لا تزال الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة اللبنانية بيروت ولقائه بالرئيس ميشيل عون، تثير جدلًا واسعًا بين الفلسطينيين خاصة سكان المخيمات اللبنانية التي رفض الرئيس الفلسطيني زيارتها أو حتى التطرق لمعاناتهم وحاجاتهم، في ظل الحديث عن إبرام صفقة لإدخال الجيش اللبناني لتلك المخيمات والسيطرة عليها.
فوضع الـ12 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين صعب ويسيطر على سكان المخيم الأزمات المعيشية والإنسانية والاقتصادية، وباتوا بأمس الحاجة لزيارة “معنوية” على الأقل للرئيس الفلسطيني، أو تقديم يد العون والمساعدة لهم لتخطي الأزمات القاسية التي يعيشونها منذ سنوات.
الكثير من الأوساط الفلسطينية انتقدت الرئيس عباس في زيارته الأخيرة للبنان، ووجهت عاصفة كبيرة من الانتقادات ضده لعدم اهتمامه بالمعاناة التي يعيشها سكان المخيمات خاصة في ظل الانفلات الأمني الكبير وما يجري بداخلها من عمليات قتل على خلفيات حزبية، مع التحذير من التصريحات التي أطلقها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، أن السلطة تدعم دخول الجيش اللبناني للمخيمات الفلسطينية والسيطرة عليها بالكامل.
صفقة سياسية وأمنية ضد المخيمات
الصفقة السياسية والأمنية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره اللبناني ميشيل عون اتضحت ملامحها، حين كشفت مصادر إعلامية لبنانية رسمية أن الرئيس عباس عرض على الرئيس اللبناني اقتراحًا يقضي بدخول الجيش اللبناني جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان وتولي مسؤولية الأمن فيها، الأمر الذي وصفه قيادي من فتح بالدعوة المشبوهة.
الصحفي اللبناني علي الأمين رئيس تحرير موقع “جنوبية” الإخباري: “عباس عرض على عون في أثناء زيارته لبيروت تولي الجيش اللبناني المسؤولية الأمنية في مخيمات لبنان”
وقال الصحفي اللبناني علي الأمين، رئيس تحرير موقع “جنوبية” الإخباري: “عباس عرض على عون في أثناء زيارته لبيروت تولي الجيش اللبناني المسؤولية الأمنية في مخيمات لبنان، على غرار الدول العربية الأخرى”.
وأوضح الأمين الذي تربطه علاقة وثيقة بحركة فتح أن الرئيس اللبناني عون رفض الاقتراح، وقال: “هذا العرض يفسر الأسباب الحقيقية وراء انسحاب فتح ومنظمة التحرير من اللجنة الأمنية في مخيم عين الحلوة وباقي المخيمات قبل أسبوع فقط من وصول عباس لبيروت”، وكشف أن منظمة التحرير حاولت تعريض مخيم عين الحلوة ومحيطه إلى هزة أمنية للضغط على لبنان للقبول بدخول الجيش اللبناني للمخيمات.
وبحسب التقارير فقد أكد عباس خلال زيارته لبيروت التي بدأت الخميس واستمرت لمدة ثلاثة أيام رفضه وجود السلاح بيد الفلسطينيين في المخيمات وخارجها، نافيًا مسؤولية الحكومة الفلسطينية عن السلاح الموجود اليوم في تلك المخيمات، واعتبر الرئيس الفلسطيني أن من حق الحكومة اللبنانية أن تسحب كل السلاح الموجود داخل وخارج المخيمات، وبرر ذلك بأنّ “الفلسطينيين في لبنان في حماية الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، لذلك لسنا بحاجة إلى سلاح”.
وبدوره أكد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اقتراح عباس للرئيس اللبناني وقال إنه لا يمانع إطلاقًا ما إذا قرر الجيش اللبناني بسط سلطته الأمنية على أي مخيم فلسطيني، مضيفًا “المشكلات الأمنية في بعض المخيمات ليست قضية فلسطينية لبنانية فقط”، مؤكدًا أن أعدادًا قليلة من المطلوبين للأمن اللبناني داخل المخيمات الفلسطينية هم من الفلسطينيين والأغلبية من جنسيات عربية أخرى.
