من المنتظر أن يؤدي الرئيس الإيراني حسن روحاني، منتصف الشهر المقبل، زيارة إلى الجزائر، أعلنها السفير الإيراني في الجزائر رضا عامري، خلال احتفال بلاده بالذكرى الثامنة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية.
زيارة لاقت ترحيبًا رسميًا ورفضًا شعبيًا نتيجة خشية عديد من الجزائريين من تدخل إيران في شؤون بلادهم كتدخلها في العديد من الدول العربية الأخرى على غرار سوريا والعراق ولبنان والحديث من قبل البعض عما أسموه “محاولاتها نشر التشيع فوق أرض بلادهم”.
علاقات رسمية قوية بين البلدين
رغم زياراته القليلة لدول العالم، خاصة العربية منها، فضل الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، منتصف شهر مارس المقبل، لتأكيد قوة علاقات بلاده مع الجزائر وامتداد نفوذ إيران إلى منطقة المغرب العربي.
جدير بالذكر أنه بعد سنة من انتخابه رئيسًا للجزائر في 1999، أعاد عبد العزيز بوتفليقة علاقات بلاده الدبلوماسية مع إيران التي قطعتها الجزائر في مارس 1993، عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991، واتهم رئيس الحكومة الجزائرية في تلك المرحلة رضا مالك إيران بدعم الإسلاميين، ومنذ ذلك الوقت زار بوتفليقة، طهران مرتين، وزار الجزائر ثلاثة رؤساء لإيران، إضافة إلى الزيارات المتبادلة لعدة وزراء من البلدين.
سبق للجزائر أن قامت بدور مهم بين طهران وواشنطن، في تحرير الرهائن الأمريكيين، عقب الأزمة التي دامت 444 يومًا، بعد احتجازهم في طهران عام 1979
ويعكس حجم الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين، تنامي العلاقات الثنائية بينهما، إذ يسعى كلاهما إلى الاستفادة من الآخر ـ وتعد الجزائر أبرز حليف لإيران في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، بالنظر لتوتر علاقاتها مع أغلب دول المنطقة.
وتأتي زيارة روحاني إلى الجزائر، في وقت تعرف فيه العلاقات الإيرانية الأمريكية توترًا كبيرًا خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أكد فيها أن “كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران” وفرض إدارته عقوبات جديدة عليها، بعد اختبارها صاروخ باليستي بداية هذا الشهر.
يمثل النفط أحد أهم عوامل التقارب بين البلدين
وتسعى إيران، حسب خبراء، إلى إقناع الجزائر، بلعب دور الوساطة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وسبق للجزائر أن قامت بدور مهم بين طهران وواشنطن، في تحرير الرهائن الأمريكيين، عقب الأزمة التي دامت 444 يومًا، بعد احتجازهم في طهران عام 1979.
فيما يرى آخرون أن روحاني يبحث لإيران تحقيق نفوذ أكبر في منطقة شمال إفريقيا، ويسعى من خلال هذه الزيارة إلى بحث سبل التنسيق والتحالف لمواجهة تداعيات أسعار النفط، والاستفادة من حالة الفتور في العلاقات الجزائرية السعودية بسبب أزمة أسعار المحروقات، ولم ينعكس هذا التقارب السياسي بين البلدين، على العلاقات الاقتصادية بينهما، إذ لا يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليون دولار سنويًا.
تقارب بين البلدين تجاه الأزمة السورية واليمنية
ترتبط الجزائر مع إيران بمواقف متطابقة من القضايا الإقليمية والأحداث الجارية في المنطقة خاصة قضيتي سوريا واليمن، وسبق للجزائر أن رفضت العملية العسكرية “عاصفة الحزم” التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة عشر دول عربية ضد مواقع الحوثيين بهدف استعادة الشرعية في اليمن، الأمر الذي اعتبرته طهران موقفًا مشرفًا، وكان موقف الجزائر تجاه الأزمة الإيرانية متطابقًا مع الموقف الإيراني وإن كان يدعي الحياد والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، حسب عدد من الخبراء.
كثيرًا ما يؤكد المسؤولون الجزائريون، دعمهم ووقوفهم إلى جانب نظام بشار الأسد في “حربه على الإرهاب”، حسب توصيفهم للثورة السورية
ومنذ اندلاع الثورة السورية، اصطفت الحكومة الجزائرية إلى جانب نظام بشار الأسد، حتى إنها رفضت التصويت في القمم العربية للاعتراف بالمعارضة السورية باعتبارها ممثل شرعي للشعب السوري، بعد أن علقت الجامعة العربية عضوية دمشق في نوفمبر 2011 بعد مرور ثمانية أشهر على بدء الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد بسبب ممارسات النظام بحق شعبه، وتعد الجزائر من الدول العربية القليلة التي لم تقطع علاقاتها الرسمية بنظام دمشق.
