نعرف الكثير عن مسيرة نجوم المستديرة داخل الملاعب، حيث صالوا وجالوا وأمتعونا بفنهم الكروي الرفيع، ولكننا نعرف القليل فقط عن حياتهم خارج المستطيل الأخضر، وخاصةً فيما يتعلق باهتماماتهم ودراساتهم والمهن التي زاولوها، سواء قبل صعود نجم شهرتهم، أو بعد تعليق أحذيتهم والاعتزال.
وفي سطورنا التالية، سنسلط الضوء على ذلك الجانب المجهول من حياة مشاهير الكرة، حيث نجد منهم الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي، ونجد كذلك من عمل في مسح الأحذية وغسل السيارات وبيع السمك، كما نجد منهم من مارس مهنًا غريبةً جدًا من الصعب تصديقها!
الجوهرة السوداء بيليه عمل ماسحًا للأحذية
ونبدأ جولتنا من قارة أمريكا اللاتينية، التي اشتهرت بأنها ولادة لألمع مواهب المستديرة، كما اشتهرت بفقرها وقلة مواردها، وعلى هذا فلن نستغرب عندما نعرف أن أسطورة الكرة البرازيلية والعالمية بيليه، قد عمل في مهنٍ كمسح الأحذية وخدمة المقاهي، قبل أن تُكتشف موهبته الفذة التي جعلته جوهرة الكرة السوداء، ومثله عانى ابن جلدته روماريو، حامل لقب كأس العالم 1994، من ويلات الفقر المدقع في طفولته، مما اضطره للعمل في غسل السيارات ومسح زجاجها، وهي ذات المهنة التي امتهنها نجم أرسنال الحالي التشيلي أليكسيس سانشيز، قبل سطوع نجمه في كبرى الدوريات الأوروبية، ومثله عانى الظهير البرازيلي الشهير روبيرتو كارلوس في طفولته، حيث اضطر للعمل في أحد معامل القماش لكسب قوت يومه، وبقي كذلك حتى الـ13 من عمره حين تفرغ للعب الكرة، التي فتحت له أبواب المجد والرفاهية، كما فعلت مع مواطنه ريفالدو الذي اشتغل في بيع الصحف والهدايا التذكارية في شوارع مدينة ريسيفي البرازيلية، قبل أن يبزغ نجمه كلاعبٍ من الطراز العالمي.
النجم البرازيلي الراحل سقراط عمل كطبيب أطفال
وعلى عكس مواطنيه السابقين، ساعدت الظروف نجم البرازيل في الثمانينيات سقراط، على متابعة تحصيله العلمي إلى أعلى المستويات، فتمكن من الحصول على شهادةٍ جامعيةٍ في طب الأطفال، وعمل في مهنته إلى جانب لعب الكرة، مضحيًا بفرص احترافه في أوروبا التي تأخرت حتى سن الـ30، وكذلك فعل المدرب التشيلي مانويل بيلغريني الذي فضل دراسة الهندسة المدنية والعمل في مجالها، على التفرغ لكرة القدم كلاعب، ولكنه عوض شغفه بأن أصبح واحدًا من أشهر نجوم بلاده على صعيد التدريب، فيما لم تمنع ظروف الاحتراف الخارجي، النجم الأرجنتيني خوان بابلو سورين، من متابعة دراساته حتى حصل على شهادةٍ جامعيةٍ في مجال الصحافة بالتزامن مع تألقه على الصعيد الكروي في أبرز أندية أوروبا، كبرشلونة وباريس سان جيرمان ولاتسيو وفياريال.
النجم المصري محمد أبو تريكة عمل في مصنعٍ للطوب
وإذا كانت ظروف بعض نجوم القارة الأمريكية قد سمحت لهم برفاهية الدراسة والتعليم، فإن ظروف نجوم القارة السمراء كانت أدهى وأشد من حيث الفقر وقلة الموارد، حيث يندر أن نبحث في تاريخ أحد نجوم الكرة المولودين في إفريقيا، ولا نجده قد اضطر للعمل في مهنٍ متواضعة، قبل أن تفتح له الكرة أبواب الاحتراف والمال.
