أكد صندوق النقد الدولي على لسان رئيسته كريستين لاغارد أن على دول الخليج أن تكون مستعدة لتطبيق ضرائب جديدة بما في ذلك ضريبة على الدخل الشخصي لإصلاح الهياكل الاقتصادية فيها وتجنب أي مشاكل وأزمات مستقبلية تنجم عن هبوط أسعار النفط، وقد أدت هذه التصريحات إلى إعادة تحريك سياسات فرض الضريبة في الدول الخليجية الغنية التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل إيرادات موازناتها.
لاغارد توصي بالضرائب.. ودول الخليج: لن نطبق نصيحتها
في مشاركتها في المنتدى الثاني للمالية العامة في الدول العربية والقمة العالمية للحكومات، أوصت لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، حكومات الدول العربية بتطبيق تدريجي للضرائب على نطاق واسع وبنسب منخفضة، وفعل ذلك بشكل ثابت ومتماسك بقدر الإمكان، حتى لا يكون هناك تسرب في النظام الضريبي، ولا يكون هناك عدم توازن بين منطقة وأخرى، كما طالبت بأن تشرح الحكومات لمواطنيها المنطق الذي يستند إليه فرض تلك الضرائب.
بعد هبوط أسعار النفط أصبح الهاجس الأكبر لدى الدول المصدرة للنفط هو إيجاد مصادر دخل أخرى لتنويع الإيرادات، بما يسمح استمرار الإنفاق العام وتأمين الخدمات للشعوب وتحقيق استدامة في تمويل المشاريع. إذ واجهت معظم الدول الخليجية عجوزات مالية في الموازنات وأزمات مالية أجبرتها على السحب من الاحتياطي النقدي وطرح سندات والاقتراض من المؤسسات المالية.
ستحقق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% لبلدان الخليج الستة إيرادات تتجاوز 25 مليار دولار سنويًا
ولإن الدول الخليجية خلت من السياسة الضريبية طوال العقود الخمسة التي خلت، وبعد تعرضها لأزمات ومشاكل بسبب انخفاض أسعار النفط، باتت تفكر بطرق لتنويع الدخل بشكل أكبر، وتعد الضرائب أحد أهم الجوانب التي تحقق للحكومة تنويع الدخل والجانب الآخر هو الإنفاق العام؛ القائم على فرض إجراءات تقشفية وترشيد للإنفاق وإيلاء اهتمام أكبر بالبنود الاستثمارية في الموازنة أكثر من بنود الإنفاق الجاري التي تصرف على الرواتب والبدلات والتقاعد والدعم وغيرها بحيث يتم اتخاذ تدابير متدرجة لخفض تلك النفقات لتوفير الأموال وضخها في مواطن استثمارية أخرى.
يُذكر أن الضرائب تنقسم من حيث طريقة تحصيلها إلى ضرائب مباشرة، وغير مباشرة. أما الضرائب المباشرة، فهي التي تفرض على شخص بعينه على دخله مباشرة أو ما يمتلكه، ويذهب لسدادها مباشرة مثل ضرائب الدخل. بينما الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات أو ضريبة الاستهلاك أو ضريبة القيمة المضافة، التي تفرض على بعض أشكال التصرف في الدخل، فعندما يشتري المستهلك سلعة معينة أو خدمة معينة فإنه يدفع ضريبة مبيعات أو استهلاك لهذه السلعة.
وسبق لدول الخليج اتخاذ قرارت حاسمة للبدء بفرض ضرائب، ولكنها رفضت توصية لاغارد بفرض أي ضرائب مباشرة، كضريبة الدخل، بالرغم من تأكيد خبراء اقتصاديون أن هذه الضريبة تبقى خيارًا مفتوحًا في حال بقيت أسعار النفط في مستويات متدنية. وأضاف الخبراء أن التركيز منصب حاليًا على بدء تطبيق الضرائب غير المباشرة مثل القيمة المضافة والانتقائية، والتأكد من نجاح تطبيقها لأول مرة في الخليج، فكلا النوعين يوصفان بالسهولة من حيث التطبيق بوجه عام على عكس الضريبة المباشرة التي تكون أكثر تعقيدًا، فضلا أنها تحتاج وقت أطول لإعدادها وتطبيقها.
