في الواقع، بما أن إدارة ترامب بدأت حديثا تفكر في أفضل السُبل لصياغة علاقات ثنائية إيجابية مع مصر، فمن المفيد لها أن تنظر في الأسطورة القديمة لأبي الهول.
في الأساطير اليونانية، أبو الهول هو مخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس رجل، وأكثر ميزة عرف بها هي حقده. أما في مصر القديمة، فأبو الهول هو الحارس الذي يسهر على أمن المعابد، مسلح بقوة لا تُضاهى، كما أنّ الآلهة منحته حكمة لا نظير لها.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن حكومة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كأبي الهول الأسطوري، ليست سوى مجموعة من التناقضات، مع احتمال أن تكون إما مشكلة عويصة يصعب حلها، أو شريكا هاما، وبالتالي، تتمثل مهمة إدارة ترامب في صياغة سياسة منطقية تعود بالفائدة على العلاقات بين البلدين خاصة، والشرق الأوسط عامة.
مصر تمر بأوقات عصيبة في الوقت الراهن، فبعد الأحداث السياسية التي عصفت بميدان التحرير والربيع العربي، أصبحت هذه الدولة العربية الحيوية ذات الأغلبية السنية، والتي تحتوي على أكثر من 90 مليون شخص، تسير على غير هدى
عموما، إن مصر تمر بأوقات عصيبة في الوقت الراهن، فبعد الأحداث السياسية التي عصفت بميدان التحرير والربيع العربي، أصبحت هذه الدولة العربية الحيوية ذات الأغلبية السنية، والتي تحتوي على أكثر من 90 مليون شخص، تسير على غير هدى.
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة السيسي جلبت الاستقرار إلى البلاد (لكن على حساب حقوق الإنسان)، بيد أنها لا تملك حتى الآن مسارا واقعيا يمكن الاعتماد عليه على المدى البعيد. وهو ما من شأنه أن يطرح مشاكل ومخاطر جمّة، ليس فقط بالنسبة لمصر، إذ أن زعزعة استقرار مصر يمكن أن يجعلها مُستهدفة من قِبل تنظيم الدولة، ومصدرا لتدعيم صفوف مقاتلي التنظيم بالموارد البشرية والمواد اللازمة للجماعات الجهادية.
وفي المناقشات التي جدت في الآونة الأخيرة بين خبراء الدفاع الأمريكيين والحكومة المصرية، ظهرت العديد من المواضيع الرئيسية التي يجب التفكير مليّا فيها. ومن بين هذه المواضيع نجد:
أولا، مصر ترى نفسها عامل استقرار وأمن في منطقة الشرق الأوسط، بفضل فريق التكنوقراط الذي يقوده الرئيس السيسي. فالأمن بالنسبة للحكومة المصرية “يأتي في المرتبة الأولى قبل الكمال”، مما يعني أنها ستسعى لتحسين حقوق الإنسان، ولكن الأولوية القصوى دائما ستكون لصالح سلامة الشارع المصري والتحرر من الإرهاب.
ثانيا، تسعى الحكومة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، التي كانت قوية إلى حد ما في السنة المالية الماضية (حوالي 4.2 في المئة) على الرغم من الانخفاض الحاد في عائدات السياحة. ومن أجل ذلك ستعمل الحكومة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والشراكة مع إسرائيل في التكنولوجيا ومشاريع مشتركة، وإعادة الروح والحيوية إلى مجال السياحة.
ثالثا، يريد المصريون ضمان حماية قناة السويس، التي تُعد مصدرا هاما للدخل بالنسبة للدولة، ورمزا للشحن العالمي والخدمات اللوجستية، وهي مسؤولية ثقيلة تتحملها مصر جراء ذلك.
رابعا وأخيرا، تلتزم مصر بعلاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لإيجاد شركاء جدد غير تقليديين.
بناء على ما سبق، وعلى الرغم من مواجهة مصر للإرهاب في الداخل، بما في ذلك العمليات التي أحكم تنظيم الدولة التخطيط لها لاختراق البلاد، إلا أن أجهزة الأمن والمخابرات تقوم بكل ما في وسعها لردع هذا الخطر المحدق بالبلاد؛ فهم يراقبون من كثب ليبيا في الغرب وغزة في الشرق، وكل ذلك مع السعي الدائم للمحافظة على علاقة وطيدة مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
من الناحية الاقتصادية، لا يمكن لمصر أن تحقق أي تقدم إلا إذا تحسن قطاع السياحة، وانخفضت نسب البطالة، وعجز الميزانية السنوي بعشر في المائة، في حقيقة الأمر، يتسبب الفساد والبيروقراطية المفرطة أضرارا جسيمة ببعض القطاعات (الزراعة، المنسوجات، الصناعات التحويلية)، ولكن الحكومة على دراية كاملة بهذه المشاكل، وبأن طرق تخطيها ستكون مكلفة جدا.
إضافة لما سبق، فإنه يجب على المصريين تحسين استخدامهم للتكنولوجيا المالية في الاقتصاد، الذي يبلغ حوالي 90 في المائة من “النقد”، والسعي لتجاوز المشاكل السابقة والفساد الذي تعاني منه.
كيف يمكن للولايات المتحدة أن تواصل دعم مصر؟ وما الذي ستكسبه من محاذاتها؟
في البداية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضمن علاقات وطيدة بين إسرائيل ومصر، وهذه الشراكة ستعود بالفائدة على البلدين من الناحية الأمنية، وذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، فضلا عن الفوائد التجارية الذي سيثمرها هذا التعاون.
لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة تستطيع تحسين مستويات الاتصال العسكري بين مصر وإسرائيل. ولحسن الحظ، فإن وزير الدفاع الأمريكي الجديد -الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية-، الجنرال جيمس ماتيس، على صلة جيدة بكل القيادات المعنية، ولذلك، يجب على ماتيس أن يجري زيارة لكلا العاصمتين في أقرب فرصة، ليؤكد على أهمية هذه العلاقة، ويدعمها من خلال التمويل العسكري والتكنولوجي.
نتيجة لما سبق، يجب علينا التحلي بالحذر، خاصة في أعقاب تصريحات الرئيس الأمريكي المثيرة للجدل، على غرار إمكانية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو الأمر الذي قد يؤدي تحققه إلى ضجة شعبية كبيرة في صفوف المصريين.
إن العلاقة الثانية التي تحظى بأهمية بالغة لدى الولايات المتحدة، والتي أصبحت متوترة على نحو متزايد في الآونة الأخيرة، هي العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية، عموما، تسعى الرياض لقيادة العالم السني، ولكن لا ينقصها في ذلك سوى الإرادة، وقد يُجمع أغلب الناس، أن خير رفيق للرياض لتحقيق هذا المبتغى هي القاهرة.
على الولايات المتحدة أن تعمل بجد لمساعدة هذين الحليفين لإدراك أن المسألة الأمنية الرئيسية في المنطقة، والتي يجب عليهما توحيد صفوفهما من أجلها هي تنامي نفوذ إيران
في المقابل، نصب المصريون أنفسهم قادة، وأثبتوا أنهم ليسوا على استعداد لاتباع إملاءات السعودية في اليمن (حيث اتخذت الرياض زمام المبادرة في الحرب ضد المتمردين الحوثيين)، والقضايا الإقليمية الأخرى، علاوة على ذلك، تتنازع مصر والسعودية على جزر البحر الأحمر، ولذلك لا زالت العلاقات بين البلدين متوترة بسببهما إلى الآن. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بجد لمساعدة هذين الحليفين لإدراك أن المسألة الأمنية الرئيسية في المنطقة، والتي يجب عليهما توحيد صفوفهما من أجلها هي تنامي نفوذ إيران.
من هذا المنطلق، يجب على وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ريكس تيلرسون، أن يعمل على ضمان عدم تأزم العلاقات بين السعودية ومصر أكثر من ذلك، ويقرب بين وجهات نظرهما.
ثالثا، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد مصر من خلال تشجيع نموها الاقتصادي، فالشراكة ما بين الحكومات الأمريكية والمصرية ستضفي شرعية دولية على حكم السيسي، وهو ما سيساعد مصر على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي هذا الصدد، تعد المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، إبان فوزه في الانتخابات، خطوة ذكية.
كما أنه من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة بإمكانها تقديم الدعم الدبلوماسي لمصر في الهيئات الاقتصادية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ناهيك عن المحافل التابعة للأمم المتحدة.
من جانب آخر، يجب على إدارة ترامب أن تدرك الأهمية البالغة لهجرة المصريين إلى الولايات المتحدة، خاصة من الناحية الاقتصادية. وعليها أيضا أن تعي الحاجة الماسة للطلاب ورجال الأعمال والأكاديميين وغيرهم للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ممن يمكن أن يشكلوا خدمة فعالة كسفراء ثقافيين.
ويأتي رابعا تعاون الولايات المتحدة مع مصر لضمان أمن قناة السويس، ذلك الممر العالمي والحيوي الذي يُعد جزءا أساسيا من البحرية العالمية. وهو ما سيتطلب مستويات أفضل من تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير تقنيات تكنولوجية جديدة للمراقبة، وتمارين مكافحة الإرهاب، والتبادل المتكرر للمعلومات البحرية الصناعية.
يتضح إذن مما سبق أن الولايات المتحدة تمتلك قدرة جيدة على تعزيز العلاقات الإقليمية بين مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
تتشابك المصالح المصرية والأمريكية بطرق مختلفة، وأبرزها (وإن لم يكن حصرا) الشراكة بالغة الأهمية مع إسرائيل
وفي هذا السياق، من المرجح أن تعمل مصر على ربط الصلة مع اليونان وقبرص؛ بهدف تدعيم عملياتها البحرية والهيدروكربونية في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وفي هذا الشأن، يجب علينا ألا ننسى أيضا أن “الناتو” لديه برنامج قوي للتعاون الإقليمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط للدول غير الأعضاء في الحلف، وهو ما يسمى ببرنامج “الحوار المتوسطي”، والذي من شأنه أن يفتح المجال لتعزيز هذا التحالف.
عموما، تتشابك المصالح المصرية والأمريكية بطرق مختلفة، وأبرزها (وإن لم يكن حصرا) الشراكة بالغة الأهمية مع إسرائيل. وبالتالي، يجب على الأمريكيين أن يبذلوا قصارى جهدهم لمساندة ودعم شركائهم المصريين، فضمان استقرارهم ونجاحهم سيكون ضروريا جدا في تحقيق التقدم للمنطقة بأسرها، وليس لمصر فقط.
المصدر: فورين بوليسي