تقف الجزائر إلى جانب بشار الأسد، خلافًا لباقي الدول العربية
وكثيرًا ما يؤكد المسؤولون الجزائريون، دعمهم ووقوفهم إلى جانب نظام بشار الأسد في “حربه على الإرهاب”، حسب توصيفهم للثورة السورية، وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم زار الجزائر نهاية مارس 2016، وبحث على مدار ثلاثة أيام مع المسؤولين الجزائريين الأوضاع في سوريا، كما نقل رسالة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لم يكشف عن فحواها.
وأعقبها زيارة رسمية أدها وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبد القادر مساهل، إلى سوريا في شهر أبريل من نفس السنة، لبحث مختلف جوانب التعاون بين البلدين، وسبل ترقيتها وتوسيع مجالاتها، حسب وزارة الخارجية الجزائرية.
واستقبلت الجزائر في وقت سابق، مفتي بشار الأسد أحمد حسون، وعديد من الضباط السوريين الذين التقوا مع نظرائهم الجزائريين.
رفض شعبي للزيارة
الترحيب الرسمي بزيارة حسن روحاني للجزائر، قابله رفض شعبي، حيث دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي – تويتر وفيسبوك – في مقدمتهم الصحفي أنور مالك رفضه للزيارة من خلال هاشتاغ #لا_لروحاني_في_الجزائر، لاقت انتشارًا كبيرًا في صفوف الجزائريين والعرب.
حذار أن تثقوا في ملالي #ايران إن أظهروا الحب فهم يبطنون الحرب لكم أيها المسلمون لأنهم يكفرونكم ويخططون لتخريب أوطانكم ومحو وجودكم أيها العرب
— أنور مالك (@anwarmalek) February 18, 2017
وكتب مالك تدوينة في موقعه على تويتر جاء فيها “حذار أن تثقوا في ملالي #ايران إن أظهروا الحب فهم يبطنون الحرب لكم أيها المسلمون لأنهم يكفرونكم ويخططون لتخريب أوطانكم ومحو وجودكم أيها العرب“.
ويرجع الجزائريون سبب رفضهم زيارة روحاني لبلادهم، إلى الدور المشبوه لإيران في المنطقة العربية والإسلامية والذي زاد خطورة مع تدخلها في سوريا والعراق واليمن، كما لا يخفي الجزائريون خشيتهم من التحركات الإيرانية في بلادهم بغية نشر “المذهب الشيعي” فيه، في وقت تزايد الحديث فيه عن حركة مشبوهة تقوم بها بعض الجهات المرتبطة بإيران في نشر التشيع بشكل سري في الجزائر.
وقد أصدر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين قبل فترة تقريرًا أشار فيه إلى أن الجزائر من بين الدول الإفريقية التي يستهدفها التشيع الإيراني عبر دوائر رسمية، غالبًا ما تتم عبر السفارة الإيرانية أو بعض الدوائر الرسمية هناك.
وعلى الرغم من أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تحاول في كل مرة أن تقلل من مخاوف انتشار المذهب الشيعي في الجزائر، فإنها أعلنت تشكيل جهاز متخصص لمكافحة حركات التشيع والمد الشيعي في البلاد، ولا تتوافر أرقام رسمية عن عدد الشيعة في الجزائر، وبحسب مراقبين ما زال الحضور الشيعي محتشمًا في الجزائر.
خشية من خسارة الدول العربية
يخشى مراقبون جزائريون من أن اصطفاف بلادهم في صف المحور الإيراني الروسي، قد يؤدي إلى عزلتها عربيًا وإقليميًا، وتشهد العلاقات الجزائرية الخليجية فتورًا كبيرًا خاصة مع المملكة العربية السعودية التي شهدت العلاقات بينهما حالة من البرود بسبب انحياز الجزائر إلى جانب إيران.
اعتادت الجزائر معارضة المشاريع السعودية في الجامعة العربية مثل القوة العربية المشتركة
وتميزت العلاقات بين الرياض والجزائر طيلة السنوات الأخيرة بتوتر ملحوظ بسبب الاختلاف إزاء قضايا العالم العربي، على رأسها القضية السورية والقضية اليمنية، وتنظر السعودية إلى الجزائر كناطق باسم معسكر المواجهة في العالم العربي والإسلامي، بينما اعتادت الجزائر معارضة المشاريع السعودية في الجامعة العربية مثل القوة العربية المشتركة واتهام المملكة بأنها المتسبب الرئيسي في تراجع أسعار النفط العالمي.