الانتقال من نظام خال من الضرائب إلى نظام ضريبي
من المقرر أن يبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2018 بنسبة 5%، بحيث تفرض الضريبة على جميع المنتجات والخدمات باستثناء 100 سلعة أساسية، ومن المتوقع أن تحقق الضريبة للبلدان الستة إيرادات تتجاوز 25 مليار دولار سنويًا، وفق تقدير شركة “إرنست آند يونغ”.
الأنظمة المحاسبية المعمول بها حاليًا بالمؤسسات والشركات في الخليج غير جاهزة فعليًا لتطبيق أي نظام ضريبي جديد
وتوصلت الدول الخليجية أيضًا في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى اتفاق لمضاعفة الضريبة الانتقائية على التبغ إلى 200%، تستوفى من المستوردين عند أول منفذ استيراد وتحتسب على سعر الاستيراد، وذلك بدلاً من رسوم ضريبية بنسبة 100%. كما يوجد اتفاق مبدئي على رفع سعر الضريبة على المشروبات الغازية لتصبح 100% بدلاً من 50%.
صعوبات عديدة تواجه الدول الخليجية حيال فرض الضرائب سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، فبالرغم من مساهمة الضرائب غير المباشرة كضريبتي القيمة المضافة والانتقائية في سد عجز الموازنة، إلا أنه قد يكون لها رد فعل سلبي على مناخ الاستثمار في المنطقة الخليجية وتؤدي إلى تقليص النشاط الاقتصادي، وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إن “خطة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي قد تفرض مخاطر تشغيلية على الشركات وضغوطًا على الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك وإطفاء الدين، وكذلك على التدفقات النقدية في بعض القطاعات”.
ويتفق الخبراء أن الخليج بإمكانه تطبيق الضرائب المباشرة في المدى البعيد بحكم أن الضرائب الغير مباشرة تعتبر الأنسب فى الوقت الراهن، بهدف تمويل الخدمات العامة المقدمة للأفراد مثل التعليم والصحة وغيرها.
وتبرز الصعوبة الهيكلية كأكثر الصعوبات نحو التحول إلى نظام ضريبي، فبحسب كبرى الشركات المحاسبية في الخليج والمعتمدة لدى حكومات خليجية بأن الأنظمة المحاسبية المعمول بها حاليًا بالمؤسسات والشركات، غير جاهزة فعليًا لتطبيق أي نظام ضريبي جديد، فالأنظمة مخصصة لنظام خال من الضريبة امد على مدار 50 عامًا تأقلمت الشركات والمؤسسات عليه وربما انجذبت إليه لهذا السبب، لذا فإن انتقال دول الخليج من نظام يخلو من الضرائب إلى نظام ضريبي لا يعد أمرًا سهلا مطلقًا وقد يؤثر على جاذبية المنطقة الاستثمارية بشكل أو بآخر.
وفي النهاية فإن لدى دول الخليج الحق في عدم فرض الضرائب المباشرة في الوقت الحالي، مدفوعة من بقاء أسعار النفط فوق 50 دولار للبرميل، وحالة شبه الاستقرار التي شهدتها السوق النفطية العالمية وأسعارها بعد اتفاق خفض الإنتاج من قبل منظمة أوبك والمنتجين المستقلين، لامتصاص تخمة المعروض واستقرار الأسعار، ولكن ستضطر دول الخليج إلى فرض أنواع الضرائب المباشرة إذا انخفضت أسعار النفط إلى ما دون الـ 40 دولارًا للبرميل واستمرار ذلك الانخفاض لمدة طويلة.