بثَّ قرار المحكمة الدستورية التركية بإنصاف شاب سوري رُحل قسريًا من تركيا إلى سوريا قبل 4 سنوات، الأمل في نفوس أصحاب القضايا المماثلة من السوريين ومحامييهم الذين يعملون على استرداد حقوق موكليهم منذ سنوات.
كانت المحكمة قد أصدرت، الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول، حكمًا بانتهاك حق الحياة والحق في التماس فعال والحق في عدم المعاملة القاسية أو المهينة، في قضية عبد الكريم حمود، اللاجئ السوري الذي أُجبر على توقيع “طلب العودة الطوعية”.
وجاء في بيان القرار أن “الحالات التي يتم فيها إثبات أن الخطر في بلد العودة على مستوى خطر حقيقي وليس احتمالًا، فإن على الدولة الالتزام بحماية الأجانب من المخاطر التي تهدد حياتهم أو أصولهم المادية”، مؤكدًا أنه تقرر وجود خطر في ترحيل صاحب القضية إلى بلده الأصلي ولا يمكن القول إنه عاد إلى بلده الأصلي بوعي وطواعية، كما شمل القرار إعادة الشاب السوري وتعويضه بمبلغ 50 ألف ليرة تركية.
وتعود القصة إلى عام 2019 حين قررت مديرية الهجرة في ولاية شانلي أورفا إرسال الشاب السوري عبد الكريم حمودة إلى بلد ثالث أو إلى بلده الأم على خلفية تورطه بشجار، رغم تنازل جميع الأطراف المنخرطين في الشجار عن شكواهم.
“اعتراف رسمي بالترحيل القسري”
محمد الأكتع، ناشط حقوقي ومدير منبر منظمات المجتمع المدني، يرى أهمية القرار بأنه “يؤكد على فكرة أنه لا بد للسوريين المقيمين بتركيا من التمسك بالقضاء”، ويشير الأكتع إلى أن السوريين لديهم الأحقية بتقديم الشكوى عندما يتعلق الأمر بحرمانهم من الخدمات التي تُعدّ من حقوقهم المعيشية في البلاد.
وشدد على أولوية اللجوء إلى القضاء رغم المدة الطويلة التي قد تسبق القرار النهائي، لأنه يجب أن تصل القضية أولًا إلى المحكمة الإدارية ثم إلى الدستورية.
الناشط الحقوقي نوه إلى نقطة أخرى تزيد من أهمية القرار وهي أنه يعدّ اعترافًا رسميًا من الحكومة على وجود حالات تُجبر على التوقيع على ورقة العودة الطوعية، مضيفًا “هذا القرار أيّد موقف المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين لطالما طالبوا بعدم سوق المرحلين قسريًا إلى ما يسمى بمراكز الترحيل لأنه لا يفترض أن يُحتجز الشخص الذي أقدم على العودة الطوعية برغبته دون أي تجاوب، لكن القرار الأخير شكّل نموذجًا يمكن الاستناد إليه في المحاكم القادمة”.
“ليس هذا فحسب، بل إنّ القرار يعترف بالظروف المزرية والمعاملة المسيئة في مراكز العودة الطوعية التي تواجه المحتجزين”، وفق الأكتع.
أما محمد السكري، مساعد باحث في مركز عمران للدراسات، فيرى أن أهم إيجابيات القرار القضائي يكمن في دوره بأن “يسهم في تخفيض التجاوزات وردع الانتهاكات العنصرية، مع تزايدها خلال الآونة الأخيرة”.
ضمن خطاب له أمس، معلّقًا على العنصرية المتزايدة مؤخرًا في البلاد.. الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان يتوعّد مثيري الفتن والمحرضين على كراهية الأجانب بقطع الطريق عليهم pic.twitter.com/MhVBLdp38B
— نون بوست (@NoonPost) September 15, 2023
بدوره يقول، إبراهيم إيرغين، المحامي المختص بقضايا اللاجئين: “إن أهمية القرار ترجع إلى أن أعلى سلطة قضائية في تركيا أكدت أن الأماكن الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد ليست آمنة وفقًا لتقارير منظمات دولية مختلفة ومنها الأمم المتحدة”، ومفاد هذا القرار أنه لا يمكن ترحيل أي شخص سوري إلى بلاده تحت ذريعة وجود مناطق آمنة.
ويعبّر إيرغين عن أمله بأن يكون هذا القرار رسالة إلى مؤسسات القضاء الإداري ومديريات الهجرة لتحسين إجراءاتهم والامتثال للقانون بشكل أفضل دون انتهاك حقوق الآخرين.
هل يُبنى عليه؟
القرار القضائي التركي الأول من نوعه قد يفتح الطريق أمام حل قضايا الترحيل القسري للسوريين في تركيا، ويذكّر بوجود قوانين تحفظ حقوق اللاجئ الذي لا يأمن على نفسه في بلده الأم لأسباب واضحة.
المحامي التركي إبراهيم إيرغين يعزز الطرح السابق بقوله: “حال استمرار عمليات الترحيل القسري في المستقبل واستمرار إدارة الهجرة بالانتهاكات، التي تصل للمحكمة الدستورية شكاوى على إثرها، فإن للمحكمة السلطة في إصدار قرار تجريبي يعطي الحكم ذاته على جميع القضايا المماثلة، وعندما يصل عدد هذه القضايا إلى المئات، تمنح المحكمة الدولة فترة زمنية لإنهاء هذه الممارسات”.
وأكد أيرغين أن المحكمة الدستورية لم تصل إلى مرحلة إصدار قرار تجريبي بعد لأنها لم تتلق شكاوى بما يكفي، لافتًا إلى أن ارتفاع عدد القضايا يمكن أن يؤدي إلى تغيير في القوانين أو في طريقة تنفيذها بالمستقبل.