بدوره، وصف القيادي في حركة فتح – قوات العاصفة – العميد محمود عيسى، عرض الرئيس عباس، بالدعوة المشبوهة، وقال: “إننا باسم اللاجئين في لبنان حريصون على أمن واستقرار البلد الذي استضافنا طول فترة اللجوء”، معبرًا عن تقديره للدولة اللبنانية وحرصها على قضية اللاجئين.
وأكد عيسى أن فلسطينيي لبنان يسعون إلى تمتين العلاقة مع الدولة اللبنانية على قاعدة الحقوق والواجبات، “ولا نتعارض مع بسط الدولة اللبنانية سيادتها على أراضيها كافة”، موضحًا أن الفلسطينيين يرفضون هذه الدعوة التي بمقتضاها تتهرب القيادة الفلسطينية من المسؤولية وتتنصل من الواجبات الملقاة على عاتقها.
العميد عيسى في حديثه: “لقد أثبت الرئيس أبو مازن وفريقه أنهم مصابون بالإلحاد الوطني، وتخلوا عن كل ما يربطهم بقضية اللاجئين ومعاناتهم، ولم تعد قضية اللاجئين سوى ورقة في بازارهم السياسي”
وتابع العميد عيسى في حديثه: “لقد أثبت الرئيس أبو مازن وفريقه أنهم مصابون بالإلحاد الوطني، وتخلوا عن كل ما يربطهم بقضية اللاجئين ومعاناتهم، ولم تعد قضية اللاجئين سوى ورقة في بازارهم السياسي”.
ودعا كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني في لبنان لقول كلمتها وتحمل مسؤوليتها الكاملة، منبهًا أن “هذا الفريق لا يمكن الرهان عليه وطنيًا، والتجمُّع الذي عُقد في بيروت باسم اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني لم يكن سوى ملهاة يوظفها الرئيس أبو مازن في كسب شرعيته المتهالكة”.
لماذا رفض زيارة المخيمات؟
وفي ذات السياق، واستمرارًا لكشف تفاصيل الصفقة بين عباس وعون وما ترتب عليها، رفض الرئيس الفلسطيني الجمعة الماضية، زيارة 12 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين موجودين على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أثار حفيظة شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني وتسبب بعاصفة من الانتقادات.
والتقى عباس برئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، كما التقى برئيس الجمهورية ميشيل عون، دون أن يزور أي من مخيمات اللجوء الفلسطينية، خلال زيارته الرسمية لبيروت.
حدة الخلافات الداخلية بين قادة “حركة فتح” في المخيمات كانت أحد أسباب استثنائه لزيارتها
وجاءت الانتقادات في ظل الأوضاع الأمنية والاجتماعية الصعبة في المخيمات ومعاناة اللاجئين المُقيمين في لبنان من تبعات نزوح مئات اللاجئين الفلسطينيين من سورية إليهم، بسبب ظروف الحرب.
وأرجع سياسيون استثناء المخيمات من زيارة عباس لتراجع دور السلطة الفلسطينية وتأثيرها لصالح عناصر تابعة لأشخاص من منظمة التحرير أو لشخصيات إسلامية، إضافة لارتفاع حدة الخلافات الداخلية بين قادة حركة فتح في المخيمات، بالتزامن مع زيارة الرئيس الفلسطيني إلى لبنان، والتي تمثلت، مؤخرًا، في الاستقالات الجماعية لقادة وعناصر فتحاوية من “القوة الأمنية المشتركة”، التي تتولى مهام ضبط الأمن والاستقرار في المخيمات، وتتبع للمرجعية السياسية الموحدة للفصائل في لبنان.
يُذكر أن مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين، الواقع جنوبي لبنان شهد أمس توترات أمنية، تزامنت مع زيارة عباس إلى بيروت، وسُمع دويّ انفجار في أحد أحياء المخيم تبيّن أنه ناجم عن إلقاء قنبلة، في الوقت ذاته أطلقت عناصر مسلحة النار في أرجائه فور إعلان وصول عباس إلى بيروت، مما أدى لوقوع جريح.
وتفاقمت المخاوف من أن يكون الحادثان بتوقيتهما “المشبوه” مقدمةً لزعزعة الأمن في المخيم، خصوصًا في ظل استمرار تجميد عمل القوة الأمنية المكلفة بضبط الأوضاع داخله.