على درجة دقة العمليات المنفذة، ناهيك عن أنه في الآن عينه سيزيد من مقدار استجابة الفرق على أرض الميدان”.
منذ التوجيه الذي صدر في أواخر كانون الأول/ ديسمبر من الجنرال تاونسند، تمكنت القوات العراقية من تأمين انتصارات إقليمية بوتيرة أسرع من المعتاد في مكافحة تنظيم الدولة. وخلال الأيام الأولى من انطلاق الدفعة الجديدة في النصف الغربي من الموصل، استطاعت القوات العراقية من الحفاظ على حصيلة إصابات وضحايا منخفضة نسبيا، مقارنة بالأيام الأولى من الحرب داخل الموصل عند الجبهة الشرقية.
أقر مسؤولون عسكريون في قوات التحالف بأن التحويرات التي طرأت على الاستراتيجية الأمريكية قد ساعدت في تسريع المكاسب العسكرية العراقية
وعلى ضوء المعطيات المذكورة آنفا، قال ناثانيل رابكين، مدير تحرير في صحيفة تعنى بالشأن السياسي العراقي، خلال عرض صحفي قيّم من خلاله المخاطر السياسية الموجودة في المنطقة، إن “هناك الكثير من التركيز على جهود تدريب مكثف وأعتقد أن ما توصل إليه (الائتلاف) في الموصل هو أن (قوات الأمن العراقية) تحتاج مزيدا من الدعم التكتيكي”.
ومن هذا المنطلق، يبدو من الجلي أن القوات العراقية وقوات التحالف تتعرض إلى مزيد من الضغط السياسي والعسكري لإنهاء المعركة من أجل تحرير الموصل ودحر التنظيم بسرعة. ولعل هذا ما جعل الجنرال تاونسند يردد مرارا وتكرار أنه يريد إنهاء العمليات العسكرية في كل من الموصل والرقة في غضون الأشهر الست المقبلة.
في الختام، قال رابكين، إن القيادة العراقية والأمريكية تساورها العديد من الشكوك وتشعر بالقلق إزاء الوضع الإنساني في غرب الموصل الذي يمكن أن يتدهور بسرعة. كما أن الاقتتال قد يندلع داخل الائتلاف “الهش” المعادي للتنظيم في أي لحظة، بما في ذلك الميليشيات الشيعية والقوات العسكرية العراقية التقليدية والمقاتلين الأكراد.
المصدر: واشنطن بوست