ترجمة وتحرير: نون بوست
حان وقت فكرة التطبيع السياسي بين السعودية و”إسرائيل”. وتعد هذه هي النظرة المتفائلة بشكل متزايد للمسؤولين السعوديين والإسرائيليين الذين يعملون على تحقيق هذه الغاية بدعم من إدارة بايدن. ولكن ما مدى واقعية هذا الأمر؟
ليس هناك شك في أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 سنة، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، البالغ من العمر 73 سنة، يريدان التوصل إلى اتفاق. لقد التقيا مرتين على الأقل سرًا منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وكلاهما لديه أسباب جدية للقيام بذلك.
في الواقع؛ يسعى نتنياهو إلى ضمان بقاء الدولة اليهودية؛ حيث إن تطبيع العلاقات مع السعودية – الدولة العربية الأكثر ثراءً والأكثر ديناميكية – سيكون مهمًّا بالنسبة لإسرائيل مثل السلام الذي أبرمته مع مصر سنة 1979، والذي أنهى التهديد بشن حرب عربية إسرائيلية. ومن شأن هذا الاعتراف أن يشجع قسمًا كبيرًا من العالم الإسلامي على التعامل مع إسرائيل وإنشاء موطن جديد للاستثمار السعودي. ومن شأن هذا التطبيع أيضًا أن يعزز التعاون الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي السعودي الكبير بالفعل.
يرغب جو بايدن في إقامة حفل توقيع مهول في البيت الأبيض يمنحه القدرة على التباهي بهذا النجاح التاريخي في المنطقة
يُدرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه لا يستطيع إنشاء اقتصاد حديث عالي التقنية دون وجود روابط وثيقة مع التكنولوجيا والأعمال الإسرائيلية. ويرى محمد بن سلمان نفسه زعيمًا لشرق أوسط قوي ومتكامل اقتصاديًّا، ويعمل كجسر بين آسيا وأوروبا. ومن شأن التطبيع مع إسرائيل أن يساعد في تحقيق هذه الأهداف، مما يسمح للمملكة بجذب الاستثمارات والخبرات الغربية التي تشتد الحاجة إليها، وتنصيب محمد بن سلمان كزعيم للطبقة الثانية من زعماء العالم.
من جانبه؛ يرغب جو بايدن في إقامة حفل توقيع مهول في البيت الأبيض يمنحه القدرة على التباهي بهذا النجاح التاريخي في المنطقة. ويبدو أن الرئيس الذي وصف السعودية ذات يوم بأنها منبوذة، حريص حاليًا على جعلها ركيزة للإستراتيجية الأمريكية في الخليج.
ومع ذلك؛ فإن رغبة ثلاثة رجال أقوياء فقط في إبرام الصفقة لا يعني أنها ستحدث. فهناك العديد من الأمور المعقدة، بما في ذلك ما سيقدمه الإسرائيليون للفلسطينيين. فهل ستكون هناك تنازلات من شأنها إرضاء ولي العهد دون إحداث انقسام غير قابل للإصلاح في ائتلاف نتنياهو الحاكم؟ هل سيستجيب الكونغرس لمطالب السعودية الأمنية؟ وهل ستبقى إيران مهمشة أم سترسل وكلائها لتقويض جهود السلام؟
إن المصادر في كل دولة واثقة من أن دبلوماسييها سيتمكنون من حل المشكلة. ويتمثل هدفهم المشترك في إبرام اتفاق ثلاثي بحلول شهر كانون الثاني/ يناير، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو قيام الإرهابيين بتعطيل المحادثات.
لا تعد هذه الصفقة رائدة كما يبدو، لدى إسرائيل بالفعل خط أنابيب يمتد من مدينة إيلات على البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط في مدينة عسقلان
وحصلت جهود الثلاثي على الدعم يوم السبت عندما اتفق زعماء مجموعة العشرين على خطة لإنشاء ممر للشحن والسكك الحديدية يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط. ووفقًا لمسؤول سعودي، سيمر خط السكك الحديدية عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، مما يسمح بمرور البضائع عبر القارات أسرع بثلاثة أسابيع من السفن.
وتقوم السعودية بالفعل ببناء قسمها من خط السكك الحديدية. وبالإضافة إلى تعزيز التجارة، سيشمل الممر خطوط أنابيب لتوصيل الطاقة وكابلات الألياف الضوئية لوصلات الاتصالات الرقمية، وقال بايدن في نيودلهي إن “هذه صفقة كبيرة بالفعل”.
لا تعد هذه الصفقة رائدة كما يبدو، لدى إسرائيل بالفعل خط أنابيب يمتد من مدينة إيلات على البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط في مدينة عسقلان. وقد تم بناء هذا الخط سنة 1968 كمشروع مشترك مع إيران، وقامت إسرائيل بتأميمه سنة 1979 بعد سقوط الشاه.
وفي أعقاب توقيع اتفاقية السلام مع الإمارات في سنة 2020، وافقت إسرائيل على نقل النفط الإماراتي عبر خط الأنابيب، وفي حزيران/ يونيو، وافقت الشركة الإدارية، شركة خط أنابيب إيلات عسقلان، على إضافة كابلات الألياف الضوئية على طول مسارها لتعزيز الاتصالات الرقمية من آسيا إلى أوروبا.
