احتفت كل من الإمارات و”إسرائيل” بالذكرى الثالثة لاتفاق “أبراهام” الموقع بين الدولتين في 15 سبتمبر/أيلول 2020 في مراسم احتضنتها حديقة البيت الأبيض، برئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث غرد الرئيس الإماراتي محمد بن زايد على حسابه بمنصة “إكس” قائلًا: “توقيع الاتفاق شكل خطوة مهمة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط وتعزيز الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة”، فيما كتب شقيقه، وزير الخارجية: “تحتفي الإمارات و”إسرائيل” في 15 سبتمبر/أيلول بالذكرى الثالثة للاتفاق الإبراهيمي للسلام التاريخي، حيث تمضي الدولتان قدمًا في تعزيز الشراكة والتعاون الثنائي في عدة مجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما”.
سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، حول الذكرى الثالثة للاتفاق الإبراهيمي للسلام: pic.twitter.com/snWXkxyZeG
— MoFA وزارة الخارجية (@mofauae) September 15, 2023
من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إنه في مثل هذا اليوم قبل 3 سنوات، “اجتمع زعماء “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين في واشنطن، تحت رعاية الولايات المتحدة ووقعوا اتفاقيات أبراهام”، مضيفًا في رسالة مصورة له “لقد غير هذا الإنجاز التاريخي الشرق الأوسط بشكل كبير، وفتح فصلًا جديدًا في تاريخ السلام بالمنطقة”.
أما حساب “إسرائيل بالعربية”، التابع لوزارة الخارجية، فكتب عبر منصة “إكس” أن اتفاق أبراهام “فتح فصلًا جديدًا في تاريخ السلام في عموم المنطقة”، مضيفًا “مرت فقط 3 سنوات على اتفاقات السلام الإبراهيمي مع الإمارات ومملكة البحرين، لكن النتائج مذهلة والقادم أفضل لشعوب المنطقة برمتها”.
3 سنوات مرت على تلك الاتفاقيات التي تراجع زخمها بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه عند توقيعها، وسط تغيرات جيوسياسية هائلة كان لها دورها في إعادة ترتيب المشهد برمته فيما يتعلق بخريطة التطبيع العربي الإسرائيلي ومساراته المختلفة، ليبقى السؤال: هل حقق المطبعون أهدافهم من هذا الاتفاق؟ ومن هم أكثر الرابحين والخاسرين بعد مرور 3 سنوات على إبرامه؟
نحيي الوم ذكرى مرور ٣ سنوات على التوقيع على اتفاقيات إبراهيم للسلام بين #إسرائيل و#الإمارات ومملكة #البحرين. ٣ سنوات من الصداقة والشراكة والاخوة والسلام🇮🇱🇦🇪🇧🇭 pic.twitter.com/pzUVeHUOwy
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) September 15, 2023
هذا ما أراده المطبعون
قبل الحديث عما حققته الإمارات و”إسرائيل” تحديدًا من وراء هذا الاتفاق تجدر الإشارة أولًا إلى التذكير بأهداف البلدين من وراء الانتقال بتطبيع العلاقات من مسارها الخفي الممتد عبر سنوات إلى العلن، حيث وقف كل فريق مدفوعًا بحزم من الأهداف والطموحات المحفزة لتدشين تلك الخطوة.
على المستوى الإماراتي ظنَّ رئيس الدولة محمد بن زايد، أن “إسرائيل” ستكون بوابة الحصول على البركة والدعم الأمريكي، ومن هنا فإن إبرام اتفاق تطبيعي معها بهذه الصورة سيكون خطوة جيدة نحو التقارب مع واشنطن ونيل حظوة الإدارة الأمريكية في دعم طموحات أبناء زايد في التوسع الإقليمي، والموافقة على بيعها ما لا تسمح ببيعه لغيرها من أسلحة متطورة مثل طائرات الـ(F35).
كما توهم الإماراتيون أن قيادتهم لقاطرة التطبيع، ستضعهم على رأس هرم النفوذ الإقليمي الشرق أوسطي، لا سيما إذا انخرطت السعودية في هذا المضمار بعدما نجحوا في جرجرة البحرين والمغرب والسودان، وهو ما سيساعدهم على تعزيز ثقلهم وإقناع القوى الكبرى بدعم توجهاتهم الخارجية.
وتؤمل الدولة النفطية نفسها بأن تسهم تلك الخطوة في تقوية اقتصادها وفتح آفاق استثمارية جديدة وإنعاش خزائن البلاد بالسياحة الدينية وجذب أنظار رؤوس الأموال اليهودية في العالم، خاصة أبو ظبي حرصت بشكل كبير خلال السنوات الماضية على تقديم نفسها على أنها معقل التسامح والتعدد الديني.
