المال الساخن مفهوم درج استخدامه في الفترة الأخيرة في بعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في سعر صرف العملة المحلية والأسواق المالية، علمًا أنه يستخدم على نطاق واسع في الأسواق المالية ويشير إلى تدفق رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى لكسب أرباح بسيطة على سعر الفائدة لتغيير سعر الصرف، وسبب هذه التسمية تعود إلى سرعة تحرك الأموال داخل وخارج الأسواق مما قد يؤدي إلى حالة من عدم استقرار الأسواق.
الأموال الساخنة..خطر يهدد الاقتصاد
يعد الاستقرار أساس نمو الاقتصادات فالاستقرار يعد الجاذب الأساسي للاستثمارات الأجنبية في الأسواق المحلية، وفي ظل العولمة التي يعيشها العالم الحالي وسرعة نقل الأموال وكسب الأرباح من شراء وبيع الأسهم والسندات في الأسواق العالمية وبالأخص الناشئة، اتسعت فرص المضاربين الذين يديرون الأموال الساخنة مستفيدين من عدم خبرة الأسواق الناشئة على تلقي الصدمات وضعف درايتها في التصدي للحركة السريعة للأموال الساخنة، كما استفادت من حالات الخصخصة وتحرير الاقتصاد وتعويم العملة وفتح الأسواق المحلية بدل الإنغلاق التي تعتمدها الدول ذات الاقتصادات الناشئة كخطوة للاندماج في الاقتصاد العالمي.
تعطي الأموال الساخنة انطباعًا أن الأوضاع جيدة قاصدة من ذلك رفع أسعار الأسهم والسندات وتُوهِم المستثمرين في الأسواق المالية أن الأمور تسير على ما يرام
لا تهدف الأموال الساخنة للاستثمار طويل الأمد أو البقاء في مكانها، في الوقت الذي تعطي انطباع أن الأوضاع جيدة قاصدة من ذلك رفع أسعار الأسهم والسندات وتوهم المستثمرين في الأسواق المالية أن الأمور تسير على ما يرام فيتوجه الجميع للشراء لترتفع الأسعار بشكل غير مبرر وتتشكل فقاعة سرعان ما تنفجر عندما يقرر أصحاب تلك الأموال بيع ما يملكونه من أسهم وسندات بأسعار مرتفعة بعدما اشتروها بأسعار رخيصة ليجنوا من وراء هذه العملية أرباح هائلة وسريعة ويخرجونها إلى خارج الدورة الاقتصادية.
انفجار القفاعة والبدء في عملية البيع ينقل العدوى للجميع لتبدأ حركة بيع تودي بانخفاض مؤشرات الأسواق إلى مستويات كبيرة، وينخفض سعر صرف العملة بسبب نزيف حاد في العملة الأجنبية ناجمة عن هروب رأس المال الأجنبي لقاء التخلي عن العملة المحلية. فيخسر الجميع وينهار الاقتصاد، إلا المضاربون أصحاب تلك الأموال الذين يبدأون رحلة البحث عن أسواق ناشئة أخرى للاستثمار فيها وتكرار نفس العملية لجني الأرباح.
غالبًا ما تسهدف تلك الأموال اقتصاد الدول الناسشئة ذات معدلات النمو المتسارعة أو تلك التي تحظى بدعم حكومي في أسواقها، وتختفي الأموال مع أول موجة لتصحيح الأسعار مخلفة ورائها انهيارًا في الأسواق المحلية، ويساعدها في هذا عدم وجود تشريعات لتقنين عملها كما أن ضخامتها تجعل منافسة المستثمرين المحليين والأجانب الجادين في الاستثمار، غير متكافئة لتحقق هذه الأموال الساخنة أرباحًا خيالية في أزمنة قياسية، دون أن تشارك في أي استثمار مفيد، أو تنمية حقيقية ما يعقد مهمة الحكومات في تحقيق خطط وبرامج التنمية.
غالبًا ما تسهدف تلك الأموال اقتصاد الدول الناسشئة ذات معدلات النمو المتسارعة أو تلك التي تحظى بدعم حكومي في أسواقها
فقد يدخل المستثمر الأجنبى برأسمال لا يوجهه إلى الصناعة أو التجارة بل يستثمره فى الأوراق المالية دون أن يكون العائد تحقيق نمو للاقتصاد الحقيقى للدولة المضيفة من زيادة إنتاج السلع أو الخدمات بل يكون شغله الشاغل هو تحقيق الأرباح من خلال المضاربة فقط.
