ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقطع فيديو، يظهر وائل، زوج فاتن السابق، وهو يلعب بمسدس فارغ؛ حيث يلفه حول إصبعه، ويقذف المجلة داخل وخارج المكان، وطوال الوقت كان يتحدث معها ويتحدث مباشرة إلى الكاميرا.
وقال: “أنتِ محظوظة لأنك في أوروبا… لكنك ستعودين بالتأكيد”.
وتابع قائلًا: “أنا في سوريا، أنتظرك”.
وأضاف: “أوروبا سوف تعيدك بالفعل”.
وقال وهو يضع المسدس على صدغه ويضغط على الزناد: “سأطلق النار على رأسكِ بهذه الطريقة”.
تعيش فاتن وأطفالها في ضواحي إحدى المدن الدنماركية. (نحن لا نستخدم الأسماء الحقيقية لها أو لزوجها، ولا نسمي المدينة، بسبب تهديداته لها). ولا يزال جسدها يحمل ندوبًا من إساءة معاملة وائل؛ حيث قالت إنه كان يحرق ذراعيها بالسجائر في سوريا ويضربها ويجرحها بالسكين، كما حاول إجبارها على ممارسة الجنس بمقابل مادي لأصدقائه.
تركته فاتن في سنة 2011، وهي السنة التي بدأت فيها الحرب الأهلية السورية؛ حيث ذهبت إلى دمشق وتزوجت من رجل آخر، وانتقلت معه إلى العراق سنة 2013، وقالت عن زوجها الثاني: “لم أكن أحبه، لكنني أردت الهروب والابتعاد”.
عندما تركها زوجها الثاني؛ هربت إلى أوروبا مع والدتها وأطفالها من وائل، وقد وصلوا إلى الدنمارك في سنة 2015، مع عشرات الآلاف من السوريين الآخرين.
لكن في سنة 2019، أعلنت الحكومة الدنماركية أن دمشق تعتبر الآن آمنة بما يكفي لعودة طالبي اللجوء إليها، مما حرم مئات السوريين من حقهم في العيش والعمل في الدنمارك. وقد قوبل القرار بإدانة واسعة النطاق من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمفوضية الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان الدولية، التي وثقت خطر التعذيب والاختفاء القسري في ظل حكومة بشار الأسد. وفي هذه السنة، قامت السلطات الدنماركية بتوسيع قائمة المناطق الآمنة في سوريا، والتي تشمل الآن محافظة اللاذقية الغربية.
ومنذ ذلك الحين، تمت إعادة تقييم تصاريح أكثر من 1000 لاجئ سوري، وخسر أكثر من 100 استئنافهم النهائي منذ سنة 2019. ولا تقيم الدنمارك علاقات دبلوماسية مع سوريا، لذلك لا تستطيع الحكومة فعليًا إعادة طالبي اللجوء إلى هناك حتى الآن. وبدلًا من ذلك، يتم إرسال أولئك الذين فقدوا حقهم في الإقامة إلى أحد “مراكز العودة” الثلاثة النائية في الدنمارك، حيث لا يمكنهم العمل أو الدراسة، لفترة غير محددة.
عندما سمعت فاتن عن هذه السياسة، شعرت بالرعب، فلقد عرفت ما يعنيه ذلك بالنسبة لها – إمكانية إعادتها إلى بلد تعني أنه يمكن أن يجدها وائل ويقتلها. لقد كان يراقبها منذ أن تركته؛ حيث قالت: “كان يتابع أخباري دائمًا، ويسأل الأصدقاء والأقارب عني وعن الفتيات”.
عندما سمع وائل هذه الأخبار، وجد فيها الفرصة المناسبة له. فلقد وجد حساب زوجته السابقة على فيسبوك وبدأ في إرسال مقاطع الفيديو التهديدية، والتي شاهدتها “نيو لاينز” أثناء إعدادها لهذه القصة بالشراكة مع غرفة الأخبار الاستقصائية “لايت هاوس ريبورترز”.
وقال في إحداها وهو يرتدي الزي العسكري: “أنتِ عائدة من الدنمارك”. (تعتقد فاتن أنه ربما يقاتل في صفوف النظام السوري، أو كجزء من إحدى الميليشيات).