كما رفع أبناء زايد شعار دعم القضية الفلسطينية خلال الخطاب السياسي المبرر لتوقيع تلك الاتفاقية في ظل الانتقادات الحادة التي تعرضوا لها، حيث أكدوا أنها تأتي في المقام الأول لمصلحة الفلسطينيين ولتعزيز موقفهم، ووقف خطط الاستيطان الإسرائيلي المستمرة بحق الأراضي الفلسطينية.
وهذا هو الحصاد
بينما كانت الإمارات تطمح إلى تعزيز العلاقات مع واشنطن عبر الاتفاقية، إذ بالعلاقات الإماراتية تعاني أسوأ حالاتها مع الإدارة الأمريكية منذ الإطاحة بإدارة ترامب وتولي جو بايدن السلطة، حيث تراجع الحماس بشأن تزويد أبو ظبي بالأنظمة التسليحية المتطورة المتفق عليها سابقًا، هذا بخلاف الصدام بين الحين والآخر بشأن حزمة من الملفات التي تتبنى فيها الإمارات مسارًا معاكسًا للتوجه الأمريكي كما هو الحال في ليبيا واليمن.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وشعارات الإمارات التي رفعت إبان توقيع الاتفاقية، فقد تعرضت القضية لضربات موجعة من دولة الاحتلال بعد أبراهام بشكل فاق كثيرًا ما كانت عليه قبل التوقيع، ما يشير إلى تجاهل تل أبيب لتبريرات أبو ظبي ووضعها في موقف حرج أمام الجميع.
فمنذ سبتمبر/أيلول 2020 تعرضت الأراضي الفلسطينية لعدة اعتداءات إسرائيلية أبرزها: العدوان على غزة مايو/أيار 2021، بعد أحداث الشيخ جراح في القدس، كذلك عدوان أغسطس/آب 2022، والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال في أبريل/نيسان 2023 خلال شهر رمضان.
وتشير الإحصاءات إلى استشهاد 319 فلسطينيًا على أيدي قوات الاحتلال عام 2021، و247 خلال عام 2022، وقرابة 100 شخص منذ بداية العام الحاليّ 2023، هذا بخلاف التغول على أراضي الفلسطينين والانتهاكات التي تعرضت لها المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها القدس الشريف، فضلًا عن تمرير بعض القوانين التي تعزز من نفوذ المستوطنين وتسمح لهم بشرعنة الاعتداءات على الفلسطينيين.
وبخصوص الجانب الاقتصادي فربما يكون هذا هو المجال الوحيد الذي حقق فيه الإماراتيون نجاحًا من وراء اتفاق أبراهام، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري حاليًّا بين “إسرائيل” والإمارات إلى 2.5 مليار دولار مقارنة بـ953 مليون دولار نهاية سبتمبر/أيلول 2021، مع الإشارة إلى ميل ميزان التبادل التجاري لصالح الإمارات.
وفي السياق ذاته ارتفع عدد السياح الإسرائيليين إلى الإمارات إلى أكثر من 200 ألف سائح بنهاية 2022 مقابل 1600 سائح إمارتي فقط زاروا “إسرائيل”، هذا بخلاف عشرات المشروعات التي دشنها مستثمرون إسرائيليون داخل الإمارات وأخرى دشنها إماراتيون داخل الأراضي المحتلة.
أما على المستوى الأمني فأبرم البلدان عدة صفقات عسكرية تتعلق بأنظمة الدفاع الجوي، حيث حصل الإماراتيون على منظومات عسكرية متطورة من الإسرائيليين سواء ما يتعلق بالدفاعات الجوية أم أنظمة التجسس الأمنية المتطورة، بخلاف شراكات عسكرية تم توقيعها في مجال التصنيع والتطوير.
تقزيم الدور الإماراتي
لعل الحصاد المر الأكثر حضورًا بعد 3 سنوات من إبرام الاتفاقية تقزيم الدور الإماراتي إقليميًا وتقليص حضورها السياسي بشكل لافت، فبينما كان يطمح الإماراتيون في استعادة بريقهم المتخافت، إذ بهم يدخلون في مستنقع مظلم وذلك بسبب السياسة التي ينتهجها أبناء زايد وتقوم على محورين أساسيين:
الأول: البرغماتية البحتة.. حيث التغريد المنفرد في عدد من الملفات الإقليمية دون أي اعتبار لحسابات الحلفاء، كما حدث في ليبيا واليمن والعمق الإفريقي، الأمر الذي انعكس على العلاقات مع القاهرة والرياض تحديدًا، ورغم الخط الأيديولوجي المشترك بينهم، فإن العزف الإماراتي الأحادي ألقى بظلاله القاتمة على تلك العلاقة.
الثاني: الهرولة في التطبيع.. حيث تحولت أبو ظبي إلى الباب الأكثر اتساعًا لتعزيز نفوذ “إسرائيل” في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، وهو ما أقلق دول المنطقة التي رغم علاقاتها الجيدة نسبيًا مع تل أبيب فإن اتساع حضور الأخيرة يثير حفيظتهم ويهدد أمنهم القومي، وهو ما لم تضعه الإمارات في الحسبان، ما كان له أثره في عزلتها شيئًا فشيئًا.
