صديقي عمره 18 عامًا، فرنسي من عائلة مسيحية ولكنه يعتنق اليهودية، ورغم عدم اقتناعه بها بشكل كامل فقد اعتنقها لشدة تأثره وتعلقه منذ الصغر بعمه الذي يدين اليهودية، مع علمي فيما بعد أنه من رافضي فكرة قيام إسرائيل لمجرد اقتناعات زرعها عمه بداخله بأن اليهود موطنهم الحقيقي أوروبا وليس فلسطين.
تعرفت عليه من خلال تطبيق quizup المنتشر على الهواتف الذكية، ولمن لا يعلمه هو عبارة عن تطبيق يوفر لمستخدميه المنافسة في جميع المجالات التي تتخيلها، بداية من الفيزياء إلى عالم الموضة.
الموضوع بسيط إلى أقصى درجة، ففي البداية يختار المستخدم المجال الذي يريده ومن ثم ينقله التطبيق مباشرة وبطريقة عشوائية إلى مواجهة أون لاين مع منافس آخر من أي بلد في العالم، مع وضع اسم وعلم بلد كلا المنافسين قبل وفي أثناء المواجهة، وبصفتك مستخدم لهذ التطبيق فبشكل مؤكد ستنافس أشخاص من كل جنسيات العالم من كل شكل ولون.
عندما قابلته في إحدى الجولات طبقًا للاختيار العشوائي للتطبيق وبمجرد رؤيته لاسمي (محمد) وصورة علم فلسطين التي أضعها صورة غلاف خاصة بحسابي على التطبيق، انسحب فورًا من المنافسة ليعلن التطبيق فوزي بالجولة قبل بدايتها!
في البداية رجحت أن يكون ما حدث صدفة، فمن الطبيعي أن يكون قد حدث قطع في الاتصال بينه وبين الشبكة، إلى أن وقع اختياره مرة أخرى بعدها بدقائق معدودة لينافسني في إحدى الجولات، فحدث ما حدث سابقًا وانسحب من المنافسة قبل بدايتها للمرة الثانية! حينها أيقنت أنه انسحب عن عمد وليس صدفة كما اعتقدت.
ولكنه في الواقع لم يكتف بذلك، فبعد انسحابه بثوانٍ معدودة وجدت رسالة منه وترجمتها “عذرًا.. فأنا لا أتنافس مع إرهابيين” لتدور بيني وبينه من بعدها تلك المناقشة الصغيرة.
– عذرًا.. فأنا لا أتنافس مع إرهابيين.
– وهل تعتقد حقًا أنه يوجد إرهابي يمتلك حساب على quizup؟! أم تخشي الخسارة من بطل مصر في الرياضيات؟! بسخرية.
أجاب ضاحكًا بـ”صراحة لقد أحرجتني” ومن بعدها دخلنا في نقاش صغير سويًا ومن بعدها سألته عن دراسته وحياته وهو كذلك عرف أكثر وأكثر عن حياتي، وبعد حديث طويل اعتذر عن وصفه لي بالإرهابي وانتهى الحوار على هذا دون الدخول في أي مجادلة أو نقاش عن قضية معينة ودون معرفتي بعد أنه يدين اليهودية.
بعض الحوادث الإرهابية في أوروبا وبالأخص في فرنسا وألمانيا والتي راح ضحيتها الأبرياء، ومع اتهام أشخاص مسلمين بتدبير هذه الحوادث ومع موجة الإسلاموفوبيا التي زاخت العالم أجمع
مرت الأيام ومع حدوث بعض الحوادث الإرهابية في أوروبا وبالأخص في فرنسا وألمانيا والتي راح ضحيتها الأبرياء، ومع اتهام أشخاص مسلمين بتدبير هذه الحوادث ومع موجة الإسلاموفوبيا التي زاخت العالم أجمع، عقب كل هذه الأحداث وجدت رسالة نصية منه وترجمتها “أنت إرهابي مخادع.. سنقتلكم قريبًا” بينما أنا اكتفيت بالصمت وعدم الرد.