في آذار/ مارس 2021، تلقت فاتن الرسالة التي كانت تخشى منها؛ حيث ألغت دائرة الهجرة الدنماركية تصريح إقامتها، ولقد أصبح مستقبلها غائمًا فجأة في حالة من عدم اليقين.
تم تحديد مستقبل فاتن من خلال سياسة اللاجئين التي يقول الخبراء إنها كانت عقابية بشكل غير متناسب تجاه النساء. وفي حالة اللاجئين السوريين، تقول كاثرين وولارد، مديرة المجلس الأوروبي لشؤون اللاجئين والمهاجرين، إن الدنمارك “ذهبت إلى حد بعيد في سياساتها المناهضة للاجئين والمهاجرين، الأمر الذي أدى إلى تقويض التزامها بالمساواة بين الجنسين” المنفيين.
فمن بين أكثر من 150 سوريًا خسروا الطعون النهائية للاحتفاظ بتصاريح إقامتهم الدنماركية منذ سنة 2019، فهناك أكثر من 70 امرأة، من بينهم 49 في سنة 2021 و15 في سنة 2022، وفقًا للأرقام المقدمة من مجلس طعون اللاجئين الدنماركي.
وقال متحدث باسم المجلس الذي يراجع الطعون في قرارات اللجوء لصحيفة “نيو لاينز” إنه “على دراية دائمًا بالوضع الحالي في البلد الذي ينتمي إليه طالبو اللجوء في كل حالة [هكذا]، وبالتالي يهتمون بقضايا مثل العنف ضد المرأة”.
ولم يقدم هذا سوى القليل من العزاء لطالبات اللجوء السوريات، حيث إن المئات منهن يحملن تصاريح لجوء لمدة سنة يمكن إلغاؤها بسهولة، على الرغم من المخاطر المرتبطة بالنوع الاجتماعي التي قد يواجهنها في وطنهن أو في الدنمارك.
تفاجأ المدافعون عن الهجرة عندما أخذ الحكم الأخير للمجلس في الاعتبار النوع الاجتماعي بطريقة جدية للمرة الأولى. وفي كانون الثاني/ يناير، أصدر المجلس مرسومًا يمنح طالبات اللجوء الأفغانيات أقوى أشكال حماية اللاجئين المتاحة، على أساس جنسهن فقط، وذلك بسبب الخطر الذي تشكله حركة طالبان، التي قامت بتنحية النساء والفتيات من الحياة العامة منذ توليهم السلطة في آب/ أغسطس من سنة 2021.
تقول نورا بيطار سويبورج، المدافعة عن اللاجئين السوريين وحقوق المرأة في كوبنهاغن، تعليقًا على القرار الأفغاني: “أعتقد أننا كنا جميعًا سعداء للغاية عندما فعلت الحكومة الدنماركية أخيرًا شيئًا صحيحًا تجاه اللاجئين. لسوء الحظ، عندما يتعلق الأمر بالنساء من جنسيات أخرى، فإن الأمر ليس هو نفسه”.
وبعيدًا عن الوضع المتطرف مثل الوضع في أفغانستان، والذي وصفته الأمم المتحدة مؤخرًا بأنه “فصل عنصري بين الجنسين”؛ يقول المدافعون عن اللاجئين إن إجراءات اللجوء غالبًا ما تكون عمياء عن المخاطر المحددة التي تواجهها طالبات اللجوء – بما في ذلك العنف المنزلي والاعتداء الجنسي والزواج القسري. ومن أجل الحصول على الحماية، يجب عليهن النضال من خلال نظام صممه الرجال وجعلوه من أجلهم.
وقامت الحكومات الدنماركية المتعاقبة من مختلف الأطياف السياسية ببناء نظام لجوء متدرج يتم فيه منح النساء بشكل روتيني حماية أضعف. كما أن صعوبة تطبيق اتفاقية اللاجئين – معاهدة الأمم المتحدة لسنة 1951 التي أضفت الطابع الرسمي على حقوق اللاجئين بموجب القانون الدولي – على طالبات اللجوء من النساء أمر مشترك في جميع أنحاء دول الاتحاد الأوروبي، ولكن النظام في الدنمارك قاس بشكل فريد لأن البلاد لديها “اختيار عدم المشاركة” محدد من قبل سياسة الهجرة التي تنتهجها الكتلة.
