مضى شهر على استلام ترامب للسلطة في البيت الأبيض ولم يتغير شيء في موقفه اتجاه موسكو، حيث كان من المتوقع أن يكون هذا الشهر أشبه بـ”شهر العسل” من حيث طبيعة العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، كما كانت تتوقع روسيا على أقل تقدير.
بوتين محبط
كانت تتوقع روسيا من ترامب أن يعمل على رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الإدارات السابقة بسبب الوضع في أوكرانيا والتعاون في الملف السوري واعتراف واشنطن بضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
فالتأخر في أخذ موقف من هذه الأمور يعد نذير شؤم بالنسبة لروسيا، وتذهب جهودها بدعم ترامب وآمالها به أدراج الرياح، وبات من الواضح أن الإدارة الجديدة تعيد حساباتها في اندفاعها إلى روسيا وتحسب العواقب التي ممكن أن تظهر في علاقتها معها، وعليه فإن الوضع بين البلدين بقي كما هو، وكأن إدارة الرئيس أوباما هي التي تدير البلاد، وهو ما يشعر الرئيس بوتين بالإحباط.
بات من الواضح أن إدارة ترامب تعيد حساباتها في اندفاعها إلى روسيا وتحسب العواقب التي ممكن أن تظهر في علاقتها معها
فترامب طوال فترة الحملة الرئاسية وعد برفع مستوى العلاقات مع روسيا، ومدح في كثير من الحالات إدارة الرئيس بوتين وانتقد إدارة الرئيس أوباما على موقف إدارته تجاه روسيا.
وكان الخطان الرسمي والإعلامي في روسيا منحاز لترامب أثناء الانتخابات الرئاسية إلى البيت الأبيض، إذ كان يتم التركيز على نجاحات ترامب وبرنامجه وعلاقته الجيدة مع روسيا، كما أن الكرملين اتُهم من قبل حملة هيلاري كلينتون بالتدخل في الانتخابات لصالح ترامب.
ولكن مع دخول ترامب للبيت الأبيض تغير كل شيء، وهناك من يرى أن العلاقة بين البلدين تمر في إطار مرحلة “التبصر والإحباط” التبصر من قبل الولايات المتحدة والإحباط من جانب روسيا، وأن تحسن العلاقات بينهما مرهون بالتوصل إلى “حلول وسط على المدى البعيد”.
الخوف من ترامب
بالرغم من كل التعليقات الأمريكية السابقة حول تسليم الملف السوري لروسيا، والتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، هدد قبل أيام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، روسيا بأن أمريكا لن تتعاون معها عسكريًا قبل أن تتوقف موسكو عن وصف كل معارضي النظام السوري بالإرهابيين، وهو ما اعتبرته المعارضة السورية مؤشرًا إيجابيًا على تغير في السياسية الأمريكية لصالح الشعب السوري والثورة، ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تدرك أنه لا يمكنها التعاون مع روسيا في ظل تمسكها بدعم الرئيس بشار الأسد
كلام تيلرسون يعيد للذهن التهديدات الأمريكية لروسيا على لسان وزير الخارجية جون كيري في أغسطس/آب الماضي بتعليق التعاون معها حول سوريا إذا لم تتخذ موسكو خطوات فورية لإنهاء الهجوم على حلب والعودة لوقف إطلاق النار. كما يمكن قراءة خطاب تعيينه أمام مجلس الشيوخ الأمريكي وردوده على الأسئلة الموجهة من قبل أعضاء مجلس الشيوخ، بأنها تغيير في لهجة الإدارة الأمريكية تجاه روسيا، حيث قال “في حين تسعى روسيا إلى اكتساب الاحترام على الساحة الدولية فإن أنشطتها الأخيرة تتنافى والمصالح الأمريكية”.