فالنجم الكاميروني الشهير روجيه ميلا عمل في بداياته كبائع سمكٍ إلى جانب كرة القدم، ومثله فعل مواطنه صامويل إيتو في طفولته، إذا اضطرته ظروف الفقر لبيع السمك على أرصفة مدينة دوالا، قبل أن تتلقفه أكاديمية نادي ريال مدريد وتقدم موهبته الفذة للعالم، وكذلك كان حال معظم نجومنا العرب الأفارقة لا سيما المصريين، فنجم نجوم النادي الأهلي محمد أبو تريكة عمل في مصنعٍ للطوب قبيل تفرغه للكرة، وزميله المدافع الدولي عبد الظاهر السقا عمل نقاشًا، والمهاجم الشهير عمرو زكي عمل مزارعًا، فيما اشتغل مدافع الزمالك طارق السيد في تجارة المواشي.
النجم الإنجليزي فرانك لامبارد بروفيسور في علم اللغات
وبالانتقال إلى القارة الأوروبية حيث جنة كرة القدم، نجد العدد الأكبر من نجوم الكرة المولودين هناك قد قضوا طفولةً مثالية، سواء من حيث الرعاية العامة أو تلك الخاصة بكرة القدم، مما أتاح للكثير منهم فرصة متابعة تحصيلهم العلمي إلى جانب ممارستهم الكرة.
لذا قد لا نستغرب لدى علمنا أن لاعبًا كالنجم الإنجليزي فرانك لامبارد يحمل شهادة بروفيسور في علم اللغات، والإسباني خوان ماتا نجم مانشستر يونايتد الحالي يحمل شهادتين جامعيتين في مجال التسويق والصحافة الرياضية، والكرواتي سلافن بيليتش اللاعب السابق والمدرب الحالي لنادي ويستهام يحمل شهادةً جامعيةً في القانون وأخرى في علم النفس، والنجم الويلزي السابق باري هورن يحمل شهادة أستاذٍ جامعي في علم الكيمياء، فيما أنهى الحارس الترينيدادي المولود في إنجلترا تشاكا هيسلوب دراسته الجامعية في مجال الهندسة الميكانيكية بتفوقٍ كبير، أهله للحصول على فرصة عملٍ ضمن وكالة ناسا الأمريكية الشهيرة لأبحاث الفضاء!
الحارس الدانماركي الشهير بيتر شمايكل عمل في تنظيف الفنادق
ولا يعني ذلك أن جميع نجوم القارة الأوروبية قد ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، فالحارس الدانماركي الشهير بيتر شمايكل عمل في تنظيف الفنادق وغسيل السجاد قبل أن تطير شهرته، والهداف الألماني الرائع ميروسلاف كلوزة اضطر للعمل كبنّاءٍ لمساعدة أسرته التي هاجرت من بولندا إلى ألمانيا وهو ابن 9 سنوات، والنجم التشيكي بافل نيدفيد عمل في بداية عقده الثاني ضمن أحد مخازن الجيش التشيكي قبل أن تلاحظه أعين مدرب فريق الجيش التشيكي وتتبنى موهبته، والنجم النرويجي الدولي رور ستراند عمل في تنظيف المداخن قبل احترافه الكرة، كما يُعرف عن المدرب الإيطالي الشهير أريغو ساكي أنه كان يعمل حذاءً، وعن المدافع الإيطالي السابق مورينو توريشيللي أنه كان يعمل نجارًا، والمهاجم الكرواتي دادو بيرسو أنه عمل كميكانيكي، وعن اللاعب الإنجليزي السابق والمدرب الحالي ستيوارت بيرس أنه كان يعمل في محلٍ لصيانة الأجهزة الإلكترونية، وكل هذا كان طبعًا قبل أن يذوقوا حلاوة المجد والشهرة في عالم الكرة.