في الواقع أنا صُدمت من الرسالة، فمنذ فترة ليست بالبعيدة كان يحادثني بشكل طبيعي إلى أقصى حد وفي كثير من الأوقات كان يلجأ إليّ ويطلب بعض النصائح عن دراسته الجامعية وفي أحيان أخرى نتحدث سويًا عن بعض القضايا المتعلقة بالإسلام واليهودية، فتارة يحدثني عن اليهودية وتبرئة اليهود مما يحدث في فلسطين وما تفعله إسرائيل في القدس وأنه رافض تمامًا ما يحدث في فلسطين.
وفي أحيان أخرى نتكلم عن كرة القدم والدوري الإنجليزي، إلى أن أخبرني في يوم ما أن نظرته تغيرت تجاه الإسلام والمسلمين بعد معرفته بي، وأنه يحاول جاهدًا أن يفرق بين الأديان وتطرف الأشخاص، فما الذي تغير وأوصله إلى هذه الشدة والعدائية في الحديث؟
مضت الأيام إلى أن أرسل رسالة أخرى، ترجمتها “سنقتلكم مثلما قتل الأتراك المسلمين الأرمن في أثناء إمبراطوريتكم الغبية”، وأضاف بقوله “أردوغان زعيمكم ديكتاتور قاتل ومدعم لداعش وإيران إرهابية، اللعنة عليكم” بينما أنا مكتفٍ بالصمت للمرة الثانية، كل ما أشعر به هو الصدمة لتغير عقليته وتعامله معي بهذه الطريقة العدائية والمتطرفة.
تأثره السريع بالميديا
الملفت للنظر أن كل رسالة من الرسائل السابقة والتي احتوت على عداوة وكراهية تجاهي سبقها ضجة إعلامية وبروباغندا كبيرة في كل موضوع تناوله في رسالته لي سواء عن اتهام المسلمين بالإرهاب أو حديثه عن الأرمن وتركيا.
فقبل رسالته بأيام كان البرلمان الأوروبي قد أقر بما أسماه المجازر العثمانية بحق الأرمن وشبهها بالإبادة الجماعية وطالب تركيا بالاعتراف بها بشكل رسمي بالإضافة إلى إصداره قرار بإيقاف المفاوضات التركية الأوروبية المتعلقة بعضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي، كل هذا تلاه موجة إعلامية كبيرة في أوروبا وأمريكا والهجوم على تركيا وأردوغان وتشبيهه بالديكتاتور واتهامه من مسؤولين كبار في النمسا وفرنسا بدعم داعش ومنهم من قال صراحة إن أردوغان يسعى لأسلمة تركيا!
موجة التطرف التي تشهدها أوروبا والعالم في الوضع الحالي وبالأخص للشباب، مصدرها الأول والأساسي الإعلام
موجة التطرف التي تشهدها أوروبا والعالم في الوضع الحالي وبالأخص للشباب، مصدرها الأول والأساسي الإعلام بكل أشكاله بداية من الصحف وبرامج الحوار إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وليس من الشخص نفسه، فشخص مثل هذا اختار اليهودية رغم أن عائلته تعتنق المسيحية، ورافض للكثير من سياسات اليهود في القدس وضد فكرة دولة إسرائيل بوجه عام!
مهما وصل الإنسان من رقي في التفكير وعقلانية في التعامل مع القضايا، فبالتأكيد عاجلاً أو لاحقًا سيصل في يوم من الأيام ويتأثر بالإعلام ولو بجزء ضئيل، فالميديا والإعلام على مستوى العالم يُعد سببًا رئيسيًا فيما يحدث من موجة تطرف كبيرة اتجاه الإسلام والمسلمين، فنحن المسلمون كل ما نملكه هو القلم واللسان للدفاع عن أنفسنا ولتبرئة الإسلام من تهم الإرهاب الأصولي الموجهة إليه.
أتمني حقًا أن نكف عن الفزع ونؤمن حقًا أن المشكلة ليست مشكلة حربية أو غيرها على قدر ما هي مشكلة تعامل مع الموقف الحالي، فإن كان السلاح يغزو أرض فالقلم واللسان يغزوان آلاف العقول ومنهم هذا الشاب الفرنسي.