من الناحية العملية، من الشائع ألا تصدق سلطات الهجرة النساء طالبات اللجوء، موضحة: “هكذا هو الحال في الدنمارك، هناك شك في أنهم يختلقون هذه الأشياء فقط”.
في سنة 2015؛ عندما بدأ اللاجئون السوريون في الوصول إلى أوروبا بأعداد كبيرة، أنشأت الحكومة اليمينية في الدنمارك آنذاك فئة جديدة من “الحماية المؤقتة” وسهلت سحب التصاريح إذا تحسنت الظروف في البلدان الأصلية لطالبي اللجوء، حتى إذا كانت هذه المكاسب هشة.
وتظهر الأرقام المقدمة إلى “لايت هاوس ريبورترز” من قبل دائرة الهجرة الدنماركية أن 64 بالمائة من السوريين الذين يحصلون على هذا الشكل الأضعف من الحماية هم من النساء، مما يعرضهم لخطر العودة بشكل أكبر بكثير.
وذلك لأن الرجال السوريين في سن القتال معرضون لخطر التجنيد في الجيش إذا عادوا، وبالتالي من المرجح أن يحصلوا على أقوى شكل من أشكال الحماية المتاحة في الدنمارك، والمعروف باسم “وضع الاتفاقية” لأنه يستند إلى الاتفاقية. لو كانت فاتن رجلاً، لما اضطرت إلى الخضوع لنفس العملية، بل لكانت قد مُنحت مكانة الاتفاقية بسبب التهديد بالتجنيد العسكري.
وتحدد اتفاقية اللاجئين، التي توسع إعلان حقوق الإنسان لسنة 1948، خمسة أنواع من الاضطهاد يمكن بموجبها اعتبار شخص ما لاجئًا: العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو العضوية في مجموعة اجتماعية معينة، أو الرأي السياسي. ويقول المناصرون إن هذه الفئات غالبًا ما تفشل في أخذ طبيعة التهديدات التي تواجهها النساء في الاعتبار.
وقالت ميكالا بينديكسن، مديرة منظمة الترحيب باللاجئين في الدنمارك: “لا يعني الأمر أن [النساء] يواجهن مخاطر أقل من الرجال – أود أن أقول العكس في بعض الأحيان – لكن نوع المخاطر مختلف. الاتفاقيات لا تعتبر هذا كافيًا حقًا، لأنها كُتبت منذ زمن طويل، وقد كتبها رجال”.
وأضافت بينديكسن: “إنه موقف جنوني حيث تقوم بتصميم وضع خاص، والذي سيتم منحه للفئات الأكثر ضعفًا، والذي سيكون من الأسهل إلغاؤه. لذا فإن الأشخاص الأكثر ضعفًا هم على خط المواجهة عندما يكون لديك مناقشة حول العودة”.
منذ وصولها إلى الدنمارك، أخبرت فاتن السلطات مرارًا وتكرارًا بالتهديد الذي يشكله زوجها عليها إذا عادت إلى سوريا. وقالت عن المقابلات المنتظمة التي أجرتها مع مسؤولي الهجرة منذ سنة 2015: “لقد أظهرتُ للشرطة هنا في الدنمارك كل شيء”.
ومع ذلك، قالت محاميتها، هيلي هولم تومسن، إن ضباط الهجرة الذين راجعوا ما إذا كان سيتم سحب تصريح فاتن في سنة 2021 لم يصدقوها – فقد تساءلوا عما إذا كان الرجل الموجود في الفيديو هو زوجها السابق بالفعل، وأشاروا ضمنيًا إلى أنها رتبت لمقاطع الفيديو، ليتم إرسالها لنفسها لدعم قضيتها.
أخبرتنا الحكومة الدنماركية أنها تأخذ حوادث العنف المنزلي في الاعتبار عند النظر في التهديدات الموثوقة في البلد الأصلي لطالب اللجوء، لكن هولم تومسن قالت إنه من الناحية العملية، من الشائع ألا تصدق سلطات الهجرة النساء طالبات اللجوء، موضحة: “هكذا هو الحال في الدنمارك، هناك شك في أنهم يختلقون هذه الأشياء فقط”.
