في التقرير السابق، تطرقنا إلى تعريف الاضطراب النفسي والفرق بينه وبين السيكوباتية، وذكرنا أن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين حذفت كلمة (سيكوباتي psychopath) من الإصدار الأخير للدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية، معتبرين أن السيكوباتية لا تعد مرضًا نفسيًا أو عقليًا.
ويعرف أخصائيو الصحة العقلية والنفسية الشخص السيكوباتي على أنه مفترس، يستغل الآخرين، معتمدًا على الجاذبية أو الخداع أو العنف أو أي طرق أخرى تمنحه ما يريد، والشخصية المعتلة نفسيًا أو السيكوباتية، واحدة من أكثر الشخصيات تعقيدًا وخطورة، ويصعب التعرف عليها من البداية.
ولأن الفن هو مرآة المجتمع، فقد صورت بعض الأفلام العالمية الشخصية السيكوباتية وأنتجت أفلامًا تتمحور قصتها حول شخص سيكوباتي، في هذا التقرير نستكمل ما بدأناه في التقرير السابق، ونستعرض معكم أفلام سينمائية أخرى، ارتكزت قصتها على شخص سيكوباتي.
فتاة مفقودة – Gone Girl 2014
روزاموند في دور “إيمي دان” في فيلم فتاة مفقودة
“نيك دان أخذ مني اعتزازي بذاتي وكرامتي وآمالي وأموالي.. هذا هو القتل”
فيلم الافتتاح في مهرجان نيويورك الثاني والخمسين للأفلام الذي ترشح لأربع جوائز في الجولدن جلوب، مقتبس عن رواية شهيرة تحمل نفس الاسم للكاتبة جيليان فلين والتي كتبت أيضًا سيناريو الفيلم، ومن إخراج المخرج الشهير ديفيد فيشنر، صاحب أفلام التشويق ذات المستوى الفني العالي التي تمزج بين التشويق والإثارة والدراما النفسية ومنعطفاتها.
من بطولة بن آفليك وروزاموند بايك، وتدور قصته باقتضاب، حول امرأة جميلة ومشهورة، تختفي فجأة، وتحيط الشكوك وتشير الأدلة المتروكة نحو زوجها نيك وبأنه السبب وراء اختفائها، تبدأ الشرطة في ملاحقته، ويبدأ الإعلام في تسليط الضوء عليه واستعداء الجمهور ضده، ليُصبح أكثر شخص مكروه في أمريكا، ليُتهم في النهاية – رسميا – بقتلها.
نيك وإيمي في أحد مشاهد فيلم فتاة مفقودة
قد تبدو هذه القصة، قصة عادية ومستهلكة، حتى يبدأ اختفاء “إيمي المذهلة” المدبّر بالانكشاف رويدًا رويدا، لتنكشف الحقيقة للمشاهدين تدريجيًا ونكتشف أن الزوجة المفقودة التي حاولت إيهامنا في البداية أنها مغلوبة على أمرها وأن زوجها شخص بغيض وخائن ومستغل لا يقيم لها وزنًا – وهذه حقيقة لا ننكرها -، ليست بهذا الضعف والوهن والانكسار، بل إنها شخصية سايكوباتية، تملك سلطة مرعبة هي سلطة الجنون والأذى الشيطاني.
فإيمي لديها قدرة غير عادية على تزييف أي شيء وكل شيء لصالحها، بدءًا من اختلاق أدلة غياب، وتأليف مذكرات توضح فيها مدى رعبها من زوجها وعنفه معها، وصنع أدلة اتهام متقنة، وتزوير حملها، وانتهاءً بالتلاعب – بمهارة فائقة – بكاميرات المراقبة – دون تلاعب تقني – لتجعلها شاهدًا على روايتها الملفقة، لتظهر في التسجيلات، مختطفة ومغتصبة، تطلب العون والنجدة.
إيمي دان في فيلم فتاة مفقودة
ثم تعود إليه بعد فشل خطتها في اتهامه بقتلها، محولة كل العداء نحوه إلى تعاطف ومساندة، لتجبره على البقاء معها وعدم الانفصال عنها، بعدما تيقن من سايكوبيتها وقدرتها اللانهائية على الإيذاء.
