مصر تحت تهديد الانفجار الديمغرافي

1434382728281

في الفترة الأخيرة، أصبحت مصر تعيش تحت وطأة الأزمات الاقتصادية. ولكن ما يثير المخاوف أكثر، هو إمكانية أن حدوق انفجار ديمغرافي كبير في البلاد يزيد الطين بلة، خصوصا أمام عجز الحكومة عن إيجاد حلول.

في الواقع، يعتبر مستقبل مصر رهينة في أيدي الزيادة الهائلة في عدد سكانها. وفي هذا الإطار، وحسب إحصائية عالمية تصدر مرة واحدة كل عشرة سنوات، فإن مصر على أبواب اكتظاظ سكاني. وفي الوقت ذاته، أكدت إحصائية أخرى قام بها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن عدد سكان مصر يبلغ حاليا قرابة 92.5 مليون نسمة مع زيادة سكانية سنوية تقدر بحوالي 2.7 مليون مولود جديد كل سنة.

وكما جرت العادة، نشر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري هذه الإحصائيات على واجهة مراكزه المنتشرة في العاصمة المصرية، القاهرة. في المقابل، لم يخف رئيس هذا الجهاز، أبو بكر الجندي، المعروف بعلاقاته المتميزة مع السيسي، قلقه من ارتفاع عدد سكان مصر، حيث صرح، “إذا سألتم المصريين ما الذي يشغل بالهم أكثر؟ سيجيبون بأن ما يشغلهم ويقلقهم هو غلاء الأسعار والخوف من الإرهاب… أما بالنسبة للكثافة السكانية فهي بعيدة كل البعد عن تفكيرهم”.

والجدير بالذكر أن نسبة الولادات في مصر قد عرفت نموا كبيرا، علما وأن إيطاليا قد مرت بوضع مشابه في سنة 1950.

خلال سنة 2014، ارتفع عدد الرضع في مصر بنسبة تفوق العدد الجملي للرضع في كل من إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد وإسبانيا مجتمعة

خلال سنة 2014، ارتفع عدد الرضع في مصر بنسبة تفوق العدد الجملي للرضع في كل من إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد وإسبانيا مجتمعة. وفي هذا الصدد، علق الجندي مؤكدا أنه “وبعكس هذه الدول الأوروبية، فنحن لا نمتلك الوسائل للاستجابة لمتطلبات العائلات الفقيرة”.

ومن جهة أخرى، اقترحت وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، فرض عقوبات قانونية تطال العائلات التي تنتهج، ما أطلقت عليه “التكاثر المفرط”.

علاوة علة ذلك، حذر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري كل من يغالط هذا الجهاز خلال قيامه بعملية الإحصاء، بأنه سيتم فرض عقوبة على مرتكبي هذه المخالفة، قد تصل إلى حدود ستة سنوات من السجن وخطية مالية قدرها 500 جنيه مصري أي ما يعادل 30 أورو.

ومن ناحية أخرى، يعتبر حي عزبة أبو قرن أحد أكثر الأحياء عشوائية في مصر، حيث تحول، منذ فترة طويلة، إلى مرتع خصب لتجارة المخدرات التي تدر ثروات هائلة على سكان هذا الحي، المعروف ببنائه المتلاصق وشوارعه الضيقة أين يركض الأطفال حافي الأرجل بين فضلات الأطعمة المرمية…

وفي هذا السياق، أشارت مها عبد الله، إحدى متساكنات هذا الحي، إلى أن الإنارة في الحي ضعيفة جدا، فضلا عن أن السكان يتشاركون الحمامات نفسها. وذكرت عبد الله، وهي أم لثمانية أطفال أنه “ليس هناك أي أمل في أن يحظى أبنائي بحياة كريمة داخل هذا الحي… فأنا أحلم بأن أراهم موظفين داخل مكاتب…ولكن لم يدخل أي واحد منهم المدرسة إلى حد الآن”.

وأضافت هذه السيدة، البالغة من العمر 37 سنة، “لقد انقطع ابني أحمد عن الدراسة، نظرا لأنه لم يلب طلب معلمه بتقديم مبلغ يقدر بحوالي 100 جنيه حتى يسهل نجاحه… وبالتالي، فإن أحمد الذي بلغ سن 12 سنة، لا يعرف حتى كيف يكتب اسمه”. وأردفت عبد الله، “لقد تزوجت ابنتي “فرحة” بعمر 14 سنة لتخفف عبء المصاريف عن العائلة…في حين أن ابني “عبد الرحمان”، الذي يبلغ تسعة سنوات، يعيش مع عمه الذي يشغله في المقهى.”

