في الواقع، تخدم عملية استعادة مدينة الباب، مصالح تركيا، حيث ساهمت في تعزيز “المنطقة الآمنة” التابعة لها في شمال سوريا. في المقابل، لن يساعد ذلك في اصلاح العلاقة بين أنقرة وطهران، الداعم الأبرز للرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبر تدخل تركيا انتهاكا لسيادة بلده.
على الرغم من الهدنة المفروضة في سوريا، تحت رعاية روسيا، فإن تركيا وإيران تريان أن أهدافهما في المنطقة تتعارضان بشكل كبير، الشيء الذي قد يمهد لصدام بينهما. ومن هذا المنطلق، شهدت الساحة العالمية في الأيام الأخيرة، مشدات كلامية بين الجارتان، لم يسبق لها مثيل. هذا التوتر بين الطرفين، يثير العديد من الشكوك حول حقيقة تضامنهما، ونتائج القمة في عاصمة كازاخستان.
كلا من أنقرة وطهران قد حافظتا على هدوئهما وحرصتا على أن لا تكشفا خبايا علاقتهما المتوترة للعالم. ولكن هذه المرة، فشلت كلتاهما في تجنب ذلك، حيث أصبح التوتر بينهما ظاهر للعيان
وفي الأثناء، وعلى الرغم من الصراع الموروث، إلا أن كلا من أنقرة وطهران قد حافظتا على هدوئهما وحرصتا على أن لا تكشفا خبايا علاقتهما المتوترة للعالم. ولكن هذه المرة، فشلت كلتاهما في تجنب ذلك، حيث أصبح التوتر بينهما ظاهر للعيان.
بعد أن أظهر دعمه للخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، بادر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يبرز، يوما بعد يوم، من بين أشد المدافعين عن السنة، بتوبّيخ إيران، خلال مؤتمر، عقد يوم 13 شباط/ فبراير في البحرين، مع العلم أنها تتميز بغالبية شيعية تعارض العائلة الحاكمة السنية.
وفي هذا الإطار، صرح أردوغان، أن ” البعض يعمل على تقسيم العراق. كما أن الطائفية والصراع العرقي يخدم مصلحة القومية الفارسية”. وعقب بضعة أيام، اتهم رئيس الدبلوماسية التركية، مولود تشاويش أوغلو، طهران بأنها تطمح إلى تحويل سوريا والعراق إلى “أراض شيعية”.
“لصبرنا حدود”
هذا ما صرح به المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي. وإثر هذا التصريح أكد سفير تركيا في طهران، رضا حقان تاكين، ما جاء على لسان مولود تشاويش، قائلا “تسعى إيران إلى خلق تربة خصبة لنشوب حرب أهلية إسلامية”. فضلا عن ذلك، استنكر إبراهيم كاراغول، المحرر اليومي في الجريدة الداعمة للحكومة ” يني شفق”، تحركات إيران، مؤكدا على أنها تعمل على مهاجمة “المملكة العربية السعودية في اليمن، ومهاجمة تركيا في سوريا”.
كما كشف مستشار السياسية الخارجية للرئيس التركي، إيلنور شفيق ، بعض الخبايا لصالح جريدة “الصباح” الموالية للحكومة، يوم 17 شباط/ فبراير، حيث أفاد “يرى الأتراك في الإيرانيين أقرب ذويهم، نظرا لأن نسبة كبيرة من الشعب التركي من أصول أذرية. في الحقيقة، لم تدعم تركيا يوما الإرهاب ضد إيران. ولكن اكتشفنا أن بعض الفاعلين الإيرانيين يتعاونون مع حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حربا انفصالية ضد تركيا”.
وظف حزب العمال الكردستاني الانقسامات في المنطقة لخدمة غاياته
في الواقع، وظف حزب العمال الكردستاني الانقسامات في المنطقة لخدمة غاياته، فضلا عن أنه يخوض حربا ضد الدولة التركية منذ سنة 1984. وفي هذا الإطار، تمكن الحزب من توسيع مناطق نفوذه في كردستان العراق، حيث يتمركز مقاتلوه، ليس فقط في جبل القنديل غير البعيد عن الحدود العراقية الإيرانية، ولكن أيضا في سنجار على الحدود السورية العراقية. وتجدر الإشارة إلى أن المعارضة الكردية في سنجار، المنطقة التي استهدفها تنظيم الدولة في سنة 2014 بشكل مكثف، قد اتخذت من هذه المنطقة سبيلا للولوج إلى منطقة الروجافا، المنطقة الكردية السورية التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي، النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني، الذي يحظى بمساندة نظام بشار الأسد.
في الحقيقة، يتنامى الانتشار الإقليمي لحزب العمال الكردستاني بدعم ضمني من إيران، الأمر الذي أثار استياء تركيا، التي تسعى لصدهما من خلال لعب ورقة حليفها الكردي، رئيس الحكومة الإقليمية في كردستان العراق، مسعود بارزاني. والجدير بالذكر أن بارزاني سينتقل يوم الأحد 26 شباط/ فبراير، إلى إسطنبول لملاقاة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
إنشاء خط أنابيب
تأتي زيارة الزعيم الكردي، الذي حقق نصرا منقطع النظير في مدينة الباب شمال سورية، بفضل جيشه المتمركز هناك، في وقت تسعى فيه تركيا إلى إقناع الإدارة الأمريكية لوقف تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها مليشيات كردية سورية تابعة لوحدات حماية الشعب، أبرز حليف لحزب العمال الكردستاني.
وفي الأثناء، تسعى تركيا للمشاركة في الهجمة القادمة على الرقة، عاصمة تنظيم الدولة في سوريا. وفي الوقت ذاته، تأمل أنقرة في زحزحة وحدات حماية الشعب عن هذه المعركة.
ومن المتوقع، أن يحل مسعود بارزاني ضيفا على تركيا بعد أيام قليلة، من توقيعه على مذكرة بين العراق وإيران، بتاريخ 20 شباط/ فبراير، وذلك بهدف إنشاء خط أنابيب من شأنه أن ينقل النفط من كركوك إلى إيران
وفي الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات مع واشنطن، زار الجنرال، جوزيف فوتل، قائد العمليات العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، سرا شمال سوريا، يوم الجمعة 24 شباط/ فبراير، بغية الاجتماع بقيادي قوات سوريا الديمقراطية. خلافا لذلك، أثارت هذه الزيارة حفيظة المسئولين الأتراك، إذ أنهم يأملون في أن يطيحوا بمقاتلي وحدات حماية الشعب المتواجدين على أرض المعركة بسوريا، واستبدالهم بمقاتلين أكراد سوريين، الذين يعدون من “الأصدقاء” المقربين لمسعود بارزاني.
ومن المتوقع، أن يحل مسعود بارزاني ضيفا على تركيا بعد أيام قليلة، من توقيعه على مذكرة بين العراق وإيران، بتاريخ 20 شباط/ فبراير، وذلك بهدف إنشاء خط أنابيب من شأنه أن ينقل النفط من كركوك إلى إيران. وتجدر الإشارة إلى أنه وفي وقت سابق، كان النفط يصدر إلى إيران من محطة النفط التركية “جيهان”، عبر البحر الأبيض المتوسط، وتحت رقابة الحكومة الإقليمية الكردستانية. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على حدة التوترات بين أنقرة وطهران.
المصدر: لوموند