بالرغم من الارتباط التقليدي بين السياسة والجوائز العالمية إلا أن جوائز الأوسكار هذا العام كان لها طابع خاص، وهذا ما تكشف منذ الوهلة الأولى لصعود جيمي كيميل مسرح “دولبي” في الحي الأشهر في “هوليوود” لتقديم فعاليات الحدث السينمائي الأهم على مستوى العالم، وتوزيع جوائز أكاديمية الفنون وعلوم الصورة “أوسكار” في نسخته الـ89.
كيميل في أول عبارة له أظهر للجميع أن حفل هذا العام يأتي بنكهة سياسية مختلفة، إذ قال: أن جعل أمريكا عظيمة يقتضي فتح نقاش بنّاء مع من يخالفك الرأي، في إشارة منه تحمل دلالات النقد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي بنى حملته الانتخابية على محور استعادة عظمة أمريكا مرة أخرى، دون أن يحدد آلية تنفيذ هذا الوعد.
حضور قوي للشباب وخطأ فادح
شهدت وقائع حفل هذا العام لتوزيع جوائز الأوسكار بعض الملامح الطريفة في بعضها، والمفاجئة في بعضها الآخر، حيث فاز فاز فيلم “مون لايت” بجائزة أفضل فيلم وذلك بعد الإعلان عن فوز الفيلم ” لا لا لاند” ما تسبب في حرج لفريق عمل الفيلم لاسيما بعد اعتلائهم المسرح لإلقاء كلمات قبول الجائزة، ولكن فجأة قاطعهم أحد المنتجين قائلا إن الجائزة ذهبت للفيلم الخطأ، وإن “مون لايت” هو الفيلم الفائز.
الممثل المخضرم وارن بيتي أراد تدارك هذا الموقف الحرج وذلك حين توجه إلى المسرح ليعلن تحمله مسئولية هذا الخطأ، قائلا: إنه وفاي دوناواي أعلنا الفائز الخطأ؛ لأن المغلف الذي تسلماه حمل بالخطأ اسم إيما ستون الحائزة على جائزة أفضل ممثلة عن فيلم “لا لا لاند”.
الممثل وارن بيتي أثناء تداركه لخطا إعلان الفيلم الفائز بالأوسكار عن طريق الخطأ
كما فاز بجائزة أفضل ممثل لـ “يسي أفليك” وذلك عن دوره في فيلم “مانشستر باي ذا سي”، وتعد هذه الجائزة هي الأولى للممثل الذي يبلغ من العمر (41) عامًا، كما أنه الشقيق الأصغر للممثل والمخرج بن أفليك، أما جائزة أفضل ممثلة فذهبت للأمريكية الشابة “إيما ستون” والتي تبلغ من العمر (28) عامًا وذلك عن دورها في الفيلم الرومانسي “لا لا لاند”، وكما هو الحال بالنسبة لـ”أفليك” فإن هذه الجائزة هي الأولى أيضا للمثلة الأمريكية.
وتتواصل الجوائز التي حصل عليها الفيلم الأكثر ترشيحًا بالجائزة، ” لا لا لاند” حيث حصل مخرج الفيلم “داميان تشازيل” على جائزة أفضل مخرج، ليعد أصغر فنان يفوز بجائزة الأوسكار في الإخراج إذ أن عمره لا يتجاوز الـ(32) عامًا.
جائزة أفضل ممثلة فذهبت للأمريكية الشابة “إيما ستون” والتي تبلغ من العمر (28) عامًا وذلك عن دورها في الفيلم الرومانسي “لا لا لاند”، وكما هو الحال بالنسبة لـ”أفليك” فإن هذه الجائزة هي الأولى أيضا للمثلة الأمريكية
أما عن أفلام الرسوم المتحركة، فقد فاز فيلم “زوتوبيا” بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، ويتناول الفيلم استكشاف التحيز من خلال قصة كوميدية لأرنب ينضم إلى الشرطة، ويعد هذا الفيلم من أكثر الأفلام تحقيقًا للأرباح إذ حقق إيرادت تتجاوز المليار دولار في مختلف دول أنحاء العالم.