وفي الأثناء، اشتكت عبد الله من كثرة النفقات، حيث بينت أنه “مما لا شك فيه، أنا أحب أن تكون لي عائلة، ولكن ثمانية أطفال، هذا عدد كبير في ظل البؤس الذي نعيشه”. وعلقت عبد الله عن برنامج تنظيم الأسرة، قائلة، إن “هذه المؤسسة قد قدمت وعود بمساعدتنا، لا نهاية لها، ولكن عليك الانتظار طويلا…لذلك قررت أن أتبع بنفسي طريقة لمنع الحمل تحت إشراف ومساعدة مؤسسة أخرى، إلى أن غادرت المستشفى مؤخرا بعد إصابتي بعدوى…”

ومن جانب آخر، أصدرت الحكومة المصرية برنامجا طويل الأمد، وذلك لحدود سنة 2030، يهدف إلى توعية العائلات المصرية بإنجاب طفلين أو ثلاثة على أقصى تقدير. وفي هذا الصدد، ذكرت نائبة وزير الصحة، التي تعنى بقطاع السكان وتنظيم الأسرة، ميساء شوقي، أن “استراتيجيتنا واضحة ولا بد من تطبيقها في 27 محافظة مصرية، ولكن وسائل الضغط لدينا شحيحة…”

وأضافت شوقي أن “الحد من هذه الظاهرة أصبح من أولويات الحكومة، خصوصا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي نعيشها…وسيتأتى عن ذلك نتيجتين لا ثالث لهما، فإما النجاح في وضع حد لهذا النمو السكاني أو الفشل في ذلك وبالتالي تأزم الوضع بصفة كارثية”. واعتبرت  ميساء شوقي أن هذه الإستراتجية “ليست مطلبا سياسيا فحسب، بل هي واجب وطني”.

تلقى استراتجية الحكومة في تحديد النسل صعوبة، إذ أنها عاجزة عن التغلغل داخل فكر الشعب المصري، الذي يسيطر عليه الجهل والطابع المحافظ

في المقابل، تلقى إستراتجية الحكومة في تحديد النسل صعوبة، إذ أنها عاجزة عن التغلغل داخل فكر الشعب المصري، الذي يسيطر عليه الجهل والطابع المحافظ.  وفي هذا الإطار، تسعى الدولة جاهدة لبث رسائل للمواطنين بغية تحسيسهم بمخاطر الانفجار الديمغرافي على حياتهم. وللنجاح في هذه الخطوة، لجأت السلطات المصرية إلى القنوات التلفزيونية حتى تساعدها على إيصال رسائلها للشعب المصري. وفي هذا السياق، ذكرمقرر المجلس الوطني للسكان، طارق توفيق، أن “حملات التوعية تعد في الوقت الراهن من أولويات الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مشكل أساسي يتمثل في عدم دعم الدولة القنوات الخاصة بمبالغ مالية… وبالتالي، إذا أردنا أن نستغل هذه القنوات لتمرير رسائلنا التوعية للشعب فذلك يتطلب مبالغ طائلة.”

وتجدر الإشارة إلى أن حملات التوعية التي جرى العمل بها بين سنتي 1980 و1990، قد تمت  بمساعدة وتمويل أمريكي وتحت رعاية سوزان مبارك، زوجة الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطيح به بعد الانتفاضة، خلال شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2011. وفي هذا الإطار، أفاد المختص في علم السكان بجامعة القاهرة، هشام مخلوف، أنه “خلال فترة الثمانينات، استطاعت الحكومة أن تتغلغل في قلب الأحياء والبلدات النائية بهدف توعية المواطنين. وقد تم دعم هذه الحمالات من قبل الإعلام والأطباء والمؤسسات الدينية”

ومن جانبها، دعت وزارة الأوقاف المصرية جميع الأئمة ورجال الدين إلى إعادة صياغة الخطاب الديني وتطهيره من الطابع المحافظ للتشجيع على سياسة تحديد النسل. وفي هذا الصدد ، علقت إحدى النائبات في البرلمان المصري، قائلة أن “الإنجاب ليس له علاقة بالدين…العائلة المسلمة أساسها “الجودة” وليس “الكمية””. وأضافت النائبة، أن “إنجاب العديد من الأطفال داخل أسرة تعاني من وضع معيشي متردي، لا يعكس تعاليم الإسلام”.

صورة لشاطئ الإسكندرية المزدحم بالناس خلال يوم شديد الحرارة

ووسط هذه المعمعة، يعمل نظام السيسي، على ترسيخ مبادئ إسلامية حضارية وإصلاحية. وفي الوقت نفسه، يتهم هذا النظام كل من الإخوان المسلمين والحركات السلفية بنشر إيديولوجية محافظة تدعو من خلالها الشعب المصري لعدم تطبيق سياسة تحديد النسل، نظرا لأنها تعتبر بمثابة “ذنب”.