ومع ذلك؛ فإن اتفاق السلام السعودي الإسرائيلي من شأنه أن يسمح لخط الأنابيب بالتوسع – ومن المحتمل أن يربطه بخط بترولاين، وهو خط أنابيب سعودي يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأحمر في مدينة ينبع. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز أمن الطاقة العالمي والأمن المالي للرياض، من خلال إيجاد طرق متعددة لتصدير النفط مع تجنب ثلاث نقاط اختناق لعبور السفن في مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، وكل منها معرضة للهجوم من قبل إيران.
أي تنازلات لاحقة تقريبًا من شأنها أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة اليمينية في إسرائيل
ومع استمرار التطبيع التدريجي، لا تزال هناك عقبتان أمام العلاقات الدبلوماسية الرسمية، وهي الفلسطينيون، ومطالبة الرياض بضمانات أمنية من واشنطن. فالحكومة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (87 سنة) غارقة في الفساد ومشلولة بسبب موقفها التفاوضي المتطرف.
وفي نيسان/ أبريل، التقى محمود عباس مع ولي العهد لتقديم قائمة طويلة من المطالب الفلسطينية، والتي وصفها السعوديون والإسرائيليون على حد سواء بأنها “غير واقعية”. ويعرض محمد بن سلمان – الذي قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية بسبب الفساد المتفشي منذ عدة سنوات – حاليًا احتمال تجديد المساعدة لإغرائها بالتفاوض بجدية. كما عين سفيره في الأردن ممثلًا له لدى الفلسطينيين.
ويبدو أن عباس يتعامل مع الرياض، ولو لمجرد الحصول على المال وتجنب اللوم عن أي فشل في السلام، لكن جهوده السابقة أفسدت الدعم المحلي. ووفقا لمصدر في السعودية، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا برعاية الحكومة السعودية أن 16 بالمئة فقط من الفلسطينيين يؤيدون السلطة الفلسطينية. في الحقيقة، يتوق العديد من الشباب الفلسطينيين إلى الفرص الاقتصادية، وليس إلى استمرار التشدد.
وأي تنازلات لاحقة تقريبًا من شأنها أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة اليمينية في إسرائيل. ولكن مصادر إسرائيلية وأمريكية تعتقد أنه يمكن إقناع زعيمي المعارضة، بيني غانتس ويائير لابيد، بالانضمام إلى ائتلاف وحدة للموافقة على اتفاق سلام مع السعوديين إذا تضمن تقدمًا حقيقيًّا في القضية الفلسطينية. إن تحقيق مثل هذا الانسجام أمر صعب للغاية، ولكنه يظل احتمالاً واردا في ظل ديمقراطية منقسمة مثل إسرائيل.
وتمثّل إيران أكبر تهديد لطموح ولي العهد الإقليمي، فمن شأن التطبيع مع إسرائيل أن يزيد من هذا التهديد، وقد يتهم المعارضون الدينيون والملكيون في الداخل محمد بن سلمان ببيع الفلسطينيين، بينما تشعر طهران بالنبذ. ووفقًا لمسؤول سعودي فإن “المعضلة هي: هل نعرّض أنفسنا للهجمات الإرهابية لضمان السلام السعودي الإسرائيلي؟”.
ولهذا السبب؛ يطالب محمد بن سلمان الولايات المتحدة بتقديم ضمانات أمنية للمملكة، بدعم من الكونغرس؛ حيث إن توسيع نطاق الحماية لتشمل السعودية – كما تفعل الولايات المتحدة مع أعضاء حلف الناتو واليابان – ليس أمرًا مثيرًا للجدل كما يبدو.
وتؤكد المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي أن الهجوم المسلح ضد أحد الأطراف يعد هجومًا ضد الجميع. فهو لا يؤدي بالضرورة إلى الحرب، بل يتطلب من الطرف اتخاذ “مثل هذا الإجراء الذي يراه ضروريًا، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة”. ومن المقرر أن يجتمع العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي مع ولي العهد لمناقشة هذه القضايا الشهر المقبل، وذلك وفقًا لمصدر سعودي.
ومهما كانت الضمانات التي تقدمها الولايات المتحدة، فإن الدعم الحقيقي لسلامة وازدهار السعودية يتمثل في التطبيع مع إسرائيل؛ حيث إن الشراكة المفتوحة مع تل أبيب في مجالات الدفاع والتنمية الاقتصادية والتكنولوجيا والاستثمار تشكل ضمانة أمنية لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة أو الكونغرس المستقبلي أن ينتزعها منها.
وإذا اجتمعت كل هذه الأمور معًا، فسيفوز العالم الغربي. ولا يزال هذا أمرًا كبيرًا، وحتى إذا نجحت الخطة، فستظل التحديات قائمة. فالسلام لن يمحو المعارضة الفلسطينية لوجود إسرائيل أو ينهي تصميم إيران على تدمير إسرائيل وإزالة سيطرة آل سعود الملكية على نفط المملكة والأماكن المقدسة الإسلامية.
المصدر: وول ستريت جورنال