وفي إطار الاستفادة من التأثيرات الإيجابية التي يمنحها هذا القرار في الوقت الحاليّ، أوصى المحامي الأشخاص الذين يصدر بحقهم قرار الترحيل بغير حق أو يُرّحلون قسريًا، بتوكيل محامٍ في أسرع وقت ممكن لأن ذلك يصعّب تحقق هذا الانتهاك، مقترحًا أن يتبع المحامون أسلوبًا قانونيًا مختلفًا إلى حد ما كالعمل كأنه ناشط حقوقي وتطوير أساليب محاماة مختلفة.
وعلى صعيد المجتمع المدني يشير محمد السكري إلى أنه من المهم أن “تتضافر الجهود بين المؤسسات المدنية السورية خاصة الحقوقية النقابية وتعزيز التواصل مع نقابة المحامين الأتراك، في إطار الاستثمار والبناء على هذا القرار القضائي لملاحقة كل حالات التجاوز بحق اللاجئين بعدما فتح القضاء التركي ثغرة مهمة لمواجهة العنصرية والاعتداءات غير الشرعية أو القانونية”.
تعديلات أم سياسة جديدة؟
يستبعد السكري أن يكون هناك تبدل في السياسات التركية إزاء ملف الترحيل الذي تسميه الحكومة التركية “الهجرة غير الشرعية”، إنما يرى أن القرار القضائي يعبّر عن رغبة أنقرة في التعاطي مع التجاوزات التي ترتكبها بعض الأجهزة البيروقراطية، استثمارًا في السياسات القديمة، ما يعني أن الحكومة ملتزمة بالسياسات العامة المصرّة على مكافحة تزايد الهجرة، مستدركًا أنها بذات الوقت تتابع التجاوزات الصادرة عن إجراءات تطبيق السياسة تلك من بعض العناصر أو الأجهزة.
الناشط الحقوقي محمد الأكتع لديه وجهة نظر مشابهة، ففي حين يرى أن الحكومة مستمرة بسياستها التي بدأتها قبل ثلاث سنوات والمتمحورة حول وقف تدفق المهاجرين إليها ومكافحة “الهجرة غير الشرعية”، يتفاءل بأن هذا القرار قد يمهد لتطبيق القوانين المتعلقة بحماية اللاجئين على أرض الواقع بشكل منظم وأكثر مهنية، وأن تقل أعداد الانتهاكات المسجلة بحق اللاجئين.
ويعتمد هذا الانتقال إلى الواقع المنظّم على مدى إصرار السوريين أنفسهم على الالتزام بالقانون والتمسك بحقوقهم بقدر ما يعتمد على الحكومة التركية بضبط الفوضى القانونية.
والأربعاء، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، بدء تطبيق نظام تجريبي متعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، وسيّباشر العمل به كمرحلة أولى تجريبية في ولاية إسطنبول عبر توزيع 20 مركبة في نقاط مختلفة بأنحاء الولاية.
تقوم فكرة النظام الجديد على استخدام مركبات متنقلة لفحص الأوراق الثبوتية للأجنبي، وإذا لم تتوافر لديه يُدعى إلى نقطة الهجرة المتنقلة ويجري موظف إنفاذ القانون بوجود مترجمين في هذه النقاط فحص بصمات الأصابع والفحوص اللازمة من قاعدة بيانات الهجرة، وفي حال ثبت أنه مهاجر غير نظامي، يُنقل إلى مركز الترحيل، ومن المتوقع أن يتطور هذا النظام بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ليُعمَّم في 30 ولاية بإجمالي 150 مركبة.
ملف الهجرة ما زال من الأولويات
وضعت الحكومة التركية الجديدة التي تشكّلت بعد تجديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولايته الرئاسية، ملف المهاجرين ضمن أولوياتها لكسب ود الفئات المناهضة لوجودهم في البلاد خصوصًا مع اقتراب انتخابات البلدية المزمع عقدها في مارس/آذار المقبل، إثر ذلك بدأت بتنفيذ خطة للتخلص من هذه الأعداد الهائلة بشن حملة لمكافحة “الهجرة غير الشرعية” تخللتها انتهاكات واسعة ما زالت مستمرة وإن كانت بوتيرة أخف.
وألقت قوات الأمن التركية القبض على نحو 75 ألف مهاجر غير نظامي ورحلّت نحو 32 ألفًا، فيما ضبطت أكثر من ألفي شخص في البلاد للاشتباه بانخراطهم في أنشطة تهريب المهاجرين خلال التسعين يومًا الماضية، بحسب وزير الداخلية.
استهدفت الحملة آلاف اللاجئين السوريين في تركيا وجرى ترحيل بعضهم دون فحص أوراقهم الثبوتية حتى أو النظر بخصوصية وضع غالبيتهم المصنف تحت الحماية المؤقتة، كما شددت إدارة الهجرة إجراءات الحصول على الإقامة في تركيا.
تركيا.. الحملة الشرسة على الهجرة غير النظامية تخطف طمأنينة اللاجئين
ويتركز السوريون بشكل أساسي في إسطنبول، حيث تقدّر أعدادهم بأكثر من 530 ألف نسمة، وبهدف التخفيف من كثافتهم منحت دائرة الهجرة التركية مهلة للسوريين المقيمين في الولاية بشكل مخالف للعودة إلى الولايات المسجلين فيها حتى 24 من الشهر الحاليّ.
وتضاربت الإحصاءات التي أعلنتها الحكومة التركية عن أعداد السوريين الذين عادوا طوعيًا إلى بلادهم، إذ أكد الرئيس التركي أن أكثر من 600 ألف سوري عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي، فيما تقول وزارة الدفاع التركية إن أعدادهم تفوق المليون شخص.