وكان نتيجة لخطوات التقارب الواسعة مع “إسرائيل” وفتح الباب على مصراعيه لتوسعة رقعة حضورها على حساب بعض القوى الإقليمية الأخرى أن خرجت الإمارات بشكل أو بآخر من بعض الملفات التي كانت حاضرة فيها بقوة مثل الملف الليبي واليمني، فضلًا عن زيادة حدة الخطاب الشعبي العربي المهاجم للسياسات الإماراتية في المنطقة بسبب تلك الاتفاقيات التي شجعت دولة الاحتلال على المزيد من الانتهاكات في ظل هذا الغطاء السياسي الدبلوماسي الذي حصلت عليه بالمجان.
وعلى الجانب الآخر.. “إسرائيل” الرابح الأكبر
لم تكن تحلم دولة الاحتلال بأن يكون الطريق نحو توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية ممهدًا بهذا الطريق لولا الإمارات التي تحولت إلى قنطرة معبدة تمامًا لإنهاء 3 عقود عجاف عجزت فيها الحكومات الإسرائيلية عن إبرام أي اتفاق تطبيع جديد إلا مع مصر والأردن.
وفي غضون عام واحد فقط نجحت “إسرائيل” في إدخال 4 بلدان عربية جديدة (الإمارات – البحرين – المغرب – السودان) إلى حظيرة التطبيع بعد سنوات من الفشل، لتفتح الطريق أمامها نحو مزيد من الحضور والتوسع، إفريقيًا وآسيويًا، وأن تنخرط بشكل كبير في ملفات المنطقة كلاعب مؤثر بعد سنوات من المتابعة عن بعد.
كما استطاعت “إسرائيل” عبر الممر الإماراتي إيجاد سوق كبير لمنتجاتها في آسيا، حيث كانت أبو ظبي حلقة الوصل المفقودة التي ظلت تبحث عنها تل أبيب لسنوات طويلة من أجل تسويق بضائعها داخل أسواق القارة الآسيوية، فيما نجحت في وضع موطئ قدم لها في الخريطة الاستثمارية الإماراتية كمحطة مفصلية في التغول داخل آسيا.
متغيرات جيوسياسية تجهض الاتفاق
منذ عام 2022 تعرض اتفاق أبراهام إلى ضربة قوية بالتغيرات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، وعلى رأسها الموقف الإيراني، حيث كانت طهران أحد الدوافع الرئيسية التي استندت إليها كل من “إسرائيل” والإمارات لتدشين الاتفاق، فقد كانت التخوفات الأمنية من توسعة النفوذ الإيراني في المنطقة الكابوس الأكبر الذي يرعب الجميع ودفعهم نحو التفكير في تدشين تحالف إقليمي لمواجهته بأي طريقة كانت.
اليوم المشهد تغير تمامًا حيث شهدت العلاقات الإيرانية الخليجية تطورًا غير متوقع، انفتاح دبلوماسي كبير تمخض عن اتفاق بين الرياض وطهران استُئنفت بموجبه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تبعته انفراجة أخرى في العلاقات بين طهران من جانب وأبو ظبي والمنامة من جانب آخر، وفي السياق ذاته شهدت المنطقة انفتاحًا موازيًا مع نظام بشار الأسد في سوريا، حيث زار رأس النظام بشار الأسد أبو ظبي فيما حل وزير خارجيته ضيفًا على القاهرة والرياض.
كما جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وما أفرزته من تغيرات أعادت رسم خريطة التحالفات الدولية لتسمح للرياض بمساحة كبيرة من المناورة مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملفات الحساسة لديها، الأمر الذي زاد من الثقل السعودي إقليميًا ودفع واشنطن لإعادة تقييم العلاقات مع الرياض بعد الجفاء والتوتر الذي شابهها عقب تولي إدارة بايدن السلطة.
كل تلك التطورات ألقت بظلالها القاتمة بطبيعة الحال على اتفاق أبراهام، فتراجعت الحاجة إلى تدشين تحالف إقليمي في مواجهة طهران، وهو الجدار الأقوى في قائمة دوافع إبرام الاتفاق قبل 3 سنوات، كذلك استقواء الرياض بالتطورات الأخيرة وتوظيفها بشكل برغماتي في اللعب على حبل التوازنات في العلاقات بين المعسكرين الغربي والشرقي، ما قلل من الضغوط المفروضة عليها للانخراط أكثر في مسار التطبيع.
وبعيدًا عما سبق، فقد فشلت السنوات الثلاثة الأولى للاتفاق في تمرير التطبيع الشعبي، رغم الخزائن المفتوحة لأجل هذا الهدف المستعصي على المحتل وأعوانه وحلفائه في المنطقة منذ عام 1948 وحتى اليوم، ليكسب الشارع العربي الرهان في رفض الانصياع لإملاءات أنظمته الحاكمة الطامعة في النفوذ ولو على حساب المرتكزات العربية.