وقد تنوعت الجوائز الأخرى لتشمل: جائزة أفضل ممثلة مساعدة: فيولا ديفيز عن دورها في فيلم “فينسز”، جائزة أفضل مكساج صوتي: “آريفال”، جائزة أفضل تصميم إنتاج: “لا لا لاند”، جائزة أفضل مزج صوتي: “هاكسو ريدج”، جائزة أفضل تصميم أزياء: “فانتاستيك بيستس آند وير تو فايند زم”، جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل: “أو جيه: ميد إن أميركا”، جائزة أفضل ماكياج وتصفيف شعر: “سويسايد سكواد”.
فيلم “مون لايت” وجائزة أوسكار أفضل فيلم
عنصرية ترامب تفرض نفسها
بالرغم من عدم حضوره فعاليات حفل توزيع جوائز الأوسكار، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسياساته العنصرية فرض نفسها على وقائع الحفل بصورة غير مسبوقة، وهو ماتجسد في البيان المشترك الذي أصدرة خمسة مخرجين لأفلام أجنبية مشاركة في الحفل عبّروا فيه عن رفضهم ما سموها “عنصرية دينية وعرقية يحاول كبار المسؤولين الأميركيين فرضها”، وذلك تعليقًا على قرار الرئيس الأمريكي حظر دخول مواطني 7 دول إسلامية للأراضي الأمريكية.
وتحت عنوان “خيبة أمل” علق كبير الصحفيين بمجلة “هوليود ريبورتر”سكوت فاينبيرغ إن “ على حالة الرفض والاستنكار لسياسات ترامب العنصرية، حيث قال إن مصدر التوتر هو الرغبة في مقاومة أجندة ترمب السياسية، خاصة أن عددا من صناع الأفلام تأثروا بهذا القرار، مما دفع هوليود إلى توحيد جبهة الرفض.
رفض توجهات ترامب العنصرية لم تكن وليدة حفل الأوسكار هذا العام وفقط، بل برزت هذه الحركة خلال عدد من الجوائز الأخيرة، مثل جوائز ساغ والغولدن غلوب، فضلا عن إعداد العديد من البرامج التلفزيوينة الساخرة التي تعرضت لسياسات ترامب، من أشهرها برنامج “ساترداي نايت لايف”.
الاحتجاج بالمقاطعة
كما توالت ردود الفعل المناهضة لتوجهات ترامب، حيث قرر أصغر فرهادي المخرج الإيراني لفيلم “البائع” الفائز بجائزة أفضل فيلم أجنبي عدم الحضور احتجاجا على الحظر، إضافة إلى إعلان الممثلة الإيرانية، ترانة علي دوستي، بطلة الفيلم مقاطعتها حفل توزيع الجوائز، احتجاجاً على نية الرئيس دونالد ترمب التوقف عن منح تأشيرات دخول إلى رعايا عدد من الدول المسلمة.
وأوضحت الممثلة البالغة 33 عاماً “الحظر الذي فرضه ترمب على تأشيرات الدخول للإيرانيين عنصري. سواء أكان الأمر يشمل المناسبات الثقافية أم لا. أنا لا أنوي المشاركة في حفل توزيع جوائز الأوسكار 2017” احتجاجاً على ذلك.
أصغر فرهادي، المخرج الإيراني لفيلم “البائع” يرفض حضور الحفل احتجاجًا على عنصرية ترامب
حضور إيراني سوري
على عكس المتوقع، وفي مفاجأة أعتبرها البعض رسالة سياسية رافضة لعنصرية ترامب، فاز فيلم “البائع” الإيراني بجائزة أفضل فيلم أجنبي، بالرغم من عدم حضور مخرجه الذي رفص الحضور كما تم ذكره، الفيلم الذي يتناول جرائم الثأر والشرف في المجتمع الإيراني في إطار زواج حديث، يسعى من خلاله إلى إبراز بعض الملامح الإجتماعية للإيرانيين.
وفي الوقت نفسه، فاز الفيلم السوري ” الخوذ البيضاء” بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير، هذا الفيلم الذي تناول بالتفصيل دور الدفاع المدني الناشط في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، وقصص حياة بعض المدنيين ممن يعرضون حياتهم للخطر من أجل انقاذ الأخرين.