قد يحتفظ الأخ بتصريحه لأن التهديد بالتجنيد العسكري يعني أنه يتمتع بحماية أقوى، لكن الأخت تفقد تصريحها لأنها حصلت على أضعف أشكال الحماية
تمكنت فاتن من الاستئناف على قرار سحب تصريحها المؤقت، وحصلت في نهاية المطاف على تصريح إقامة محسن في أيلول/سبتمبر 2021، وهو تصريح يستند إلى التهديد الفردي الذي يشكله زوجها.
ورغم مشاركتها كل هذه الصدمة – من الندوب على ذراعيها إلى مقاطع الفيديو التي يظهر فيها زوجها السابق وهو يحمل مسدسًا – لم يُمنح تصريحها إلا لمدة سنة واحدة فقط، وبينما تم تجديده مرة أخرى في سنة 2022، إلا أن كل مرة تعد بمثابة تذكير بأن حياتها في الدنمارك قد تكون مهددة، وفي كل مرة، تخاطر بأن تُستدعى لإجراء مقابلة لاستعراض القصة أمام السلطات مرة أخرى، وأمامها الآن حتى أيلول/سبتمبر من السنة المقبلة قبل انتهاء صلاحية تصريحها.
فيكتوريا كانينج، التي تبحث في التأثيرات الجنسانية لنظام الهجرة الدنماركي، تصف هذه الحاجة المستمرة لإعادة تقييم وضع اللجوء بأنها “غير إنسانية”، خاصة بالنسبة للناجين من الانتهاكات المؤلمة؛ حيث قالت لنا: “إنك تقوم بإنشاء نوع من مؤقت زمني؛ حيث تراقب المرأة الوقت يمر، وتقوم بالعد التنازلي لاحتمال العودة أو تجربة أنواع الإساءة المؤلمة التي عاشتها في ماضيها وما زالت تتأثر بها في الوقت الحاضر”.
لو كانت فاتن وصلت إلى الدنمارك مع زوج في نفس عمرها، لكانت خضعت لوضعه الأقوى أيضًا، ولكن باعتبارها امرأة عازبة وأحد الناجين من العنف المنزلي، طُلب منها أن تثبت مراراً وتكراراً أن رجلًا في سن الخدمة العسكرية على وجه التحديد هو الذي يشكل التهديد الأكبر لها في سوريا.
وتقول:” هناك في سوريا لا توجد حكومة أو شرطة يمكن الذهاب إليها، فكلهم فاسدون، حتى أكثر من ذي قبل، وإذا كان يريد أن يؤذيني أو يؤذي بناتي، فسوف يفعل ذلك بسهولة”.
والنتيجة غير المقصودة لهذه السياسة هي تقسيم الأسر، فقد يحتفظ الأخ بتصريحه لأن التهديد بالتجنيد العسكري يعني أنه يتمتع بحماية أقوى، لكن الأخت تفقد تصريحها لأنها حصلت على أضعف أشكال الحماية، وقد قُسمت بالفعل عائلات سورية على أساس الجنس داخل الدنمارك، حيث يُسمح للرجال بمواصلة حياتهم الجديدة، بينما يتم سحب تصاريح النساء.
وتقول سويبورج، التي أجرت بحثًا مع العشرات من النساء اللاجئات اللاتي تعرضن للعنف المنزلي في الدنمارك: “إن سوريا غير آمنة تمامًا للنساء، وخاصة للنساء اللاتي يعشن وحدهن”.
في سوريا، شهدت فاطمة أسوأ ما في الحرب الأهلية الوحشية، فقد عملت كممرضة تعالج ضحايا القتال
بدأ موقف الدنمارك المتشدد بشأن الهجرة في سنة 2015 في ظل حكومة ائتلافية يمينية ضمت حزب الشعب الدنماركي القومي، ولكن تم تبني هذا الموقف من جميع أنحاء الطيف السياسي، وبعد توليه منصبه في سنة 2019، أشرف ائتلاف يسار الوسط بزعامة رئيس الوزراء ميتي فريدريكسن على إزالة تصاريح السوريين كجزء من تحول أوسع في السياسة بعيدًا عن دمج اللاجئين إلى إعادة أكبر عدد ممكن منهم – وهي سياسة هدفها المعلن هو “عدم وجود أي طالبي لجوء تلقائيين”.