الروماني جورجي بوبيسكو عمل في سلك الجاسوسية
وتصدرت قصة المهاجم الإنجليزي جيمي فاردي، عناوين الصحف البريطانية والعالمية الموسم الماضي، بعد تألقه المفاجئ الذي قاد من خلاله فريقه ليستر سيتي للتربع على عرش الدوري الإنجليزي الممتاز، رغم أنه كان قبلها بسنواتٍ قليلةٍ مجرد لاعبٍ هاوٍ ضمن صفوف فرق الدرجات الدنيا، حيث كان مضطرًا حينها للعمل في إحدى الشركات الدوائية إلى جانب لعب الكرة، كما أسالت قصة أخرى الكثير من الحبر بعدما تم الكشف عنها، وهي عن اللاعب الروماني السابق جورجي بوبيسكو، الذي احترف في صفوف عدة أنديةٍ أوروبيةٍ كبرى في التسعينيات، منها آيندهوفن الهولندي وتوتنهام الإنجليزي وبرشلونة الإسباني وغلطة سراي التركي، حيث تبين أن اللاعب قد تم توظيفه من قبل السلطات الأمنية الرومانية، للعمل كجاسوسٍ في البلاد التي ذهب لاحتراف الكرة فيها!
النجم الليبيري جورج وياه ترشح لرئاسة بلاده
وبعد اعتزالهم الكرة، يتجه معظم نجومها للعمل في الوسط ذاته، كمدربين وإداريين وإعلاميين ومحللين، مستثمرين خبرتهم الواسعة في هذا المجال، فيما يفضل البعض الآخر استثمار الأموال التي جنوها من لعب الكرة في قطاعاتٍ أخرى، لا تبتعد عادةً عن امتلاك المطاعم والفنادق والمحلات التجارية الفخمة التي تدر أرباحًا طائلة، وهناك نوع ثالث من النجوم فضلوا اللعب على وتر شهرتهم وجماهيريتهم، للولوج إلى عوالم أخرى بعيدًا عن كرة القدم، كما فعل الفرنسي إيريك كانتونا والإنجليزي فيني جونز، الذين احترفا التمثيل وأصبحا من نجوم هوليوود.
فيما اقتحم آخرون كالهولندي رويتسون درينثي والإسباني خوان مانويل بينتو، عالم الغناء والموسيقا، وأصدروا ألبوماتٍ غنائيةٍ خاصةٍ بهم، أما الأوكراني أندريه شيفشينكو والبرازيلي روماريو والليبيري جورج وياه، فهم أشهر الرياضيين الذين اختاروا العمل ضمن السلك الديبلوماسي بعد اعتزالهم.
الإسباني غايزيكا ميندييتا امتهن العمل كـDJ
ولا يشكل جميع النجوم الذين ورد ذكرهم وزنًا على ميزان الغرابة، إذا ما قورنوا بآخرين اختاروا مهنًا غير مألوفةٍ للعمل بها بعد اعتزالهم، كحارس المرمى الألماني الدولي تيم فايسة الذي اعتزل كرة القدم ليحترف رياضة المصارعة الحرة WWE، والمدافع الفرنسي الشهير بيكسنت ليزارازو الذي تحول لممارسة لعبةٍ قتاليةٍ غريبةٍ تُدعى الجوجيستو، والنجم الإسباني غايزيكا ميندييتا الذي امتهن العمل كمنسقٍ أغاني DJ ضمن حفلات الأعراس والمناسبات، والهولندي ريان دي زيو الذي اتجه للعمل في مكتب التحقيقات الجنائية بهولندا، ونجم الستينيات الإنجليزي راي ويسلون الذي تفرغ بعد اعتزاله للعمل في مهنة دفن الموتى، والحارس الأرجنتيني الدولي كارلوس روا الذي اختار دراسة اللاهوت للعمل ككاهنٍ في كنيسة، وعلى النقيض منه، اختار النجم السويدي توماس برولين مهنة لعب القمار “البوكر” ليحترفها بعد اعتزاله، وهو تمامًا ما فعله الدانماركي توماس غرافسون، فيما فاق اللاعب الكولومبي الدولي تينو أسبريلا جميع التصورات، بعدما امتهن العمل كبطلٍ للأفلام الإباحية بعد اعتزاله.