وبخصوص هذا الموضوع، أوضح الأستاذ في جامعة الأزهر، خيري الشعراوي، أن “هناك العديد من المشايخ السلفيين الذين يطبقون النظرية الكاثوليكية في تجريم منع الحمل…وفي المقابل، شجع النبي، صلى الله عليه وسلم، في أحاديثه على الإنجاب، ولكن في حالة واحدة، إذا استطاع والداه أن يوفرا لهعيش كريما”.

وأضاف الشعراوي، أنه “بغية مواجهة الخطابات المتشددة، على الأزهر أن يتحمل مسؤولياته كاملة ويقر بأن الإسلام يبيح استعمال الواقي الذكري وحبوب منع الحمل”.

ومن جهة أخرى، إذا قارنا مصر بدول أخرى في المنطقة على غرار إيران وتركيا، التان تتميزان بأغلبية مسلمة، فقد عرفت كلتا الدولتين تباطؤا في عدد السكان. والجدير بالذكر أن عدد سكان مصر، في سنة 1990، كان مطابقا لعدد السكان في كل من تركيا وإيران، حيث بلغ تعداد السكان في كل من هذه البلدان الثلاثة قرابة 56 مليون ساكن.

وفي الأثناء، تتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد السكان في كل من تركيا وإيران ما بين 92 و96 مليون نسمة (كل بلد على حدا) مع حلول سنة 2050، في حين تعتقد المنظمة الأممية أن عدد السكان في مصر قد يصل إلى قرابة 151 مليون نسمة مع حلول السنة نفسها.

عموما، يعود نجاح التجربة الإيرانية والتركية، في عملية تباطؤ النمو السكاني إلى اختلاف العقليات والوعي السكاني مقارنة بالشعب المصري.

في محاولة منها لتجاوز  فشلها الذريع في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، حملت الدولة المسؤولية للسكان أنفسهم

وفي محاولة منها لتجاوز  فشلها الذريع في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، حملت الدولة المسؤولية للسكان أنفسهم. وفي هذا الصدد، أعرب، راجي  الأسد، الباحث المشارك في منتدى البحوث الاقتصادية في القاهرة وأستاذ اقتصاديات التنمية بجامعة مينيسوتا، عن انزعاجه من موقف الحكومة، حيث أكد أن “الجميع يعلم بأن معدل المواليد يعتمد على مستوى إدماج المرأة في التعليم وسوق العمل. وفي الوقت الذي تحظى فيه المرأة بوضع شبه متكافئ في تحصيل العلم والمعرفة مع الرجل، إلا أنها تواجه العديد من الصعوبات في العثور على عمل في القطاع الخاص”.

في الحقيقة، لم تكن ظاهرة الكثافة السكانية تمثل مشكلة كبيرة في مصر خلال سنة 2000، أما الآن، فقد تغير الحال في بلد أصبح غارقا في بحر من الأزمات الاقتصادية.

وفي الأثناء، أثقلت الكثافة السكانية كاهل الدولة التي تطبق سياسة تقشفية. وفي هذا الصدد، ومنذ توقيع مصر لاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، التي تنص على تمتع مصر بقرض مالي يبلغ قدره 12 مليار دولار على ثلاثة سنوات، وقع التخفيض في قيمة الجنيه المصري، خصوصا مع تراجع الدعم الحكومي. وقد ترتب عن ذلك، ارتفاع مؤشر التضخم المالي بنسبة 28.4 بالمائة، حسب إحصائيات نشرها البنك المركزي المصري. وتجدر الإشارة إلى أن ما يربو عن نصف الشعب المصري، أصبح يعيش فعليا تحت خط الفقر.

 ومن جانب آخر، ونظرا لتراجع الواردات بسبب انخفاض قيمة العملة المصرية فضلا عن نفاذ احتياطيات الدولار، فقد أصبح مخزون العديد من الأدوية محدودا، بما في ذلك حبوب منع الحمل، مما ترك الكثير من النساء المصريات في حيرة من أمرهن. وفي الأثناء، وبسبب ارتفاع أسعار هذه الحبوب، لجأ الكثيرون إلى السوق السوداء لاقتنائها. وفي السياق ذاته، أورد الصيدلي، عبد الرحمان القاضي أنه “هناك العديد من الأسواق التي يمكننا استراد هذه الحبوب منها، ولكنها باهظة الثمن، في حين أن الأسواق الأخرى التي تتميز بأسعار معقولة تشهد نقصا كبيرا في مخازنها. في الحقيقة، نحن نقترح استيراد الواقي الذكري من السوق الصينية، علما وأن ثقافة استعمال الواقي ليست منتشرة كثيرا في مصر. ومن هذا المنطلق، فإن النساء وحدهن هن من سيواجهن تحديات برنامج منع الحمل”.

المصدر: ميديابار