ترجمة وتحرير نون بوست
في ظل تسابق الدول الغربية للترويج إعلاميا لجهودها في القضاء على تنظيم الدولة في الموصل والرقة، يحبس العالم أنفاسه في انتظار نتائج الخطة التي أمر ترامب جنرالاته بتنفيذها في سبيل القضاء على التنظيم في 28 من شباط/فبراير، على أقصى تقدير.
في المقابل، يبدو أن لتنظيم الدولة مخططات أخرى في منطقة جنوب شرق آسيا، على وجه الخصوص، حيث يتجاوز عدد المسلمين هناك عدد المسلمين في العالم العربي بأكمله.
من أفغانستان إلى الفلبين
في الحقيقة، لطالما اقتصر وجود تنظيم الدولة في أفغانستان على إقليم ننكرهار الشرقي، على الحدود مع باكستان. ولكن مؤخرا، اهتز شمال غرب البلاد، على الحدود مع تركمانستان، على وقع الكمين الذي نصبه التنظيم في 8 شباط/فبراير، والذي استهدف موكبا للجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد ترتب عن ذلك، موت ستة من موظفي اللجنة، بالإضافة إلى اختطاف اثنين آخرين. وفي الأثناء، أدانة حركة طالبان العملية، التي وصفها الصليب الأحمر “بالأسوأ خلال 20 عاما”.
تم إثبات وجود التنظيم في بنغلاديش بالفعل، بالرغم من نفي السلطات لذلك، من خلال الهجوم الذي استهدف مطعمًا في الأول من تموز/يوليو 2016، في العاصمة دكا، والذي خلّف 20 قتيلا من بينهم 18 أجنبيا
ومن جهة أخرى، يُحكم التنظيم قبضته على جزء من إقليم جوزجان شمال البلاد، حيث أقام العديد من المعتقلات هناك. ومن المرجح أنه قد أخفى رهينتي الصليب الأحمر هناك. وفي السياق ذاته، يبدو أن تنظيم الدولة قادر على الإعتماد محليا على مؤيدين تابعين للحركة الاسلامية بأوزباكستان. وتجدر الإشارة إلى أن منفذ عملية رأس السنة الجديدة في إسطنبول ينحدر من أصول أوزباكستانية وقد تم تدريبه على يد التنظيم في معسكر في أفغانستان.
أما في باكستان، فلم يحدد تنظيم الدولة مواقع نفوذه في المنطقة بعد، غير أن هذا الأمر لم يمنعه من قتل 75 شخصا على الأقل في ضريح صوفي في إقليم السند في 16 شباط/فبراير.
من جانب آخر، انضم إلى صفوف التنظيم آلاف المقاتلين من جنوب شرق آسيا، اتجه أغلبهم نحو سوريا والعراق. علاوة على ذلك، قامت ثلاثة مجموعات من مقاتلي جزيرة مينداناو في الفلبين بمبايعة أبو بكر البغدادي في مطلع السنة المنصرمة.
في سنة 2016، شهدت المنطقة ثلاث هجمات نُسبت إلى تنظيم الدولة، حيث أسفرت الهجمة الأولى في جاكارتا، بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير، عن مقتل ثمانية أشخاص من بينهم أربعة إرهابيين، فيما لم تُخلّف العملية الثانية في كوالالمبور، في 28 من حزيران/يونيو أي قتلى، بينما أودت الهجمة الثالثة في منطقة سولو، التابعة لجزيرة جاوة، بتاريخ 5 تموز/يوليو، بحياة منفذ العملية فقط.
ومن خلال هذه المعطيات، يبرز اهتمام التنظيم بالمنطقة من خلال محاولته التغلغل في جنوب شرق آسيا للتكثيف من عملياته، وهنا يأتي دور بورما التي تُعد بمثابة فرصة ثمينة للتنظيم لتنفيذ مخططه.
محنة الروهينجا
خلال القرن 19، شجع المستعمر البريطاني الفلاحين المسلمين على التمركز في البنغال وبالتحديد في إقليم بورما التابع لأراكان (وتسمى أيضا راخين كما يظهر باللون البنفسجي على الخريطة أعلاه). وتُدعى هذه المجموعة بالروهينجا ويبلغ عددها حوالي مليون و300 شخص، أي ثلث سكان أراكان.