بعد انتخابات سنة 2022، ضاعف ائتلاف فريدريكسن الجديد المكون من الحزبين من خطابه الصارم، في حين أشار إلى أنه قد يقدم استثناءات للاجئين في المهن التي تعاني من نقص الموظفين في أعقاب رد الفعل العام العنيف بشأن إعادة طلاب التمريض السوريين إلى دمشق.
عندما وصلت فاطمة (اسم مستعار) إلى الدنمارك في سنة 2016، كان من المقرر أن تجتمع مع زوجها، وكان قد فر من سوريا عام 2014، بعد أن بدأت المخابرات بالتحقيق معه، وكانت فاطمة قد صرفت مدخراتها من الذهب لتمويل رحلته بينما كانت ترعى ابنتيه من زيجة سابقة في غيابه.
وفي سوريا، شهدت فاطمة أسوأ ما في الحرب الأهلية الوحشية، فقد عملت كممرضة تعالج ضحايا القتال، والتقت بزوجها عندما كانت تعتني بجرح والدته التي أصيبت بطلق ناري، وقد قالت متطوعة من المجلس الدنماركي للاجئين، والتي عملت مع العديد من طالبي اللجوء على مر السنين، إن تجارب فاطمة المؤلمة في سوريا كانت أسوأ القصص التي رويت لها على الإطلاق.
وعندما وصلت فاطمة وبنات زوجها إلى الدنمارك، استقبلهن زوجها في المطار. تقول: “اقترب مني زوجي وأخذ الابنتين وهمس في أذني: لا أريدك”، كان يعتمد عليها لإحضار أطفاله إلى الدنمارك؛ وبمجرد تسليم الفتيات، حاول التخلي عن فاطمة قبل أن تتمكن من مغادرة صالة المطار.
وفي نهاية المطاف، تمكن صهر فاطمة من إقناع زوجها بالسماح لها بالعودة معه إلى المنزل، وتقول: “خلال الأيام الأولى، كان يعاملني معاملة سيئة للغاية – كان يحبسني في الغرفة وحدي، ويخرج الفتيات لتناول الطعام ويتركني دون طعام في المنزل”، ثم بدأ يضربها.
وفي الأيام التالية، زار فاطمة المضيفين المعتادين من المسؤولين والمتطوعين الذين يساعدون الوافدين الجدد في معالجة طلباتهم والاستقرار في الدنمارك، واليوم، لديها صعوبة في تذكر أي شيء عن ذلك.
ساعد الأخصائيون الاجتماعيون فاطمة على الهروب من منزل زوجها وأخذوها إلى ملجأ للعنف المنزلي، حيث ساعدها الموظفون على بدء عملية الطلاق، لكن سلطات الهجرة الدنماركية ألغت تصريح إقامتها رغم ذلك
تقول فاطمة: “وصلت امرأة وقالت إنها جهة الاتصال الخاصة بي وأنها ستساعدني”، وأعطتها المرأة كتيبًا عن الاندماج في الدنمارك، لكن فاطمة كان لديها مخاوف أكبر، “قلت لها إن زوجي لا يريدني ويريد أن يطلقني”.
أُبلغت فاطمة أنها إذا طلقت من زوجها فسوف تضطر إلى العودة إلى سوريا، وكان القتال محتدماً في مسقط رأسها، ولم نذكر اسمها لأسباب أمنية؛ حيث تقول: “لقد أصابني الجنون، كنت خائفةً للغاية من العودة.”
ولأن فاطمة جاءت إلى الدنمارك من خلال لم شمل الأسرة، فإن وجودها في البلاد يعتمد على زواجها من زوجها.
وتقول بينديكسن إن هذه القاعدة يمكن أن توقع النساء في علاقات مسيئة، مما يضطرهن إلى الاختيار بين خطر العيش مع شريك مسيء وخطر العودة إلى منطقة حرب، وللحصول على تصريح إقامة جديد بأسمائهن، يتعين على النساء إثبات اندماجهن في المجتمع الدنماركي – وهي مهمة مستحيلة للوافدين الجدد الذين لم تتح لهم الفرصة بعد.