البريق – The Shining 1980
جاك نيكلسون في مشهد من فيلم البريق
نادرًا ما تخلو قائمة من قوائم أفضل أفلام الرعب التي أنتجتها هوليوود من فيلم The Shinning 1980، فهذا الفيلم يُعد علامة مميزة وأيقونة من أيقونات السينما، قام بإخراجه ستانلي كوبريك المعروف بصعوبة إرضائه، وبضغطه على الممثلين ليبدعوا في الأداء ويؤدوا أفضل ما عندهم، عن رواية لستيفن كينج تحمل نفس الاسم، كتبها بسبب تجربة شخصية، بعد قضائه ليلة مرعبة في فندق “ستانلي” عام 1974.
الفيلم من بطولة النجم جاك نيكلسون والذي برع في دور جاك تورانس وشيلي دوفال، تدور قصة الفيلم حول الكاتب جاك تورانس الذي يقبل تولي وظيفة حارس في فندق أوفرلوك الواقع في جبال كولورادو، والذي يتم إغلاقه خلال فصل الشتاء، على أمل أن يتمكن من كتابة روايته في مكان هادئ بعيدًا عن الصخب والإزعاج.
أحد مشاهد فيلم البريق
ينتقل جاك مع زوجته وابنه إلى الفـندق، رغم علمه بقصة حارس الفندق السابق، الذي فقد صوابه بعد أن تولى الإشراف على ذلك الفندق، وقام بقتل ابنتيه التوأم وزوجته بفأس.
بعد نحو شهر، وبسبب الوحدة والهدوء القاتل واعتلال شخصيته، تبدأ أعراض السيكوباتية بالظهور على جاك، ويتقمص شخصية مستر جرادي – الحارس السابق – ويحاول تقطيع زوجته وابنه بفأس.
ونكتشف في نهاية الفيلم أن انقطاعه لساعات من أجل الكتابة على الألة الكاتبة وأكوام الورق التي عبأها – واعتقدت زوجته كما اعتقدنا نحن المشاهدون، أنها مسودة الرواية – لا تحتوي إلا على جملة واحدة مكررة إلى ما لا نهاية يقول فيها: “العمل دائمًا دون ترفيه، يجعل من جاك ولدًا مملاً”.
https://www.youtube.com/watch?v=jeOevu4zC5o
العطر: قصة قاتل – Perfume: The Story of a Murderer 2006
بن واشا في دور باتيست جرينوي من فيلم العطر
“- لماذا قتلت ابنتي؟= لأني احتجت إليها”
الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم، للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، ومن إخراج الألماني توم تايكور، وبطولة بن واشا وآلان ريكمان وداستين هوفمان.
تدور أحداث الفيلم حول “جان باتيست جرينوي” الشخص المولود بلا رائحة، وولعه الدائم بالروائح وقدرته الفائقة على التعرف عليها، وبعيدًا عن الطابع الغرائبي والقوى الخارقة التي يمتلكها باتيست، فإن ولعه الشديد وهوسه القاتل بتكوين عطور لا مثيل لها، جعله يرتكب جرائم قتل مروعة وهو في كامل وعيه من أجل صنع عطور مميزة.
باتيست جرينوي وإحدى ضحاياه
وكما سبق وأن ذكرنا، فإن الشخص السيكوباتي على عكس المريض العقلي أو النفسي، يرتكب أفعاله الدموية عن قصد وعمد تام، دون تغييب أو جهل بما فعله، وباتيست كان “يصطاد” الجميلات، كي يقتلهن ويضع عليهن مواده الكيميائية الخاصة من دهن حيواني، ويلفهن بأقمشة سمكية، ومن ثم ينزع الطبقة الدهنية العليا من أجسادهن والتي تشبعت بروائحهن، مكونا بذلك عطره الأثير الجديد، مما يجعله شخصًا سيكوباتيًا بامتياز، ففي سبيل صنع عطره الأخاذ، قتل ثلاث عشرة امرأة، وهو واعٍ ومدرك لما يفعل.