في الواقع، يعاني الروهينجا الويلات في ظل عدم اعتراف السلطات البورمية بحقهم في الجنسية والملكية، وذلك بتشجيع من بوذيي الجمعية الوطنية بميانمار، المعروفة بمعاداتها للأجانب. وقد اندلعت أول شرارات العنف ضد الروهينجا في سنة 2012، مما أدى إلى اعتقال عشرات الآلاف منهم في إقليم بورما ومنعهم من دخول سيتوي العاصمة الإقليمية.
في واقع الأمر، أدى هجوم شنّته مجموعة غامضة تدعى “يقين”، في 9 من تشرين الأول/أكتوبر، على مكتب حدودي في بورما إلى إطلاق العنان لموجة غير مسبوقة من القمع. ومنذ ذلك الحين، قدّرت المصادر أن عدد المدنيين المسلمين الذين قُتلوا في بورما لا يقل عن الألف. وفي الوقت ذاته، فرّ عشرات الآلاف من الروهينجا إلى البلد المجاور، بنغلاديش، حيث سبقهم العديد من اللاجئين الذين فروا منذ أحداث 2012 ولم يُسمح لهم بالعودة إلى بلدهم الأم.
انضم إلى صفوف التنظيم آلاف المقاتلين من جنوب شرق آسيا، اتجه أغلبهم نحو سوريا والعراق
وفي خضم هذه الأحداث، تظهر زعيمة المعارضة في بورما، أون سان سو تشي، عاجزة أمام موجة العنصرية التي يمارسها الجيش على الروهينجا. ولعل حير دليل على ذلك، هو حادثة اغتيال مستشارها المسلم في مطار العاصمة، في 29 كانون الثاني/يناير في سنة 2017، في ظروف لا تزال غير واضحة، الأمر الذي يثبت هشاشة النظام في ظل هذه الأزمة.
من جهة أخرى، وفي إطار مواجهة معارضي قضية الروهينجا، فوضت أون سان سو تشي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ليكون على رأس لجنة استشارية للنظر في المسألة. وفي الأثناء، أعرب أبو بكر البغدادي عن استيائه لما يلقاه إخوته في بورما، على حد تعبيره، وذلك خلال إعلان خلافته في الموصل في تموز/يوليو 2014. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف تنظيم الدولة عن إدانة الإبادة الجماعية للروهينجا.
في هذه المرحلة، يبدو أنه من المستحيل تحديد طبيعة العلاقة بين تنظيم الدولة و مجموعة يقين البورمية التي ظهرت على الأرجح نتيجة تلاعبات أكثر قتامة.
على العموم، لقد تم إثبات وجود التنظيم في بنغلاديش بالفعل، على الرغم من أن السلطات نفت ذلك، من خلال الهجوم الذي استهدف مطعما في الأول من تموز/يوليو 2016، في العاصمة دكا، والذي خلّف 20 قتيلا من بينهم 18 أجنبيا.
أدى هجوم شنّته مجموعة غامضة تدعى “يقين”، في 9 من تشرين الأول/أكتوبر، على مكتب حدودي في بورما إلى إطلاق العنان لموجة غير مسبوقة من القمع
على أرض الواقع، تُعدّ المنطقة الحدودية الواقعة بين بنغلاديش، ثالث أكبر بلد مسلم، وبورما، الدولة التي تضطهد أقليتها المسلمة، حيث مخيمات اللاجئين و المهجّرين وأين يسهل تسلل المتطرفين، مستنقعا مثاليا لتمركز المتشددين.
وفي ظل الدعاية التي يقودها التنظيم، بغية التنديد بالصمت الدولي أمام تعذيب السكان المسلمين في المنطقة، تبدو مجموعة “يقين” الغامضة على أهبة الاستعداد لحشد صفوفها ضمن المتطرفين، لتتوفر بذلك كل الظروف الملائمة لكي يُثبّت التنظيم قواعده في بورما.
وفي هذا الإطار، يأمل المجتمع المدني أن تُأتي وساطة كوفي عنان أكلها، على عكس ما حدث في سوريا، لدرء كابوس التنظيم.
المصدر: صحيفة لوموند