بعد دخول الحكومة التونسية حلقة صدوق النقد الدولي كما دخلها غيرها من الدول العربية صار لابد على الفريق الحكومي سماع نصائح الصندوق وتطبيقها بغرض ضمان استرداد القروض، فإذا بدا أن المؤسسات والنشاطات الاقتصادية تعاني من مشاكل ستكون نصيحة الصندوق هي تخلي الحكومة عن القطاع العام لصاح القطاع الخاص وفرض ضرائب جديدة وإجراءات أخرى بالشكل الذي يضر المواطن بالدرجة الأولى، وفي حال رفض الحكومة الإلتزام بنصائح الصندوق فإنه سيعمد ببساطة إلى قطع القروض المستحقة لها، وهو ما حصل تمامًا مع الحكومة التونسية.
صندوق النقد يجمد قرضه لتونس
تدرس الحكومة التونسية تطبيق حزمة من الإصلاحات تمس المؤسسات الحكومية كبيع حصص في 3 بنوك على سبيل الخصخصة بالإضافة إلى خطوط الطيران التونسية مؤسسات أخرى، وتسريح ما لا يقل عن 10 آلاف موظف في القطاع العام بشكل اختياري خلال العام الحالي، في إطار خطط لإصلاح القطاع المصرفي وقطاعات أخرى يطالب بها صندوق النقد الدولي الذي عمد إلى تجميد شريحة من قرض مخصص لتونس بسبب تباطؤ وتيرة الإصلاحات.
حيث تواجه تونس ضغوطًا من المقرضين الدوليين وأبرزهم صندوق النقد الدولي الذي وافق العام الماضي على إقراض تونس 2.8 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات في العديد من القطاعات، وكان الصندوق صرف لتونس في يونيو/حزيران الماضي أول شريحة من القرض بقيمة 320 مليون دولار، مقابل القيام بإجراءات معينة كشرط لصرف الشرائح الأخرى من القرض. إلا أن وزيرة المالية لمياء الزريبي ذكرت أن الصندوق جمد صرف شريحة ثانية كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول الماضي تقدر بـ350 مليون دولار بسبب تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها الحكومة التونسية وخصوصًا في الأجور والوظائف العامة والقطاع البنكي، ولم يفرج عنها الصندوق حتى الآن.
وأشارت الوزيرة أنه من المتوقع أن يقوم وفد من صندوق النقد الدولي بزيارة لتونس بنهاية مارس/آذار المقبل لمناقشة الشريحة الثالثة وسير الإصلاحات لكنها شددت على أن زيارة الوفد وصرف قيمة الشريحة الثانية يتوقف على إحراز تقدم ملموس في برنامج الإصلاحات.
وصلت تكلفة الأجور في تونس إلى 14.4 % من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى المعدلات في العالم
برنامج الإصلاحات التي تسعى الحكومة لتطبيقه في الفترة المقبلة يرتكز على خصخصة قطاعات حكومية تعاني من مشاكل وأزمات مالية، وإجراء تعديلات على البرنامج الضريبي لجذب الاستثمارات الأجنبية في مسعى من الحكومة لنشل مؤشرات الاقتصاد المتداعي منذ فترة.
إملاءات صندوق النقد على تونس
ومن بين الإصلاحات التي تسعى الحكومة لعملها وبشكل فوري كما تقول الوزيرة، تسريح 10 آلاف موظف على الأقل في العام الحالي عبر التشجيع على التقاعد المبكر وبرامج التسريح الطوعي، فمع وصول أعداد العاملين في القطاع العام إلى حوالي 650 ألف موظف وزيادات الأجور في السنوات الأخيرة وصلت تكلفة الأجور إلى 14.4 % من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى المعدلات في العالم، لذلك فإن هذه الخطوة لا يستبعد أن تكون من بين مطالب صندوق النقد الذي يطالب دومًا بتخفيض الإنفاق العام وترشيد النفقات، وهو ما وعدت به الوزيرة بقولها أن الحكومة تعهدت بخفض تكلفة الأجور إلى 14% على الأقل بنهاية 2017 على أن تبلغ 12.5 % في 2020.
ويذكر أن كريستين لاغارد أكدت في تصريحات لها أنه على الدول العربية أن تكون مستعدة لفرض ضرائب جديدة مباشرة وغير مباشرة لإصلاح الهياكل الاقتصادية التي تعاني من عجوزات كبيرة وتجنب أي مشاكل وأزمات مستقبلية.
ومن بين الإصلاحات العاجلة التي يطالب بها صندوق النقد للإفراج عن القسطين الثاني والثالث من القرض، إصلاح البنوك العامة المملوكة للدولة والتي تعاني من عجز كبير، حيث تواجه البنوك الثلاثة صعوبات مالية وهي: البنك التونسي الفلاحي، والشركة التونسية للبنك، وبدرجة أقل بنك الإسكان.
تسعى تونس لتسريح 10 آلاف موظف على الأقل في 2017 عبر التشجيع على التقاعد المبكر وبرامج التسريح الطوعي
ففي العام 2015 ضخت الحكومة 800 مليون دينار – ما يعادل نصف مليار دولار- كحزمة لإنقاذ تلك البنوك من العجز المالي الذي كانت تعاني منه إلا أن تلك الأموال لم تكن كافية لإخراج البنوك من عجزها المالي، ويواجه القطاع المصرفي في تونس من انتقادات داخلية وخارجية بسبب ضعف مساهمته في تمويل الاقتصاد المحلي، وسبق أن تضمن تقرير لصندوق النقد الدولي إشارات مهمة حول عدم استيفاء الحكومة جملة تعهداتها بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي تمس الجهاز المصرفي.
ما جعل الحكومة تفكر بتطبيق إجراءات أخرى في القطاع المالي من بينها دمج تلك البنوك أو التفريط في حصص كبيرة من حصتها فيها لشركاء استراتيجيين، أي خصخصتها. ويبدو أن الحكومة قررت خصخصة البنوك الثلاثة، بالإضافة إلى بيع حصص صغيرة تملكها الحكومة في 7 بنوك مشتركة أخرى.
يوسف الشاهد مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد
وتنوي الحكومة بيع عدد من المؤسسات المصادرة من قبل عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في قطاعات الاتصالات والإعلام والخدمات، وتتوقع الحكومة أن تجني نحو 300 مليون دولار من بيع بعض تلك الشركات.
وتأمل الحكومة التونسية تحقيق معدلات نمو مرتفعة في هذا الموسم بحيث تتوقع نموًا بنسبة 2.5% ويمكن الوصول إلى 3% مدفوعة من بوادر إيجابية من موسم سياحي واعد، وارتفاع وتيرة الحجوزات لموسم الذروة الصيفي، وارتفاع إنتاج الفوسفات في أول شهرين من 2017، وتوقع موسم زراعي جيد وسط معدل أمطار أعلى من المعتاد هذا العام.
تورطت الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي بسحب قروض منها في الوقت الذي يعاني اقتصاد البلاد من مشاكل هيكلية ولم يخرج بعد إلى مرحلة الاستقرار التي تؤهله لإدارة القروض والتزاماتها، ومنذ وضعت الحكومة يدها بيد صندوق النقد فإن الحكومة باتت مضطرة أن ترضخ لمطالب الصندوق والتي لاتعرف سوى الخصخصة ورفع الدعم وتخفيض النفقات وفرض ضرائب جديدة بشكل لا يهمها سوى استرداد قروضها.