أساليب مكافحة الأموال الساخنة
يعد أشهر الأمثلة على تأثير الأموال الساخنة على الدول الانهيار المفاجئ الذي شهدته دول النمور الأسيوية أواخر تسعينيات القرن الماضي، فبعد سنوات من الازدهار الاقتصادي شهدتها دول جنوب شرق آسيا ابتدء من الثمانينات حيث سجلت اقتصادياتها معدلات نمو مرتفعة وتنوع في قاعدتها التصديرية، واندماج أسواقها واقتصادياتها في الأسواق العالمية.
جاء يوم الثاني من أكتوبر عام 1997 ليهدم المضاربون ما بنته تلك الدول ويعصف بذلك الازدهار، حيث شهدت تلك الدول انهيارًا كبيرًا قضى على مدخرات المستثمرين والمواطنين وتسببت بأزمة في العملات المحلية وانهيار في أسواق البورصة، وكان جورج سوروس أحد أكبر المضاربين الذين ساهموا في تلك العملية.
المضارب العالمي المشهور جورج سوروس
حيث شجع ارتفاع سعر الفائدة في هذه البلدان المتعطشة للاستثمار، الأموال الساخنة للدخول بكثافة مع تدفقات رأس المال الأجنبي وذلك للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع بالمقارنة مع الأسواق الأخرى وقتها. وابتدأت الأزمة في الفلبين وامتدت إلى دول سنغافورة وإندونيسيا وماليزيا وخلفت في كل بلد تدميرًا في أسواق الأسهم والسندات وسعر صرف العملات يختلف عن الآخر.
السبب الرئيس خلف هبوط قيمة الدولار أمام الجنيه عائد إلى الأموال الساخنة التي تلقاها البنك المركزي
ومنذ ذلك الوقت بدأ أصحاب الأموال الساخنة يقتنصون بلدان الدول ذات الاقتصادات الناشئة التي تشهد مؤشراتها الاقتصادية صعودًا ويسود انطباع بأن اقتصاداتها قوية على الرغم أنها لا تزال حديثة العهد في الاندماج مع الاقتصاد العالمي وصدماته، إضافة إلى تبنيها سياسات انفتاحية منها تحرير التجارة الخارجية وتعويم العملة الوطنية وفتح الأبواب الخاصة أمام الاستثمار الأجنبي بعد سنوات من الإنغلاق، وهي إجراءات تسهل على تلك الاموال الدخول إلى تلك الأسواق والمضاربة في الأسواق المحلية ومن ثم الخروج منها بدون عقاب أو مساءلة.
وقد شهدت مصر مؤخرًا مشهدًا يحاكي ما تفعلة الأموال الساخنة، حيث رجح خبراء ومصرفيون أن السبب الرئيس خلف هبوط قيمة الدولار أمام الجنيه عائد إلى الأموال الساخنة التي تلقاها البنك المركزي في الآونة الأخيرة، بشكل ساهمت في زيادة المعروض الدولاري وسط انخفاض في الطلب بسبب الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة للحد من الاستيراد، وفي مزاد المالية الأسبوع الماضي لطرح سندات خزانة بقيمة 12 مليار جنيه، لسد عجز الموازنة العامة للدولة، بلغت نسبة المكتتبين من الصناديق الخارجية على هذه السندات 97% أي ما يعادل 650 مليون دولار.
أما أسليب مواجهة تلك الأموال متعددة، فماليزيا في الأزمة التي أصابت دول شرق آسيا عمل رئيس الورزاء مهاتير محمد آنذاك على سن تشريعات جديدة وقوانين، تمنع خروج العملات الأجنبية من ماليزيا بدون الاستثمار فيها لمدة 5 سنوات، فما كان لتلك الأموال التي كادت أن تهدم ماليزيا إلا أن تبقى فيها وتسهم في الاستثمار فيها وبناءها.
ويشير خبراء أن هناك أساليب مختلفة للتصدي لتلك الأموال من بينها خفض أسعار الفائدة في الأذون والسندات الحكومية، وسن قوانين وتشريعات عاجلة تحد من خطر تلك الأموال، وإخضاع الشركات المالية والسماسرة لقواعد الحوكمة لتحقيق الشفافية والتدخل التشريعي لحسم حركة انتقال الأموال وإخضاعها لرقابة مؤسسة مالية رقابية لإلزام تلك الأموال بتلك القواعد. بالإضافة إلى السيطرة على المضاربات السريعة وتحديد كميات التداول في فترات محدد والعمل على برامج لتوعية المستثمرين الصغار لعدم الإنجرار وراء حيل المضاربين.