دارت معارك عنيفة في بلدة تادف جنوب مدينة الباب في ريف حلب الشرقي بين قوات درع الفرات وقوات النظام السوري التي سيطرت على البلدة بعد انسحاب داعش منها دون قتال، وقد أدت الاشتباكات بين الطرفين لمقتل نحو 22 عنصرًا من الجيش السوري، ونزوح 2000 شخص من البلدة باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر في محيط مدينة الباب.
الاشتباكات الثانية بين النظام ودرع الفرات
تمكنت قوات النظام السوري في الفترة القريبة الماضية من السيطرة على ثلاث قرى جديدة من بينها بلدة تادف عقب معارك مع تنظيم داعش في المنطقة رغم أن العديد من المراصد تؤكد أن معظمها يتم تسليمها للنظام دون قتال، وبالسيطرة على القرى الثلاثة يرتفع عدد النقاط التي سيطرت عليها قوات النظام إلى أكثر من عشرين بلدة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه قوات درع الفرات المدعومة من تركيا لبسط سيطرتها على مناطق سيطرة داعش في حلب لإقامة مناطق آمنة حسب رؤية تركيا لحل الصراع في الشمال السوري، يعمل النظام وحلفاؤه (روسيا وإيران) لعرقلة المسعى التركي.
أدت الاشتباكات بين درع الفرات وقوات النظام لمقتل نحو 22 عنصرًا من الجيش السوري، ونزوح نحو 2000 شخص من البلدة
شكلت بلدة تادف نقطة مفصلية لالتقاء قوات درع الفرات مع قوات النظام السوري، مع اختلاف محللين في الشأن السوري بشأن مسألة أن البلدة تعد نقطة تماس بين النظام ومن ورائه روسيا وقوات درع الفرات لاندلاع الاشتباكات بينهما، فتادف برأي مراقبين تعد من حصة النظام السوري وهي غير واضحة بالنسبة للاتفاق الروسي التركي فيما إذا كانت على الخط الفاصل بينهما، ومن غير المتوقع انتشار رقعة القتال بشكل يُفضي لمواجهة بين روسيا ودرع الفرات، وما حصل لا يعدو سوى مناوشات وقد تحدث بين الفينة والأخرى لإرسال رسائل من قبل النظام وداعميه لترسيم الحدود، على أنها لن تُحدث تغييرًا في صيغ الاتفاق بين روسيا وتركيا.
بينما يذكر ناصر تركماني لنون بوست أن الاشتباك الذي حصل بالأمس كان مدفوعًا من قبل إيران في ظل وجود تكهنات باتخاذ قرار أمريكي روسي لإخراج الإيرانيين من سوريا، وأن تادف في الأساس كانت من المفترض أن تكون لقوات درع الفرات، حيث تقدمت قوات الدرع فعلاً بعد تحرير مدينة الباب باتجاه البوابة الشمالية لتادف، وكانت هناك تصريحات من قيادة درع الفرات (غرفة عملية حوار كلس) بأن البلدة هي الهدف المقبل بعد تحرير الباب، ولكن انسحاب داعش من المدينة بشكل مفاجئ، وتسليمها لقوات النظام السوري التي حاولت التقدم باتجاه نقاط رباط قوات درع الفرات المتمركزة في بوابتها الشمالية أدت لاندلاع اشتباكات بين الطرفين.
وعن وجود خط فاصل بين الطرفين، يقول التركماني لنون بوست: “إلى الآن لا أعتقد أن هناك تفاهم تام ورسم للخطوط، لأن هذا التفاهم مرتبط مع التفاهم التركي الأمريكي والتركي الروسي، والمسار الذي ستتبعه قوات درع الفرات للمشاركة في عملية تحرير الرقة”.
ويجدر التنويه أن هذا الاشتباك الذي حصل أمس الأحد بين الطرفين يعد الثاني من نوعه حيث حصل الاشتباك الأول في بلدة أبو الزندين في التاسع من فبراير/ شباط الحالي قبل أن تحتوي أنقرة وموسكو الموقف على الأرض في إطار تفاهماتهما بشأن سوريا، وقد لا يكون الأخير!
وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت في 11 من الشهر الحالي إن بلدة تادف تمثل نقطة في الخط الفاصل بين قوات النظام من جهة والجيش السوري الحر بعد التنسيق حوله مع الجانب التركي، وحسب سيطرة القوات الحكومية في المنطقة يأتي ضمن اتفاق سري بين الروس والأتراك عن تقاسم النفوذ في محافظة حلب.
تادف في الأساس كانت من المفترض أن تكون هدف درع الفرات القادم قبل سيطرة النظام عليها
لا يزال النظام السوري يكثف محاولاته لقطع مساعي الجيش الحر المدعوم من تركيا للسيطرة على منطقة شرق الفرات، إذ يحاول التوجه شرقًا نحو نهر الفرات في محاولة منه لقطع الطريق على فصائل درع الفرات ومنعها من التوجه جنوبًا والاقتراب من مدينة حلب، وعلى الرغم من كل التفاهمات القائمة بين روسيا وتركيا فإن النظام السوري وبدافع من روسيا على الأرجح التي تحاول إيصال رسالة إلى تركيا بتعطيل سيناريو إقامة المناطق الآمنة في المنطقة.
وفي تطور جديد أعلنه ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي حول وجود اتصالات بين روسيا والنظام السوري تشمل مسألة إقامة مناطق آمنة، وقال إن الاتصالات تتسم بطابع موثوق وهي المرة الأولى التي تبدي فيها روسيا استعدادها لبحث إنشاء هذه المناطق.
ويتزامن هذا مع دعوة الرئيس الأمريكي ترامب سابقًا تأييده إقامة مناطق آمنة في سوريا وخارجها لحماية المدنيين والحيلولة دون هجرتهم، بينما يرفض النظام السوري وإيران إنشاء هذه المناطق وتتحفظ روسيا عليها أيضًا.
النظام السوري يصعد عسكريًا لإفشال جنيف
في الوقت الذي من المفترض أن تكون هناك مفاوضات سياسية في جنيف بين وفدي النظام والمعارضة يركز فيها النظام على المفاوضات، بدأت قواته وبدعم من روسيا وإيران بتصعيد الغارات والعمليات العسكرية في مناطق سيطرة المعارضة في المحافظات السورية، فمن درعا إلى الغوطة الشرقية مرورًا بحمص وإدلب وحلب لم يتوقف القصف والغارات.
وصعد النظام من العملية العسكرية في محيط العاصمة دمشق بعد فشل المفاوضات الأخيرة التي حاول من خلالها النظام إجبار الفصائل على تسليم المنطقة، وتوقيع تسويات مع قوات النظام وتهجير الأهالي كما حصل في سيناريو داريا والمعظمية ووادي بردى وقدسيا والهامة وغيرها.
في عضون الحملة العسكرية المستعرة على الأرض، لم تشهد الأيام الأربع الماضية من جنيف 4 أي اختراق فعلي يسجل على صعيد انطلاق المفاوضات بين طرفي النزاع، ويتهرب النظام السوري من بحث الانتقال السياسي حيث تصر المعارضة أنها جاءت إلى جنيف لمناقشة هذا البند، في حين يسعى النظام لحرف المفاوضات نحو نقطة مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي دعا فيه ديمستورا تأجيل بحث مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار إلى مفاوضات أستانة.
روسيا تبدي استعدادها للمرة الأولى لمناقشة مسألة المناطق الآمنة
ويعد اليوم الإثنين حاسمًا فيما يخص رد المعارضة والنظام على الأوراق التي وزعها ديمستورا على وفدي النظام والمعارضة، وتضمنت الأوراق تناول 3 سلال وهي “حكم شامل غير طائفي ذو مصداقية”، دستور وفق جدول زمني معين، وانتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين، وتجري اجتماعات كثيفة بين وفد المعارضة لتقديم إجابة بشأن أوراق ديمستورا.
بينما يحاول وفد النظام التهرب من الإجابة عن مقترحات ديمستورا وبالأخص بعد هجمات مدينة حمص التي أودت بمقتل مجموعة من الضباط من بينهم حسن دعبول وذكر رئيس وفد النظام بشار الجعفري للصحفيين أن أولوية النظام هي محاربة الإرهاب وليس أي شيء آخر، وطلب وفد النظام من ديمستورا عقد جلسة استثنائية لبحث الهجمات على مدينة حمص وضرورة التركيز على محاربة الإرهاب.