الولايات المتحدة تدرك أنه لا يمكنها التعاون مع روسيا في ظل تمسكها بدعم الرئيس بشار الأسد
وأشار إلى تأييده لإبقاء العقوبات المفروضة على روسيا وقال إن أعضاء في حلف شمال الأطلسي “محقون في تخوفهم من عدوان روسي”، وردًا على سؤال أعضاء مجلس الشيوخ عما إذا كان يوافق على العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب هجماتها الإلكترونية خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وضمها للقرم عام 2014، قال “سأترك الأمور على وضعها الراهن كي يكون بوسعنا أن ننقل للروس أن هذه العقوبات يمكن أن تذهب في أي من الاتجاهين”. وهذا الموقف طمأن أعضاء من الديمقراطيين والجمهوريين الذين يتخوفون من إمكانية رفع ترامب للعقوبات المفروضة على روسيا في إطار سعيه لتحسين العلاقات مع موسكو.
وفيما يتعلق بمعاداة ترامب لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، المتخوف من علاقة ترامب بروسيا والوقوف إلى جانبها والتخلي عن الدفاع عن أوروبا، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، خلال مؤتمر الأمن الـ53 بميونيخ، دعم ترامب لحلف الناتو وأن أمريكا عازمة لتعزيز شراكتها مع الدول الأوروبية، وأضاف أن “أوروبا والولايات المتحدة يواجهون من يهددهم”، وفي هذا إشارة لاستمرار نفس النهج والسياسة التي كانت متبعة ما قبل مجيء ترامب مع أوروبا ضد روسيا.
ريكس تيلرسون وزيرالخارجية الأمريكي
واستبعد رئيس تحرير مجلة “روسيا في السياسة العالمية”، فيودور لوكيانوف، احتمال إبرام صفقة بين روسيا والولايات المتحدة، وأن التوقعات بأن ترامب سيغير العلاقات بين موسكو وواشنطن نابعة من أمرين، الأول، إشادات ترامب المستمرة ببوتين كزعيم يدافع عن المصالح الوطنية ومرد هذا برأي الكاتب يعود أن ترامب كان يبني استراتيجية على إنكار كل ما هو متعلق بأوباما.
والثاني الحملة الإعلامية والسياسية التي تتهم ترامب بمواقف موالية لروسيا وحتى علاقات مباشرة مع الكرملين والأجهزة الخاصة الروسية، وهو ما يرى فيها الكاتب اختراعًا للقائمين على حملة كلينتون ورهانهم على ترويع الناخبين الأمريكيين بشبح “البوتينية”.
ويضيف لوكيانوف أن الظروف الغير واضحة بين البلدين تعد مؤقتة وسيتحدد الإطار الاستراتيجي الروسي الأمريكي بامتلاك البلدين أكبر ترسنانتين نوويتين في العالم، وقدرتهما على تدمير الآخر، ويجدر التنويه أن مسار تطو رالعلاقات بين موسكو وواشنطن لم يتغير بشكل جوهري كما يشير مراقبون منذ إقامة نموذج الردع النووي في الخمسينيات من القرن الماضي.
الظروف الغير واضحة بين روسيا وأمريكا تعد مؤقتة وسيتحدد الإطار الاستراتيجي بينهما بامتلاك البلدين أكبر ترسنانتين نوويتين في العالم وقدرتهما على تدمير الآخر
وقد تحول الخطاب الإعلامي الروسي الذي كان يوالي ترامب ويمتدح فيه طوال الفترة الماضية، للتخفيف من المديح بترامب، وحسب “ميديالوجيا” لرصد وسائل الإعلام، فقد انخفض عدد مرات ذكر ترامب بالقنوات الرسمية التسعة الروسية من 141 مرة في 5 فبراير/شباط إلى 116 مرة في 12 فبراير و 35 مرة في 19 فبراير، في إشارة لما يبدو إلى إيعاز من الحكومة بالكف عن مديح ترامب خشية من انتهاج واشنطن سياسة غير ودية تجاه موسكو.
دعمت روسيا ترامب أثناء حملته الانتخابية ورحبت بفوزه بالرئاسة متأملة بأنه الشخص القادر على إخراج العلاقات بين البلدين من الأزمة، ولكن بعد انتهاء “شهر العسل” بدون شيء يذكر يبدو أن روسيا عدلت عن موقفها من الرجل الذي لم تجد في إدارته ما يميزها عن إدارة أوباما حتى الآن على الأقل.