لا يختلف اثنان على وجه هذه المعمورة على مدى تعقيدات الصراع الدائر في سوريا وتعارض الأولويات والطموحات لدى الأطراف المتنازعة مع اختلاف المرجعيات السياسية للأطراف المتحاربة على الأرض، وربما يكون هذا تفسيرًا لكلام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري السابق عندما قال إن في سوريا ستة حروب، مما يشير إلى أن الصراع السوري ليس صراعًا محليًا سوريًا بل صراع إقليمي دولي، وكأنه المشهد الجديد من مشاهد الحروب العالمية بشكلها الحديث بدلاً من الأسلوب الكلاسيكي الذي كبد الدول الكبرى خسائر فادحة في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لكن رغم كل هذا التعقيد تبقى الحرب حربًا لها نقطة بداية وتاريخ نهاية، والسؤال هنا ما شكل وبنود الاتفاق الذي سينهي الحرب التي مضى عليها 5 سنوات؟
ثمة نظرية تستخدم لحل النزاعات والأزمات تقول: “لا يوجد حل عادل بل حل عاقل”، ويقول باكر علي عزب بيجوفتش العضو في المجلس الرئاسي البوسني: “ألف يوم في المفاوضات لتحقيق سلام غير عادل أفضل من الحرب والاقتتال من يوم واحد”.
تشكل مفاوضات جنيف4 الدائرة حاليًا مع ما توصل إليه الأطرف في الأستانة من اتفاقية لوقف إطلاق النار فرصة يمكن استثمارها بالاتجاه الصحيح للتوصل إلى تسوية
بمعنى آخر لا بد من تخلي الأطراف المتحاربة عن جزء من الأهداف الكبرى التي تتبناها، حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق لوقف النزيف بشكل كامل والتوصل إلى تسوية تنهي الصراع، ولا يحدث ذلك إلا حين تقتنع الأطراف بصعوبة تحقيق الانتصار والتسليم لمبدأ التنازل الضروري والذي يشكل كلمة السر في الحل، وسبب وصول الصراع إلى هذه المرحلة باستثناء الساعين للتغيير الديمغرافي في سوريا.
فعلى النظام السوري أن يستوعب صعوبة التوصل إلى تسوية دون التضحية بما يشكل فريضة الحل لقوى الثورة وتتجلى بتغييرات جذرية في بنية النظام، والمنطق ذاته بالنسبة لقوى الثورة هو تخليها عن مبدأ محو النظام من ألفه ليائه، والقبول بمرحلة انتقالية، عند ذلك يلتقي الطرفان في منتصف الطريف ويبدأ الحديث عن بنود الاتفاق وآليات التطبيق.
وتشكل مفاوضات جنيف 4 الدائرة حاليًا مع ما توصل إليه الأطرف في الأستانة من اتفاقية لوقف إطلاق النار فرصة يمكن استثمارها بالاتجاه الصحيح للتوصل إلى تسوية.
وبالعودة إلى الحرب في البوسنة والحرب الأهلية اللبنانية سنجد تشابهًا ولو نسبيًا مع الحرب في سوريا، مما يجعل اتفاقية دايتون التي أنهت الصراع في البوسنة ومن اتفاق الطائف الذي أغلق نيران الحرب الأهلية في لبنان مسودة لورقة الحل في سوريا.
لا بد من قيام الأطراف المتحاربة بالتخلي عن جزء من الأهداف الكبرى التي تتبناها، حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق لوقف النزيف بشكل كامل والتوصل إلى تسوية تنهي الصراع
بداية من البوسنة حيث يشكل تعدد القوى المتحاربة فيها قاسمًا مشتركًا مع الحرب السورية، فضلاً عن سعي كل طرف لكسب مساحات أكبر من الجغرافيا وتثبيت نفوذ ديمغرافي، وكان الحل بتقسيم البوسنة إلى فيدرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة.
هي الجغرافيا والديمغرافيا وتعدد الهويات في الديار الشامية، ولا تنتهي الحرب إلا بإصلاح ما ولدته الحرب من آثار سلبية على المحددات الثلاث، فإن كان الدواء في البوسنة هو تقسيم البوسنة بين جمهورية صرب البوسنة واتحاد البوسنة والهرسك، فمن الممكن استنساخ التجربة بصيغة قيام تنظيم إداري لا مركزي أقرب للفيدرالية يكون حلاً وكإجراء وقائي يمنع التقسيم.
أما قضية الديمغرافيا وهي من أكثر المآلات وحشية في الحرب السورية والتي تهدف إلى ترجيح صلابة الديمغرافية السياسية لصالح توجهات مذهبية ضيقة مرتبطة بمشاريع إقليمية مخالفة لمذهب الأغلبية في منطقة المشرق العربي، وبالتالي سيصاب المشرق بجرح لا يندمل مهما طال الزمن وستدفع الأجيال القادمة الثمن إن لم تشمله اتفاقية الحل.
وحتى لا يحصل ذلك لا بد من عودة التوازن الديمغرافي في المناطق التي تم تفريغها من سكانها الأصليين، لتعود الحياة الديمغرافية إلى طبيعتها والتي كانت سائدة ما قبل الصراع الدائر.
ثمة نظرية تستخدم لحل النزاعات والأزمات تقول: “لا يوجد حل عادل بل حل عاقل”، ويقول باكر علي عزب بيجوفتش العضو في المجلس الرئاسي البوسني: “ألف يوم في المفاوضات لتحقيق سلام غير عادل أفضل من الحرب والاقتتال من يوم واحد”
وعلى صعيد إدارة الهويات المتعددة فسوريا ليست استثناءً في التاريخ المعاصر ولن تكون البلد الوحيد الذي يعيش فيه هويات متعددة، فما تعيشه سوريا تعيشه دول الجوار من حولها، والحل يكمن في الاعتراف بهويات القوميات وعدم إلغاء أي قومية لصالح قومية أخرى مع استلهام ما ورد في اتفاق الطائف اللبناني الذي أكد على عروبة لبنان، وهو ما تحتاجه سوريا كدولة في تثبيت هويتها العربية وإعادة المناهج التعليمية كما كانت قبل الأزمة والابتعاد عن الهويات القادمة من بعيد والتي تعادي الهوية العربية المتصالحة مع ذاتها وتاريخها والساعية لشطب ديمغرافيا الأغلبية في سوريا.