صمت الحملان – Silence of lambs 1991
أنتوني هوبكنز في دور هانيبال ليكتر
“لقد تناولت كبده مع الفول المدمس وأنا أحتسي التشاينتي”
واحد من أشهر الأفلام في تاريخ السينما العالمية، من بطولة أنتوني هوبكينز وجودي فوستر، ومن إخراج جونثان ديم، مأخوذ عن قصة بنفس الاسم للمؤلف توماس هاريس، وحاصل على عدة جوائز أوسكار وجولدن جلوب، وتم تصنيفه بواسطة معهد الأفلام الأمريكي، كواحد من أفضل أفلام السينما عبر مئة عام.
هانيبال ليكتر بعد قضمه لقطعة من وجه الضابط المخول بحراسته وتناولها
وتدور أحداثه حول محققة فيدرالية تلجأ لطبيب نفسي مسجون بتهم القتل المتسلسل وأكل لحوم البشر بتلذذ، من أجل أن يمدها بمعلومات، قد تمكنهم من الإيقاع بسفاح طليق يدعى بافلو بيل يسير على نفس نهج ليكتر، لكن الطبيب النفسي المسجون هانبيال ليكتر، يقرر أن يلعب مع المحققة لعبة “شيء مقابل شيء”، ويستخدم دراسته لعلم النفس وتبحره فيه، في التأثير عليها عبر عبارات ذكية ورنانة، وتحليل لطفولتها.
المتسلل ليلا – Nightcrawler 2014
جاك جلينهال في دور لويس بلوم
“سبب سعيك مهم، كسعيك نفسه”
فيلم من تأليف وإخراج دان جلوري، وبطولة جاك جلينهال ورينيه روسو وبيل باكستون، وترشح لجائزة أوسكار أفضل سيناريو أصلي.
تدور أحداثه حول لويس بلوم، الذي يحاول كسب المال بأي طريقة ولا يجد حرجًا من أن يسرق حتى يحصل على المال، لكن الأحداث تنقلب، حين يشاهد مصورًا حرًا يبيع مادة مصورة لحادثة تصادم سيارة، فيقرّر أن يتابع عالم الجريمة والحوادث في مدينة لوس أنجلوس ليلًا، على أمل أن يحظى بقصة مصورة يبيعها لقناة إخبارية.
لويس بلوم في أثناء تصويره لإحدى الجرائم
وفي خضم رغبته في كسب المال عبر تصوير حوادث، يتسبب في قتل أبرياء، من أجل أن تصبح مادته المصورة أكثر دموية، وأعلى ثمنًا.
تتجلى سيكوباتية بلوم في استمراره في دفع الناس لارتكاب جرائم، ليصورها بشغف حقيقي، ويبيعها للقنوات التي تحظى بنسب مشاهدة عالية لمثل هذه الحوادث، كما أنه لم يتورع عن الشروع في قتل مساعده، عندما شعر أنه سلب منه سيطرته على الأمور.
شخصية بلوم المعتلة نفسيا، هي التي دفعته أن يقطع الشعرة الفاصلة بين كونه مراقبًا للجريمة، ومشاركًا فيها، وهو واعٍ تمامًا لما يفعل دون أن يجد غضاضة في ذلك.
رأس الخوف – Cape fear 1991
“كل شخص عليه أن يمر عبر الجحيم، ليصل إلى الجنة”
ويدور الفيلم حول المجرم ماكس كادي الذي أُدين بتهمة اغتصاب، وقضى في السجة أربعة عشر عامًا، وخرج لينتقم من محاميه وأسرته، لأن المحامي لم ينجح في تخفيف الحكم عليه كما سبق ووعده، يقرر ماكس بكل سهولة أن يقتل سام باودن وأفراد أسرته وكل من يهتم لأمرهم، فقط ليذيقه طعم الخسارة.
يبرع كادي في إخافة باودن وأسرته وأصدقائه حتى الموت، دون أن يستطيع أحد الإيقاع به، فلقد استغل كادي سنوات السجن في دراسة كتب القانون وقراءة الأدب وتعلم الحبكات الدرامية من أجل الانتقام من محاميه.
التفرغ لوضع خطة للانتقام لا يصدر إلا عن شخص معتل نفسيًا، سيكوباتي، يكرس حياته من أجل أن ينتقم ممن لا يستحق الانتقام.