تقول بينديكسن: “إذا وصلت، وحصلت على تصريحك، ثم قررت الطلاق بعد ذلك مباشرة، فأنت في مشكلة”.
بعد أن رفضها زوجها، لم يكن أمام فاطمة خيار سوى المخاطرة، وخلال زيارة قام بها مسؤولون محليون، وجدت طريقة للكشف بصمت عن الانتهاكات التي كانت تعاني منها، تقول: “وقفت خلف زوجي حتى لا يراني، وكشفت عن صدري ورجلي حتى تتمكن النساء من رؤية العلامات الزرقاء على جسدي وآثار الضرب”.
ساعد الأخصائيون الاجتماعيون فاطمة على الهروب من منزل زوجها وأخذوها إلى ملجأ للعنف المنزلي، حيث ساعدها الموظفون على بدء عملية الطلاق، لكن سلطات الهجرة الدنماركية ألغت تصريح إقامتها رغم ذلك، قائلة إن ذلك يرجع إلى أنها “لم تعد تسكن في نفس مكان الإقامة مع زوجها السابق”.
كانت النصيحة التي قُدمت لفاطمة أن الطريقة الوحيدة للبقاء في البلاد هي التقدم بطلب اللجوء من الصفر، وعندما ذهبت إلى مركز اللجوء، تم صرفها في الساعة الخامسة مساءً، في يوم الجمعة؛ حيث أمضت فاطمة عطلة نهاية الأسبوع نائمة في محطة القطار، إذ لم يكن لديها المال للعودة إلى الملجأ.
تعيش فاطمة اليوم في دار للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، وشُخصت بإصابتها بالاكتئاب واضطراب الوسواس القهري، وتفاقم خوفها من الجراثيم بسبب الوباء
تقول: “لم أتمكن من التحدث إلى الشرطة، لقد كنت أخاف منهم منذ كنت في سوريا، لذا من المستحيل بالنسبة لي أن أتحدث إلى الشرطة أو أطلب منهم المساعدة”.
في النهاية؛ حصلت فاطمة على تصريح جديد يجب تجديده كل سنتين، ولا تزال مرعوبة من اضطرارها للعودة إلى سوريا، كما لا تزال تعاني من نوبات الهلع بسبب فكرة إجبارها على مغادرة الدنمارك، تقول “في كل مرة يحدث تغيير سياسي أو انتخابات في الدنمارك، أشعر بالخوف والتوتر لأن وضعي غير مستقر ولا أستطيع الحصول على الإقامة الدائمة”.
وتشكل الإقامة الدائمة عقبة أخرى غالبَا ما يكون من المستحيل على طالبات اللجوء تجاوزها، وتقول سويبورج، المدافعة عن حقوق المرأة، إنها نفسها رُفض طلبها للحصول على الإقامة الدائمة مرتين، على الرغم من حصولها على درجة الماجستير في الدنمارك وإنجابها ابنة دنماركية من زوجها السابق، وذلك لأنها لم تكن قادرة على تلبية متطلبات العمل المستمر بسبب معاناتها من مرض مزمن، وتقول إن طلب والدتها أيضًا معرض للخطر بعد أن فقدت وظيفتها أثناء جائحة كوفيد-19.
تقول سويبورج: “لقد تعبتُ من محاولة إثبات نفسي، والحكومة تمارس العنف المنهجي ضدنا”.
تعيش فاطمة اليوم في دار للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، وشُخصت بإصابتها بالاكتئاب واضطراب الوسواس القهري، وتفاقم خوفها من الجراثيم بسبب الوباء، وتعاني من مرض السكري والتهاب المفاصل الروماتويدي الحاد، وتحتاج إلى مشاية للتنقل، ونادرًا ما تغادر غرفتها، كما أن اتصالها محدود مع بنات زوجها المحبوبات لأنها طلقت والدهن، وليس هناك أي صلة قرابة بيولوجية بينهما.
وتقول: “أخبرت طبيبي النفسي أنني لا أريد العودة، حتى لو كنت جثة هامدة”.
المصدر: نيو لاينز