“الخوذ البيضاء” يتحدى ترامب ويفوز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير
ويبدوا أن ملامح العنصرية في هذا الحفل لا تقتصر على الرئيس الأمريكي وفقط، ففي تقرير مصور نشرته “العربية” أشارت إلى أن نظام بشار الأسد منع مصور الفيلم خالد الخطيب ومدير منظمة “الخوذ البيضاء” رائد صالح من حضور المهرجان وذلك عن طريق إلغاء جوازي السفر الخاص بهما.
فاز الفيلم السوري ” الخوذ البيضاء” بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير، هذا الفيلم الذي تناول بالتفصيل قصص حياة بعض المدنيين في مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية ممن يعرضون حياتهم للخطر من أجل انقاذ الأخرين
إلا أن مدير المنظمة في بيان له نشره على حسابه الشخصي على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” أشار إلى أن كثافة الغارات الدجوية على سوريا حالت دون حضوره حفل المهرجان.
من المفارقات التي شملها حفل هذا العام، حصول الممثل الأمريكي المسلم “ماهرشالا علي” على جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم “مون لايت”، وبالرغم من أن “ماهرشالا” يعد أول مسلم يحصل على جائزة الأوسكار، إلا ان الملفت للنظر أن الدور الذي منح بسببه الفنان الجائزة يناهض العنصرية، ويدعو لإعلاء قيم المسامحة والمواطنة وتقبل الأخر، وهو ما اعتبره البعض رسالة سياسية واضحة خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع قرار ترامب حظر مواطني عدد من الدول الإسلامية.
ماهرشالا علي، اول مسلم يفوز بجائزة الأوسكار
هل انت بخير؟
في لفتة تجسد حجم الانتقاد الموجه للرئيس الأمريكي، وتعكس تفوق الفن على السياسة في كثير من ساحات التنافس، سخر مقدم حفل الأوسكار، جيمي كيميل، من ترامب، وذلك عبر تغريدة موجهة له.
كيميل على صفحته الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” كتب مخاطبًا ترامب: “هل أنت بخير؟”، وقال بعض المغردون إن جيمي يطمئن على ترامب بعد نتائج جوائز أوسكار التي فاز بها إيراني وسوري ومسلم أسمر، في تلميح إلى سياسات ترامب التي يقال إنها “عنصرية”
Hey @realDonaldTrump u up?
— Jimmy Kimmel (@jimmykimmel) February 27, 2017
التسييس شبح يطارد الجوائز الدولية
يبدوا أن الحضور السياسي لم يرافق الأوسكار وفقط، بل هناك العديد من الانتقادات تم توجييها لبعض الجوائز الدولية، وبات “التسييس ط شبحًا يطارد تلك المحافل التي تأخذ الطابع العالمي، كما هو الحال في جوائز “نوبل ” السنوية.
ومن أبرز الاتهامات التي وجهت لـ “نوبل” تلك التي أشار إليها المحامي والقانوني فريدريك هافرميل، حيث اتهم رئيس لجنة نوبل للسلام بتسييس الجائزة، والذهاب بعيدًا عن روح وصية ألفرد نوبل، مشيرًا أن اللجنة ابتعدت كثيرًا عن مسارها، وأنها خرقت القانون النرويجي ووصية نوبل بمنحها عدة شخصيات في السنوات الماضية.
فريدريك صاحب المؤلفات القانونية العديدة حول وصية نوبل في تصريحات صحفية له رأى أن الجائزة بدأت تفقد قيمتها ورونقها، وأنها بدأت بالفساد بعد انتهاء الحرب الباردة، “حيث أخذت طابع التسييس وفقدان الشفافية”، وتساءل مستغربًا “كيف لنا أن نقتنع أن الجائزة تخلو من مدلولات سياسية أو تخلو من التسييس والقائمون عليها سياسيون ولهم انتماءاتهم السياسية المعروفة؟”.
واتهم المحامي – وهو مختص بجائزة نوبل من الجانب القانوني – لجنة نوبل بتقربها من الولايات المتحدة والغرب لتحقيق المزيد من المكاسب والمناصب الدولية، مؤكدًا أن رئيس لجنة نوبل الذي ينتمي لجناح اليمين لحزب العمال الحاكم قد شغل منصب رئيس البرلمان لفترة طويلة ولم يتركه إلا لرئاسة لجنة نوبل وعمله أمينًا عامًا للمجلس الأوروبي لحقوق الإنسان ببروكسل.